أبدأ من أن الوطنية يقابلها باللغة الانجليزية : Nationalism أو Patriotism
أما كلمة وطن فيقابلها : Native countryأو Fatherland
وكلمة جنسية يقابلها : Citizenship أو Nationality
وكلمة مواطنة يقابلها : Citizenship أو Nationality

هل المواطنة و الجنسية شيء واحد ؟ أبدا، المواطنة، في دائرة النظر، تختلف عن الجنسية، لأن الإنسان اليوم يمكن أن يحمل أكثر من جنسية، لكنه من غير الممكن أن يكون مواطنا لأكثر من دولة في آن واحد، خصوصا في مجال الالتزام من حيث الحقوق والواجبات، ولذلك فالجنسية والمواطنة بينهما بعض الاختلاف، ولذلك فإن ما ذكرناه لا يفي بالغرض حينما نستخدم الكلمة ” أمة “، إن كلا من الكلمات ” وطن “، ” وطنية “،” مواطنة “، ” جنسية “، ” مجتمع “، لا تعطي معنى ” أمة “، السبب أنه إذا بحثنا في مدلول الكلمة ” أمة ” فإننا نجد المعتقد الديني هو المحدد، كأن نقول : أمة اليهود، أو اليهود أمة، أمة النصارى،أو النصارى أمة، أمة المسلمين، أو أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أو المسلمون أمة. أما أن نقول، مثلا : الهنود أمة، فهذا لا يفي بالغرض، لأن داخل القومية الهندية نجد عدة أمم، أو أجزاء من أمم، فالهندي المسلم وطنه هو الهند أو دولة الهند، وهو عنصر من المجتمع الهندي، وهو مواطن هندي، لكنه ينتمي إلى أمة محمد، أو أمة المسلمين كذلك الهندي المجوسي فهو من المجتمع الهندي، ووطنه هو الهند أو دولة الهند، لكنه لا أمة له، فإذا آمن بدين سماوي عندها تكون له أمة ينتمي إليها، كذلك الأمريكي اليهودي فهو من المجتمع الأمريكي، ووطنه هو الولايات المتحدة الأمريكية، وهو مواطن من مواطني الولايات المتحدة الأمريكية،أما أمته فهي أمة اليهود،وهو دون شك يخدم هذه الأمة بكل ما أوتي من قوة، ومصلحة أمته فوق كل اعتبار. والمسيحي البريطاني فهو ينتمي إلى المجتمع البريطاني، ووطنه هو بريطانيا، وهو مواطن انكليزي، كما هو المواطن الأمريكي، والمواطن الألماني، لكن أمته ليست هي بريطانيا ولا أمريكا، ولا ألمانيا، إنما أمته هي أمة نزل في حقها الإنجيل، فهي أمة النصارى. وكل هذه الأمم بعث الله فيها رسله ليوحدوه ويعبدوه، فمنهم من آمن، ومنهم من لم يؤمن، منهم من وحد الله، ومنهم من أشرك. من هذا المنطلق نقرأ قول الله سبحانه وتعالى : ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” الآية 13 من سورة الحجرات، الأصل هو الإنسان في حدود القبيلة، وحدود الشعب، هذه هي الكيانات الأساس بالنسبة للإنسانية، قبل ظهور المجتمع، والدولة، والمواطنة، والأمة، إن التقوى تتحدد على إثر الإيمان، إن مراتب أو منازل التقوى بعد التعارف، إذ لا عبرة بكون الإنسان وحيدا منعزلا في الطبيعة أو الإنسان الطبيعي وفق تحديد بعض الفلاسفة الغربيين، فالإنسان المنعزل هذا، لا يمكن اعتباره في مجال التقوى لأنه بعيد عن دائرة الاختبار والامتحان، على إثر ذلك تتحدد مراتب الناس ومنازلهم في دائرة التقوى، لذلك العبرة في مجال التقوى تأتي بعد التعارف، و لذلك بعث الله أنبياءه ورسله إلى أقوام بعينها، وكان خاتمهم صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ومن ذلك الاعتبار ولد الكيان المسمى أمة، أمة موسى، أمة عيسى، أمة محمد عليهم جميعا الصلاة والسلام. أما أن نقول أمة الفرس، أو أمة الروم، أو أمة الوندال، أو أمة الهنود، أو أمة الأفارقة، أو أمة الأمريكيين، فهذا غير معتبر ولا أساس له. ومن ثم فإن مصطلح الدولة الأمة لا معنى له أو أمة الدولة أو الأمة المجتمع، فهذه كلها غير معتبرة. لاحظ كذلك من يقول أن الأمة مصطلح سياسي وقانوني، هذا أيضا غير معتبر، إذ لا يمكن تسييس أو تقنين “الأمة ” فهي خارجة عن مثل هذا التحديد. وهذا ما يدفع البعض إلى القول بأن الولايات المتحدة الأمريكية دولة أو بلد من بلدان الأمة الإسلامية، على أساس تعداد مواطنيها من المسلمين، وهذا غير سليم لأن الولايات المتحدة الأمريكية كدولة وكسياسة لا تخدم مقومات الأمة الإسلامية وعلى رأسها مسألة التوحيد، أما المسلمون الأمريكيون فهم من الأمة الإسلامية ومواطنتهم الأمريكية لا تتعارض مع مقومات أمة التوحيد، بل تساعدهم على تفعيل مبدأ الشهادة الذي هو عنوان الوسطية التي دل عليها القرآن. لقد سيسوا الأعراق والطوائف، ودخلوا على الناس من باب اللون والجنس والجهة، فأمعنوا في تقطيع الأوطان واحتلالها ونهب خيراتها. وهم اليوم يمعنون في تقطيع أوصال أمة المسلمين في بلاد الشام والعراق واليمن، ناهيك عن تقطيع المجتمعات والأوطان والدول.

يقول الشيخ رشيد رضا ” الأمة هي تلك الجماعة الذين تربطهم رابطة اجتماع يعتبرون بها واحدا، وتسوغ أن يطلق عليهم اسم واحد ” تفسير المنار، محمد رشيد رضا 2/220.

إن رابطة الاجتماع تختلف مكانا وزمانا وتحديات، ومصالح الناس في زمن ومكان ليست نفسها في أزمنة وأمكنة أخرى، والاسم الواحد الذي يطلق على تلك الجماعة ليس الذي يطلق على جماعة إنسانية أخرى، ولذلك فهي غير معتبرة وغير كافية بالنسبة لرابطة قيام ” الأمة “، لاحظ الاجتماع من خلال التعارف، ماذا أطلق عليه القرآن ؟ الآية : ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم “، ذكرت القبيلة والشعب ولم تذكر الأمة، وإذا، المصالح وحدها لا تكفي، وتحديات الطبيعة وحدها لا تكفي، وتحديات الحروب وحدها لا تكفي، هذه وتلك لا تكفي لقيام أمة، لذلك قال الله تعالى : ” ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ” الآية 47 من سورة يونس، إذا، المعتبر هم رسل الله، والذي يسأل عن الرسل بعد الإسلام، فإن الحجة على الناس كافة بعد الإسلام هو خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم، حتى على اليهود والمسحيين والمجوس والملحدين. أما بالنسبة للموحدين، يقول الله تبارك وتعالى : ” إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ” الآية 92 من سورة الأنبياء، وقوله : ” وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ” الآية 52 من سورة المؤمنون. وكذلك قوله سبحانه : ” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله، ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ” الآية 110 من سورة آل عمران. ولكون مسألة الإيمان لا جبر فيها، بل هي من صميم اختيار الإنسان دون إكراه، يقول الله عز وجل : ” لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ” الآية 256 من سورة البقرة. وقوله عز وجل : ” ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين ” الآية 118 من سورة هود. وقوله سبحانه : ” ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ” الآية 99 من سورة يونس.

إذا، نحن أمام مصطلحات، القبيلة، الشعب، الجماعة، المجتمع، هذه كلها لها ما يقابلها في اللغات الأخرى، كما في اللغة العربية، لكن مصطلح الأمة تنفرد به لغة القرآن الكريم، دون منازع، ولذلك، oummaيمكن أن تضيف اللغة العربية هذا المصطلح مدلولا وغايات إلى اللغات الأخرى بمثل : ” el oummaأو

 إن لغتنا العربية تمتاز بكثير من التناغم والتنوع، لقد أشرت قبل هذا إلى أن كلمة ” الغير ” تختلف عن كلمة ” الآخر “، كيف ذلك ؟ من أين نستقي ذلك ؟ نضرب لذلك مثالا : أبدأ من أن الزنا هو علاقة بين رجل وامرأة لا تحل له، والمرأة التي تحل له هي زوجته، وإذا، فالمرأة التي لا تحل للرجل هي غيره، بحيث لا نستطيع القول هي آخر بالنسبة للرجل، أو هي امرأة أخرى، ببساطة لأن كل النساء غير زوجته حرام عليه إلا بالزواج، وجاء الزنا في المرتبة الثالثة بعد الشرك بالله وقتل النفس بغير وجه حق، كما أؤكد في هذا المقام، أن المرأة ( من غير ) محارم الرجل، و التي ليست زوجته، هي غير الرجل، وكذلك الرجل ( من غير ) محارم المرأة، والذي ليس زوجها، هو غير المرأة، لأن هذه الدائرة الإنسانية العلائقية خاصة جدا، ودونها تكون باقي الدوائر من طبيعة علاقة الإنسان بالإنسان بغض النظر عن جنسه هي علاقة إنسان بإنسان آخر. إن مثل هذا التحديد مؤيد دينيا وعلميا، اجتماعيا وتاريخيا. هذا في باب تميز اللغة العربية التي هي لغة القرآن.

أما ما يعرضه البعض على أنه مدلول آخر من باب بعض الالتباسات التي ادعى البعض ملازمتها لاستعمال لفظة ” الأمة “، كأن يستدلون بالآية : ” ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه، ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ” الآية 8 من سورة هود. فمعنى ” أمة معدودة ” هو تعاقب الأمم جيلا بعد جيل باستمرار الحياة، لقد اغتر المشركون وادعوا أنهم بمنأى عن العذاب، وهذا غرور من باب الجحود، لا غير، فتعاقب الأمم جيلا بعد جيل ليس دليلا على ادعاء المشركين، وإنما هو من باب مشيئة الله، بيده كل شيء سبحانه وتعالى عما يشركون، وحتى بالنسبة لتأويل بعض المفسرين لعبارة ” أمة معدودة ” بالأجل المعدود، فهو من صميم استمرار حياة الأمم جيلا بعد جيل، والجواب على ذلك من القرآن الكريم، فرغم الموت، ورغم عجز الإنسان أمامه، ورغم الدلالات القاطعة على عظمة الخالق، فإن عبثية المشرك أعمت بصيرته يقول الله : ” أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق “. فالمشركون يستعجلون العذاب ساخرين. ودائما في باب ما يعرض على أنه التباس في معنى الكلمة ” أمة ” قول الله : ” إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ” فالمعتبر في الأمة هو توحيد الله وهو العامل المشترك بين جميع الرسل إلى كل الأمم، وبالتالي فالعبرة ليست بالعدد، وإذا، فمعامل التوجيه بلغة الرياضيات بالنسبة للأمة هو دين التوحيد، وليس أي اعتبار آخر. كذلك قوله تعالى : ” إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ” الآية 22 من سورة الزخرف، فقولهم : ” وجدنا آباءنا على أمة ” بمعنى ” على ملة وعلى دين غير الذي تدعونا إليه، والعبرة في مسألة ” الأمة ” بدين التوحيد وملة محمد صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء ادعوا لأنفسهم ما ليس حقا، لقد ادعوا أن آباءهم كانوا أمة، وهم على إثرها ( مهتدين ). وإذا، أين هو الالتباس، وأين هو التعارض ؟ فإذا كان هناك تعارض فهو من صميم سوء فهمنا، ليس إلا. حتى في قوله تعالى :” ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ” الآية 23 من سورة القصص، فالمعنى لا يخل بمفهوم الأمة المعتبر بدين وملة التوحيد، ذلك أن الرسل أرسلوا إلى أمم من الناس، هل كل الناس آمنوا ؟ بطبيعة الحال، منهم من آمن، ومنهم من لم يؤمن، والقول أمة من الناس تعني فئة من الناس بعينها، ذلك أن درجات الإيمان ليست سواء، أي أن الناس ليسوا سواء في مسألة الإيمان، لذلك فالناس المرسل إليهم هم أمة، أما مراتبهم الإيمانية فليست سواء، يقول الله تبارك وتعالى :

 ” ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ” الآية 159 من سورة الأعراف. هل كل الذين أرسل إليهم موسى آمنوا ؟ الجواب معروف بطبيعة الحال، وبنو إسرائيل اليوم خير شاهد. إذا، دين الحق هو المعتبر، وتوحيد الله هو الأساس، فرغم أن الناس المرسل إليهم سماهم القرآن أمة، فإن العبرة داخل الأمة الواحدة هو الرضاء والتصديق بعد التوحيد. يقول الله عز وجل : ” من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ” الآية 25 من سورة الإسراء. لاحظ التعبير القرآني : لا تحمل نفس حمل نفس أخرى، والنفس في هذه الحالة تشمل الرجل والمرأة، أي في باب الهداية، وباب الضلال، لا فرق بين الرجل والمرأة، ولذلك جاءت كلمة ” أخرى “، لاحظ حينما نستخدم التعبير: ولا تحمل نفس حمل غيرها، أو، ولا تحمل نفس وزر غيرها، أو ولا تزر وازرة وزر غيرها، غيرها لا يفي بالغرض إلا إذا تحدثنا عن الإنسان وغير الإنسان، أو نتحدث عن مسألة خاصة، كعلاقة لا يجوز القيام بها بين رجل وامرأة مثل أن يزني الرجل أو المرأة، هذا بتلك، أو هذه بذاك، فلا فرق بين رجل وامرأة في مسألة العقاب أو الثواب، فإذا قلنا لرجل : إذا كنت لا تحب الزنا بأمك، أو بأختك، فلا تحبه بغيرك، فغير الرجل هنا هو المرأة التي ليست زوجته، فزوجته ليست غيره، كما أن النساء الأخريات خارج دائرة الزنا لسن غيره، وإنما نقول عنهن :الأخريات، وعن الواحدة : الأخرى. من هذا المنطلق ينبغي الاعتراف بتميز اللغة العربية في هذا الجانب، لذلك لا تستغرب وجود كلمات عربية المنبع في لغات أخرى، حتى اللغة اللاتينية، خصوصا حينما نبحث عن بعض المعاني في دائرة الدال والمدلول.

أعود إلى مصطلح ” الأمة “، فرغم أن خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم هو حجة على الناس كافة بعد أن بلغ رسالة التوحيد، فإن أمة محمد لا تشمل المشركين، فهي الدائرة الخاصة بالموحدين فقط، الإنسان مخير في ذلك في إطار مشيئة الله، يقول الله : ” من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد ” الآية 46 من سورة فصلت. ومن عظمة الإسلام أن الإنسان لا يكفيه ولادته من أم مسلمة وأب مسلم، بمعنى أن الإنسان لا يكفيه أن يكون مسلما بالوراثة، بل العبرة بالرضاء والتصديق، لذلك أكد صلى الله عليه وسلم على الفرقة الناجية، حين سئل عن طبيعتها بقوله : ” ما أنا عليه وأصحابي “. إن ” أمة ” التوحيد هي أمة الرضاء والتصديق، هي أمة الوسطية، هي أمة الشهادة، وخير شاهد عليها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، مصداقا لقوله تعالى : ” وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا “، من هنا تتأكد حقيقة افتراق أمة المسلمين إلى ثلاثة وسبعين فرقة، فرقة واحدة هي الفرقة الناجية، لذلك لا تستغرب كثرة من يحمل راية لا إله إلا الله، لكنه عمليا يخالف ما كان عليه رسول الله وأصحابه، يستبيح دماء الناس بغير وجه حق، ويقدم صورة عن الإسلام، عجز حتى اليهود في رسمها حول دين التوحيد. إن العبرة بعد التوحيد بالرضاء والتصديق، كأن تصدق صلاتنا فتنهانا عن الفحشاء والمنكر، ويصدق صومنا فلا نرفث ولا نفسق، وتصدق زكاتنا فتتطهر أموالنا من الغش والربا، ويصدق حجنا فنلبى الله ونعظمه في سكوننا وحركتنا، فلا نظلم أنفسنا ولا نأكل أموالنا بالباطل ولا نستبيح أعراضنا ودماءنا، حينها نكون على ما كان عليه رسول الله وأصحابه. وحينها فقط يصدق فينا قوله سبحانه : ” وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ” الآية 143 من سورة البقرة. تلك هي أمة المسلمين، وتلك هي أمة الشهادة، حتى وإن اختلفت وتباعدت أوطاننا، وتنوعت أعراقنا وألواننا، وتعددت لغاتنا. وإذا فالمحدد بالنسبة لمعنى ” الأمة ” هو واحد، أي أن الرابط هو واحد، ألا وهو رابط المعتقد الديني، بغض النظر عن مدى أو درجات استجابة المنتسبين.

وحتى قول الله سبحانه وتعالى : ” وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم، ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ” الآية 38 من سورة الأنعام، على ماذا يدل وجود الأنعام في هذا الكون ؟ هذا التنوع وهذا التجلي ؟ مسألة الأنعام كلها إعجاز، بل هي إعجاز في إعجاز وجودها بهذه الكيفية دال على عظمة الخالق وعلى تفرده بخلقها سبحانه، فكل نوع في فلكه يسبح لله، في خضوع تام، لا ينبغي لأي من هذه الأنواع أن يخرج عن حدوده، وإلا كيف يمكن للإنسان أن يهنأ له بال في حال تمردت ثعابين الأرض وهاجمت الإنسان ليلا ونهارا بلا انقطاع ؟ أو تمردت بعض وحوش الأرض وهاجمت مزارعنا وحرمتنا من خيراتها ؟ أو نقلت بعض الحشرات الأوبئة إلى المياه التي نشربها ونسقت فيما بينها في كل حين ؟ هل نستطيع منعها ؟ أليس الخالق الواحد الأحد هو الذي وضع الميزان، فكفانا كل ذلك ؟ أليست تلك الأنعام تسبح بحمد ربها وتشهد بوحدانيته، وكأنها جميعها أمم على ملة التوحيد ؟ كيف لا يعتبر الإنسان ويكف عن العصيان ؟ وإلا فما مدلول الكلمة ” أمثالكم ” ؟ الأنعام مثل الإنسان في ماذا ؟ ألها عقل مثل الإنسان ؟ هي أمثالنا في ماذا ؟ أمم أمثالنا في ماذا، إن لم تكن في الدلالة على عظمة الله وتوحيده ؟ إن مقوم الأمة هو الملة، والملة الثابتة التي دل عليها الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام إلى أقوامهم وشهد بها خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم فبلغها إلى الناس كافة هي ملة الإسلام، إبراهيم، وموسى، وعيسى، وكل الرسل وحدوا الله، أفلا نكف عن العناد ونعتبر بعجزنا أمام آيات الله، فنوحد الله ونخافه ولا نتبع أهواء المشركين. ثم لماذا لا نكمل قراءتنا لما بعد الآية 38 ؟ يقول الله تبارك وتعالى : ” والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله، ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم ” الآية 39 من سورة الأنعام، وحتى الآية التي سبقت الآية 38، ألا وهي الآية 37 من نفس السورة : ” وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون “. ألا تدل هذه الآية على حال المعرضين المشككين في الرسالة التي بلغها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعدها جاء الجواب من عند الله ومن خلال الآيات التكوينية الشاهدة والدالة على وحدانيته.

آراء حول مدلول الأمة

الكتاب تحت عنوان : المجتمع المدني : دراسة نقدية، للدكتور عزمي بشارة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

الكاتب يسهل علينا مهمة البحث، لأنه يقول في مدخل الكتاب : ” هذا الكتاب هو حصيلة سنتين أو ثلاث من البحث والتفكير في أحد المواضيع التي تصعب فيها على الصناعة الأكاديمية التجميعية في الوطن العربي عملية فصل قمحها عن زؤانها “. ( 1 ).

أفهم، من هذا، أن دائرة الفكر العربي تكاد تكون خاوية الكفين بالنسبة لهذا الموضوع، خصوصا أن الدكتور يحاول من خلال كتابه، هذا، الوصول إلى ما يشبه ( الاختراع )، أي : طبعة متميزة، لما يسميه ” مجتمع مدني “، قائمة بذاتها، يمكن اعتمادها في دائرة عالمنا العربي، خصوصا أنه يقدم الجديد، حينما يتجاوز مصطلح ” الأمة “، فيعتبره، بعد اجتهاد مميت، في جولة مكوكية بين المواطنة والوطنية والهوية والقومية و…، ليس سوى : ” مجتمعه المدني ” المنشود، الذي أطلق عليه عبارة ” الأمة المواطنية “. وبالنسبة للفكر الأكاديمي العربي، هل فكرة ” المجتمع المدني “، لم تكن ذات قيمة، ومن ثم انصرف عن تناولها وبحثها، أم أن هذا الفكر يعيش حالة من العجز جعلته غير قادر على تناوله ؟ أم أن الدكتور، قصد تهيئة القراء، أو على الأقل قراء عالمنا العربي، الذين يعيشون مثل باحثيهم الأكاديميين فراغا رهيبا في مقاربة مثل هذه المقاربات.

الملاحظة الأخرى، هي أن أستاذنا الباحث، عبر عن قناعته في يسر، لا أدري، أهي قناعة عن وعي وحضور، أم أنه على قناعة بأن القارئ العربي لا يرقى إلى الوقوف أو التوقف عند مثل هذه الزوايا المفصلية، أو المفاصلية ؟ الباحث المفكر يحدد ويعلن عن فئته أو فريقه،أو مجتمعه المفضل البارز ضمن مخيلته، على الأقل، الذي يصفه، أو يريده أن يكون صاحب السبق في مثل هذه الصناعة، ويعلن بصراحة أنه واحدا من هذا المجتمع، أو أحد المنظرين الأساسيين له، أو هذا الذي يجب أن يكون، يقول الدكتور : ” فالباحث ينتمي إلى الفئات الاجتماعية التي تعتبر لفظ المجتمع المدني لفظا يخصها أو يدلل عليها ” ( 2 ). كما يؤكد الباحث الدكتور طبيعة عمل هذه الفئة، أو الفئات الاجتماعية الخاصة والمتميزة التي ينبغي أن تشغل حيزا عاما، ليس هو الحيز العام الخاص بالدولة، ولا الحيز العام المتصل بالمجتمع الأهلي، أو البنى الجمعية، خصوصا أن الدكتور استخدم لفظة فئات، بمعنى أنها لا تخص دولة عربية بعينها، وإنما هي متواجدة هنا وهناك، يميزها لونها الفكري وتطلعاتها الخاصة وأدوات عملها، حيث يقول : ” وإما أيضا لأن هذه الفئة الاجتماعية تحتكر العمل في المنظمات الأهلية الجديدة القائمة على هامش الدكتاتوريات العربية ” ( 3 ).

ويرى الدكتور، أيضا، أن هذا التيار الفكري الاجتماعي بفئاته المنتشرة في حدود عالمنا العربي، لم يذهب بعيدا في معركته، أو فعله داخل مفاصل الدولة بسبب عدم فاعليته، ويعيب عليه انسحابه من الدائرة السياسية، وعدم اهتمامه بملء الفراغ. لذلك يعلن الدكتور، أنه يسعى من خلال كتابه هذا، النفخ من جديد داخل هذه الآلة، حتى تعمل عملها، بعد أن تدرك أنها لم تكن فاعلة سياسيا بما فيه الكفاية، بدليل عدم استفادتها من التحول في نطاق عالمنا، أو وطننا العربي، خصوصا مع بروز، ما أطلق عليه ” ثورات الربيع العربي “، أو الانتفاضات الشعبية، أو ما شابه، لذلك يقول : ” إن هدف الكتاب الحالي هو تحويل مقولة ساكنة تثير الرضى والاسترخاء عند بعضهم، والسخط والنقمة عند بعضهم الآخر، إلى مقولة تاريخية متحركة تظهر الطاقة الكامنة فيها من خلال بحث طريق تطورها التاريخي، فتاريخ تطور الأفكار لا يمكن له العودة إليها بمجرد الاستدارة إلى الخلف والعودة القهقرى، وإنما يحتاج إلى عملية حفريات. إن تاريخ المعرفة يكشف ويغطي، ويحلل ويراكم في آن معا، ومقولة المجتمع المدني قد تكون مفيدة في المعركة العربية من أجل الديمقراطية، إذا تم فهمها فهمها فهما تاريخيا، أي نقديا، بكشف حدودها التاريخية، وتاليا بكشف الطاقة الكامنة فيها، وقد تكون مقولة ضارة بقضية الديمقراطية وتحرر الإنسان العربي، إذا تحولت إلى أداة لتحييدها سياسيا، أي إلى أداة تجنب طرح مسألة نظام الحكم. ” ( 4).

الدكتور الباحث عزمي بشارة، بسلسلة كتبه، وبكتابه هذا، على وجه الخصوص، يتجاوز البحث الأكاديمي المجرد، حتى بالنسبة للمشتغلين بالبحث على مستوى بعض مراكز الدراسات العربية، لأنه لا يرى في شخصه مجرد قارئ، أو عارض أزياء، أو ( مودات )، أو مجرد منتسب إلى مركز دراسات وأبحاث، إنه يرى صورته في صورة المفكر القائد، الذي يتصدى ضمن منظومة فكرية قائمة بذاتها لصناعة التاريخ، في حدود عالمنا أو وطننا العربي، على أقل تقدير. لذلك نجده يؤكد على عمل الفئات الاجتماعية، داخل المجتمع، من خلال عملية أعمق، ما تكون، لأنها بمثابة عملية حفريات، أو عملية تموقع، بناء على عملية تسييس وتقطيع وتشريح، لأن الصناعة التاريخية، أو صناعة التاريخ تحتاج إلى مثل هذا التموقع، وهذه الحفريات، كما تحتاج إلى هدم وإزالة وتطهير، وإعادة تركيب، من خلال عملية اجتماعية سياسية تموقعية تراكمية تؤتي أكلها في حينها.

الدكتور الباحث، لا ينطلق، بخصوص فكرة ” المجتمع المدني “، تاريخيا، أو من فهمه للتاريخ، من الوطن العربي، بقدر ما يستند إلى العملية التراكمية في بعدها التاريخي العالمي، وينظر من تلك الزاوية إلى الإمكان التاريخي في حدود الوطن العربي، خصوصا أن وجهة عالمنا العربي، اليوم، لا يحددها المواطن العربي المنهك بأزماته الداخلية، ولا كذلك، الحاكم العربي الغارق في أحلامه، الذي يرى صورته في صورة عرشه ضمن تاريخه الذي لم يعد يغر أصحاب الحل والعقد في عالم اليوم. ويعطي الدكتور، أو يضرب لذلك مثله الخاص: ” المجتمع المدني الفلسطيني “، الذي لم يعثر عليه داخل الحيز الفلسطيني العام المحتل، كما لم يعثر عليه داخل حدود الضفة، ولا داخل حدود القطاع. والسؤال : هل الغاصب المحتل ينظر إلى فلسطين من خلال ” مجتمعها المدني ” الذي لم يولد بعد، أو أن المحتل، لم يأذن له بالظهور بعد ؟ أين يحبذ المحتل تواجد مثل هذا المجتمع، في الضفة أو في القطاع ؟ أم أن المحتل الغاصب يجمع قواه ليسحق كل الفلسطينيين، يتساوى أمامه،المنبطح، والمقاوم، فالمحتل الغاصب، لم تلتبس عليه صورة أمته، اليهود في شتى أنحاء العالم، لا يتنكرون لأمة اليهود، المقيم في أمريكا، أو روسيا، أو تونس، أو المغرب، أو فرنسا، أو بريطانيا، أينما كان، أو حل، وارتحل، فهو يعتز ويجتهد في التواصل بأمته، دون أن يرفع شعارا، أو ينشد نشيدا. إن الغاصب المحتل، لا ينطلق، ضمن عملية الهدم والبناء، في حدود المجتمع الإسرائيلي، الذي قام في فراغ أمة التوحيد،لا ينطلق من فكرة ” المجتمع المدني “،بل هو يجمع قواه الفكرية والاجتماعية والثقافية والسياسية والقهرية، ضمن منظومته الخاصة التي تستمد روحها وبعدها من العمق الحضاري لأمة اليهود.

الدكتور يضرب مثله، ليس بغرض فهم مقتضيات هذه الفكرة بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي، بل بغرض التعبير عن تلك المقتضيات في حدود التموقع، أو الحفريات التي تجري داخل الكيان الفلسطيني المثقل بكثير من الإكراهات، والكاتب يؤكد مع ذلك حاجته إلى البعد الفلسفي في سياقه التاريخي، كوقود ضروري لاستمرار عملية الهدم والبناء، ضمن ما سماه ” صناعة التاريخ “، لكن في حدود الإمكان التاريخي المتصل بالكيان الفلسطيني المحتل، وفي امتداده ضمن حدود الوطن العربي، لذلك، فهو يقول : ” يبدأ الكتاب بالأسئلة الفلسطينية وينتهي بالأسئلة العربية ” ( 5).

ورغم المجهود الكبير الذي بذله الباحث، فإنه وصل فارغ اليدين، لم تسعفه عملية الفرز التي أجراها وهو ينتقل بين المعسكر الغربي الليبرالي برأسماليته المتوحشة، التي لا تميز، حين انزعاجها، بين ما هو من الدين وما هو من الدنيا، بل هي في منع رهيب، تحتكر السياسة وتحتكر المال، وتعمل لاحتكار أدوات القهر، فهي في هلع دائم. والمعسكر الشيوعي الذي حسم المسألة من البداية، فلم يسمح بغير الانصياع التام للحكم الشمولي الديكتاتوري. لأنه كان يكفيه وهو يبحث عن مدلول مجتمعه الجديد، حينما تتبع أفكار بعض الفلاسفة، خصوصا، قوله : ” وعملية التمفصل والفرز مستمرة بعد ظهور المجتمع المدني كمفهوم، في حلقته الأولى، عند توماس هوبز، حيث لم يكن هذا المفهوم منفصلا عن الدولة، بل كان مجرد تعبير عن انتقال مبدأ السيادة من السماء ( الحكم بالحق الإلهي ) إلى الأرض ( الحكم على أساس العقد الاجتماعي )، وإن كان تصور الحكم الذي رافقه دكتاتوريا مطلقا، وإن لم ينفصل المجتمع المدني، في هذه البداية عن المجتمع السياسي ” ( 6). كان بإمكان الدكتور، التوقف مليا عند ما ذكره وسماه ” حلقة أولى “، لأنها كانت كافية، يمكن أن تغنيه عن حلقات أخرى، لا طائل من ورائها، ذلك أن مفهوم ” المجتمع المدني “، أو هذه الفكرة، هي وليدة تلك الحركة الاجتماعية التي شهدتها أوربا خلال العصر الحديث، التي أطلق عليها فيما بعد اسم ” العلمانية ” أو ” العلمنة “، كمحيط عكس تضارب وتناقض نصوص الكنيسة، ودل على تحريف نصوص الدين، وبرر ثورة أوربا على الكنيسة وفكر رجالها، لذلك ظهر ما يسمى بالمجتمع المدني، على أنقاض المجتمع الديني، أو ” دين الكنيسة “، الذي هو ليس سوى فكر قساوستها وبابواتها، الذين وقفوا بجانب الأباطرة، ثم الإقطاعيين، ومع كل مغامر سياسي، يقف في وجه تطلعات الشعوب نحو الانعتاق من أتون الاستبداد. هذه هي فكرة المجتمع المدني، التي حاول البعض النسج على منوالها داخل مجتمعات خلال نهاية القرن العشرين، لكن في غير تربتها، ولا في حضور أسبابها ومعطياتها، فكانت خيوطها أوهن من بيت العنكبوت. ذلك أن رفض الأوربيين للفكر الديني هو رفض لما هو كنسي بسبب ما لحق بهم من ويلات، ورفض للصورة المشوهة للدين التي عكف على صناعتها باباوات الكنيسة وقساوستها، لذلك فقط عبروا عن مجتمعهم الجديد الذي تحرر لتوه من أتون الاستبداد بالمجتمع المدني. وهو مجتمع غير ديني، وغير ديني هنا، ذي طابع خاص، أي هو مجتمع، لا يعترف لرجال الكنيسة ( رجال الدين ) بأي حق في إدارة الشأن العام، في بعده السياسي أو الاجتماعي، وكأنهم يقولون للكنيسة ورجالها، لا شأن لكم بحياتنا، لكم فكركم الديني ولنا دنيانا، ففكركم الديني هذا لا يناسبنا. ذلك هو أصل فكرة ” المجتمع المدني “، ليس إلا. أما ما جاء بعد ذلك من تأليف وإخراج، فهو من تصور وتخيلات تيارات سياسية تواقة إلى الحكم، لم يسعفها أسلوب الاختيار الحر، فاستخدمت فكرة ” المجتمع المدني “، كرد فعل على فشلها، ليس لدعم توجه الإنسانية نحو الانعتاق الكلي من دائرة الاستبداد، ولكن إمعانا في تقطيع أوصال الدولة الحديثة ومجتمعاتها التواقة إلى الحرية. يقول الدكتور عزمي بشارة : ” وافتراض طبيعة المجتمع، أو تخيل وجوده من دون دولة ( عند جون لوك بخاصة )، هو افتراض الناس أفرادا، أو أفرادا اجتماعيين، في حالتهم الطبيعية،أي من دون دولة،هو الافتراض الذي يبنى عليه المجتمع المدني، في حلقته الثانية، كمجتمع مدني قائم بذاته، أي بانفصال عن الدولة، وهذا هو الوجود الأول والبسيط. ” ( 7 ). إن ( جون لوك )، لم يقصد الإنسان الطبيعي، أو الناس كأفراد اجتماعيين من غير الحاجة إلى سياسة تحكمهم وتنظم حياتهم، بل قصده نابع من كرهه، وكره الناس لأساليب رجال الكنيسة الذين تآمروا مع دكتاتوريات أوربا وإقطاعييها، في صناعة فصول الاستبداد في أقتم صوره. ( جون لوك ) يريد من الناس أن يصنعوا مستقبلهم بعيدا عن الفكر الكنسي، وأن يتأكدوا من ذلك بأنفسهم، فيصنعوا حريتهم بأيديهم، وأن تكون الدولة من صنع المجتمع، وليس من صنع باباوات الكنيسة وقساوستها، ذلك هو الانفصال الذي أراده ( جون لوك )، وذلك هو الذي عبر عنه الأوربيون فيما بعد، بالعلمانية والعلمنة. إن القول بمجتمع خارج الدولة، هو مجتمع بلا عنوان، إلا في حدود تخيلات أصحابه. أما ما أطلق عليه اسم ” اللائكية “، فهو ليس سوى مخرج تدبره رجال الكنيسة للعودة من جديد، لن أصحاب هذا التوجه كانوا في الأصل من الساسة المغامرين، غن لم أقل شيئا آخر، لا تهمهم سوى مآربهم الخاصة، لذلك تحالفوا من جديد، ودخلوا على المجتمعات من باب تفعيل الصراعات المصطنعة، وامتطاء لصحوة فكرة ” المجتمع المدني “، فسيسوا الطائفة، واللون والجنس، والجهة، فأمعنوا في تقطيع أوصال المجتمعات والدول، انتقاما منهم لحقد دفين. لذلك فإن الحلقة الثانية، وما تلاها من حلقات، لا تعبر عن حركة المجتمع، بقدر ما هي، تعبر عن أقلية داخل المجتمع، تريد فرض تصورها، ليس عن طريق إقناع الناس، ومقابلة الحجة بالحجة، وإنما عن طريق التضليل، فهي تتغذى من الصراعات المصطنعة الناتجة عن سياسة التموقع والتقطيع. وللأسف الشديد، فهي، في غياب الوعي والحضور الاجتماعي، تستخدم أدوات الحكم أو السلطة، بغير وجه حق، للنيل من لحمة المجتمع وتماسك الدولة، تكريسا لحالة أللاستقرار، قصد تمرير أفكارها وتصوراتها. يقول الدكتور : ” إن الواقع الاجتماعي الذي ينطبق عليه مفهوم المجتمع المدني فيفسره، هو واقع اجتماعي ينضوي المفهوم تحته ( وليس هو تحت المفهوم، كتعريف عام مفروض عليه ). والمجتمعات التي ينطبق عليها المفهوم هي مجتمعات مرت بتفتيت أو تجزئة أو تجاوز للوحدة العضوية بين الفرد والجماعة ( البنى الجمعية ) من جهة أولى، وتمييز بين الدولة والمجتمع من جهة ثانية. ( 8 ). إن فكرة ” المجتمع المدني “، في حلقاته، أو طبعاته، بعد طبعته الأولى الأصيلة، أي في طبعاته الثانية، وما بعدها، سواء في أوربا، أو حتى في حدود عالمنا العربي، ليست سوى : ” مجتمع أقليات، لا وجهة نظر لها “، لأن الأقلية التي لها وجهة نظر خاصة بها، يمكن أن تعبر عن وجهة نظرها، وأن تطالب بحقوقها كشريحة اجتماعية، ولبنة من لبنات المجتمع والدولة. وأستطيع القول، أن فكرة ” المجتمع المدني ” في طبعاته، أو حلقاته، بعد الأولى، هي من الأفكار القاتلة، ذلك أنها لا تصلح سوى للتموقع والتسييس لكل ما هو طبيعي، وتقطيع أوصال المجتمعات والنيل من لحمتها وتماسكها. ولمن يريد أن يتأكد، فما عليه إلا أن يتتبع أفكار وأساليب هذه الأقليات، حتى يدرك، كيف ألحقت الويلات بشعوب عالمنا، من خلال الحربين العالميتين، وما يحدث اليوم في العراق، واليمن، والشام. واعلم أن تلك الأقليات، تحسن الدخول على المجتمعات من أبواب متفرقة، لذلك لا تستغرب، قيام اتحادات باسم النساء، والشباب، والطلبة، وحتى الدين، أحيانا. الدكتور تميز عن أكاديميين آخرين، في حدود عالمنا العربي، كونه لم ينقل لنا وجهة نظر آخرين، فهو يجتهد لطرح وجهة نظر خاصة به، إلا أنه، وفق مشروعه، أو مجتمعه المدني الجديد الذي لم يولد بعد، يضعنا أمام معضلة مفاهيمية معقدة، لأنه، لم يصل إلى فك شفرة هذا المجتمع الذي يبحث عنه، سواء، انطلاقا من مقومات الفرد أو مقومات الجماعة، لأنه يخرج بعد جهد مضن يحمل بين يديه مولودا يسميه ” الأمة المواطنية “، غير أن هذا المولود، ولد ميتا، لاروح ولا نفس له، لأنه سرعان ما جعله مكافئا لمجتمعه المدني المنشود، خصوصا أن الدكتور حاول جاهدا تجاوز حدود العرق، والجنس، واللغة، والطائفة، والوطنية، والمواطنة، والديمقراطية، والقومية. وكأنه يريد من مجتمعه الجديد أن يمتص هذه المحددات جميعا، في الوقت الذي نجده يعيب على أولئك الذين يقومون باستنساخ تجارب الآخر، في غير سياقها التاريخي، وإلصاقها بالمعضلة العربية. وحتى إذا أردنا استنساخ فكرة المجتمع المدني في طبعتها الأولى، ونقلها إلى عالمنا العربي، فإننا ننقلها دون ترياقها، ومن ثم ننقل فكرة قاتلة في أحسن الأحوال. الدكتور بشارة، لم يقدم البديل، خصوصا أنه لم يتحرر من سؤال الأمة، كما يجب، هذا السؤال، الذي لم نجد له تحديدا، في حدود الفكر الغربي، ولا في حدود الفكر الأكاديمي العربي، سوى بعض المحاولات لربطه بغيره من المفاهيم، أو بعض المصطلحات المبهمة، كعبارة ” الأمة المواطنية “، يقول الدكتور : ” لقد قلنا إن مجرد فصل المجتمع عن الدولة يعني تطابقه مع الاقتصاد من جهة أولى، ومع الأمة من جهة ثانية، أي أنه يعني الأمة البرجوازية ” ( 9). لا أدري أين عثر الدكتور على عبارة ” الأمة البرجوازي”، ما هو سياقها اللغوي، وما هو سياقها التاريخي ؟ فبدل المجتمع، أو الطبقة البرجوازية التي تجد تجلياتها عبر التاريخ، كون البرجوازيين أفرادا اجتماعيين، تجمعهم مصالح وتحديات، يستخدم الدكتور عبارة ” الأمة البرجوازية “، من غير معنى ولا مدلول، أو على الأقل، تحديدا بسيطا، وكان الأجدر أن يفصل، من البداية، بين مصطلح الأمة، وعبارة المجتمع المدني. ولعل الخلط الذي وقع فيه ماركس وانغلز، وآخرون كثر، لم يسلم منه الدكتور بشارة نفسه. يقول الدكتور : ” غاب المجتمع المدني لفترة طويلة من الفكر السياسي للقرن العشرين كما أسلفنا في الفصل الأول من هذا الكتاب، وذلك بوظيفته التحليلية والمعيارية، وانشق الفكر السياسي إلى ثلاث تيارات : الفاشية، الاشتراكية ( بتياراتها ) والليبرالية ( بتياراتها ). لقد تاق الفكر القومي الفاشي إلى تطابق متكامل بين المجتمع والقومية والدولة إلى درجة نفي الفرق بين الأمة والدولة، وعندما تندمج الهوية القومية بالدولة اندماجا تاما، تختفي الأمة صاحبة السيادة، كما يختفي المجتمع المدني ليخلفا وراءهما ظواهر قومية اثنية وعنصرية وثقافية شعبوية، بدلا من القومية السياسية المتنورة وجماهير بدلا من المجتمع المدني ” ( 10 )، الدكتور، أشار إلى معضلة نفي الفرق بين الأمة والدولة، وإدماج الهوية القومية بالدولة، لكنه راح فأحدث دمجا، أو ربطا، في غير محله، بين ” الأمة ” و ” المجتمع المدني ” فأطلق عبارته المركبة، على ” المجتمع المدني ” بقوله : ” الأمة المواطنية “، أين هي الأمة صاحبة السيادة، كما قال، أهي القومية السياسية، أم ماذا بالتحديد ؟

يقول الدكتور أيضا، وتحديدا في الفصل الرابع من كتابه، تحت عنوان : الأمة والقومية والمجتمع المدني : ” سنحاول في هذا الفصل جمع ما ينفصل عادة في الخطاب الأكاديمي إلى موضوعين متوازيين غير متقاطعين : القومية والمجتمع المدني، وإمكانية هذا الجمع المثمر في رأينا بين )Nationality)والقومية (Nation)الموضوعين، ناجمة عن التمييز المفهومي بين الأمة ( وأقصد بها الهوية القومية ) (11). الحقيقة، أن الدكتور، يمتاز بسرعة فائقة في المناورة، إذا صح التعبير، لاحظ : لقد ساوى بين ” المجتمع المدني ” و ” الأمة المواطنية “، أو أنه أطلق على المجتمع المدني، عبارة، الأمة المواطنية، خصوصا أنه يقول في الصفحة 10 : ” وما يجري تشييده عبر هذه الصيرورة الثورية هو مجتمع مدني وأمة مواطنية في الوقت نفسه، وقد عديناهما في الكتاب الشيء نفسه منظورا إليه من زوايا مختلفة وبوظائفه المختلفة “.

إذا، بالنسبة للدكتور، لم يعد هناك فاصل بين الأمة، والمجتمع المدني، حتى وإن ربط بين الأمة والمواطنة ربط إضافة، لا تفسير له، لأن مثل هذه الإضافة، لا تضفي على مفهوم الأمة، سوى مزيدا من الغموض والإبهام، الأمة والمجتمع المدني، جعلهما الدكتور، ليس خطين متقاطعين فقط، بل خطين متطابقين، وبالتالي صارا شيئا واحدا. فقط ما ينبغي ملاحظته، هو اعتراف الدكتور بالفرق الشاسع بين القومية والأمة، حيث اعتبرهما خطين متوازيين، وهذا شيء جميل، عكس المحاولات اليائسة لكثير من الباحثين الأكاديميين الذين فسروا هذا بذاك، ومنهم من جعل القومية والأمة شيئا واحدا، وآخرون تجاهلوا، كلية، مفهوم الأمة، في بحثهم عن مفهوم القومية.

نصل بعد مرافقة الدكتور عزمي بشارة، في رحلته المكوكية، باحثا عن مجتمعه المفضل الذي يمكن أن يخلص عالمنا العربي من محنته وفوضاه، ودون ريب، فهو عاقد العزم على المضي في مشروعه نتمنى له مزيدا من الوضوح في مشواره الفكري الفلسفي والأكاديمي في آن واحد، لعله يجد ضالته.

إن أسلوب الدكتور عزمي بشارة يثير في الباحث العربي، على وجه الخصوص، نوعا من عدم الرضاء على طريقة ما نجريه من مقاربات، لأن كثيرا من الباحثين الأكاديميين، الذين راحوا يستأنسون ببعض الأعلام، كابن خلدون، البغدادي، الشهرستاني، ابن الأزرق، الماوردي، الفارابي، المسعودي، وحتى بعض فلاسفة الغرب، لم يفكوا شفرة مفهوم الأمة. لذلك صور الدكتور عزمي بشارة، من البداية، المسالة ن بالعملية التي يصعب فصل قمحها عن زؤانها.

أعود لسؤال الأمة، هل الذين استخدموا عبارة ” الأمة العربية “، واعتبروا عامل اللغة، من محدداته، هل وصلوا إلى حسم المسألة ؟ إذا كانت اللغة العربية، وحدها، عامل إجماع، هل كانت، قبل الإسلام، كافية لجمع العرب، هل هي التي حررت الإنسان العربي من سطوة القبيلة في حياته، هل هي التي صنعت رجلا، مثل الفاروق عمر بن الخطاب ؟ هل فعلا اللغة هي التي جمعت العرب في جاهليتهم، وصنعت منهم، من صاروا بعد ذلك مضرب الأمثال ؟ هل شعوب إفريقيا، وآسيا، التي تعلمت اللغة العربية وتحدثت بها، كان، لكونها لغة العرب ؟ إن سر تحول العرب، وكل الشعوب التي آمنت برسالة التوحيد، هو القرآن، وقيمة لغة العرب، لأنها لغة كتاب الله، لذلك تعلمها الناس وعلموها لأبنائهم، جيلا بعد جيل. لم تكن اللغة هي العامل المعتبر في تحديد مدلول الأمة، لذلك، فإن استخدام عبارة ” الأمة العربية ” هو تجاوز لمعنى ومدلول ” الأمة “. ثم، إذا كانت اللغة هي المحدد لماذا لم تصل، مثلا اللغة اليابانية إلى ما وصلت إليه لغة القرآن بين الناس، رغم تقدم اليابانيين وتفوقهم العلمي والتكنولوجي والاقتصادي، بل في جميع الميادين ؟ وحتى البعد الاجتماعي، والقومي لم يكن كافيا لتحديد مفهوم الأمة ومدلولها، هل يقبل الإيرانيون، اليوم، أن نقول لهم : أمتكم هي أمة الفرس، وليست أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أو المصريون، فندعوهم : أمة فرعونية،أو أمة فرعون، أبدا، لا المسلم، ولا المسيحي، يقبل ذلك، هذا السؤال، يمكن توجيهه إلى البطريرك تواضرس الثاني، و إلى بابا الفاتيكان فرانسيس، وإلى شيخ الأزهر الدكتور الطيب. والسؤال، ذاته يمكن توجيهه، للأفغان، والهنود، والأمريكيين، وحتى الأوروبيين الذين اعتنقوا الإسلام ؟ هل الاقتصاد هو الذي يحدد إجابة هؤلاء، أو على الأقل، التأثير فيها ؟ لذلك يمكن القول، أن : عبارة ” الأمة العربية ” أو ” الأمة الفارسية ” أو ” الأمة الهندية ” أو الأمة الأفغانية ” أو الأمة الألمانية ” أو الأمة الفرنسية “،.. كلها في غير محلها، وغير مبررة، لأنها مجرد إضافات، تحتاج إلى برهان، والحجة على من استخدمها، ليس إلا. أما القول : أمة اليهود، أمة النصارى، أمة المسلمين، أو : أمة موسى، أمة عيسى،…، أمة محمد، هي فعلا الاستخدامات السليمة، التي يقبلها اليهودي، والنصراني، والمسلم، وكل إنسان عاقل منصف.

إن الذين يتجاوزن، مثل هذا التحديد، يمكنهم الاحتفاظ بوجهة نظرهم، لأن المطلوب، على الأقل، أن تكون للمعترض وجهة نظر، إن سر قوة المجتمع الإسرائيلي، اليوم، واجتماعهم، وإجماعهم، ليس بسبب لغتهم العبرية، أو مصالح مالية وتجارية، فالمال والتجارة في متناولهم، في أوروبا وأمريكا، الذي جمعهم في أرض فلسطين المغتصبة، هو مدى اعتزازهم بانتمائهم لأمة اليهود، لا يتجاوزونه في سلم أولوياتهم، ولا في درجة اهتمامهم، ولا في أهمية مصالحهم الخاصة والعامة، اعتزازهم بأمتهم هو مصدر قوتهم، وهو سندهم في سكونهم وحركتهم.

بعد ما سبق من إشارات، أليس من حق المسلم الموحد، اليوم، أن يعتز بأمة التوحيد ؟ أليس من حقه أن يسعى لتفعيل مبدأ الشهادة، الذي هو مبدأ الوسطية، فيواصل مسيرة التبليغ للناس، فيشهد بذلك، كما علمه خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم ؟ أليس من حق المسلم، اليوم، أن ينتظر من الأزهر الشريف، دورا يترجم مثل هذه المعاني، فيشهد شهادة أمة الشهادة والوسطية ؟

أليس من حق الإنسان الموحد، اليوم، أن يتساءل عن سر فرقة المسلمين، واقتتالهم، في اليمن، والعراق، والشام ؟ أليس من حقه أن يتساءل عن سر غياب أي مؤشر لوقف الإخوة المتحاربين القتال ؟ ثم أليس من حقه أن يتساءل عن طبيعة أولئك الذين يقدمون للعالم صورة مشوهة حول الإنسان المسلم ؟

رؤية في مفهوم الأمة ومدلولها

 وهذا التعريف الشامل للأمة هو الذي يحدد مفهومها، فهي جامع متميز، يجمع بين دنيا الإنسان ومعتقده، يتجاوز كل الروابط الأخرى، من عرق، ولون، وجنس، وقومية، ومواطنة، ومذهب، وطائفة،… يستوعبها، ولا تستوعبه، يؤثر فيها، ويتأثر بها، لا يحيطه مكان، ولا يحده زمان. وهكذا نرى أن هذا التعريف يضم بين دفتيه فلسفة الحياة وفلسفة الدين، أي مقومات الحياة ومقومات المعتقد، مع أخذنا في الاعتبار ضرورة انسجام هذه المقومات جميعا في كيان واحد، تحدثه عملية التركيب التي تجريها الشرارة الروحية، عندما يؤذن فجر إحدى الرسالات.

يقول الله عز وجل : ” وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة، ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه، قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري، قالوا أقررنا، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين “. الآية 81 من سورة آل عمران.

وقوله سبحانه : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم، وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ” الآية 7 من سورة الأحزاب.

وقوله عز وجل : ” وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه، فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا، فبئس ما يشترون ” الآية 187 من سورة آل عمران.

وقول الله : ” وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، قالوا بلى شهدنا، أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ” الآية 172 من سورة الأعراف.

وقوله سبحانه : ” وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود، وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير،ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق، ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ” الآيات 26، 27، 28، 29، 30 من سورة الحج.

القول إلى حكماء المسلمين، حكماء أمة التوحيد، أن يعيدوا قراءة هذه الآيات من كتاب الله العزيز، وأن يصححوا علاقتهم بعالم الشهادة.
 للأسف الشديد أتباع الفاتيكان، يطلقون على :

Le conseil des sages musulmans مجلس حكماء المسلمين:

Le conseil musulman des anciensعبارة: المجلس المسلم للقدامى :

هذا ما أشارت إليه الدكتورة زينب عبد العزيز، أستاذة الحضارة الفرنسية، لمن أراد أن يطلع أكثر، فليراجع ذلك من خلال ” المنبر الحر ” لمعهد الهوقار بجنيف، مقال نشر بتاريخ 09/10/2016.

ومن الأعضاء البارزين لمجلس حكماء المسلمين، بطبيعة الحال، شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب ومما جاء في مقال الدكتورة زينب، تحت عنوان فرعي : موضوع الزيارة وتوابعها، قولها : ” أوضحت في البداية أن سبب الزيارة هو المشاركة في الاحتفال بمناسبة مرور سبعين عاما على إنشاء معهد بوسيه التبشيري. ووفقا للأعراف البروتوكولية، كان لزاما على شيخ الأزهر أن يلقي خطابا، وذلك الخطاب تحديدا هو أساس هذا المقال. فعلى الرغم من أن الخطاب تضمن بعض العبارات الصريحة على استحياء بالنسبة للوضع السياسي في العالم واتهام الإسلام ظلما وتلفيقا بالإرهاب، فإنه يتضمن مآخذ أساسية، ما كان يجب ولا يجوز أن تصدر عن فضيلة الإمام. فمع كل الاحترام الواجب لفضيلته وللمنصب الذي يترأسه، أقول بكل ألم :

*التحدث عن اليهودية والمسيحية والإسلام على أنها متساوية حاليا، أو كأن اليهودية والمسيحية ما تزالان ديانتان منزلتان كما كانا أصلا، قبل التحريف، وقبل أن ينزل الله سبحانه وتعالى الإسلام، فاضحا ومصوبا لكل ما تم فيهما من تلاعب وتبديل، يعد مهانة كبرى في حق الإسلام والمسلمين. وأعتقد أنه ما كان يجوز لي بداهة أن ألفت نظر فضيلته إلى كل ما هو وارد بالقرآن الكريم من تفاصيل حول تحريفهما، بل حتى، لا يجوز أن أذكر فضيلته بكل ما تمت كتابته في العالم الغربي أو الإسلامي حول تحريف اليهودية والمسيحية الثابت يقينا. فما معنى هذه المساواة الممجوجة التي لا يقبلها أي عقل سوي ؟ كان من الأكرم والأهم أن يطالب فضيلة الإمام الأكبر الفاتيكان والكرسي الرسولي بالاعتراف بالإسلام رسميا، دينا منزلا من عند الله، والاعتذار رسميا عن محاربتهما الإسلام بدأب منذ بداية انتشاره وحتى يومنا هذا، مثلما سبق لهما الخروج عن ” نصوص ” المسيحية لتبرئة اليهود من دم المسيح، رغم كل ما هو مكتوب بصريح العبارة في أناجيلهم حتى يومنا هذا.. وهو ما أثبت للأتباع إلى أي مدى تتلاعب المؤسسة الكنسية بدينها في سبيل الأغراض السياسية ومنها استتباب غرس الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين. كما لا يجب ولا يجوز إطلاقا أن ينساق الأزهر ويهرول، جهلا أم عن عمد، لتلبية أغراض الكنيسة المحلية وإقامة مؤتمرين للحوار، أحدهما الشهر القادم في أبو ظبي، والآخر في مطلع العام القادم في القاهرة، والأدهى من ذلك دعوة البابا .فرنسيس لحضوره، تنفيذا لمطلب البطريرك تواضرس الثاني” (12). انتهى كلام الدكتورة زينب

ملاحظة : تاريخ الاحتفالية التي حضرها شيخ الأزهر والوفد المرافق له : 30/09/2016.

بشير جاب الخير
10 أكتوبر 2016

الإحالات :

(1)، (2)، (3)،(4)، المجتمع المدني، دراسة نقدية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدكتور : عزمي بشارة، ص 19.
(5) نفس المرجع، ص 20.
(6)،(7)، نفس المرجع، ص 24.
 (8)، المرجع نفسه، ص 25.
(9)، نفس المرجع، ص 78.
(10)، نفس المرجع، ص 251.
(11)، المرجع نفسه، ص 243.
(12) مقال، الدكتورة زينب عبد العزيز، منبر حر، معهد الهوقار، 09/10/2016.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version