نظمت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ابتداء من يوم 30 مارس، و على مدة خمسة أيام، معرض الكتاب والمعلومات ومهرجان الثقافات والشعوب، ، وهذه الطبعة الثالثة والثلاثين من هذا المعرض الثقافي التربوي، إذ يعد من أهم المعارض التي تقام في السعودية، وهو يأتي ضمن سياق اهتمام الجامعة بنشر العلم وتقريب مصادر العلوم لطلاب العلم داخل الجامعة وخارجها..

40 سفيرا من سفراء الدول الإسلامية، و 60 دولة مشاركة

المعرض يتكون من 200 جناح، تشتمل على مجموعة من دور النشر والمكتبات، والجهات العلمية والثقافية التي تمثّل الجامعات السعودية والمكتبات الحكومية، كما يُقدم المعرض خدماته العلمية والمعرفية لطلاب الجامعة وأهالي المدينة المنورة وزوّارها في فترة إقامة المعرض، و بالمناسبة  كان افتتاح مهرجان الثقافات والشعوب الخامس في الجامعة الإسلامية، الذي دعي إليه قرابة 40 سفيرا من سفراء الدول الإسلامية، حيث يضم المهرجان أجنحة لأكثر من 60 دولة مشاركة من مختلف قارات العالم، فيما سيتولى الطلاب المشاركون التعريف بدولهم وثقافاتهم مستقبلين الزوار بأزيائهم التقليدية، في حين يصاحب المهرجان عدد من الفقرات المتنوعة تشمل الألعاب الشعبية والأطعمة المتنوعة لكل دولة.

من  شعب” الجزائر 45″  إلى شعب” فلسطين 48″..

وعلى هامش معرض الكتاب الدولي هذا ، كان لنا لقاء عابر مع مجموعة من شباب فلسطين جاؤوا أيضا لأداء مناسك العمرة، وقد استوقفنا أحدهم يستفسر عن تاريخ الجزائر الذي تستلهم منه فلسطين جهادها ضد المستكبر الاسرائيلي الغاصب، طالبا منا بعض أسرار صبر و ثبات “جهاد شعب الجزائر” أزيد من قرن، نعم  هكذا  بهذه الصيغة “جهاد شعب الجزائر” كما عنون ذلك الكاتب ” بسام العسلي” ، سلسلة كتبه “الحلوة العسلية” على حد تعبير أحد اساتذة مادة التاريخ في ثمانينات القرن الماضي، و”جهاد شعب الجزائر” هي سلسلة طيبة للغاية ، يروي فيها صاحبها مناقب رجال أبطال من فلاذ وقفوا ضد أعاصير المحتل الغادر، حبذا لو يعود إليها شبابنا وطلابنا الحاضرين  للمعرض والغائبين، وكذا كتب أخرى مثل “معجم أعلام الجزائر من صدر الإسلام حتى العصر الحاضر” لعادل نويهض، التي بحت حناجر طلابية عديدة قصد إعادة طبعها ، لكن لحد الساعة لم ترى النور، رغم ذلك فهي متداولة عبر “النات” وبحلتها القشيبة المتواضعة المعهودة.. دون  نسيان  كتب أستاذنا الدكتور أبو القاسم سعد الله ، رحمه الله و غيره كثير من مؤرخينا، جزاهم الله خيرا جميعا.

وأثناء الدردشة بعد الجلسة العلمية، دنت منا طالبة فلسطينية وصلت لتوها، وهي مرصعة حجابها بيافطة، مكتوب عليه ” فلسطين 48″ ، و قدمت نفسها لي قائلة ” أنا الأستاذة فلانة  من  شعب” فلسطين 48″، فقلت لها و أنا فلان من شعب” الجزائر 45″، فتبسمت مستفسرة ، ظانة أني أمزح أو من عائلة ” نازحة إلى الجزائر عام 1945 أو شيء من هذا القبيل، فسردت لهم قصة  مجازر “سطيف ـ قالمة ـ خراطة ” التي ارتكبها المغتصب الفرنسي في حق شعب جزائري أعزل ذات يوم 8 ماي 1945 ، فقتل في يوم واحد أزيد من 45 الف شهيد و شهيدة.. نعم  في يوم واحد، وصدق بعض طلبة الدكتور سعد الله، ابو التاريخ الجزائري، الذي يقول لنا دائما “من نعت من مؤرخينا ذلك حوادث “سطيف ـ قالمة ـ خراطة ” بالمجازر فقد أغمط  حق جهاد شعب الجزائر، بل تلك الأحداث هي إبادة جماعية، في شرق الجزائر، سيقتص لها التاريخ يوما ما..”  

يوم 30 مارس، يوم اغتصاب  الأرض بالطول والعرض

ويصادف هذا اليوم من المعرض،  يوم 30 مارس 2016، نكبة كبيرة مرت بها الأمة الاسلامية، يوم اغتصاب  الأرض بالطول و العرض، كما تقول كاتبة فلسطينية، يعني تمزيق ما تبقى من” تراب فلسطين”  ..  يوم 30 مارس / اذار، هو مناسبة الذكرى الـ 40  لـهذا اليوم ” يوم  الارض” في فلسطين، الذي شهد احداثأ تمثلت بقيام اسرائيل بمصادرة اًلاف الدونمات من اراضي الفلسطينيين عام 1976م وهي اراضي ذات ملكية خاصة و كثافة سكانية فلسطينية عالية داخل حدود 48 ، حيث عم  حينها الاضراب الشامل مختلف مرافق الحياة من الجليل حتى النقب واندلعت مواجهات دامية ادت الى سقوط  شهداء ومئات الجرحى والمعتقلين ، و يعتبر “يوم الارض” في تاريخ فلسطين الحديث، الحدث المحوري الهام بالنسبة لعلاقة فلسطينيي 48 بالجسم السياسي الاسرائيلي حيث كانت هذه المواجهة الاولى من نوعها منذ عام 48 ردأ على سياسيات التمييز العنصري والتطهير العرقي التي تتبعها اسرائيل وحتى يومنا هذا تجاه الفلسطينيين في كافة اماكن تواجدهم

و إذا كان يومها، لرئيس بلدية الناصرة الشاعر الفلسطيني الكبير توفيق زياد دورا هاما في الدفع تجاه الاحتجاج على هذه السياسات العنصرية والتي تتبعها اسرائيل في مواجهة العرب الفلسطينيين ودعا ليوم من الاضرابات العامة والاحتجاج ضد قرار مصادرة اسرائيل لأراضي المواطنين
الفلسطينيين..

“على العرب السلام” باعوا المسيح ومهده والمسجد الأقصى الحرام

متناغما مع الشاعر فلسطين سميح القاسم و كوكبة من الحناجر العربية  المبحوحة يومها، علما أن أقلاما كبيرة أخرى حاولت من بداية الاحتلال في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي  رفع عقيرتها و لو بأسلوبها الشعري الخاص ، منهم على سبيل المثال لا الحصر، قصيدة نادرة ، بعنون ” على العرب السلام”، وهي نسخة أصلية من الجريدة
التي أرسلها لي أحد الزملاء الكتاب، المنغمسين هذه الايام في جمع و غربلة ” تراث فلسطين الثقافي ” من قمة رأسه إلى أخمص قدميه ، والقصيدة للصحفي والشاعر والكاتب عيسى داود العيسى صاحب جريدة “فلسطين” اليافوية
نشرت في صحيفة فلسطين بتاريخ 16 – 09 – 1949   
يقول فيها:
باعوا المسيح ومهده والمسجد الأقصى الحرام
فتغيرت اوضاعهــا ارض المحبة والوئـام
وبغى على سكانهــا جيش من القوم الطغام
سهروا لنيل مرادهم ورجالنـا عنهـم نيـــام
واحتاط كل امورهم حسن التفاهم والنظـام
وامورنا فوضى تخللـــها التخــرب والخصام
ولقد صبرنا للمكـــــــاره صبــر اقــوام كـرام
فاذا بنا كرة تقاذفـــــــــــــــها زبانيـــة لئــام
او اننا سلع تداولـــــــــــــــها سماسرة لئام
وأحدهم “جون بول” أصل بلائنا “والعم سام”
أين الزعامة ما الذي فعلتــه من عــام لعام
أين الذي جمعته من مـــال لأحداث جســـام
أين الوعود وأين ما كنا نؤمل فــي الختـــام
بل اين جامعة العروبة أين صلصلة الحسام
ما كأن ذلك كلـــه الا كـلامــا فـي كـــــلام
فاذا استمر الحال قل عني على العرب السلام

ايها العرب، أيها المسلمون! إن فلسطين وديعة محمد عندنا، وأمانة عمر في ذمتنا

أما من أقلام الجزائر، الذين تغنوا بفلسطين وجراحها فهم كثر من الجزائر أمثال مفدي زكريا و العلامة  الابراهيمي ومحمد العيد آل خليفة، و غيرهم، لأن فلسطين جزء من  هم الجزائر  و انشغالات شعبها  و صدق من قال، ” الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة ” والإمام البشير الابراهيمي ، رحمه الله، كتب عن آلام فلسطين و آهات شعبها ، خاصة في افتتاحيات البصائر في اعدادها الاولى، حينها كانت فعلا كلماته من نار و نور وقد كتبت في بداية فجر الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين من عام 1948

يا فلسطين! إن في قلب كل مسلم جزائري من قصيدتك جرحا داميا

و قد وصف الإمام الإبراهيمي الاحتلال الصهيوني لفلسطين حينها بـ”الفجيعة” والجزائر حينها لازالت بدورها تئن تحت نير الاستعمار الفرنسي البغيض، وقد كتب رحمة الله عليه في العدد الخامس من جريدة البصائر، تحت عنوان “تصوير الفجيعة”، هذه الكلمات البليغة الصادقة الواعدة مناجيا فلسطين بقوله :« يا فلسطين! إن في قلب كل مسلم جزائري من قصيدتك جرحا داميا، وفي جفن كل مسلم جزائري من محنتك عبرات هامية، وعلى لسان كل مسلم جزائري في حقك كلمة مترددة هي: فلسطين قطعة من وطني الاسلامي الكبير قبل أن تكون قطعة من وطني العربي الصغير، وفي عنق كل مسلم جزائري لك ـ يا فلسطين ـ حق واجب الأداء، و ذمام متأكد الرعاية، فإن فرُط في جنبك، أو ضاع بعض حقك، فما الذنب ذنبه، وإنما ذنب الاستعمار الذي يحول بين المرء وأخيه، والمرء وداره، والمسلم وقلبه».. ثم كتب يقول : « يا فلسطين! ملكك الاسلام بالسيف و لكنه ما ساسك ولا ساس بنيك بالحيف»، كناية عن عدل الإسلام وتعايشه السلمي مع الآخر مهما كان دين هذا الآخر .. كما كتب أيضا في خاتمة افتتاحية البصائر عدد 22 مناديا ومنذرا ومحفزا العرب والمسلمين بقوله : «ايها العرب، أيها المسلمون! إن فلسطين وديعة محمد عندنا، وأمانة عمر في ذمتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا، فلئن أخذها اليهود منا ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون».

لاحظ أنه رغم الاستعمار الفرنسي لبلده الجزائر ورغم الفاقة وقلة ذات اليد التي يتخبط فيها، فقد آل العلامة الإبراهيمي على نفسه أن يهب أعز ما يملك بل أغلى ما يملك لنصرة فلسطين، وهي كتبه، كما وضح ذلك في افتتاحية البصائر عدد 30 بقوله: «.. أما أنا .. فو الذي روحي بيده لو كنت أملك ما يملكه العمودي من سخل، أو ما يملكه البسكري من نخل،… أو ما يملكه الفلاح من أرض أو ما يملكه الكانز من ورق وورق- لخرجت من ذلك كله في سبيل عروبة فلسطين، ولكني أملك مكتبة متواضعة أضعها بخزائنها تحت تصرف اللجنة التي تشكل لإمداد فلسطين». و هنا يسمو الإمام الإبراهيمي محلقا في علياء زهده و سخاءه و عطاءه المعهود، مصداقا لقوله تعالى : (لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ)!

و قد كتب إمامنا الإبراهيمي العديد العديد من مقالات غاية في الأهمية بأسلوب راق قوي متين عن جرح فلسطين الغائر وسرطانات القضية الفلسطينية وقرارات التقسيم الأممية المجحفة، جمعت كلها في العدد الثاني من آثاره “عيون البصائر”، يمكن للقارئ الكريم الرجوع إليها للاستزادة في الصفحات 490/526.

كما عاش الإبراهيمي -إضافة لذلك- مرارة الاعتقال والسجون، وحتى الإقامة الجبرية لمواقفه الوطنية إبان استقلال الجزائر المنقوص، و مات هذا القلم متحسرا على الجزائر كما مات متحسرا على فلسطين ..

فلسطين هي الارض والهوية، هي التاريخ والحضارة، بل هي المستقبل للأمة الاسلامية

لا لشيء إلا لأن فلسطين هي الارض والهوية، فلسطين هي التاريخ والحضارة، فلسطين هي الماضي والحاضر والمستقبل الأمة المسلمة،  فلسطين هي درع هذه الامة المنتكسة،  فلسطين هي القدس .. فلسطين هي الارض الخالدة في قلب وعقل المسلمين،  فلسطين هي المشروع الفلسطيني الوطني الكبير تحت عنوان ” دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف”، كما مات من أجل ذلك شهداء و شهود ..
ومهما كانت حجم التحديات والاحداث المرتقبة ومهما بلغت جرائم الاحتلال بشاعةً وعنصرية ومهما كانت جرائم الحرق والتطهير والابادة يثبت الشعب الفلسطيني تمسكه بارضه ووطنه تواقأ لقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس فهو حلم لكل فلسطيني ، ان هذا الاحتلال هو اخر احتلالا في العالم والفلسطينيين يستحقون الحياة والعيش الكريم وبأمان شأنهم شأن باقي سكان العالم

صاحب “سجل الشرف”، وقائد فوج المجاهدين المتطوعين السعوديين

وختاما،  قلت لوفد فلسطين  بحضور شباب السعودية، لا يصح أن نرحل عن بلاد الحرمين الشريفين، دون الاشارة لدور رجالاتها في التضحية من أجل القدس و فلسطين، ونظرا لشح المعلومات من جهة، وقلة اطلاعي عن الموضوع ، علما اني كتبت أخيرا عن رجل سعودي ناضل  ووهب حياته من أجل القضية الفلسطينية،  اكتشفته  صدفة من خلال بعض معارفنا، هذا الفدائي هو الديبلوماسي والأديب السعودي  الشهيد فهد المارك، رحمه الله، وهو سعودي ،من أهل نجد ولد في مدينة حائل وشارك في أيام شبابه في حرب فلسطين عام ( 1368هـ 1948م ) كقائد فوج لمجموعة من المجاهدين المتطوعين من السعودية ..إذ كان له نشاط ودور فاعل في الجهاد ضد قوات الاحتلال الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية، حيث يذكر هو في كتابه “سجل الشرف” أنه عندما أعلن الإسرائيليون عن عزمهم على قيام كيان محتل للأراضي الفلسطينية باسم دولة إسرائيل في 15/5/1948م، أستأذن الملك عبدالعزيز للجهاد في الأراضي المقدسة، فبارك الملك تطوعه، فتوجه إلى سورية للمشاركة مع مواطنيه السعوديين وهناك علم أنه لا يوجد فوج باسمهم أسوة بغيرهم فقام بجمعهم وقيادتهم في فوج سعودي بقيادته مع البطل المصري أحمد عبدالعزيز والعقيد فوزي القاوقجي، وبعد عوتهم كرم الملك عبدالعزيز هؤلاء المجاهدين واحتفى بهم المواطنون.

وقد أوصيت شيخنا الدكتور المعماري فريد مصطفى أحد زملاء أستاذنا الكبير المرحوم الدكتور توفيق الشاوي صاحب “نصف قرن من العمل الاسلامي” و المدير العام الاسبق لمدارس المنارات لصاحبها الامير محمد الفيصل، لتعريف الطلبة  بالشهيد فهد المارك وبأمثاله في الفترة المسائية، لأن أهل مكة أدرى بشعابها.. مغادرا إلى مكة لأداء العمرة رفقة الشيخ  الأستاذ عصمت كوتشى المترجم الدولي الألباني،  داعيا الله بالنصر لشعب فلسطين  ولأمتنا المكلومة بالاستقرار، و ما ذلك على الله بعزيز ، إنه نعم المولى ونعم النصير.

محمد مصطفى حابس
7 أفريل 2016

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version