مقدمة لا بد منها

إننا نعاني في أيام الناس هذه، كثيرا، من الانهيارات، ليس على مستوى الجليد المتحول عن الثلوج المتساقطة بقوة على سفوح الجبال وجوانبها، وما تحدثه من موجات اهتزازية، أثرت على حياة الإنسان واستقراره في مناطق محددة من المعمورة، حيث أرجع المختصون ذلك إلى:

1/ ارتفاع درجات الحرارة وتزامنها مع سقوط الثلوج أواخر الشتاء وبداية الربيع.
2/ عدم وجود رعي كاف للماشية عند سفوح الجبال خلال فصل الصيف (غياب الإنسان) مما يؤدي إلى نمو حشائش طويلة تصعب من تماسك الثلوج بالأرض بعد سقوطها.
3/ شق الطرقات (تدخل الإنسان) وإقامة المباني لتسهيل رياضة التزلج على الجليد.

لهذه الأسباب كان لزاما أن يتدخل الإنسان للوقوف على الأخطار وتفادي آثارها السلبية.
 
كذلك لا أعني الانهيارات الأرضية الناتجة عن الزلازل والبراكين والفيضانات، والشقوق الناتجة عن تدخل الإنسان من خلال عمليات التفجير، مما أثر سلبا في تماسك الطبقات الصخرية وإحداث الشقوق.

إنني لا اقصد مثل هذه الانهيارات في الطبيعة، وإن كانت ذات أهمية بالنسبة لحياة الإنسان، إذ نجد كثيرا من الدراسات والأعمال الإيجابية قد تمت في هذا المجال بالذات لتفادي الأخطار وتصحيح الأخطاء، خصوصا من جانب الإنسان.

الانهيارات التي أتحدث عنها مع حرارة الصيف المرتفعة والتقلبات المتتابعة هي من طبيعة خاصة، لا علاقة لها بالتغيرات المناخية نتيجة ما أصاب طبقة الأوزون التي تتصل هي الأخرى بالغلاف الجوي لكوكب الأرض، وتتمركز تحديدا وبشكل كبير في الجزء السفلي من طبقة الستراتوسفير لهذا الغلاف الجوي للأرض الذي يحتاج هو الآخر إلى طبقات سميكة من الهواء فوقه قصد وقايته.

لا أقصد مثل هذه الانهيارات التي أشرت إليها إشارات خاطفة، لا شك أنها تعنينا جميعا وتستدعي وعيا جماعيا وحضورا وتعاونا وتنسيقا من أجل حماية كيان الإنسان في محيطه الحيوي وما يتصل به ضمن الكون كله وما يتصل بذلك من إعجاز دال وشاهد على وحدانية الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد.

الانهيارات التي أقصد، هي تلك المتصلة بعالم الأفكار في عالمنا العربي خصوصا، وعالمنا الإسلامي على وجه العموم، والمتعلقة بحياة العقول والذهنيات من خلال غلافها الحيوي في أهم مورد يتصل بحياتنا في سكوننا وحركتنا، في حلنا وترحالنا، في غيابنا وحضورنا، في تراثنا وحاضرنا، ألا وهو عالم القراءة، إن ذهنياتنا بمثابة طبقات الأرض، وعالم القراءة بمثابة تلك الثروة النباتية، قلت، أو كثرت، وتلك الأودية والأنهار والمنابع المائية الصافية، والسدود والغابات الباسقة، وما إلى ذلك من غلاف نباتي وأرضي متنوع. إن الانهيارات التي حدثت على مستوى ذهنياتنا وعقولنا، ومن ثم على مستوى وعينا وحضورنا، هي سبب ضعفنا وأمراضنا التي فتكت بكياننا، ومنها على وجه الخصوص الفتن الهوجاء التي عصفت بعراقنا وشامنا ويمننا، وهي ـ دون ريب ـ تتربص بمغربنا العربي الإسلامي في أيام الناس هذه ذات الحرارة المرتفعة والعواصف الهوجاء والأمطار الغزيرة المنتظرة.
ألهذا الحد انهزمنا، وسقطنا، وصرنا أضحوكة في عالم القيم، حتى أننا لم نعد قادرين على قراءة جملة بكامل تفاصيلها، ألهذا الحد صرنا لا نقرأ ولا نعلم في عالم الأفكار إلا خلاصة تصلنا عبر وسائل الإعلام المرئية، التي تقدم لنا أخبارا لا ذوق ولا لون ولا رائحة لها، معلومة من دون قراءة ولا نظر.

هذه هي الانهيارات التي قصدت، فنحن نعاني من آثارها في عالمنا العربي الغارق في أحلامه، وعالمنا الإسلامي المنهك بمأساته، إذا كان ولا بد من استغاثة يا علماءنا ويا قادتنا، هداكم الله وهدانا إلى الطريق المستقيم، فهي في هذا المضمار بالذات، أرحمونا يرحمكم الله، إن السبب الرئيس في هزيمتنا وسقوطنا بالضربة القاضية على مستوى ذهنياتنا في عالم ” اقرأ ” هو الاستبداد الذي لاحت بوادره بموقعة صفين، واستمر معنا طويلا، اعلموا يرحمكم الله أن مختلف التشققات والاختلالات والاهتزازات التي أصابتنا في محيطنا الحيوي لقرون، وهي اليوم أشد وأعتى، هي وليدة الاستبداد، الذي صار مستنقعا آسنا، لا يدخله إنسان إلا وأصابه في مناعته وفي حياته، فلم تغن عنه أملاكه وأمواله وعروشه في شيء.

إن الغرب اليوم، وقد تخلص من مستنقع الاستبداد إلى غير رجعة، الذي هزمه شر هزيمة وتخلص من آثاره الوخيمة التي حبسته طيلة قرون من الزمن، هو يرانا اليوم غرقى نعاني في أوحالنا، إنه لا يرقب فينا إلا ولا ذمة، لقد فعلها بالأمس القريب، قبل قرن من الزمن، لقد أطل علينا يوما من خيمة سايكس بيكو، وها هو اليوم يعمل جاهدا على استنساخها، ولذلك فهو يتوجه إلينا (بالنصح).

 يا علماءنا ويا قادتنا، إنه يتوجه إلينا في عالمنا العربي خصوصا، وعالمنا الإسلامي عموما، يتوجه إلينا (بالنصح) من خلالكم ونيابة عنه: أن لا حياة لكم إلا في مستنقعكم الآسن، في ظل أنظمتكم الاستبدادية التي لا زمتكم طويلا، فأنتم لها وهي لكم.

لقد اجتهد الغرب في الرفع من درجة حرارة الصراعات المصطنعة التي لا مبرر لها سوى داخل العقل الغربي ومنظومته الفكرية المخبرية، وهو يعلم جيدا أن خلاصنا من عقالنا ونجاتنا لا تكمن إلا بالخروج والتخلص من أوحال المستنقع الآسن الذي سوف لن يرحم صغيرنا ولا حرائرنا ولا شيوخنا، ولا حتى قادتنا، إنه يحرص بكل ما أوتي من قوة قصد المحافظة على قابليتنا للموت البطيء.

2/ حلف النيتو ـ حلف شمال الأطلسي

لن أدخل بكم القاموس الاصطلاحي أو اللغوي، فالحال يتطلب كثيرا من التركيز، في العلاقة بين النيتو من جهة، ومجلس الأمن من ناحية أخرى، وبين هذا وذاك، نبحث عن قضيتنا التي صارت في سلم أولوياتنا ملفا مهملا.

تأسس حلف شمال الأطلنطي ـ الناتو ـ بناء على معاهدة تم توقيعها بواشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية في 04/04/1949، مقر القيادة في بروكسل ببلجيكا.

* الدول الأعضاء: هناك الدول المؤسسة، الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، وباقي الدول الأوربية الغربية، ودول الشمال الأوروبي، هذا في 1949، ثم لحقت بالركب دول أخرى على دفعات مثل ألمانيا في 1955، ثم في نسختها الجديد ة بعد توحيد الألمانيتين في 1955، ثم إسبانيا ابتداء من 1982 وكثير من دول أوربا الشرقية بعد ذلك، دون أن ننسى انضمام تركيا سنة 1952.

* دور الحلف:

1/ حماية مصالح الدول الأعضاء واستعمال القوة العسكرية لرد أي خطر.
2/ حفظ الأمن والاستقرار في العالم.
3/ التصدي لكل التهديدات القائمة والمحتملة.

ملاحظة 1: تشكل هذا الحلف بعد انتهاء الحرب العالمية بأربع سنوات وعلى إثر قيام الحرب الباردة بين شرق أوربا بقيادة الاتحاد السوفييتي، وغربها بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

ملاحظة 2: السائد وقتها هو درجة الجزع القائمة داخل المعسكرين بسبب انعدام الثقة والهوة السحيقة في التصورات والرؤى المتصلة بعالم الأفكار، والحالة المزرية لشبكة العلاقات في حياة الإنسانية، والفراغ الروحي الرهيب نتيجة انحراف رجال الكنيسة في ارتباطهم برجال الإقطاع خصوصا والأنظمة الاستبدادية عموما.
 
ملاحظة3: لم يكن الحلف ليتعارض مع السياسات الاستعمارية لبعض دوله، وخصوصا: فرنسا، بريطانيا، وإيطاليا.

ملاحظة4: قابلية استخدام أهداف الحلف المعلنة بصور شتى للنيل من حرية الشعوب واستقلالها.

ملاحظة5: اعتماد الحلف على القوة العسكرية الضاربة، ومن ثم على أسلوب الترهيب من خلال ما اصطلح عليه بسياسة الردع.

ملاحظة 6: انفراد الحلف تقريبا بملف “امتلاك ونزع السلاح النووي” و”أسلحة الدمار الشامل” إلا ما خرج عن حدود السيطرة، كروسيا، الصين، والحالة الكورية الشمالية.

ملاحظة 7: تحكم المحافظين الجدد في الشركات الكبرى القابضة المتعددة الجنسيات من خلال إدارة ومراقبة أسواق النفط والسلاح على وجه الخصوص، وسهولة استخدم سياسة الردع في ظل التوافق غير المشروط بين أعضاء الحلف ن ولعل غزو أفغانستان والعراق وتسيير الملف النووي الإيراني خير شاهد.

ملاحظة 8: الاتفاق الأخير للحلف في دورته الأخيرة بداية شهر جويلية 2016، وقراره بمحاصرة السواحل الليبية، تؤكد على التوجه الحقيقي إلى تنفيذ سياسة المحافظين الجدد من وجهة الانفراد بتسيير أزمات عالمنا المعاصر وفق أجندة الغرب المعتمدة على عقدة الاستعلاء والجزع والمنع الدائم.

ملاحظة9: الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، لم يكن مفاجئا بالنسبة للمحافظين الجدد، فهو يدخل ضمن أجندة منتجي السياسات في عالمنا منذ العصر الحديث على أقل تقدير، يشترك في ذلك الرأس في بريطانيا والفرع في الولايات المتحدة الأمريكية، وإن كان الأصل والفرع صارا هيكلا واحدا من حيث بناء السياسات وتخطيط المهمات، والسؤال هو لماذا لم يكن الانسحاب من الحلف الأطلسي؟

ملاحظة 10: تسريبات موقع ميدل إيست آي، حسب قناة الجزيرة الإخبارية، الذي لم يأخذ حقه من التحليل والدراسة، ولما لا ظهور مواقف تشجب مثل هذا التوجه من الغرب، أو حتى التفاتة بسيطة من مجلس الأمن، أو على الأقل خرجة، ولو على استحياء من الجامعة العربية، التي لم نعد نسمع صوتها، خصوصا أن التسريبات تفيد بتنسيق أمريكي فرنسي بريطاني عربي خليجي في دعم قوات حفتر في شن هجمات جوية على الأراضي الليبية في حضور حكومة الوفاق الليبي في طرابلس؟

سأتوقف عند هذا الحد مع حلف النيتو، لعلكم تعثرون على مبرر واحد من وجهة القانون والشرعية والمواثيق الدولية؟

3/ مجلس الأمن الدولي

أولا: هيئة الأمم المتحدة:

مقدمات وسياقات:

* / في 12/06/1941 تم الإعلان المشترك بين الحلفاء الموقع في لندن قصد العمل رفقة الشعوب الحرة في الحرب والسلم تمهيدا لإنشاء الأمم المتحدة.
 */ في 14/08/1941 تم الإعلان على ميثاق الأطلسي الذي تضمن مجموعة من المبادئ من أجل التعاون الدولي في حفظ السلام والأمن، وقع الوثيقة من على ظهر سفينة في عرض البحر كل من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فرانكلين روزفلت، ورئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشيل.
* / في 01/01/1942 تعهد ممثلو 26 دولة من الحلفاء الذين حاربوا ألمانيا، بدعم ميثاق الأطلسي من خلال التوقيع على وثيقة إعلان الأمم المتحدة، اقترح التسمية الرئيس روزفلت.
* / في 30/10/1943 انعقد مؤتمر موسكو، حضرته حكومات كل من الولايات المتحدة، بريطانيا، الاتحاد السوفييتي، والصين، وتمت الدعوة إلى التعجيل بإنشاء منظمة الأمم المتحدة.
*/ في 01/12/ 1943 انعقد مؤتمر طهران، حضره قادة الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، والاتحاد السوفييتي، حيث أكدوا على أهمية إنشاء المنظمة الأممية.
*/ في 21/09/1944 انعقد مؤتمر دومبارتون أوكس بواشنطن،حيث اتفقت كل من الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، الاتحاد السوفييتي، والصين، على أهداف المنظمة الأممية وهيكلتها وطريقة عملها.
*/ في 11/02/1945 انعقد مؤتمر يالتا، أعلن كل من فلرانكلين روزفلت، ونستون تشرشيل، وجوزيف ستالين عزمهم وتصميمهم على إنشاء المنظمة الأممية بهدف المحافظة على الأمن والسلام
*/ 25/04/1945 انعقد مؤتمر سان فرانسيسكو، حضره 50 مندوب دولة، الذين صاغوا ميثاق الهيئة الأممية المتكون من 111 مادة.
*/ في 24/10/1945 تم التصديق على ميثاق الأمم المتحدة من طرف الأعضاء الدائمين الخمسة: الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، الاتحاد السوفييتي، الصين،و فرنسا، كما وقع عل ذلك بقية الحاضرين. وهو التاريخ الذي برزت فيه الهيئة الأممية إلى الوجود، وبدء سريان ميثاقها.

ثانيا: مجلس الأمن الدولي:

مجلس الأمن هو مجلس الأمم المتحدة، واختصارا يسمى مجلس الأمن الدولي، وبالرجوع إلى ميثاق الأمم المتحدة في فصله السابع نجده هو الجهاز المسؤول على حفظ السلام والأمن الدوليين، وله سلطة قانونية على الدول الأعضاء، ومن ثم فقراراته ملزمة لها وفق نص المادة الرابعة من الميثاق

* / المقر الدائم للمجلس: نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية.
*/ الأعضاء الدائمون: خمسة وهم: الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، روسيا، والصين
وهم وحدهم المتمتعون بحق الفيتو (النقض).
*/ الأعضاء غير الدائمين عشرة يتم اختيارهم من قبل الأعضاء الخمسة الدائمين للمجلس ثم الموافقة عليهم من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليس لهم حق النقض بطبيعة الحل، وإذن فصاحب الحل والربط هم الأعضاء الدائمون.

4/ استحقاقات

*/ جويلية 1948 إنشاء أول بعثة تابعة للأمم المتحدة لمراقبة الهدنة في فلسطين.
*/ 10 ديسمبر 1948 اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
*/ ميثاق الأمم المتحدة:
أ ـ سوف لن أتعرض للوثيقة، يمكن أن يقرأها الجميع، فقط ينبغي أن تكون لديك عقلية تساؤلية،
تساعدك على حسن الربط والاستقصاء والتأمل والتذكر والبناء.
ب ـ مقاربة علاقة الأعضاء الخمسة الدائمين للأمم المتحدة بمسألة حقوق الإنسان، وتقرير المصير، والحريات، والسلام، والأمن، والاستقرار، والعدل، والمساواة؟

5/ محكمة العدل الدولية

محكمة العدل الدولية ولدت من رحم مجلس الأمن الدولي، وترعرعت في حضنه، وتسلسلت خطاها مع خطاه، وتحدثت بحديثه واحتجت بحججه.

هذه المحكمة أو الهيئة القضائية هي الأداة الرئيسية لمجلس الأمن، وتنازلا عند أماني بعض أعضاء هيئة الأمم المتحدة، يمكن القول أن هذه المحكمة هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة.

*النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية من صميم ميثاق الأمم المتحدة، ولذلك لا تنبهر بالديباجة وزخرف القول، إنما العبرة بالأعمال يا أولي الألباب، ويا أهل النظر.

* أعضاء هيئة الأمم المتحدة هم أطراف في النظام الأساسي للمحكمة التزاما وتلازما، هذا من الناحية النظرية، لأن الواقع شيء آخر.

* مجلس الأمن هو الجهة المخولة قانونا في النظر في أي مخالفة لأحكام المحكمة بخصوص تصرفات المتقاضين. وإذن فإن فعالية الأحكام متوقفة على رؤية وتوجهات ورغبات الأعضاء الخمسة الدائمين وخصوصا رؤوس حلف شمال الأطلسي، يمكنكم ملاحظة مواقف إسرائيل وتصرفاتها وجرائمها وكل ما يصدر عنها في أيام الناس، وكأنها في كوكب لا يصله صوت ونظر وعدل وميثاق وقوانين وإنسانية محكمة العدل الدولية وحلف النيتو ومجلس أمنه الدولي؟ أما العراق والشام واليمن وليبيا و… فحدث ولا حرج، ما هذه الجاذبية من جهة الغرب، وما هذه القابلية من جهة…؟

* الجهة الوحيدة المتخصصة في الفتوى أو الإفتاء في المسائل القانونية الدولية، وما تعلق بأعمال الهيئات والمنظمات الدولية، هي محكمة العدل الدولية التي تأتمر بأمر مجلس الأمن وتنتهي بنهيه.

6/ حدود إشعاع ميثاق الأطلسي ومجلس الأمن الدولي والآثار المترتبة في مجال الأمن والسلام

إننا لا نبحث عن الآثار في عالمنا، يوم كان للنظام الإقطاعي كلمته وجبروته في أوربا، كما لا نبحث عن ذلك في جو الحرب العالمية الثانية أيام انشغال دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بالحرب ضد دول المحور بقيادة هتلر. إننا نبحث عن الآثار والأمثلة أيام سيطرة الحلفاء ونشوتهم بانتصارهم وبميثاقهم في أطلسهم، واحتفائهم بمولدهم الجديد المسمى من قبل روزفلت ” هيئة الأمم المتحدة ” التي رزقت بالابن البكر ” مجلس الأمن الدولي ” وبالبنت بهية الطلع ” منظمة حقوق الإنسان ” والبنت الثانية التي ولدت على استحياء ” محكمة العدل الدولية “، ثم تباعا: المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية…

وفي هذا الصدد سوف لن أبحث، أو أقدم صورا أو تقارير من خارج الدائرة الأوربية، أو دائرة الغرب سوف أنضبط في اختيار الشهود ونوعية الحجج والأدلة.

السياق:

1/ يقول (جول فيري): في خطابه أمام النواب: “نعم إن لنا سياسة استعمارية، سياسة توسع استعماري تستند إلى منظومة (…) وهذه السياسة الاستعمارية ترتكز إلى قاعدة ثلاثية: اقتصادية، إنسانية وسياسية.” (1).
إن ما تحدث عنه (جول فري) سياسة مبنية على فكر وتصور، وليست مجرد أعمال أو تصرفات شخصية معزولة، مسألة عمل مؤسسات وليست نزعة فردية متطرفة.

وإليكم الحوار الذي دار بين السيد (كميل بلتان) و(جول فري):” يسأل السيد (كميل بلتان): ما هي هذه الحضارة التي تفرضها طلقات المدافع ؟ يجيب (جول فري) إليكم أيها السادة النظرية، إنني لا أتردد في القول أن المسألة ليست مسألة سياسية ولا مسألة تاريخ، بل هي ميتافيزياء سياسية، أيها السادة علينا أن نقول بصوت أعلى وبمزيد من الحق، يجب أن نعلن بصراحة أن للشعوب العليا حقا تجاه الشعوب الدنيا. السيد (جول مين): أتجرؤ على هذا القول في البلد الذي أعلن حقوق الإنسان. السيد (دي كيوته): هذا تبرير الرق ونخاسة الزنوج، السيد (جول فري): إذا كان السيد (مين)المحترم على حق، وإذا كانت وثيقة حقوق الإنسان قد كتبت لزنوج إفريقيا الاستوائية، إذن بأي حق يمكنكم أن تفرضوا عليهم المبادلة والتجارة؟ إنهم لا ينادونكم. ” (2).

يعلق المفكر الحر (روجه غارودي): على الموقف بقوله: “هذه هي نصوص بناة الإمبراطورية التي تتحلى بميزة أنها لم تلجأ إلى مزاعم حب البشرية في ادعاء الرسالة التمدينية والدينية أو الأخلاقية الخاصة بالغرب، وهي تكشف بوقاحة عن دوافع الاستعمار الحقيقية.” (3).

*ممارسات وصور وحقائق أخرى، لا تستعجل:

تقرير لجنة التقصي الحكومية سنة 1883 مع نهاية القرن 19 وقرب فجر القرن الـ 20، يقول السيد (روجه غارودي): ” يقول التقرير، لقد استولينا على أملاك المؤسسات الدينية وأقمنا حارسا قضائيا على أملاك طبقة من السكان، هم الذين وعدنا باحترامهم… واستولينا على ملكيات خاصة دون تقديم أي تعويض، بل مضينا على العكس حتى إلى إرغام الملاك بعد استملاك أملاكهم على دفع أجور هدم بيوتهم، بل وحتى المساجد لقد دنسنا المعابد والأضرحة وحرمة المنازل والأمكنة المقدسة الإسلامية، ذبحنا أناسا يحملون تصاريح المرور وقتلنا لمجرد شبهة جماعات سكانية بأسرها، وما لبثت أن اتضحت براءتها، وحكمنا على أناس اشتهروا بالقداسة في البلد، أناس أجلاء، وذلك لأنهم كانوا يتحلون بقدر من الشجاعة جعلهم عرضة غضبنا حين توسلوا للشفاعة عن مواطنيهم البائسين، وقد وجد أناس استساغوا إدانتهم وآخرون متمدينون قاموا بإعدامهم. ” (4).

أتدرون أين حدث كل هذا؟ في الجزائر تحت إشراف عضو دائم من أعضاء مجلس الأمن وأحد حلفاء شمال الأطلنطي، ودولة ممن احتفوا بميلاد منظمة حقوق الإنسان؟

يقول المارشال (سان ارنو): “لقد اتسع النهب الذي بدأه أولا الجنود، وامتد بعدئذ إلى الضباط وعندما أخليت (قسنطينة) اتفق، كما يحدث دوما، أن آلت الحصة الأغنى والأكبر إلى قيادة الجيش، وإلى ضباط الأركان العامة” (5).

للتوضيح، قسنطينة هذه ليست مدينة في إيطاليا أو بأرض أوربية تنازع عليها الحلفاء مع دول المحور، إنها مدينة جزائرية احتلت من طرف فرنسا سنة 1837 للميلاد. يقول المارشال (سان ارنو): “لقد تركت بعد مروري حريقا هائلا، فقد كانت القرى كلها وهي قرابة مائتين قد احترقت وعاث الفساد في بساتينها وقطعت أشجار زيتونها.” (6).

في نفس المضمار، يقول الكولونيل الفرنسي (فوريه): ” انطلقت سبع كتائب من (مليانة) و(شرشال) بغية أن تعيث في الأرض الفساد وتخطف أكثر ما تستطيع من القطعان ولا سيما من النساء والأطفال، فقد كان الحاكم وهو (بوجو)، يريد بث الذعر بين السكان بإرسالهم إلى فرنسة. ” (7).

شهادة أخرى يذكرها المفكر (روجه غارودي) في كتابه، عن شاهد عيان بقوله: ” من ذا الذي يستطيع وصف هذه اللوحة ؟ أن ترى في منتصف الليل وفي ضوء القمر كتيبة من الجيوش الفرنسية تضرم نار جهنم كلما خبت، وأن تسمع الأنين الخافت لرجال ونساء وأطفال وحيوانات وتمزق الصخور المتكلسة التي تتشقق وتنهار… وفي الصباح عندما عمدوا إلى تنظيف مدخل المغائر… كانت ثمة جثث الأبقار والحمير والخراف… وبين البهائم كان يتكدس تحتها رجال ونساء وأطفال وقد شاهدت جثة رجل يضع ركبته في الأرض ويده تمسك متشنجة بقرن بقرة، وأمامه كانت امرأة تحتضن طفلها بين ذراعيها، لقد اختنق هذا الرجل عندما كان يحاول حماية أسرته من غضب هذا الحيوان… وقد عدوا 760 جثة… ” (8).

كل هذا شاهد على حقيقة (الشعور الديمقراطي) وسلامة (الحس الحضاري) وصدق (الحجة الإنسانية) عند فرنسا الغرب.

المسألة لم تقتصر على فرنسا، لقد تعدتها إلى باقي دول الحلف الأطلسي الأخرى ـ النيتو ـ صاحبة الحل والربط في مجلس الأمن.

لذلك ولذلك فقط، قلت لا تتعجل أيها القارئ الكريم، اقرأ ثم اقرأ، فالقراءة بمثابة الغلاف النباتي المتنوع والهواء النقي الذي تحتاجه ذهنياتنا وذاكرتنا ورؤانا ومواقفنا، في ملتقياتنا ومؤتمراتنا ومراكز دراساتنا ومنابرنا الإعلامية، أما منابرنا السياسية فقد حرمت باسم السياسة والقانون من الماء والهواء، منذ أمد بعيد.

يقول الكولونيل الانكليزي (كوركان) بخصوص ممارساتهم في إفريقيا، وتحديدا (كينيا) كمثال: “سرقنا أرضهم وبقي أن نسرق أذرعتهم وإن العمل الإجباري هو النتيجة اللازمة لاحتلالنا البلد.” (9). ويوضح (روجه غارودي) المسألة بقوله: “استعمل العمل الإجباري بادئ ذي بدء في الأشغال العامة، أي في بناء القصور للحكام، والسجون للإفريقيين والثكنات للجنود والفيلات للموظفين” (10).

ويشهد السيد (البرت لوندره): ” لقد كان من الممكن تسمية القوارب بمواكب الجنازة والمشاغل البحرية بقبور مشتركة، وكانت فصيلة (كربينكي) تخسر 75 بالمائة من أفرادها، أما فصيلة (ليكونالا ـ ماسكا) فكانت تضم1350 رجلا، لم يرجع منهم سوى 429. ” (11).

ركاب القوارب بطبيعة الحال هم السكان الأصليون أو الأهالي أو أبناء شعوب البلاد المستعمرة.

أما السيد (كونت هاريسون)، فلم يفوت الفرصة في تقديم شهادته: ” وقد أحرقنا القرى التي مررنا بها وكان أهلها قد هجروها، وعثنا فيها سلبا وهدما… قطعنا أشجار نخيلها ومشمشها لأن أصحابها أعوزتهم القدرة الضرورية على مقاومة أميرهم ومنعه من المرور من الدرب المفتوح للناس كافة لدى هذه القبائل الرحل، وقد اقترفنا جميع هذه الأعمال الهمجية دون إطلاق عيار ناري واحد، لأن السكان كانوا يفرون قبل وصولنا وهم يبعدون قطعانهم ونساءهم ويهجرون قراهم. ” (12).

كم هو محزن كذلك أن تقوم فرنسا وهي تحتفي بالانتصار على ألمانيا وحلفائها سنة 1945، بقتل 45 ألفا من الجزائريين في يوم واحد 8 ماي 1945، خرجوا للمطالبة بالحرية والحقوق، ظنا منهم أن ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ وثيقة منظمة حقوق الإنسان التي بشر بها (روزفلت) و(تشرشيل) تشملهم أيضا.

سوف لن أطيل عليكم، لأنكم على علم ودراية بما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية بهنود أمريكا وكذلك حرب فيتنام، واحتلال أفغانستان، وغزو العراق و…

7/ خلاصة

مثل هذه الشهادات، ليست من باب البحث عمن يخرج على منوالها أفلاما في عالم السينما، أو النسج على أساسها في عالم الكوميديا، إننا دخلنا من باب عالم ” اقرأ “، ولكن عن أي قراءة نتحدث، إذا كنا نحن شعوب العالم العربي خصوصا، والعالم الإسلامي عموما، ضمن حدود عالمنا المتخلف، لا نقرأ؟ بل (النخبة) فينا لا تقرأ، فهل نلوم (الغرب) لأننا لا نقرأ؟ إن المسألة بعيدة عن فهم العامة، إنها مسألة حياة شعوب ضمن حياة أمم، مسألة سعادة الإنسان وسلامته وطمأنينته وأمنه وأمانه، إذا كان ولا بد أن نقرأ تاريخنا في تراثنا وتاريخنا في حاضرنا الذي لم يعد تراثا في نظر الغرب، ينبغي أن نتجاوز قراءة الغرب للتاريخ وللمواثيق والعهود والقوانين والحقوق. يقول المفكر الحر (روجه غارودي) رحمه الله: “إن معرفتنا قراءة التاريخ تمثل في عدم اعتبار التاريخ سلسلة حوادث وحيدة البعد مترابطة بحكمية قدر قاهر، بل على العكس، في اعتباره لا نهاية إمكانات ذاخرة ومتبرعمة، إن حوار حضارات حقيقيا ليس بجائز إلا إذا اعتبرت الإنسان الآخر، والثقافة الأخرى جزءا من ذاتي، يعمر كياني ويكشف لي عما يعوزني” (13). هذا هو الشعور الذي لم نعثر عليه لدى (الغرب)، لا في ميثاق أطلسه، ولا في ميثاق هيئته الأممية التي غيبت روح الأمم، ولا في مبادئ منظمته الحقوقية التي لم يعد يعنيها شيء من إنسانية الإنسان. يقول الفيلسوف (غارودي): ” إنني أضرب على ذلك مثلي الشخصي، فقد حزت درجة التخرج في الفلسفة واجتزت امتحاناتي دون أن أعرف كلمة واحدة عن فلسفة الهند والصين والإسلام، وقد فهم الباحثون الفلسفة في (الغرب) بمعنى حصري ضيق إلى حد كبير، واعتبروا أنها بحث فكري محض بدل أن تكون طراز حياة ” (14). ويقول في موضع آخر: “ومن الواجب أن نتعلم من الحضارات الأخرى بصورة أساسية، المعنى الحقيقي لعلاقة المشاركة الإنسانية التي تجد كل فاعلية ذاتها وهي تنهض بعبء من أعباء المجتمع المسؤول، والمسألة إنما ترجع إلى الانتقال من ديمقراطية تمثيلية إلى ديمقراطية المشاركة التي لا تستند إلى أساس الندب للسلطة، بل إلى الإسهام في جميع المستويات.” (15).

إننا في دائرة العالم اللاغربي، نحن العرب، والمسلمون، وشعوب العالم المتخلف وأممه، هل فعلا نشعر اليوم أننا في دائرة الإنسان الآخر الغارق في دائرة العجز؟ هل تسآلنا في سؤال إمكاناتنا التي تحتاج إلى فعل يساهم في تحريرنا أولا من دائرة القابلية للاستعمار؟ ثم هل أدركت (نخبنا) في ملتقياتنا، ومؤتمراتنا، ومراكز الدراسات في ديارنا، أن (الغرب) بلغ من التيه والغرور أشواطا رهيبة، وأن القراءة تقتضي اهتمامنا من داخل عقولنا، في كنف الرضاء بنصيبنا وقسمتنا في نطاق حدود رأس مالنا، والاجتهاد في ظل ورحابة مبدأ اللاعنف الذي يجب أن يحكم مسألة التدافع، والتضحية في حدود وضوابط مبدأ الشهادة الذي يجب أن يحكم مسألة الاستشهاد، كخيار حضاري من أجل التحرر من قيود الغرب ومرجعيته في بعدها الإنساني الزائف؟

يقول المفكر الحر (روجه غارودي): “لقد استمر حديث (الغرب) مع ذاته زمنا كافيا، وقد حاول توجيه جميع الحضارات بحسب منظوره الخاص، فإذا صدقناه قلنا أنه لم يوجد قبله سوى لجلجة الابتدائيين، ولن يوجد بعده إلا انحراف المنحطين، كما لو أن المسار القيم الوحيد هو مسار (الغرب)” (16). ويقول أيضا: “ولئن حسبنا أننا نملك وحدنا الحقيقة بحسب موقفنا المستمر بوصفنا (غربيين)، بدا لنا أن (الآخرين) الذين لا يرتبطون (بالغرب) ابتدائيون، سيئو النية أو مرضى، وإن واجبنا هو أن نهب لبرئهم أو قمعهم.” (17).

8/ أحداث الساعة

إن ما حدث ويحدث في كل من العراق، سوريا، اليمن، وليبيا، يعتبر من أحداث الساعة.

ما علاقة (الغرب) وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، وروسيا، بما يحدث في العالم العربي خصوصا، والعالم الإسلامي عموما؟

مثل هذا السؤال يجرنا إلى البحث في خبايا السياسة الغربية ومتاهاتها، إلا أن السياق الذي رسمنا منحاه في البحث عن العلاقة بين حلف النيتو ومجلس الأمن الدولي سوف ييسر لنا ولو لوقت قصير بعض الرؤية، نبدأ من النهاية، التي ليست سوى فصلا من فصول كوميديا (الغرب) المثقل بالصور الغريبة والعجيبة في دائرة الجريمة المنظمة في حق البشر، ولعل الغريب في تتابع فصول هذه الكوميديا، موقف بعض الساسة الأوربيين الذين لم يتخلصوا من نظرة (الغرب) إلى العالم الآخر، خصوصا إذا كان الآخر هو ذلك العالم الممتد من طنجة إلى جاكرتا، الغارق في أحلامه، المثقل والمنهك بمأساته، يئن من كثرة جراحه، لكنه هو العالم الذي ينظرون إليه بعين من الريبة، وبكثير من السخرية والازدراء، ولا يرقبون فيه إلا ولا ذمة عالم أنهكته الفتنة في مشرقه، ونغصت عليه الحياة في مغربه، قلبه النابض في بيت المقدس يعاني من ارتفاع في درجة التلوث، ينزف في غزة، في حسرة مما يحدث في الشام، تطل علينا ذات يوم السيدة المحترمة (انجيلا ميركل) متسائلة في طبيعة حضورنا ووعينا وسلامتنا، وإن كانت هي الأخرى جد مثقلة بنظرة (الغرب)، تتساءل حينما استقبل الألمان حشودا من لاجئ الشام على أرض (نيتشة) الذي لم يستغرب في يوم من أيامه من تعاسة عالمنا (الآخر) تتساءل عن ردود الفعل المحتملة لأطفال الشام الذين سيتساءلون في يوم من الأيام عن سر استقبال السيدة (ميركل) لأطفالنا ونسائنا وحتى شبابنا في الديار الألمانية، جميل ما فعلت (انجيلا)، ولم يستقبلهم حكامنا في مكة، لماذا بالذات (مكة) أيتها السيدة المحترمة؟

أعود لأحداث الساعة، انطلاقا من الأسبوع الأول من شهر جويلية 2016 بعد انقضاء أيام رمضان التي لم تبخل علينا بكثير من أسرار الحياة التي لا ترى بالعين ولا تدرك بقلوب تمكنت منها وثنية الصدور، أيام خير، شهد بجودها الكبير والصغير، وسبحت بحمد ربها الصخور والأنهار والأشجار والطيور، فسبحان الله الذي أمدنا من فضله بكثير من الصبر بالرغم من كثرة ضيق في الصدور.

* نقلت قناة الجزيرة الإخبارية في 10/07/2016 أن فرنسا ترى في إضعاف تنظيم الدولة في سوريا، قد يؤدي إلى تقوية الجماعات المسلحة المعارضة، وخصوصا جبهة النصرة.

* في نفس اليوم 10/07/2016 نقلا عن الجزيرة، تحريك ما يسمى بورقة السلام، زيارة وزير خارجية النظام المصري إلى تل أبيب واستقباله من طرف (نتنياهو).

* في نفس الأسبوع تتحدث الجزيرة الإخبارية عن تسريبات (ميدل إيست آي)، رئيس تحرير الموقع يؤكد حصولهم على وثائق تؤكد رسميا الدعم الغربي لحفتر، تنسيق أمريكي بريطاني فرنسي، نواة حلف الأطلسي تتحرك، والأعضاء الدائمون في مجلس الأمن والمؤسسون الفعليون للنيتو يتحركون من جديد؟

* نقلا عن الجزيرة الإخبارية في نفس الأسبوع، قرار حلف الأطلسي ـ النيتوـ بمحاصرة السواحل الليبية، لماذا؟
 
* نقلا عن الجزيرة الإخبارية في نفس الأسبوع، ميدل إيست آي، تكشف وجود تنسيق عمليات جوية قرب الأجواء الليبية، دعم لحفتر في ضرب شرق ليبيا، مدينة درنة.

* أين هي حكومة الوفاق الليبية المدعمة دوليا، ومن مجلس الأمن تحديدا، حيث تم استقبال رئيسها السراج ومرافقيه في طرابلس دون مشاكل؟ أين المشكلة؟ هل لأن الليبيين بيقضتهم وحبهم لوطنهم وشعبهم ووحدتهم الترابية قد فعلوها على حين غفلة من (الغرب)، وتحديدا حلف شمال الأطلسي؟ وإسرائيل وسلامتها؟ والنظام المصري والمهام الموكلة له؟ ما علاقة (الغرب)، وخصوصا: الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، وإيطاليا بما يجري في ليبيا، ما علاقة هؤلاء وأولئك باستقرار العالم العربي، وعلاقتهم بتنظيم الدولة؟ ثم ما علاقة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، والنظام المصري المنقلب على الشرعية بما يجري في ليبيا وباستقرارها وسلامة شعبها ووحدتها الترابية؟ خصوصا حين يصرح الرئيس الفرنسي (هولاند): قواتنا للردع موجهة ضد الإرهاب؟

* ما علاقة ما يحدث هذه الأيام بهشاشة الاقتصاد العالمي، وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسياسة صندوق النقد الدولي والحديث عن تراجع النمو في منطقة اليورو، وإمكانية التقلص خلال العام القادم، وشركة (شل) وبيع أصول بقيمة 30 مليار دولار؟

ما علاقة كل هذا بالقرار العربي (المستقل)، وقرارات (الغرب) في ثوب حلف شمال الأطلسي؟ إذا كان يفرح (الغرب) احتدام القتال في العراق والشام، وخراب الديار وذهاب الأموال واستباحة دماء المسلمين الموحدين، ويغضبه توافق الليبيين في طرابلس مع حكومة الوفاق برئاسة السراج؟ إذا كان كذلك، فما الذي بفرح ويغضب (العرب) بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات؟ سؤال كهذا يمكن أن تسأله كل شعوب العالم التي تكره الظلم وتمقت الاستبداد. ثم هل يمكننا أن نسأل من خلال ممثل الأردن الشقيق، أو ممثل الصين لدى هيئة الأمم، وتحديدا لدى مجلس أمنها، عن موقف مجلس الأمن الدولي من قرار حلف النيتو بمحاصرة السواحل الليبية، وبالتنسيق الجاري جوا بين الحلفاء لزعزعة ما تبقى من استقرار ليبيا؟ أم أن الأردن الشقيق لا يفهم في هذه المسائل، أو هي ليست من اهتماماته؟ وموقف الصين والهند والبرازيل وألمانيا التي تحفظت ذات يوم على قرار مجلس الأمن بخصوص فرض حضر جوي على ليبيا أيام القذافي، وكان ذلك بطلب فرنسي، أمريكي، لبناني، ماذا تغير الآن بعد مرور أكثر من خمس سنوات؟ لقد صرحت الصين وقتها على لسان المتحدثة باسم خارجيتها (جيانغ يو): أن موقف الصين حينها جاء بناء على تحفظات جدية على بعض بنود القرار، وأن الصين اختارت عدم استخدام الفيتو لمنع تمرير القرار مراعاة لمطالب من دول عربية وإفريقية، مؤكدة أن بكين تعارض استخدام القوة العسكرية في العلاقات الدولية.

كيف هي العلاقة بين القرار العربي، وقرارات النيتو تحت غطاء الشرعية الدولية؟ وأين هي مصالح الشعوب العربية والإسلامية من هذا كله؟ وما علاقة هشاشة الاقتصاد (العالمي) بهشاشة البيت العربي والإسلامي؟ كلها أسئلة نابعة من سؤال العلاقة بين حلف شمال الأطلسي ومجلس الأمن الدولي، فهل تتشرف السيدة (انجيلا ميركل) بقليل مما يمكن أن يقدمه لنا الفكر الألماني من خلال مواقف قادته عبر التاريخ، تقف موقفا يذكر (الغرب) بتعاسته، قبل أن تذكره بغروره؟ إن السيدة (انجيلا ميركل) اليوم على قدر كبير من احترام السوريين وكل المستضعفين الغرباء في ديارهم، هل بإمكان السيدة (ميركل) اليوم أن تتحفظ على قرارات (النيتو) بخصوص ليبيا، وما يمكن أن ينجر عنها من قتل وسفك للدماء وهتك للأعراض واستهتار بالقيم؟ يمكن أن نذكر بهذا الخصوص بالذات موقف البيت الأبيض الأمريكي حين أعلن وقتها: إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الفرنسي الرئيس نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، اتفقوا خلال اتصال هاتفي على أنه يتعين وقف كل أشكال العنف ضد السكان المدنيين في ليبيا. ماذا تغير اليوم حتى يتم التنسيق بين الأطراف ذاتها لضرب ليبيا جوا في مسعى دعم (حفتر)، وفي اليوم نفسه صدور قرار (النيتو) تحت إشراف نفس الأطراف بمحاصرة ليبيا؟

أما موقف العرب بجامعتهم وبدونها، في حضورها، كما هو في غيابها، فلم يعد لها من موقف سوى موقف دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية. فإذا كان موقف الجامعة قبل خمس سنوات قد جاء على لسان أمينها (عمرو موسى) أن الحضر الجوي يهدف إلى حماية المدنيين وليس إلى غزو ليبيا (وكالة رويترز) حينها، فما هو موقف الجامعة اليوم من قرار (النيتو) بمحاصرة الشعب الليبي الشقيق؟ أين هو مجلس الأمن، وأين هي الجامعة العربية، وأين هو القرار العربي ؟ وقبل أن نتساءل أكثر في سؤال القرار العربي، يمكن أن نتساءل عن موقف تركيا ؟ لقد جاء موقفها مشرفا إلى حد بعيد: وقف فوري لإطلاق النار في ليبيا، وأنها ضد أي تدخل عسكري أجنبي في الصراع مع تأكيد أردوغان على أهمية الحل السلمي. أما اليوم فلا أرى أن موقف الأتراك سيتغير، إن موقف تركيا وهي عضو في الحلف الأطلسي، لا يمكن أن يتغير سيبقى في صف الشعب الليبي المتطلع إلى الأمن والأمان والاستقرار ووحدة التراب الليبي في ظل الشرعية الدولية التي يجب أن تكيل بمكيال واحد، وإذن فموقف تركيا هو ضد أي تدخل أجنبي، ولا شك، سوف يؤكد ذلك الرئيس أردوغان، وسوف يقدم لنا الجديد إن شاء الله، بخصوص الموقف الصريح والنزيه من قرار (النيتو) ومن الشرعية الدولية التي تكيل بمكيالين، رغم ما يحيط بتركيا من إكراهات ومواقف عربية وإسلامية مثبطة. مثل هذه المواقف التي هي وليدة رياح الفتنة التي عصفت بعراقنا وشامنا ويمننا، وإلا كيف نفسر موقف المملكة العربية السعودية من حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين، لقد نقلت قناة الجزيرة العربية في 10/07/2016 الخبر وأفادت بتصريحات الأمير تركي الفيصل أمام المعارضة الإيرانية في باريس بأن إيران تساعد حركة حماس لإشاعة الفوضى.

من الجهة الأخرى تنقل الجزيرة الإخبارية موقف إيران من خلال تصريحات (خسرو عروج) مستشار في الحرس الثوري الإيراني، أن حماس تسعى للتفاوض مع إسرائيل عبر تركيا.

أما موقف بلدان كالجزائر، فلم يعد بوسعها اليوم فعل شيء، خصوصا أنها هي الأخرى لم تسلم من الموقف العربي الرسمي، الموقف الأخير لمجلس التعاون الخليجي من قضية الصحراء في المغرب العربي الإسلامي، بحضور ملك المغرب؟ لقد سجلت الجزائر موقفها ذات يوم، ولن ينسى ذلك العرب والمسلمون وكل أحرار العالم، تلك الجهود المخلصة التي توجت باتفاقية 1975 بين العراق وإيران من باب (إصلاح ذات البين)، ولن ينسى أحرار العالم كذلك موقف مجلس الأمن سنة 1991 الذي لم يحرك ساكنا طيلة سنوات الحرب، ها هو للأسف الشديد يوم اعترف صدام حسين،بعد انتهاء الحرب بثلاث سنوات، بحقوق إيران في الجانب الشرقي من شط العرب واستعداده للالتزام باتفاقية 1975 التي أشرفت عليها الجزائر، يخرج مجلس الأمن من دائرة الصمت في 09/12/1991 ببيانه الذي أورد فيه:أن الهجوم العراقي على إيران في 22/09/1980 لا يمكن تبريره حسب قوانين الأمم المتحدة، أليس لهذا علاقة بسياسة (الغرب) من خلال التلويح بالقوة والردع بواسطة حلف الأطلسي إذا كان ولا بد من تذكير لإيران وللعربية السعودية بموقف تجاه تركيا اليوم، فهو كمن يستطيع أن يذكر الجميع، وخصوصا العرب والمسلمين، بموقف الجزائر تجاه الإخوة المتحاربين من باب إصلاح ذات البين.

لا ينبغي أن ينسى العرب والمسلمون وكل أحرار العالم، وحتى أصحاب الموقف العربي الرسمي، وصناع السياسة في إيران، ماذا حدث، لما توقفت الحرب بين العراق وإيران؟

حرب الخليج الثانية والثالثة وعملية تحرير العراق حسب تعريفات مجلس الأمن الدولي، ألم تكن نسبة القوة العسكرية الأمريكية البريطانية 98 بالمائة من قوة التحالف لاحتلال العراق؟

سوف لن أزيد، ولن أتحدث عن أسلحة الدمار الشامل والتعاون بين صدام حسين وأسامة بن لادن، وكل المبررات التي أوردتها الإدارة الأمريكية في وقتها، سأترك المجال مفتوحا للقارئ الكريم، وإن كان القراء في عالمنا العربي قليل.

أما بخصوص رؤية الغرب، فهي مطبوعة للأسف الشديد بعقدة الاستعلاء، التي جلبت للإنسانية الكثير من الويلات، إنني عند هذا الحد ومن خلال هذا المنبر، أرى من الواجب التذكير بمرارة بكل ما يحدث من استهتار وتطاول على عالم القيم الذي لا يميز بين لون وعرق وجنس، ومن هذا المنبر بالذات وجب تذكير (الغرب) أن الذي حدث عشية الخميس 14/07/2016 بمدينة نيس الفرنسية ضد الأبرياء مرفوض ومدان بكل المقاييس، وأن الذي يحدث بالمثل في كل بقاع العالم، يجب أن يدان، فهو غير مبرر وغير مستساغ، بل هو من أكبر الجرائم وأخطر المظالم في حق الإنسان، إذا كان ولا بد من رؤية وموقف، ينبغي أن يأخذ في الحسبان المرجعيات والمحاضن التي كانت وما زالت بمثابة التربة التي ترعرعت في إطارها أدوات الإجرام، وإذا كان لا بد من رؤية وموقف، فينبغي أن ننظر في طبيعة رأسمالية (الغرب) وعلاقتها برأس مال الإنسان.

إننا كما نحزن لقتل الأبرياء بمدينة نيس الفرنسية، نحزن لقتل الأبرياء في نيجيريا، والصومال، واليمن، وسوريا، والعراق، وعلى كل شبر من المعمورة، إن حزننا يتجدد كلما ذكرنا صورة من صور الظلم وصور انحراف الإنسان، ويزداد حزننا حينما نقرأ عن احتفالية الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية في الثامن والعشرين من شهر فبراير من كل عام، ليس بأحد أعيادها الدينية، ولكن بتمجيدها لأعمال أحد رجال الكنيسة، إنه القديس
 (كيرولس) لتاريخه في كنيسة الإسكندرية قديما، ليس لأنه أحيا نفسا أو أرضا، أو صرحا من صروح العلم والمعرفة، أبدا مثل هذا لم يحدث، وإذن لماذا هم يحتفلون كل عام؟ الجواب نقلته لنا الدكتورة زينب عبد العزيز بقولها: ” تحتفل الكنيستان الكاثوليكية والأرثوذكسية يوم 28 فبراير من كل عام بعيد القديس كيروليس، تمجيدا لذكراه ولأعماله المجيدة في كنيسة الإسكندرية وإسهامه في تكوين المسيحية.. ومن بين هذه الأعمال التي يحتفظ له بها التاريخ عن سنة 415، تدبير اغتيال هيباثيا عالمة الرياضيات، متفردة الذكاء والعلم والجمال. فقد سحبها مرتزقة الرهبان بقيادة بطرس المقرئ وهي عائدة من مدرستها إلى دارها وسحلوها في الطريق إلى داخل كنيسة سيزاريون، التي يمارس فيها الأسقف كيرولس مهامه الدينية، حيث جردوها من ثيابها وراحوا يشبعونها ضربا، ثم بدأوا يسلخون جلدها بالأصداف الحادة إلى أن رحمها الله بالموت وهي تسلخ، ثم قاموا بتقطيع جسدها وحملوا هذه القطع الآدمية.. الذبيحة إلى محرقة سينارون حيث التهمتها النيران. وليست هذه القصة من أهوال قصص الرعب، وإنما هي قصة من قصص التاريخ الكنسي المعاش، وتصرفات المسيحيين الأوائل، في القرن الرابع والخامس الميلادي بمدينة الإسكندرية. وقد سجلها العديد من المؤرخين في ذلك الوقت، كما تناولها الأدباء.” (18)، لقد أحدث (الغرب) من خلال فكره الكنسي، ومن خلال ممارسات قادته السياسيين المغامرين فجوة رهيبة في حياة الإنسانية، لا لشيء سوى أنه كان يعاني، وهو اليوم يعاني، من عقدة الاستعلاء والتسلط على الطبيعة وعلى الإنسان، يقول المفكر الحر (روجه غارودي): ” وقد نجم عن انفصام الغرب عن منابعه الشرقية إفقار الإنسان، وغدا التباين قاسيا بالنسبة للرؤية الشرقية عن العالم وهي تؤلف بين حب الطبيعة وبين التقوى تجاه الناس، وترفض الفردية الوهمية في مسعى انصهارها مع الطبيعة” (19). ويقول أيضا: ” وإن عصر النهضة وهو ليس حركة ثقافية وحسب، بل ولادة مواكبة أنجبت الرأسمالية والاستعمار، قد هدم حضارات أسمى من حضارات الغرب باعتبار علاقات الإنسان فيها بالطبيعة وبالمجتمع الإلهي، بدل أن يكون ذروة النزعة الإنسانية والتاريخ الحقيقي أي التاريخ الذي يرغب عن أن يتركز حول الغرب، قد يكون تاريخ فرص أضاعتها الإنسانية بسبب التفوق الغربي الذي لا يرجع إلى تفوق ثقافة بل إلى استخدام تقنيات السلاح والبحر لأهداف عسكرية وعدوانية، ومن شأن ابتكار مستقبل حقيقي، إنه يقتضي العثور مجددا على جميع أبعاد الإنسان التي نمت في الحضارات وفي الثقافات اللاغربية ” (20).

مما سبق من شهادات حية، يمكن القول أن (الغرب) كثقافة، لم يلد ولادة طبيعية، لقد ولد ولادة قيصرية، وفوق ذلك فقد تم استغلال رحم الأم لمجرد الولادة، مع الإمعان في إلحاق الأذى بالأم مصدر الرحم، ذلك أن الذين أرادوا الولادة بتلك الكيفية كانوا يعيشون حالة من القلق والاضطراب والخوف غير المبرر الذي نتج عنه جزع شديد ومنع رهيب نتيجة فقدان كل طمأنينة إيمانية. يقول غارودي: ” إنني لا أحب لفظة (الغرب) وقد حملوها كثيرا من التعريفات التي خدمت قضايا مشبوهة في تقسيم العالم. إن ما اصطلح الباحثون على تسميته باسم (الغرب) إنما ولد في ما بين النهرين، وفي مصر أي في آسيا وإفريقية ” (21).

إن عالمنا المعاصر ينظر إلينا بعين من الشفقة، وكأنه يخاطب فينا أنانيتنا وغفلتنا وتيهنا وهلعنا الذي حولناه إلى جزع مخيف ومنع قاتل، يريد أن يتجاوز فينا ضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا على (الغرب)، فكأنه يرشدنا إلى طريق غير طريق الغدر والاستعلاء، طريق يسلكه كل حر من أحرار العالم الذين أسكتهم (الغرب) كثيرا، وكأنه يسمع آهات الأمهات الجريحات اللائي آثرن تراب الشام المحترق على غيره من الديار، يريد من السيدة (انجيلا ميركل) وأمثالها، يريد منها أن تجلس إلى الرجل الحر البار الذي آثر الطاعة على العقوق، أردوغان طيب رجب، طيبه الله وأحسن إليه، أن يقولا لفرنسا: كفاك قبحا في عالم القيم، ولأمريكا: كفاك كفرا بالنعم، ولبريطانيا: كفاك عنادا، فأنت من سرقت منا الوطن.

إن أمم العالم اليوم تريد هيئة للأمم، ميثاقها ميثاق لكل الأمم، تريد أن تجعل من مجلس الأمن مجلسا لها جميعا، يحفظ أمنها جميعا وسلامتها جميعا، وحقوقها جميعا. فإلى ثورة فكرية ذات نزعة إنسانية، يمكن أن تساهم مساهمة نوعية في سبيل إسعاد الإنسانية جميعا، إن الأرض تسعنا جميعا وتستوعبنا رؤانا جميعا، وخيراتها تكفينا جميعا، أبيضنا وأسودنا، فقيرنا وغنينا، ضعيفنا وقوينا: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” الآية 13 من سورة الحجرات.

لقد أنهيت كتابة هذه الورقة المختصرة جدا، قبل الإعلان عن المحاولة الانقلابية في تركيا بساعة واحدة من ليلة الجمعة 15/07/2016، بقيت أمام شاشة التلفاز أتابع، وأنا في حيرة من أمري، تلتزم دول حلف شمال الأطلسي الصمت، ويعلن ممثل الاتحاد الأوروبي أن العملية تبدو كبيرة، وتعلن الولايات المتحدة الأمريكية في موقف غامض لمواطنيها في تركيا التزام الحذر والبقاء في بيوتهم، يطل الرئيس المنتخب أردوغان رجب طيب من على شاشة جهاز هاتف نقال لمذيعة بقناة تركية خاصة، يطلب من الشعب الخروج إلى الميادين، فتوجست في نفسي خيفة، إلا أنني تأكدت أن الدموع التي ذرفها رجب طيب الرئيس على الطفلة البريئة المصرية ابنة البلتاجي، حين سقطت برصاص الغدر شهيدة، وسفينة المساعدات التي أرسلها إلى أطفال ونساء غزة في شهر رمضان المعظم، في موقف لم يقفه واحد من قادة العالم، قلت في نفسي، لعل الله العلي القدير لن يخيبه ولن يخذله بل هي ساعة يخذل فيها الله أعداء الديمقراطية الذين يكيلون بمكيالين، ويتحركون بموقفين.

 حياك الله يا طيب يا رجب، وتحية إكبار وإجلال لرئيس الوزراء السابق داود أوغلو، وللرئيس التركي السابق غل، ولكل أبناء وبنات الشعب التركي الحر.

وأحب أن أختم بقول الأستاذ روجي غارودي: “إن الرأسمالية الأوربية، وقد أصبحت مركز منظومة اقتصادية عالمية، هي التي أعادت الرق إلى الوجود، وفرضته خلال ثلاثة قرون، من القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر وعلى هذا النحو ولدت الثروات العظمى للمشاريع الرأسمالية في الوحل وفي الدم ” (22).

إن حلف شمال الأطلسي، وقد أصبح مركز منظومة ظلم عالمية، هي التي أعادت الاستبداد إلى عالمنا الآخر، الذي احتلته طويلا، وعلى هذا النحو ولدت كل الأنظمة الاستبدادية في الوحل والدم، وإن أمم عالمنا اليوم تنظر بعين الريبة وبكثير من الألم إلى كل الخطوات المشبوهة التي لم تعد تنطلي حيلها على أحد. وإذا كان لابد من كلمة أقولها فهي إلى السيدة (انجيلا ميركل) التي رحبت بإخواننا السوريين، وإلى السيد (أردوغان) الذي أبطل بعون الله فعل المستبدين، أقول لهما: إن رأس مال الإنسان هو إنسانيته، وكرامته في مواقفه وتواضعه وقبوله، أما رأسمالية (الغرب) التي اقتاتت من دماء الأبرياء في آسيا وإفريقيا وحبست أنفاس المستضعفين قرونا من الزمن، فهي تتباهى اليوم بعقدة الاستعلاء التي لازمتها طويلا وتحتمي بقوة الردع في أطلسها وتخاطب العالم باسم مجلس أمن لا يرى سوى أمنها.

بشير جاب الخير
16 جويلية 2016

الإحالات

(1)، (2)، (3)، روجه غارودي، حوار الحضارات، منشورات عويدات، بيروت ـ باريس، ص: 63،64،65،66.
(4)،(5)،(6)،(7)، روجه غارودي، نفس المرجع، ص: 71،72.ض
(8)،(9)،(10)، (11)، روجه غارودي، نفس المرجع، ص: 76،78،79.
(12) روجي غارودي، نفس المرجع، ص: 74.
(13)،(14)،(15)، روجي غارودي، نفس المرجع، ص: 186، 191.
(16)،(17)، روجي غارودي، نفس المرجع، ص: 125، 127.
(18) الدكتورة زينب عبد العزيز، من مقالة نشرها معهد الهوقار بجنيف بتاريخ 15/07/2016.
(19)،(20)،(21)،روجي غارودي، نفس المرجع، ص: 8، 17، 23.
(22)، روجه غارودي، نفس المرجع، ص 58.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version