العرب والصين ـ  مستقبل العلاقة مع قوة صاعدة ـ هو عنوان المؤتمر الذي سيعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة ـ قطر ـ 21 و22 أيار / مايو 2016.

لعل المؤتمر سوف يبحث في طبيعة التقارب الصيني العربي عموما، وتحديدا التقارب الصيني الخليجي، ملامحه وأبعاده.

أولا: الصين بين ماضيها وحاضرها، كيف كان موقف العرب من شعوب الصين قبل الإسلام وبعده

كيف وجد العرب لهم مكانا في بلاد الصين، كيف رضي الإنسان العربي ورضي الإنسان في الصين؟

تواضع من هنا وقبول من هناك، هل تم ذلك على أساس الهلع والجزع والمنع، ما طبيعة العقد الذي حكم الطرفين؟ أم أن المسألة خصت نوعا جديدا من الناس، لهم من السمات والأوصاف ما لم يكن لمن سبقهم، خصوصا قبل الإسلام؟ كيف أقام العرب بين شعوب الصين، كيف كانت لهم الأرض وكيف بسطت لهم الحياة، ماذا عن العلاقة بينهم، هل سادها أي نوع من الصراع؟ هل سادها هلع أو جزع أو منع؟ كيف كانت واستمرت بهم الحياة لمئات السنين؟

كيف كانت صورة الإنسان، وكيف تغلب الإنسان على أنانيته وقد اختلف اللون واختلفت العادات واختلف اللسان، كيف وسعتهم الأرض، لا جشع ولا غضب ولا قلق ولا ظلم ولا حرمان، صورة جد رائعة من التقارب والتآلف والتعاون والتطاوع، صورة فنية من أروع الصور، لم يقصها علينا المؤرخون كفاية، هي صورة من صور الحياة التي خسرها الإنسان في دائرة الوسطية والشهادة،

افتقدها الإنسان لقرون من الزمن، فقدها الإنسان وافتقدها وانسحب ذلك عبر الزمن، وكأن الزمن هو الذي افتقدها، فهل الزمن هو الإنسان، أم أن الإنسان هو الزمن، الزمن هو الزمن لم يغير موقفه ولا موقعه، الذي ابتعد عن فلكه هو الإنسان، لذلك فقط تغيرت المعطيات وتغيرت المواقف وتغيرت طبيعة العلاقات، فبدل الأمن والأمان والسلام والطمأنينة والاطمئنان الذي شمل العرب بالآلاف إلى بلاد الصين، وشمل الملايين من الصينيين لمئات السنين، تغيرت الصورة، يا ترى من مزقها ولطخها ونزع عنها لباسها وسرق منها رونقها وجمالها وأفقدها بعد ذلك روحها التي لازمتها طويلا؟

إنكم إن بحثتم في إفريقيا وقرأتم تاريخها، وسألتم عن صورتها، وصورة بلاد فارس، وصورة بلاد الترك، وغيرها من الصور الجميلة والرائعة، لوقفتم على نفس السؤال الذي سألناه عن الصين وفي الصين بالأمس واليوم، وحتى إن سألتم عن العالم الجديد، من سماه عالما جديدا، ولماذا؟ لقد أخبرونا أن كريستوف كولومبس اكتشفه، غير أنهم لم يخبرونا بصراحة ماذا فعلوا بسكان العالم الجديد، الهنود الذين عاشوا في عالمهم في أمن وأمان لآلاف السنين بعيدا عن كل هلع وجشع وجزع وظلم وطغيان، ولم يحدثونا أيضا كيف تغيرت الصورة وحدث الزلزال حتى أن الإنسان كره إنسانيته التي فقدت بهجتها وسرورها، فسكنتها الحيرة والحزن والقلق والحرمان.

سؤالنا نفسه سنكرره اليوم وغدا وفي كل حين، وسؤالنا هذا سوف يبقى مبهما إذا لم نجلس إلى إنسانيتنا ونتحسس موقعنا ومواقفنا، ونستوعب هلعنا وجزعنا ومنعنا، ونتفق أن صورتنا الأصيلة هي تلك الصورة التي فرضت على شعوب المعمورة احترامنا والاستئناس بنا والرضا بنا والاجتهاد في طلبنا، فنحن من خلال تلك الصورة لم نعتدي على الناس في أرضهم، لم نطمع فيما عندهم، لم نستهدفهم في حياتهم، لم نستعبدهم، لم نعذبهم، لم نحرقهم مع أطفالهم في مغارة أو كهف، لم نسلب منهم أموالهم، لم نرغمهم على شيء. لقد انتصرنا على أنفسنا فقط عندما رضينا بنصيبنا في أرضنا وبقسمتنا وإنسانيتنا، بذلك وبذلك فقط كسبنا رضا الآخرين واحترامهم جميعا، لذلك فقط كان منا ومنهم القبول ولذلك فقط اجتهدوا في طلبنا.

أما عندما اختلفنا مع أنفسنا ومع قناعاتنا ورضانا انحرفنا عن فلكنا ولم نعد نسبح لله، لأننا عدنا إلى التسبيح من جديد بجاهليتنا فانفجر هلعنا وتولد فينا جزعنا وبلغ منعنا حدا لا يطاق، حينها تراجعنا وسقطنا فتداعت علينا أمم أشد هلعا وأكثر جزعا وأقوى منعا، فمنعت علينا الكلام مع أنفسنا والنظر في وجوهنا فصارت صورتنا إلى ما هي عليه اليوم في دنيا الناس.

أما الصين اليوم فليست هي الصين وقتها، فهي اليوم لم تعد تقنعها شيوعيتها التي طلقتها بالثلاث، ولم تعد تشبع نهمها اشتراكيتها فقد تخلت عن ذلك الصراخ، فقط هي اليوم تبحث عمن يلطف من روعها وهلعها خوفا من أن يزيد جزعها، والغرب على مقربة منها ينفخ في نارها حتى يفجر بعيدا عن ساحته منعها، لعل ذلك يبعد عنه خطرها.

الغرب لا يقبل بالآخر إلا تابعا، ولذلك فهو يجتهد من خلال خبرته وخبرائه وسحرته في الانتصار لجشعه ولرأسماليته، وصار يرى في الصين وحشا يتنهد بعد أن نام طويلا وقد زال عنه مفعول التخدير، فأوجس في نفسه خيفة، لذلك هم يريدونه أن ينفجر بعيدا عنهم، أي هناك وما أدراك من هناك، هناك الإنسان الذي تشوهت صورته منذ مئات السنين، هناك إيران ( بلاد فارس) التي وحدت الله، والشام والعراق التي يجب أن تتمزق، وهناك بلاد الترك التي عجز الغرب عن حل معادلتها، لذلك فقط شجعوا الصين على التوجه هناك، لم يعد يهمهم مشروع إيران النووي، ولا مصادر الطاقة في الخليج، ولا مفاوضات اليهود مع العرب، فلهم ما يكفيهم من الطاقة اليوم وغدا، إلى غاية الاطمئنان على حدوث الانفجار بعيدا عن ساحتهم، فليقتل العرب بعضهم، وليقتل المسلمون أنفسهم، لأنه بعد الانفجار سوف يزيد هلع الصين، ويقوى جزعها، ويرتفع منعها، حينها لن تفكر سوى في توسيع رأسماليتها، عندها ستتورط الصين وسوف تفعل روسيا فعلتها بدعوى حماية نفسها وقد تجدد طمعها في سايكس بيكو جديد. أما الغرب فهو يريد مزيدا من الوقت بعيدا عن نار المعركة حتى يفكر من جديد، وهو دائم التفكير، في مسألة التفوق والسيطرة تماديا في أنانيته وغطرسته التي ليس لها حدود.

أما نحن العرب فلن نجني شيئا من التقارب مع الصين، سوف لن تقدم لنا الصين شيئا سوى مزيدا من أدوات الدمار التي لن نستخدمها سوى لتدمير أنفسنا بأيدينا.

إن التقارب الواجب اليوم، قبل الغد، هو بين أعضاء الجسد الواحد حتى وإن كرهنا ذلك: ” وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (البقرة: 216)

إن التقارب اليوم هو أقرب وأجدى وأسلم بين دول الخليج وإيران وتركيا، تقارب سوف تدعمه كل الدول العربية والإسلامية، وحتى الصين يمكن أن تدعمه من موقعها الحالي، حينها سيغضب الغرب، غير أن غضبه لن يثنينا، حينها فقط نكون راضين، يزول هلعنا وجزعنا ومنعنا، وحينها فقط تحترمنا الصين وتسعى في طلبنا، وحينها فقط يحترمنا الغرب ويتوقف ولو لحين عن غيه وغطرسته وظلمه، فهو لن يهنأ له بال ولن يسكن هلعه ما دام لا يسبح الله.

بشير جاب الخير
20 ماي 2016

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version