هل يمكن مقاربة سؤال الحرية، قبل المرور بسؤال الأخلاق، خصوصا حين نقف على مدى الاستغراق في البحث عن تعريف للأخلاق من دون الالتفات إلى الإنسان ومواجهته بما يعكسه في اجتماعه وحركته وسكونه، ووجهته ومواقفه، وإحساسه ومشاعره، وما ينتابه من خوف وشك وريب، وما يخفيه ويكره أن يطلع عليه الآخرون. وعليه يتواصل السؤال: هل يكفينا إعطاء قيمة للحرية، أو تحديد معيار نستند إليه في مقاربتنا لما نطلق عليه هذا العنوان، هل الإنسان مجبر أم مختار، وفي الحدود التي يكون فيها مختارا، هل اختياره مطلق أم هو محكوم بعامل النسبية؟ وفي الحدود التي يكون فيها مجبرا، هل من الممكن ربط مجال بمجال، وحد بحد، واختيار باختيار؟ وهل يمكننا الاستغناء عن تحديد المدلول، وتجاوز ما هو النقاش الفلسفي، والمرور رأسا إلى الواقع والوقائع المتصلة بموضوع الحرية، وما تفرع عنها من عناوين؟ هل هو من باب استحالة مقاربة المدلول، أم هو ضرورة أملتها الحاجة السياسية والاقتصادية وبريق الرأسمالية وتجلياتها، وإعادة تذكير الناس بالحرية الشخصية والمدنية والسياسية، ومظاهرها، أو تفرعاتها، من حرية رأي، وتعبير، وتنقل، وفكر، وإبداع، و…، وما اتصل بالحقوق، وما ارتبط بالواجبات. وهل يكفينا وقف الحرية على العقل والإرادة؟ هل الإنسان المسجون بين أيدي المحتل، حر؟ وإلى أي مدى يمكننا قياس نصيبه من الحرية؟ هل الإنسان الفاقد للعقل حر؟ أم أنه فاقد للحرية، كيف يمكننا إثبات ذلك، وهل نستطيع القول بحريته في غياب العقل؟ وإذا عاد إليه عقله، فهل يبقى فاقدا للحرية؟ ومتى نقول عن الإنسان صار حرا، أو هو في طريقه للحرية؟ وحتى الذين يقولون بشرط العقل، فينفون الحرية عن الطير، وغيرها من كائنات البرية، هل بإمكانهم الكشف عن مدلول العقل وصوره وتجلياته وآثاره في دائرة الإنسان، وفي حدود دائرة البرية، مركزا وأطرافا، ظاهرا وأعماقا؟ من قال بشرط العقل والإرادة، وأطلقهما، بدل تحديد أثرهما، وحدود الحاجة إلى توافرهما؟ ثم هل القدرة على الاختيار دليل على الحرية؟ أو أن الإنسان قد اختار فعلا بدافع الحرية، أو لأنه فعلا إنسان حر، أم أن الاختيار حصل بدافع آخر، أو حتى بأكثر من دافع؟ بمعنى هل نستطيع نفي كل الدوافع ونبقي على دافع الحرية؟ وهل بمجرد أن يتعرف الإنسان على الدين، أو يستمع لوازع الدين، تتحقق معه الحرية، أو يكون فعلا إنسانا حرا؟ وهل يكفينا الدلالة على الحرية، كون الإنسان ليس عبدا، فنفسر حريته ونستدل عليها، حينما نقول أنه ليس عبدا؟ كالذين قالوا بمعادلة: الإنسان يولد حرا = الإنسان ليس عبدا. أو الإنسان يولد حرا = الإنسان لم يولد عبدا. إن مثل هذا الطرح يوحي بمدى غموض في مقاربة جبلة الإنسان، أو كأن الإنسان يمكنه معادلة ما جبل عليه بما يعتري سمعه أو بصره، أو عضوا من أعضاء جسمه، فيجد نفسه عاجزا عن القيام بمهمة أو إنجاز عمل ما، فيكون ذلك مانعا له في حالة اختياره لنشاط من أنشطة الحياة، فالمانع في هذه الحالة ليس سوى طارئا، مثله مثل حالة الاسترقاق أو الاستعباد. لذلك فالإنسان يولد حرا، أما مراتب الحرية واستحقاقاتها فتستغرق عمر الإنسان كله، وتتصل بمدى استجابته في حدود التعارف والحاجة إلى ما هو من متطلبات الحياة. وحتى الذين يقولون بأن الوعي والإرادة من شروط ومكونات الحرية، وعدم توافرهما في المولود البشري عند ولادته مباشرة، هم كمن يطلب من المولود عند ولادته ما يطلبه من الإنسان الذي صار راشدا، أو كأنهم لا يرون حدودا وتمايزا في ما هو من الحقوق وما هو من الواجبات، بين من يولد لتوه، وبين من بلغ سنا متقدمة، فصار أبا، أو زوجا، أو عاملا. إن غياب الوعي والإرادة عن المولود، لا ينفي حريته بأي حال من الأحوال، ولمن أراد غير ذلك فما عليه إلا إثبات ذلك والتدليل عليه. أما بالنسبة للذين يشترطون لقيام المسؤولية، أن يكون الإنسان قادرا، والقدرة تقتضي أن يكون الإنسان حرا.  فيعكسون القراءة ويقولون: الحرية مشروطة بالوعي والإرادة والقدرة على تحمل المسؤولية، أو مسؤولية القرار المستقل في مجال ما. هل القراءتان متلازمتان، وهل لهما نفس المعنى والمدلول؟ والأسباب والنتائج؟ وبخصوص الفوضى الاجتماعية فهي سلاح من أسلحة الاستبداد، أما القانون فهو لا يحجب الحرية بقدر ما يحرسها، فكيف نخاف على حياة الإنسان، فنستعين بحراس لذلك، ولا نخاف على حريته، فنعتبر القانون حاجبا أو خطرا يتهددها؟ وحتى إذا قلنا: شرط الأخلاق حرية الإرادة والحرية قيمة. فهل بتعطيل إرادة الإنسان أو التضييق عليها نعدم أخلاقه، أو نجرده منها؟ ثم كيف يمكن قياس حرمان الإنسان من إرادته، والحيلولة بينه وبين أخلاقه، فنحوله من إنسان عادل إلى إنسان ظالم، أو من صادق إلى كاذب، أو من متواضع إلى متكبر؟ هل يمكننا استحضار صورة البطل والقائد والإنسان الحر، العربي بن مهيدي كيف شهد فكان صادقا، وصبر فكان غانما، هل منعه المحتل الظالم المستبد من حريته عندما حاول تجريده من إرادته؟ من كان عبدا، ومن كان حرا؟ أيهما الحر المريد الحاضر الواعي، وأيهما العبد المحروم الغاشم الغائب؟ أيهما السيد، وأيهما التابع؟ أيهما القوي الأمين، والضعيف الماكر الغادر؟ فإذا كانت للحرية من قيمة، فهي قيمة الإنسان في إنسانيته التي هي رأس ماله. أما القول بأن الحرية مسؤولية، كون الإنسان مسئولا عن اختياراته وعن نتائج تلك الاختيارات، فهل ما يختاره هذا الإنسان نابعا من كونه حرا؟ ما دلالة ذلك؟ وإذا سلمنا له بذلك، هل يمكن الجزم كون النتائج التي تحصل عليها، أو تسبب فيها، تصب فعلا في كونه إنسانا حرا؟ فكيف إذا دلت تلك النتائج على ظلمه ومكره، وغشه، وكذبه، وأنانيته؟ وبخصوص تصنيف الحرية، إلى سالبة وموجبة، فنكون كمن يفسر الحرية بالسكون والحركة، أو يفسرها، بالمنع والعطاء، أو بالبذل والشح، أو بالحلم والغضب فكأنه في هذه الحالة يقول لنا إن الحرية أخلاق، أو أن الأخلاق حرية. وبخصوص علاقة التحرر بالحرية، فإن التحرر ليس سوى جانبا حيا يترجم استجابة الإنسان وتماثله للشفاء بعد أن صار مهددا في حياته، أو هو  نقلة للإنسان من الاستثناء إلى الأصل، أو من حالة طارئة إلى الحالة العادية أو المعتادة. ولذلك فإن التحرر ليس سوى نوعا من اختبار الإنسان والدلالة على مدى اصطباغه بصبغة الحرية، وبمعنى أدق، هل ما انجر من تحول في حياة الإنسان هو من باب سعي الإنسان لأن يكون خالصا في إنسانيته، أم أنه مجرد إنسان تابع؟ إن الحرية بريئة من أي انتساب، كمن ينسبها إلى التوجه الغربي الليبرالي، أو يربطها أساسا بالتوجه الغربي الرأسمالي، خصوصا حين يتساءل المرء عن علاقة الوعي بالحرية، أيهما سابق عن الآخر، هل الوعي وليد الحرية، أم أن الحرية نابعة من الوعي؟ أم أنهما يتصلان، الواحد بالآخر، فيتأثر هذا بذاك؟ ونفس الشيء حينما نتحدث عن علاقة الحرية بالإرادة، أو هذه بتلك؟ وعن العلاقة بين المساواة والحرية، هو ذات السؤال في العلاقة بين العدالة والحرية، وعلاقة الأخوة بالحرية، كمن يبحث عن علاقة حريته بحرية والديه، أمه وأبيه. وعلاقة حريته بحرية الآخرين، من جيران، ومواطنين، وحتى أجانب؟ وكذلك علاقة حريته بحرية زوجته، وحرية بنيه؟ ثم ماذا إذا تعارضت اختيارات الإنسان مع ما جبل عليه، هل نسمي ذلك حرية؟ وبخصوص الاستبداد. هل الاستبداد يمنح الحرية؟ من أين جاء الاستبداد؟  ماذا يمنح وماذا يعطي؟ نبحث كمن يبحث عن مادة تصلح لأن تكون سما، يستخدمها إنسان عند الحاجة، ولو كان بمقدوره أن يصنع سما لصنعه، ولكنه تفطن لحيلة، فقد أدرك أن هذه المادة، أو هذا السم، يمكن الحصول عليه بطريقة واحدة، إن هذه المادة تتولد من قابلية الإنسان، القابلية، لا هي من فطرته، أو ما جبل عليه. القابلية داء عضال، فهو بمثابة فيروس، مثل الفيروسات التي تتولد نتيجة ما يصيب محيط الإنسان، أو مجاله الحيوي، تسميه إنسانا مملوكا، عبدا، مستعبدا،…، سبب ذلك هو داء القابلية أو كما سماها المفكر مالك بن نبي: القابلية للاستعمار. لكن السؤال: هل الاستبداد الذي عجز عن صناعة هذه المادة، هل يملك ترياقها؟ أبدا، الترياق بين يدي الإنسان المصاب، أو الذي يعاني من تأثير القابلية، وإذن: لماذا لا يستخدمه فيشفى؟ الترياق هذا، ليس في متناول الإنسان، لكونه إنسانا فيحصل عليه مثلما يحصل على سائر الأدوية فيشتريها كما يشتري الغذاء، إن هذا الترياق يصنعه الإنسان بنفسه، أو الجماعة لنفسها: ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” صدق الله العظيم. فهل السوريون اليوم، يعانون من داء القابلية للاستعمار؟ إن قابلية كهذه، قابلية مركبة، ذلك أن  ما يجمع السوريين، نظاما ومعارضة، في جوارهم، لم يعد يجمعهم، وعليه لم تعد القابلية مسألة الإنسان السوري بقدر ما هي قابلية الإنسان التركي والإيراني والعراقي في آن واحد، فهم كمن يكون بمرتبة المصاب الفاقد للمناعة وهو لا يدري حقيقة إصابته، إذ يمكن أن يتحول حاله، أو حالته إلى ما يشبه الحالة الميئوس منها. لذلك فإن القابلية للاستعمار على مستوى الكيانات الجمعية، يمكن أن تتنوع في درجة التشكل والتعقيد. وفي هذا المقام يمكن أن نسأل: لماذا هذا الحد من الإدماء المبالغ فيه بحق أهل الشام؟ أو لأن أهل الشام كانوا فعلا على وشك التخلص من كل قابلية بطبيعة الحالة، قبل ربيع العرب، أو الربيع العربي؟ من صوره ربيعا، ومن حوله شتاء، أهو فصل من فصول الشام، التي اعتاد عليها الأهل والأصحاب والأحباب، أم هو فصل من فصول المكر والخداع؟ لا شك أن الفصول صارت صناعة كصناعة الطائرة من دون طيار، أو صناعة المادة القاتلة التي لا يسمحون باستخدامها، كما يقولون، وإلا كيف نسمي أو نصف هذا الإصرار على الإمعان في إدماء أهل الشام؟ هل كتب لأهل الشام أن يكونوا ضحايا أيام الفصول كلها، ثم،  هم ضحايا من، أهم ضحايا النظام، أم ضحايا المعارضة، ضحايا الولايات المتحدة الأمريكية، أم ضحايا روسيا، ضحايا من؟ هل لنا أن نعرف أو نتعرف عن هؤلاء الضحايا؟ بالتأكيد، لم يكونوا أطفال ونساء أمريكا ولا روسيا، ولا فرنسا ولا بريطانيا، ولا حتى إيران والسعودية، أي نظام هذا، الذي لا يلتفت لضحاياه؟ أو لأن هؤلاء ليسوا أطفالا، والنساء لسن نساء؟ من حكم على هؤلاء الأبرياء، ومن نفذ فيهم مثل هذا الحكم الجائر؟ أي شجاعة هذه، وأي تضحية هذه، بأي ثمن يتحرك النظام وتتحرك المعارضة، من يكون هؤلاء وأولئك؟ هل هم أحرار؟ أين الذي يحدث من الذي يسميه (الغرب)، ومجلس أمن الأقوياء، إرهابا؟ ما طبيعة هذا المنطق وما هو مساره؟ كيف نقارب مواقف أمريكا، بين الأمس واليوم، تسليح النظام العراقي لقتل واستعباد الأكراد، كان ذلك نهاية القرن الذي مضى، أما اليوم فهي تسلح أكرادا في العراق وسوريا، ضد من؟ ولماذا؟ هل لأن الأكراد من بني جلدتهم ممن يخافون على حياتهم، التي لم يلتفتوا إليها أيام صدام حسين؟ أم لأن أمريكا تستغرق في الاستمتاع بقتل هؤلاء وأولئك، عربا، أكرادا، تركمانا، مسلمين، مسيحيين؟  المهم، أن يكون هناك ضحايا. هل من قيمة لهؤلاء الضحايا؟ لا يمكن أن تكون لهم أي قيمة، لا عند أمريكا ولا عند روسيا، ولا، ولا…، قيمة هؤلاء انتزعت من قلوب أقرب الناس إليهم، بل كادت تنتزع من قلوبهم، وإلا كيف نفسر درجة الإمعان في إدماء سوريا اليوم؟ كيف ينام الإنسان الحر ويهنأ له بال، أين حريتنا من مثل الذي يحدث، وأين حرية الإعلام من مثل الذي يحدث، لا إعلام أمريكا، ولا إعلام روسيا، ولا حتى إعلام (العرب) جميعا. كانت الفرصة جدا مواتية ليتحرر إعلامهم قبل إعلامنا، فيقتدي هذا بذاك، ولأن الإعلام لم يكن حرا، لم يكن ليعبر، أو ليتحدث، أو حتى يسمع كلام الضحايا فباستثناء جزيرة الإعلام، وهي بحق جزيرة للإعلام، لكنها ليست جزيرة عربية، وحتى تكون عربية ومستحقة للعرب، ينبغي أن يتحرر العرب، فتزداد جزيرة الإعلام حرية، وتكون مثالا لدوائر الإعلام التي لم تنعم بطعم الحرية. إننا نعاني جفافا على مستوى الذاكرة، فكيف نتحرر من دون أن نمسك بزمام الذاكرة، حتى نتذكر ضحايانا، ونذكر ضحايانا، ولا ننسى ضحايانا، إن من يستهدفنا في ذاكرتنا، يستهدف فينا حريتنا. لم يكفيهم إدماءنا، ماذا يريدون أكثر، يريدون سرقة ذاكرتنا، ذاكرتنا جميعا. كيف يمكن لأطفال الشام أن يتذكروا ضحاياهم، وكيف سينظرون إلى روسيا وأمريكا، وكيف تكون نظرتهم للعرب، وكيف سيقيمون إعلام الجزيرة، وكيف سيتعامل معهم إعلام باقي العرب أو ما تبقى للعرب من إعلام؟ وما يدمي ذهنياتنا أكثر، أن من بين موضوعات الإنسان والحرية، الحديث عن: حرية المرأة، أو تحرير المرأة، تحريرها أو تحررها، الفرق كبير بين تحرر المرأة وتحريرها وحريتها، أين كان ( المتحررون) من كل التزام، كل الأيام التي بحثت المرأة عن أحرار ولم تجدهم؟ بكت أطفالها ولم تجدهم، ضاقت بها الأوطان ولم تجدهم، أين يريدونها فقط، حتى تعنيهم حرية المرأة؟ أما آن الأوان، كي ترد المرأة، على المتاجرين بدماء الحرية، وبشرف الحرية وإمكانات الحرية، فنسأل الإنسان: من أولى الناس بحريتك، على وزن صحبتك، فيجيب: أمك، أمك، أمك، بنتا، زوجة، أو والدة. أن تكون المرأة حاضرة كل الأيام، وليس في ليلة من ليالي العقوق والنسيان.

المختبر الحقيقي اليوم وغدا وفي كل مكان وزمان، هو مجالنا الحيوي، من القاعدة إلى القمة، لباسنا الوحيد الذي يمكن أن يعبر عن صورتنا من دون مساحيق ولا عناوين ولا شعارات، هو لباس الواقع، فهو الكاشف الحقيقي، آثارنا، بصماتنا، نتائج حركتنا وسكوننا، غيابنا وحضورنا. مجالنا الحيوي، في البيت، والأسرة، والحي، والمزرعة، والمعمل، والمدرسة، والمسجد. كل الكيانات الجمعية، هي المعبر والمترجم، والمقياس والميزان، والمختبر الحقيقي، نقول ما شئنا، ونتصنع كيفما شئنا، الشاهد الوحيد الذي يحدد صدقنا من كذبنا، هو محيطنا أو مجالنا الحيوي. الذين نتعامل معهم في كل يوم، الزوجة، الزوج، الأبناء، الأرحام، الجيران، المتعاملون معنا، التلاميذ في المدرسة، المزارعون في المزرعة، المرضى داخل المصحات، من نقف أمامهم داخل  قاعة المحاضرات. البيت والمدرسة والمعمل والمزرعة والمصحة والحي الذي نسكنه، هي فقط المختبر وهي فقط الشاهد، هذا هو محيطنا أو مجالنا الحيوي، وإلا فما هي لغة التقييم والتقويم؟ أما ما نلبسه ونتزين به من مساحيق، مثل الكلام المجرد الذي نطلقه داخل المقهى والنادي، ونخطب به في الناس، خارج أوقات العمل، كلها مساحيق وعناوين وشعارات، لا تغن ولا تسمن من جوع. فإذا لم نصدق في مجالنا الحيوي، لن تصدقنا الألوان  والشعارات وكل المساحيق. المختبر ها هنا، والمرآة ها هنا، والكاشف ها هنا، والنهضة من هنا، والحضارة من هنا. من هنا. من دون حل لمعادلات مجالنا الحيوي  لن ننتج، سوى الفشل، تتكرر الصورة ويتكرر الفشل، من خلال صورتنا العابرة للأجيال الحاملة للفشل، فراغ من فراغ، فراغ داخل الأسرة، وفراغ داخل المدرسة، وفراغ داخل المزرعة، وفراغ داخل المسجد، وفراغ داخل الجامعة. من يملأ فراغاتنا، أو من يقوى، حتى على تحويل مسار هذه الفراغات، فيحول دون تراكم آثارها، والحد من تنامي حدة عوائقها؟

يعود الإنسان فيسأل: هل الحرية مشكلة، وهل الإنسان هو سببها، هل كان الإنسان حرا ثم فقد حريته؟ هل ولد حرا؟ ثم متى صارت الحرية مشكلة؟ هل نبحث عن حرية الإنسان، أم عن إنسان الحرية؟ ما هو مدلولها، وما هي غاياتها؟ هل للحرية مقومات، وما هي مقتضياتها؟ هل هي صناعة إنسانية، أم هي هبة من الطبيعة؟ هل هي سلوك أم نظام، أهي نظام حياة، أم هي سلوك مجتمع؟ أهي من صنف ما يتعدد، أم أنها ثابت من الثوابت، لا تقبل التجزئة؟ هناك من يدعي أن الوجود الإنساني هو أصل المشكلة، بمعنى أن الحرية مشكلة، وأصلها هو وجود الإنسان. هل هذا سليم، أم أنه مجرد كلام، لا أساس له ولا بناء، لا طعم له ولا رائحة، يفتقر إلى أي شعاع؟
 
بعض الآراء

*الحرية هي حق الفرد في المجتمع الديمقراطي. هل فعلا الإنسان ضمن الدول التي تسمي نفسها ديمقراطية، هو إنسان حر؟ من هو الفرد، أو الإنسان الديمقراطي، وكيف يصير بذلك حرا؟ *الحرية هي القدرة على عدم إلحاق الضرر بالآخرين. ما هو مصدر هذه القدرة وكيف يمكن قياسها؟
*الحريات، منها ما هو مادي، ومنها ما هو معنوي. هل تقصد الحقوق المادية والحقوق المعنوية، وإذا كان كذلك، هل الحرية هي الحقوق؟ أم أن قوام الحقوق هي الحرية؟
*المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: لكل شخص الحق في حرية التفكير والدين والتعبير ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنها بالتعليم والممارسة والقيام بالطقوس الدينية. هل هناك ضوابط  أو مبادئ أو إجراءات تحمي الإنسان من فكر الإنسان ومن تدين الإنسان ومن تعبير الإنسان، هل هذه من المطلق، أم هي ما يمكن ضبطه والتحكم فيه، أم أن الإنسان يريد من الحرية وبالحرية إطلاق كل العنان؟
*الحريات الأساسية عند روزفلت: ـ حرية التعبير ـ حرية المعتقد ـ التحرر من الحاجة  ـ التحرر من الخوف. كيف هو التحرر من الحاجة، ما هي الحاجة، وما هي حدودها، ووسائل تحققها؟  كذلك الخوف، هل تحررك من الخوف يتسبب في إخافة الآخرين، أهو تحرر منغلق، أم تحرر مفتوح؟
*الحرية هي سعي الإنسان لتحقيق خياراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. هل خيارات الإنسانية واحدة؟ وهل سعي الإنسان في سبيل ذلك واحد؟ اسألوا التاريخ.
*هارولد لا سكي: الحرية هي انعدام وجود  قيود مفروضة على الظروف الاجتماعية التي تعتبر بمثابة ضمان تقتضيه الظروف لتحقيق سعادة الفرد. ما مدلول هذه السعادة، ما طبيعتها، ما هي صورها وتجلياتها، وما هي حدودها؟*روسو: إنك لا تستطيع أن تجبر الناس على الإيمان بالحرية وهم لا يلمسون الحرية في إطاعة القانون. لكن هل نأمن على الحرية عند إطلاق غرائز الناس؟ وكيف نضمن للحرية ولادة طبيعية دون تشوه المولود؟
*الفلاسفة اليونان: الإنسان الحر هو من يعيش في أرضه وبين شعبه، ولا يخضع لسيطرة أحد عليه. الحر والحرية يقابله الأسير والأسر. يحبذون: القانون الذي يوفق بين القوة والحق. هل يريدون بذلك منع اغتصاب حق الناس في الأرض، وحقهم في وحدتهم؟ هل السيطرة نقيض الحرية؟ هل الحق قوة، أم أن القوة في الحق، أم أنه لا حق إلا بالقوة؟
*الصوفية: الحرية أن يتحرر الإنسان من كل شيء سوى الله. وما مصير الكون، والأمم التي لم توحد الله؟ وحتى الموحدين، من يكفل لهم حريتهم؟
*الجبريون: الإنسان مجبر، لا مخير. وماذا عن الجزاء والحساب، والجنة والنار، ثم كيف تعامل أنبياء الله ورسله مع الناس، هل أجبروهم أم خيروهم؟
*المعتزلة: أقرب إلى الحياة والناس من الجبرية. لكن من دون مبالغة، خصوصا في باب الاجتهاد. *توماس هوبز: الحرية لا تزيد عن كونها حرية طبيعية أو فيزيائية تتحكم فيها أقوى الرغبات. وهل هوبز خال من مثل هذه الرغبات، ما هي تجربته معها، في أي اتجاه يفضلها، ومتى تكون منفرة؟   يقول أيضا: إن الذي يحرك الإنسان للعمل هو قوة الرغبة، وحب السيطرة رفقة الطبيعة. ما الذي يمنع الإنسان من العمل، ويمنعه من الاستفادة  من كنوز الطبيعة؟
*فولتير: الحرية محدودة ومتغيرة، أحسن صورها الامتثال لقانون العمل. والحرية عنده أمر نسبي  فهي مبدأ من مبادئ الحياة، وليست حقيقة موضوعية. يبدو أن فولتير تأثر كثيرا بالواقع، و يرى أن الواقع هو المجسد والمعبر عن ماهية الحرية من عدمها.
*ديكارت: القدرة على فعل الشيء، أو الامتناع عن فعله. وهي قدرة الإنسان الإيجابية على الفعل. يبدو أن ديكارت لم يجزم بدور العقل في مسألة الحرية، أهو الأصل، أم أنه تابع لقوة، لم يفصح عن طبيعتها. أهي من الطبيعة، أم هي قوة اجتماعية، أم أنها تبقى في حكم المجهول.
*سارتر: الحرية، ينبغي أن تدور بين الاختيار والالتزام، وبالتالي فالإنسان مطالب بمراعاة طلبات المجتمع وإملاءاته. هل الفرد دائما يتحرك بدافع المجتمع، أم أن هناك دوافع ذاتية، يمكن توظيفها؟
*الإنسان حر، بالنسبة إلى ماذا؟ ما هي هذه الأطراف المتوقعة ذات العلاقة؟
*الحرية هي فضيلة اجتماعية وإنسانية، تعني انعتاق الفرد من القيود التي تحدد حركته وتعيق تفكيره وتمنعه من الوصول إلى الأهداف والغايات التي يصبو إليها. المشكلة في تحديد الأهداف والغايات، هل من عملية إحصاء، أو قائمة، يتقيد بها الإنسان، أو يلتزم بها، حتى لا تتحول النزوات إلى هدف وغاية، تختفي من ورائها كل الأهداف والغايات؟

أكثر مقاربة

أعود بالحديث عن الحرية، بل في الحرية، لأنني أحبذ الدخول إلى الحرية من بابها، وكأنني أريد الجلوس إلى كائن تحدد قوامه وملامحه، فلا أكتفي بالحاشية ولا بالضواحي، لذلك ولذلك فقط تذكرت مقولة الأستاذ مالك بن نبي، وهو يبحث موضوع الديمقراطية في الإسلام، وإذا به يصل بكل جرأة إلى تحديد أوصاف وملامح وصفات كائن، يراه جديدا، ليس بمعنى المخلوق الجديد، ولكن كمن يسترجع إنسانا اختطف في كيانه فصار لفطرة طويلة رهينة، رهينة لهلع الإنسان وجزعه ومنعه. المهم، الأستاذ مالك، يسترجع إنسانه المختطف، فيسميه جديدا، ويطلق عليه عبارة: الإنسان الحر إن الإنسان الحر هو الذي يقف حدا فاصلا، فهو بمثابة الحد الإيجابي الذي يفصل بين هاويتين، إحداهما تنفي الـ (أنا) فتستهدفه في مقومات وجوده، والثانية تنفي من يقابله، ألا وهو الـ (آخر) فتستهدفه في قسمته ونصيبه. هذا التحديد الذي توصل إليه فيلسوف الحضارة، هو بالنسبة لي، مثل الباب الذي، إذا فتحته، لاحت ملامح الكائن القديم قدم (قابيل) في مواجهة (هابيل)، والجديد بما جد من مواقف تجسد النافيتين معا، وفق تحديد بن نبي. لذلك ولذلك فقط، ينبغي الجلوس إلى مالك، حتى نستشعر، ولو قليلا من روح التحليل في مقاربة مدلول الحرية، فالحرية ليست كائنا غريبا في كوكب غريب، لم تطأه قدم الإنسان، فنبحث في غربته بعيدا عن ساحة الإنسان. إن الحرية ككيان ملازم لكيان الإنسان، لا يمكن مقاربته إلا في حضور ووعي الإنسان، فإذا غاب الإنسان غابت الحرية في مدلولها، لذلك فلا الفلسفة، ولا العلم التجريبي، ولا التاريخ، ولا علمه، يمكن أن ينتزع كيان الحرية، فيجعلها كائنا منفصلا أو مستقلا عن كيان الإنسان وساحة الإنسان. الحرية في مقابل الإنسان لا تتعدد، بمعنى، لا وجود لتعدد كيان الحرية في مقابلتها بالإنسان، أي أننا لا نستطيع القول بحرية في مواجهة محمد، وحرية ثانية مستقلة بكيانها في مواجهة علي، وبثالثة في مواجهة عمر. الحرية واحدة، أنا لا أقصد هنا أقسام الحرية ذاتها، ومختلف تجلياتها. أما بخصوص الإنسان، فلا يوجد إنسان واحد، نستنسخ عنه صورا مطابقة له، فتتحدد الصورة وتطبيقاتها أو آثارها في كل الاتجاهات.  فلو كان الأمر كذلك لما احتجنا إلى حرية.  فالحرية نابعة من مسالة التعدد في الصورة التي يكون عليها الإنسان، استقلال الصورة وتنوعها من إنسان إلى آخر، روحا ومادة، فيما فطر عليه وجبل، المسألة على قدر كبير من التمايز، لذلك قامت ضرورة الاستجابة لمثل هذا الاستقلال والتنوع والتمايز، فنبعت الفكرة وولدت الحاجة إلى تمثل هذا التمايز من دون الإخلال بكيان الإنسان، وهذه الحاجة ليست سوى ما عبر عنه الإنسان بالحرية، ومنها نبع تقدير الإنسان في تمايزه وحاجاته الملحة، فالتقدير الجديد تم التعبير عنه بالإنسان الحر، لذلك فإن الحرية ولدت ملازمة لتقدير الإنسان في تمايزه وجانب الخصوصية فيه. أما ما انجر عن ذلك من مواقف، فليس سوى رد فعل من الإنسان في مواجهة الإنسان بعد حدوث التعارف والاجتماع، إذ أن المختبر الحقيقي لقياس تقدير الإنسان الجديد، وهو في مجتمعه من خلال التعارف والمقابلة، والتجاذب والتنافر، وهو المحك الحقيقي لقياس ردود الأفعال. فالتمايز الذي ولد مع الإنسان هبة الخالق، الذي لو تعدد، لتعددت الكيانات، وتعددت الأكوان، وكنا أمام أكثر من كون، وأمام أكثر من نوع إنساني، فأما والخالق واحد، فقد جاء الكون، ووحدة نوع الإنسان، معبرة عن وحدانية الخالق. أما التمايز بين إنسان وإنسان، فليس صناعة إنسانية، فلو كان كذلك لعدد الإنسان خصوصيته وجعل لنفسه أكثر من صورة، أو صورا طبق الأصل لصورته. ذلك هو الأساس الأول الذي تقوم عليه الحرية، أي حرية الإنسان في خصوصيته، وحرية جميع الناس، كونهم ليسوا صورا طبق الأصل لأحد من الناس. فسبحان الخالق الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد. فسبحان الله الذي خلق فردية الإنسان، ولم يفردها بفردية احد من خلقه، فحرر الإنسان في فرديته وحرره من فرديته. إن انفراد الإنسان بفرديته وخصوصيته، لم تكن، لتنزع من إنسان آخر فرديته وخصوصيته، تلك هي حرية الإنسان في حدود إنسانيته. وإذن فإن الحرية ليست هبة أو صناعة إنسانية بأي تقدير كان. ولذلك فإن الحرية نابعة من التقدير المتصل بخلق الإنسان، فكما أن الإنسان عاجز عن تكرار صور طبقا لصورته، كمن يصنع خلقا مثيلا له، فهو عاجز عن صناعة تقدير الإنسان، هذا الخلق المعجزة. أما المنع فمنبعه الإنسان وسببه جزع الإنسان الآتي من هلعه في جانبه السلبي، أو هو ما زاد عن أصله فتولد الجزع وسبب للإنسان الآخر منعا استهدفه في فرديته وخصوصياته التي هي قسمته ونصيبه، لذلك ولذلك فقط كان المنع استهدافا للإنسان في حريته، لذلك ولذلك فقط كانت رأسمالية (الغرب) منعا نتج عن هلع الإنسان في حدود (الغرب) أولا، فزاد هلعه عن حده، فانقلب إلى ضده، فتولد عنه جزع رهيب، فقد على إثره إنسان (الغرب) صوابه، فأصابه ما أصابه، فلجأ إلى المنع وسيلة فاستهدف بها الإنسان الآخر (المستضعف)، فاستهدفه في رأس ماله الذي هو إنسانيته. (الغرب) لم يرض بنصيبه وقسمته، فأخذ من المستضعفين نصيبهم وقسمتهم، فاستهدفهم في حريتهم، وادعى أنه خاطر في سبيل حريتهم، تلك هي ردة فعل إنسان (الغرب) في حدود ما هو من الحرية وما هو من الإنسانية. إن فردية (الغرب)، صنعها الغرب، فكانت أقتم صورة وصل إليها الإنسان المستبد. سؤالنا في مدلول الحرية، من حيث التحليل يجلي غاياتها، لذلك يمكننا البحث في طبيعة مجلس الأمن فهو قائم في كيانه المتولد عن كيان واحد، ليس جمعا وظيفيا، ولا توافق بين كذا كيانات وجوامع تم التوافق فيما بينها لخدمة إنسانية الإنسان وحريته، ولكن جاء هذا الجسم ليعبر عن كيان مستبد، وليس هذا المستبد، سوى حلف شمال الأطلسي في نسخته الأولى من غير تلفيق، فتولد الكيان عن كيان، فلم يكن سوى ليعبر ويترجم أنانية الكيان الأصل، ومن خلال مجلس الأمن هذا صور الحلف للآخرين صورة، فجعلها صورة شبيهة، لا هي صورة طبق الأصل للحلف، ولكنها صورة طبق الأصل لصورة مجلس الأمن المغلوب على أمره. وإذن فالذي ينبغي عولمته، حتى لا أقول أسلمته، لأن المسلمين اليوم مستضعفون، فهو عولمة مجلس الأمن وتنقيته من ألاعيب حلف  (الأقوياء)، كما تمت علمنة المجتمعات الأوربية من ألاعيب كنائسهم. وإذن فلما كان رد الفعل ناتجا عن الهلع غير المبرر، والجزع الضار، فقد عبر الإنسان عن خوفه، كل ذلك في سبيل الحفاظ على أمنه وأمانه، فكان ذلك إيذانا باكتمال صورة الحرية في جانبها الثاني. وإذن فالحرية كعملة متميزة، لها وجهان، الأول يعبر عن فردية الإنسان وخصوصياته، التي لا تشبه فردية إنسان ثان، مهما كان ومن خلال وجهها الثاني تعبر عما هو التزام بعدم إلحاق الأذى بفردية الآخرين وخصوصياتهم. تلك هي الحرية، وذلك هو الإنسان الحر. وإذن، هل كان فرعون قدرا مقدرا يأخذ من الناس حريتهم بعد أن أعطاهم إياها؟  يعطيهم الحياة ثم يأخذها منهم؟  وهل مجيء سيدنا موسى ليخاطب فرعون وسحرته، له صلة بما يتصل بحريتهم وحياتهم؟ الرسول موسى عليه السلام هو ذلك التمايز والفردية في أصلها من دون أن تتشوه، لم يهتد العقل وحده لمقاربتها في صورة فرعون المشوهة، والرسول هو الإنسان الذي تمثل العقل والإيمان، فجاء الرد كضرورة من ضرورات رد الاعتبار لفردية الإنسان وخصوصيتها، ولحاجة هذه الفردية وهذه الخصوصية لباقي الخصوصيات الأخرى كحاجة ملحة لقيام معنى الحياة المستوحى من الإيمان، فكان شخص الرسول بمثابة الرجل الجديد، أو الإنسان الحر الذي علم فرعون وسحرة فرعون معنى الحياة، لذلك تعلم الناس من الرسول موسى كيف يمكن للإنسان أن يحرس عقله وحريته بقوة الإيمان.  والاستعمار كذلك لم يكن قدرا مقدرا حتى يأخذ من الناس أرضهم ويسلب منهم حريتهم، ثم يتحكم بعد ذلك في مقدراتهم، فهو الآمر وهو الناهي، في حركتهم وسكونهم. هل السبب هو غياب الإيمان؟  أم أنهم كانوا في حاجة إلى رسول يبلغهم رسالة من السماء، أو  يقف في وجه المستعمر وزبانيته فيعلمه معنى الحرية أو ينتزع منه حرية المستضعفين؟ أبدا، الإيمان فعل فعلته مع الآباء والأجداد، حين تحررت المعمورة من الاستبداد، وتطهرت من عبادة الحجارة والنار، لذلك لم يكن المستضعفون في حاجة إلى إنسان يبلغهم رسالة من السماء، بعد خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم. وإذن: فالحرية حد من حدود الاستقامة، والاستقامة تقتضي خوف الإنسان، فلولا الخوف ما كانت الحاجة إلى الاستقامة، الخوف معدل ومقوم لحركة الإنسان، حتى يستقيم هلعه، فلا فيجزع، ويضبط هلعه، فلا يمنع. لا يجزع فيجحد، ولا يمنع فيطغى، ولا يطغى فيستبد. لذلك ولذلك فقط فالحرية هي حد فاصل بين هلع الإنسان وجزعه ومنعه، يحمي الإنسان من هلعه، فيعدله حتى لا يجزع، ويقومه حتى لا يمنع.

بشير جاب الله
25 نوفمبر 2016

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version