بعد أزيد من أسبوع من انطلاق الألعاب الأوليمبية بريو دي جانيرو بالبرازيل، حيث كان قد شجع باراك أوباما في البيت الأبيض الأمريكي، اللاعبين الامريكان على اختلاف معتقداتهم  واصولهم منهم  المحجبة لاعبة السلاح الأمريكية ابتهاج محمد، وتعد الشابة ابتهاج محمد، أول لاعبة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية تشارك في الألعاب الأوليمبية مرتدية الحجاب.   

وابتهاج محمد من مواليد 1985 بولاية نيو جيرسى الأمريكية وينحدر أبواها من أصول إفريقية، بدأت حياتها الرياضية في لعبة سلاح الشيش عندما كان عمرها 13 عامًا، والتحقت بمدرسة كولومبيا الثانوية واستمرت في ممارسة اللعبة بها، حصلت بعدها على منحة رياضية من جامعة ديوك وتخرجت عام 2007، وشاركت في 5 بطولات عالم بحجابها في المبارزة. وهى تجيد اللغة العربية التي تعلمتها في المغرب الشقيق ضمن تخصصها الجامعي،  واختارها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 2016 ضمن وفد من المسلمين الأمريكيين لمرافقته في زيارة مسجد بمدينة بالتيمور بولاية ماريلاند الامريكية.

في فرنسا حدث عن البحر و لا حرج

ووصفة النجاح بالنسبة لهذه الشابة المسلمة المحجبة بسيطة: “العمل الدؤوب والثقة بالنفس حتى يتحقق حلمك”، الحجاب ليس عائقا، بل محفزا وملهما..هذا في أمريكا، أما في الضفة الاخرى من شواطئ البحر الابيض المتوسط، وفي فرنسا تحديدا فالأمر غير ذلك، “فحدث عن البحر و لا حرج” كما يقول المثل العربي، الذي يجد هنا معناه الحقيقي و ليس المجازي.

فقد أثار قرار رئيس بلدية مدينة “كان” الواقعة جنوبي فرنسا، حظر السباحة بالزي الشرعي المعروف باسم الـ(بوركيني)على شواطئ المدينة، بحجة “احترام العلمانية ودعم الجهود الأمنية”، استنكار شخصيات ومؤسسات أهلية وحكومية في البلاد.

ويحظر قرار دافيد لسنار، رئيس البلدية الذي صدر الخميس الماضي، “ملابس الشاطئ التي تعرض بتفاخر الانتماء الديني، ومن شأنها خلق مخاطر قد تؤدي إلى الإخلال بالنظام العام”، في حين أن “فرنسا وأماكن العبادة فيها تعتبر هدفًا للهجمات الإرهابية”، على حد تعبير القرار البلدي.

لباس الـ(بوركيني) الحقيقة والوهم

و الـ(بوركيني) ، بدلة سباحة تغطي كامل الجسم ماعدا الوجه واليدين والقدمين ولاقت رواجًا كبيرًا لدى المسلمات، وهي مطاطية بما يكفي للمساعدة في السباحة، وقد انتشر الـ(بوركيني) في السنوات الأخيرة ‏ وهو موضة‏‏ جديدة‏ ‏لمايوه سباحة نسوي يغطي الجسد كله وهو أنواع و أشكال، لن ندخل هنا في جدال فقهي حول شرعيته من عدمها، وقد انتشر حتى ‏ ‏في عالم أزياء المشاهير وخاصة في ‏ ‏أوروبا‏ ‏‏، والـ(بوركيني)‏ لا‏ يختلف‏ شكلا‏ ‏عن‏ “المايوه‏” الشرعي‏ الإسلامي الذي‏‏انتشر‏ ‏في‏ ‏البلاد‏ ‏العربية فهو

جمع ‏‏بين‏ ‏كلمتي‏ ‏”البرقع”‏ ‏المحتشم و”البكيني‏” المثير ‏.. والبرقع‏ ‏بشكل‏ ‏عام‏ ‏لباس أفغاني باكستاني يرمز‏‏إلى ‏غطاء‏ ‏المرأة‏ ‏في‏ ‏الزي‏‏الإسلامي، فهو كالحايك والملايا في دول المغرب العربي، إلا‏ ‏أن‏ ‏الأمر‏ ‏يختلف ‏‏موضوعا‏ ‏وغرضا‏ في‏ ‏الغرب‏  ‏فقد‏ ‏انتشر درءا‏ ‏للمشاكل‏ ‏التي‏ ‏تسببها‏ ‏أشعة‏ ‏الشمس‏ ‏الحارقة خاصة‏ ‏لذوي‏ ‏البشرة‏ ‏الفاتحة‏ و التي قد تقف أمامها حتى‏ ‏أكبر‏ ‏الكريمات التي تحمي من اشعه الشمس الحارقة..

فرنسا “تغرق” في قطعة قماش

عموما قطعة القماش  او خرقة بالية أثارت زوابع و عواصف في الشواطئ الفرنسية، لم يثرها تخصيص مسابح و شواطئ  لبعض الشواذ الذين خصصت لهم أماكن للسباحة عرايا بلباس أدم و حواء، و الأماكن موجودة و مخصصا لهم في العديد من الدول، و تعليقا على ذلك وفي تصريح لصحيفة “نيس ماتان” المحلية، برر السيد لسنار قراره بالقول “ليس لدي الوقت أو الرغبة للدخول في هذا الجدل. اتخذت القرار، مع جملة أخرى من القرارات من أجل حماية مدينتي في إطار حالة الطوارئ”، مشيرا أن قراره “لا يحظر الرموز الدينية، من قبيل الحجاب وغطاء الرأس اليهودي (كيباه) أو الصليب، بل يمنع لباسا يرمز للتطرف الإسلامي” على حد تعبيره.

مع قيود على ملابس الأشخاص، لا نستطيع الارتكاز على مبدأ العلمانية

ولم تتأخر ردود الفعل المستنكرة للقرار، على مواقع التواصل الإجتماعي، من جانب الجمعيتين الفرنسيتين “اتحاد مسلمي الجنوب”، و”التجمع ضد الإسلاموفوبيا”، فضلا عن “مرصد العلمانية” الحكومي الذي اعتبر أن “حظر ارتداء الـ(بوركيني)، يمثل عقبة أمام مبدأ العلمانية”.

حيث كتب مروان محمد، رئيس “التجمع ضد الإسلاموفوبيا” على موقع “تويتر” قائلا: “محامونا يدرسون الإجراءات التي يمكن اتخاذها” في هذا الخصوص، وفي المقابل، شجب “مرصد العلمانية”، الذي يساعد السلطات الفرنسية في جهودها الرامية إلى ضمان احترام مبدأ العلمانية في فرنسا، قرار رئيس البلدية، بالقول: “إذا تقررت قيود على ملابس الأشخاص، ففي هذه الحالة لا نستطيع الارتكاز على مبدأ العلمانية”. “

حظر ارتداء الـ(بوركيني) على شواطئ، ليس لها أي سند قانوني

ويأتي قرار حظر ارتداء الـ(بوركيني) على شواطئ “كان”، بعد بضعة أيام من جدل طرحه عدد من النواب الفرنسيين بخصوص “يوم الـ(بوركيني)” بمنطقة بينز- ميرابو، جنوبي البلاد الذي كانت جمعية النساء المسلمات “سمايل 13” تنوي تنظيمه في الحديقة المائية بالمدينة، في 10 ايلول/سبتمبر المقبل

وتم إلغاء “يوم الـ(بوركيني)” من قبل رئيس البلدية، عقب ردود الفعل الرافضة لهذه التظاهرة والتهديدات التي تلقتها الجمعية.

علما أن هذه القرارات ليس لها أي سند قانوني، فلا شيء في القانون الفرنسي يمنع الـ(بوركيني)، بل الـبرقع، و بالتالي فإن الكثير من جمعيات الدفاع عن حقوق الانسان قررت اللجوء إلى القضاء لكسر مثل هذه القرارات إدارية العنصرية التي وجدت مرتفعا خصبا، في الوقت الحالي إذ المناخ العام في فرنسا أضحى بالغ الحساسية، بعد آخر العمليات الارهابية في مدينة “نيس” و كنيسة “سان اتيان دو روفريه” والنواقص التي بانت في المنظومة الامنية الفرنسية رغم حالة التأهب القصوى التي تعرفها البلاد منذ أشهر، وهي مقبلة على خريف ساخن مع اقتراب استحقاقات الانتخابات الرئاسية و التشريعية الربيع المقبل، حيث ستتصادم الطموحات يمينا و يسارا، نخشى أن تدفع ثمنه الغالي جاليتنا المسلمة المسالة المقيمة هناك.

إلى سواح القادمين من دولنا العربية، أين القدوة؟

أما السواح القادمين من دولنا العربية هذه الايام إلى أوربا، فيعز علي وعلى كل المسلمين والمسلمات، أن يروا ما وصل إليه الحال من الاخلاق والعري في الشوارع ناهيك عن الشواطئ، ما أن تنزل من الطائرة حتى يطير خمارها.. نسينا أو تناسينا إسلامنا وأننا مسلمون ومسلمات وأن للإسلام علينا حقا بل حقوقا، أينما حللنا و ارتحلنا.. يعز على أن ارى المرأة الجزائرية أو المغاربية أو الشرقية عموما، وهي الأصيلة في شرفها ومجدها وأخلاقها، أن أراها قد تناست أو نسيت ما يجب أن تكون عليه من الشرف والمجد والأخلاق و الحياء و الستر و العفة..

و يعز علي، كما تقول صاحبة  كتاب “قدوات نسائية”، “يعز علي أن أرى المسلمة تهيم في مسابح أوروبا متصعلكة، حائرة لا تدري أين الطريق؟ أين بدايته وأين نهايته؟ “سير على غير هدى تتبع خطوات الغير في المظهر والمخبر، و إني أربأ بها أن تفعل هذا. أربأ بها أن تقلد أو أن تنحاز، لأني أريد منها أن تكون القدوة..” نعم أن تكون “القدوة الحسنة”، “القدوة” كما عنوان ذلك أستاذنا الكبير، الشيخ الطيب رغوث، أحد كتبه منذ ربع قرن تقريبا.. “القدوة”، بل” القدوة الحسنة” في شخصيتها وفي سلوكها وفي حياتها، وعندها من القرآن والسنة ما يرشدها، ويرد على كل ما قد يجول بخاطرها، وعندها من المسلمات الأول أمهاتها وأجدادها خير قدوة.. والمسؤولية  اليوم، لا تقع على بنات المسلمين لوحدهن فحسب، بل من فتح بل شرع لهم الباب على مصراعيه، بدءا بالعائلة الصغيرة والمسجد والمدرسة والمجتمع عموما، أي أن المسؤولية  جماعية ، تقع على منظومة متكاملة متراصة لبناء سيادات فضليات ، طاهرات عفيفات ، أمهات اجيال المستقبل.. وإن أردنا إصلاحا فعلينا بوصية العلامة بن باديس القائل ” ارفعوا حجاب الجهل قبل ان ترفعوا عنها حجاب الستر”..

والله خير حافظ ومعين، إنه نعم المولى ونعم النصير، وهو يقول الحق وهو يهدي السبيل.

محمد مصطفى حابس
18 أوت 2016

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version