القول قول الإنسان، والقول يمكن أن يكون تصريحا ، والتصريح متصل بالإنسان، منه يصدر وإليه يعود، منه وإليه ، له وعليه ، وهذا القول يحتاج إلى ثمرة، والثمرة تحتاج إلى عمل، والعمل المعتبر هو العمل الصالح ودليل العمل الصالح هو ثماره ، وروح ذلك هو الإيمان ، ومنطلقه هو إسلام الإنسان يقول الله عز وجل : ” ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين” الآية 33 من سورة فصلت . ويقول الله : ” قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ” الآية 88 من سورة هود. إن أعلى مراتب ربط ما هو من القول بما هو من العمل أو كأننا بصدد شجرة طيبة شكلا ومضمونا ، هذه الشجرة ، لا مثيل لها ، لونا وريحا وطعما ، إنها شجرة الإحسان ، والإحسان عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصوره لنا في أعظم صورة ، وأبهى جواب ، حين قال في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم ، مجيبا من خلاله على سؤال الإحسان بقوله : ” أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك ” . يقول الله : ” إن الله يأمر بالعدل والإحسان ” الآية 90 من سورة النحل . ويقول : ” وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ” الآية 95 من سورة البقرة . وفي حديث رواه مسلم ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ” .  يقول الله : ” بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ” الآية 112 من سورة البقرة . وقوله : ” ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور ” الآية 22 من سورة لقمان . وقوله : ” للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ” الآية 26 من سورة يونس . نركز على ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم :” أن تعبد الله كأنك تراه ” .  إذا وصلت إلى هذا الحد من الشعور ، والشعور هذا نابع من وعي وحضور ، تسمو بكيانك درجات من التأمل والتدبر والتفكر والإحساس ، وتقف على باب الإيمان ، فتدخل وتغترف ، فكأنك ترتوي بماء ، بعد أن أوشك العطش يفتك بك ، فلم تجد من حيلة سوى الاستسلام للأمر الواقع ، وإذا بك ترى بأم عينك من يقدم لك ماء فترتوي ، كيف يكون إحساسك حينها ، وكيف هي قيمة من أعطاك الماء ، بماذا تقابله ، وما موقفك منه ، كذلك هو شعور الإنسان المؤمن وهو يعبد الله ، فهو أقرب ما يكون من الله ، مثل ذلك الشعور يحجب عنه كل ما من شأنه أن يلهيه عن أوامر الله ونواهيه  ، وهل من معنى للعبادة والإنسان منشغل عن الله ؟ لذلك فإن أعلى درجة يصلها المؤمن وهو يعبد الله ، أن لا ينشغل عن الله بما عداه ، حينها يشعر وكأنه فعلا يرى الله ، وفي الوقت نفسه ، لا يرى فرقا ، أو فاصلا بين أن يرى الله ويراه الله ، يراه الله ،نابع من شعوره أنه يرى الله ، وإلا كيف ينشغل الإنسان بما عند الله عن كل ما عداه ؟ ذلك هو الإحسان ، وهذه تنعكس عبر الزمن على حركة الإنسان ، حين يجتمع بالناس ، يخاطبهم أو يتعامل معهم ، يكون مثلا في استقامته وعلاقاته ومواقفه ، مقداما متعاونا ، متسامحا صادقا ، حليما حازما ، مقدارا راشدا ، مؤثرا متفائلا ، لا يرى فاصلا بين التسامح والصدق ، ولا بين الحلم والحزم ، ولا بين القدرة والرشاد ، ولا بين التعاون والإقدام ، ولا بين التفاؤل والإيثار  . عند هذا الحد ، يمكن القول أن مفتاح الولوج إلى دائرة الإحسان ، لا يتأتى من غير النجاح في امتحان العبادة ، فأنت وحدك من يختار ، فإما أن تتحرر من سيطرة الأهواء والشهوات ، فتحرس قلبك ونفسك ، فلا يحرسهما سواك ، فتلبس لباس الحر العابد ، حينها تنال درجة المحسن، فتكون فعلا كمن يرى الله. تنزل باقي اهتماماتك ، فتأخذ أولويتها ومراتبها وجودتها وجماليتها وحسنها ، حين تصطبغ فقط بصبغة الإحسان الذي نجحت في امتحانه بين يدي رسول الله وفي حضرة الله سبحانه وتعالى . يمكن أن تستغرب من مثل هذا الكلام ،  ما الذي يجعلك تستغرب ، إنه واقعنا ، أو هو الهوة التي تفصل بين ما نقرأه عن عظماء أمة التوحيد ، وبين هذا الواقع المزري الذي نترجمه . بينما أنا متجه إلى مدينة (سيدي عقبة ) على متن سيارة ، سالكا الطريق المار بمدينة خنشلة ، ببار ، ششار الخنقة ، زريبة الوادي ، وخصوصا مسافة الخمسين كيلومترا ، مناطق جبلية صخرية ، بين ششار والخنقة على وجه الخصوص ، أخذت أتأمل الجغرافيا ، سبحان الله ، كيف هي الجزائر شامخة بكل تفاصيلها ، لا حديث معها سوى عن الحرية ، حتى الجغرافيا تدلك على معالم الحرية وآثارها وقممها ، تعجبت ، كيف بنا ، في الجزائر ، لا نحسن هذا الحديث ، أو كيف أصبحنا نجهله ، كيف حرمنا أنفسنا ، فلم نأخذ من حسن أرضنا ووطننا ، فتحسن رؤيتنا وتصورنا وسكوننا وحركتنا ، هل الجزائر على هذه الدرجة من العقم ، أم أن العقم دخيل علينا ، ألصق بأرضنا وبطينتنا وبتاريخنا ، لوث ماءنا وهواءنا ، وحتى أشعة الشمس لم نعد نعشقها ، عبث حتى بتمايز الفصول ، فصرنا نشكو من ضعف في الذاكرة ، وكدرا في الذوق ، وحسرة على ما فات ، وكأن السجان ضاق بجزائريتنا ، فدخل علينا واستهدف رحم أمنا فلم يرحم عواطفنا ولا مشاعرنا . سيدي عقبة ، وما أدراك ، من يكون هذا الإنسان ؟ وقفنا أمام قبره ، داخل المسجد ، المقام شاهد على عظمة الجزائر النابع من عظمة الرحم ، فكأن رحم الأم احتضن عقبة الإنسان ، وشمله بكثير من الحنان ، اختصر عقبة الزمان والمكان ليحتضنه الرحم ، فكأن الذي اختار الزمان والمكان  اختزل كل المسافات والأبعاد ، ولم يبق أي شاغل يحول بين الأم وولدها ، فسبحان الله الذي رزق أمنا مريم البتول سيدنا عيسى من دون فاصل ولا واصل ، تلك هي أمارات ودلالات وإيحاءات وحاضر من دون حضور وعلة لا تحتاج إلى تعليل وصورة لا يضاهيها تصوير . قلت لنفسي من أين قدم هذا الفارس ، ولماذا قدم ؟ ماذا يمكننا أن نتعلم ، أول سؤال يمكن أن يطرحه الإنسان على نفسه وهو واقف أم قبر هذا الرجل ، وظيفته ، اهتماماته ، أعماله ، انشغالاته ، هل نستطيع رسم مسار هذا الإنسان ، أول محطة له كانت ضمن الجيش الذي فتح الشام وعمره خمسة عشر سنة تحت قيادة خالد ابن الوليد ، الرحلة بدأت في وقت مبكر ، إذا قارنا سنه بسن أبنائنا ، لما كفتهم ، وهم يسكنون الشوارع ، أو يتابعون بشغف بطولات الدوري الأوروبي لكرة القدم . بعد محطة الشام ، كان فتح مصر ، المحطة الثانية ، أما المحطة الثالثة فهي تكليفه بالتوجه إلى حدود شمال إفريقيا التي كان يحتلها الرومان ، يتجه عقبة نحو ليبيا ، كم كان أجره ، أو العطايا ، أو الامتيازات ؟ كان نائبا للقائد عمرو بن العاص ، كان هذا زمن خلافة عمر ابن الخطاب ، بعد وفاة عمر الفاروق ، عزل الخليفة عثمان عمرو بن العاص ، بعدها اتجه عقبة قدما ، ففتح تونس وتوغل أكثر نحو الجزائر إلى أن وصل المغرب الأقصى ، ثم سرعان ما عاد إلى تونس . توفي الخليفة عثمان ، بعدها بدأت محنة المسلمين ، خصوصا معركة صفين ، بقي عقبة بعيدا عن الساحة ، أقصد ساحة القتال بين المسلمين ، كان بإمكان عقبة الرجوع والالتحاق بأحد الصفين ، لكنه أبى ، كان فعلا يدرك المصيبة ، دامت غربة ومحنة عقبة ثماني سنوات ، لم يساهم ، لا من بعيد ولا من قريب في الاقتتال بين المسلمين ، كان بإمكانه ، لكنه أبى . بعد وفاة الإمام علي ، وعودة عمرو بن العاص واليا على مصر ، عاود عقبة بن نافع سيره إلى فتح شمال إفريقيا من جديد بداية بتونس التي استولى عليها الرومان من جديد ، كم هي الأيام بلياليها ضمن فصولها التي قضاها القائد عقبة وجنده ، والتحديات التي لا يمكن تصورها ، إلى أن وصلوا مياه المحيط الأطلسي ، أين قال القائد عقبة قولته : ( أيها البحر والله لو أعلم أن وراءك أرضا لخضتك حتى أفتحها لله سبحانه وتعالى ) ، عاد بعدها باتجاه تونس ، ربما ليستقر بالقيروان ، لكنه سلك طريقا غير طريق الساحل ، فمر ببسكرة ( مدينة جزائرية ) ، وتحديدا بمنطقة تسمى اليوم ( سيدي عقبة ) استشهد نتيجة كمين ، دفن بالمدينة التي تحمل اسمه إلى أيام الناس هذه . دامت رحلة عقبة مع الفتوحات أكثر من أربعين سنة . تكلمت من قبل عن الجغرافيا ، كم هو يسير أن نقطع مئات الكيلومترات ، من حيث الوسائل المتوفرة اليوم ، لكن هل يمكن تقدير ما بذله عقبة وأصحابه من جهد ، وكم استغرق من وقت ، ومقابل ذلك ، في دنيا الناس ، واهتماماتنا من اهتماماتهم ، وانشغالاتنا من انشغالاتهم ، وتقديرنا من تقديرهم ، ، وصلة أعمالنا بأعمالهم . عند هذا الحد يمكن أن نتساءل عن إسلام عقبة ، وإيمان عقبة ، وإحسان عقبة ؟ من الذي استجاب فعلا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يرد على السائل ، حين سأله عن الإحسان ، فيجيبه صلى الله عليه وسلم : ” أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك ” . فكأن سيدنا عقبة  كان فعلا يرى الله ، لم أتحدث عن الكرامات التي رواها الرواة بخصوص استجابة الله سبحانه لدعاء عقبة أيام الفتوحات ، فقط يمكن أن نستشعر قوة الصلة التي كانت فعلا تربط عقبة بالله سبحانه ، ومنها أبعاد حديث رسول الله حول الإحسان . هذا ما حاولت الاقتراب منه ولو قليلا وأنا أتساءل عن علاقتنا بهذه الجغرافيا التي لم نقدر دلالاتها ضمن مدلول الحرية ومدلول الأخلاق ومدلول الوطنية ومدلول الاستقلال ومدلول التبعية ، ومدلول القابلية للاستعمار ، إننا في حالة من الانتظار ، ليست بأي حال من الأحوال مثل حالة انتظار عقبة أيام صفين التي اعتبرها المفكر مالك بن نبي نقطة تحول في مسار أمة التوحيد ، وتجاهلها الكثيرون ، لا أدري كيف أسمي انتظارنا ، أهو انتظار العلامة ابن باديس رفقة أبناء شعبه وهو يكابد في سبيل مواجهة دسائس المحتل الغاصب ، أهو انتظار ابن مهيدي وهو يبتسم  دون أن يعبأ ببشاعة أفعال الظالم المستبد ؟ من كان الناظر ومن كان المنتظر يومها ، من انتظر ومن غاب عن النظر ، أما اليوم فالجغرافيا كأنها تتألم من غيابنا ، هذا من جهة الجغرافيا ، فما بالكم بالتاريخ الذي أدرنا له ظهورنا ، من تسبب في هذه القطيعة التي استهدفت جغرافيتنا وتاريخنا على حد سواء ؟ أعود لسؤال الإحسان ، وتحديدا لقوله تعالى : ” بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ” الآية 112 من سورة البقرة . من منا يمكنه التواصل مع الماضي ، فيعيد الزمن قليلا إلى الوراء ، ثلاثون سنة فقط إلى الوراء ، فيحضر معنا أناس كان بإمكانهم أن يسألوا سؤالنا الذي نستطيع أن نسأله اليوم ، وكان بإمكانهم أن يضعوا حدا للقطيعة مع جغرافيتنا وقبل ذلك مع تاريخنا ، الأسف كل الأسف ، قوانين الكون التي استودعها فيه الله سبحانه لا تسمح بذلك ، وإذن هل نستمر نحن أيضا في القطيعة ؟ فما بالكم إذا أعدنا قراءة الآية القرآنية السابقة وتأملناها ، وحاولنا الفوز بقليل من صبغتها بدل الانتظار في غير محطة ؟ ذلك هو الفاصل الذي يفصلنا في إسلامنا وإيماننا وإحساننا عن ابن باديس وابن مهيدي وعقبة ابن نافع ، وكل الذين حسن إسلامهم وإيمانهم . هذا من قبيل الغياب والحضور ، والانتظار والإقدام ، إن القاسم المشترك في كل هذا هو فضيلة الإحسان الدالة على جوهر الإسلام والإيمان ، ومرادفها هو الإتقان ، أتدرون المسافة التي تفصلنا عن الإتقان ، تكاد تكون قاهرة أو كأنها عدمت فينا إحساسنا بالحياة ، أو كأن الحياة لم تعد لها قيمة ، أتدرون لماذا ، كل ذلك بسبب القطيعة مع تاريخنا وجغرافيتنا ، لذلك لم يعد يسمح لنا بالبقاء في ساحة الانتظار فما بالكم بساحة الإتقان . لقد اعتاد الناس على استخراج جوازات السفر قصد المغادرة بحثا عن ساحات أخرى ، كل حسب غرضه ، لكن هل فكرنا يوما مثلما فكر الأحرار في ترتيب الساحات في سلم أولوياتهم ، فحتى إذا استخدمت جواز سفرك وغادرات بحثا عن ساحة من الساحات  فمنا من يحسن ، ومنا من يسيء ، وإذن فالسفر والمغادرة والغياب والحضور لها أسباب ودوافع ، لكن الزمن لن يعود إلى الوراء . إن الفرصة مواتية اليوم لنحدث القطيعة مع الإساءة لتاريخنا ولجغرافيتنا ، فهل من مجيب ؟ نسأل الله الهداية والسداد . يقول الله :” إن رحمة الله قريب من المحسنين ” الآية 56 من سورة الأعراف . من يكون هؤلاء المحسنون ، الذي هم أقرب إلى رحمة الله أو كأنهم مهيأين لأن تشملهم رحمة الله ؟ أعود للقرآن الكريم : ” بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن …” وقوله سبحانه : ”  ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن … ” . ما قيمة الإحسان وضرورته ، وقد أعلن الإنسان إسلامه ، بمعنى هل يمكن أن يسلم المرء وهو غير محسن ؟ نعم ، وإلا فما قيمة قوله سبحانه : ” قالت الأعراب آمنا  قل لم تؤمنوا  ولكن قولوا أسلمنا ول ما يدخل الإيمان إلى قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله  لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم ” الآية 14 من سورة الحجرات هل يكفي الإنسان أن يقول أنا مسلم ، أو أن يلد من أبوين مسلمين ؟ هذا غير كاف ، وإلا كيف هي الهوة التي تفصل هذا المسلم عن الصدق والحلم والإتقان ، كيف لو قارناه بنصراني ، أو يهودي ، ممن يتقنون أعمالهم ويحسنون في حياتهم ، خصوصا في اجتماعهم والأخذ بأسباب القوة ؟ فما بالكم لو راجعنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أتدرون من المفلس ، قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال : إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار .” رواه مسلم . أرأيتم أن المسلم يمكن أن يكون مفلسا ، من استوعب أبعاد هذا الحديث النبوي الشريف يمكن أن يستوعب أثر الإيمان في حياة المسلم وكذلك المسافة التي تفصل الإنسان المحسن عن غير المحسن ، ولو كان غير المحسن مسلما . كذلك يمكننا تقدير المسافة التي فصلت قراءة الأستاذ مالك بن نبي عن قراءة كثيرين ممن عابوا عليه ، حينما قرن بين كلمة ” مسلم ” وكلمة ” متحضر ” حينما كتب عن ” المسلم المتحضر” ، خصوصا أنهم أكدوا أن كلمة ” المسلم ” تغنينا عن كل ما سواها ، أي تغنينا عن عبارة ” المسلم المتحضر ” ، رغم أن قراءة متأنية لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، كانت كافية لتمييز رؤية مالك رحمه الله . لهذا ولهذا فقط يمكن الاهتداء إلى عظمة الخالق ووحدانيته وعدله ورحمته بعباده أن جعل الإحسان في متناول الإنسان بغض النظر عن لونه وجنسه وحتى معتقده ، الإنسان يمكن أن يكون محسنا في جانب من جوانب الحياة ، كما يمكن أن يكون مسيئا ، مهما كان معتقده ، لكن المحسن أقرب ما يكون إلى رحمة الله ، فإذا وحد الله ، حينها يحسن إسلامه ويحسن بعدها إيمانه ، وإلا فما معنى ما جاء في الحديث النبوي الشريف ، عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب  فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها . ” رواه البخاري ومسلم . عند هذا الحد يمكننا إدراك معنى قوله سبحانه وتعالى ” إن رحمة الله قريب من المحسنين ” الأعراف الآية 6 . لهذا ولهذا فقط يمكن الجزم بمدى بعد الجماعات ، أو الأفراد الذين يسيئون للإنسانية ويبررون أفعالهم بدعوى الانتصار للإسلام ، كأن يروعون الأبرياء في بيوتهم ومدنهم وشوارعهم وهم يرددون اسم الجلالة بألسنتهم ، هل هذا من الإسلام ، هل هذا من الإيمان ، هل هذا من الإحسان ؟ خصوصا الذين أحسنوا للمستضعفين ، كما هو الشأن في بلجيكا وألمانيا على سبيل المثال ، هل نكافئ من أحسن للمستضعفين فآواهم وأكرمهم ، فنستهدفهم في أرواحهم وأمنهم وسكينتهم ، أين نحن من رحمة الله ، ما هي المسافات التي تفصل هؤلاء المسيئين عن رحمة الله والإيمان به والامتثال لأوامره ونواهيه سبحانه وتعالى . لا ريب أن هذه المقاربة المتواضعة تكون قد كشفت اللثام عن مدلول الإحسان والغايات المرجوة ، ما أعظم القراءة التي أمرنا بها الله ، وما أحسن القراءة التي قرأها مالك رحمه الله ، نسأل الله أن يأخذ بأيدينا فنحسن ، ويلهمنا الفهم فلا نسيء ، ويسدد خطانا فيحسن إسلامنا ويبلغنا أعلى مراتب الإيمان إنه مجيب الدعاء . إن المحسنين في بلجيكا وألمانيا في حاجة إلى إحساننا بعد أن نحسن إلى أنفسنا فندلهم على أقرب طريق إلى توحيد الله ، تلك هي مهمة المسلم وهو محسن ، يقول الله عز وجل : ” ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ” الآية 33 من سورة فصلت.

بشير جاب الخير
6 جانفي 2017

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version