لم تشهد وزارة التربية الوطنية في مختلف عهودها السابقة تلوينا ايديولوجيا صريحا ولا حالة اغتراب ولا حالات غموض وتستر بخصوص نشاطاتها التكوينية أو المتعلقة بسياسة وضع المناهج والكتب والبرامج ومراجعتها حتى على مستوى اللجنة المعروفة بلجنة بن زاغو التي انتسبت إليها كل من نورية بن غبريط الوزيرة الحالية أو مرافقها ومستشارها المبجّل الذي استقدمته الوزيرة معها وهو الدكتور فريد بن رمضان المتخصص في اللسانيات (لا البيداغوجيا كما يقدّم نفسه وهو يشتغل بالوزارة).

مقترب نفس-اجتماعي وثقافي للبروفايل الوزاري للسيدة نورية بن غبريط

ا- منزع التشاؤم والرؤية الكارثية حالة ألبست للعربية والتدريس بها كيدًا ومؤامرةً

ترى بأي حق تحول وزيرة التربية الوطنية هي ومساعدها ومستشارها وكذا مستشارتها كلاهما متخصصان في اللسانيات بأي حق تأتي الوزيرة وطاقمها على الأخضر واليابس وتحكم على المدرسة الجزائرية بأنها منكوبة دون أن تخبرنا بمن جعلها وأرادها ان تكون في هذه الحالة والدرجة من النكبة ومأزومة حتى تجد الوزيرة “المخلصة” (من الخلاص) للمنظومة التربوية المبررات الكافية التي تمنحها حق الانقلاب على كل شيء وتحميل بقايا المدرسة الأساسية هذا الفشل الذريع وتحميل المسؤولية التدريس باللغة العربية والعزوف عن العامية وإدارة الظهر إلى اللغات الأجنبية (وهي لا تعني بالنسبة إليها أكثر من الفرنسية).

ب- إصلاحات بن زاغو ولماذا إصلاحات الجيل الثاني لـ بن غبريط هل هو اعتراف بفشل الإصلاحات أم نجاحها

ماذا حقق بن زاغو للمدرسة الجزائرية التي رغم انقضاء الجيل الأول من الإصلاح لا زالت بن غبريط تتحدث عن نكبتها وضرورة الجيل الثاني من الإصلاح، هل الذي كرس وتسبب في الفشل هي المدرسة الأساسية والتعريب أم بن زاغو أو بن غبريط أم جميعهم؟

من المخلص بن غبريط أم بن زاغو أم “انتظار قودو” بعد رحيل “بن غبريط”… أيهم فاسد هل هو التشخيص أم برنامج الإصلاح؟

بل لماذا لم يفتح تحقيق معمق وتشخيص دقيق ومحايد بل تشخيص التشخيصات السابقة (بما أن إصلاحات بن زاغو لم تقدم المدرسة الجزائرية التي هي اليوم موضوع إصلاحات ولو خطوة واحدة نحو التحسن) ولماذا لم ينجز تحليل عميق محايد علمي متعدد العلوم والاختصاصات ما بين علمي وعرضي نسقي يوظف “التركيب” و”التعقيد” الذي رافق حالة التركيب لظاهرة الإخفاق والفشل التي انتهت بالنظام التعليمي إلى وضع أزموي معقد في بنيته وتكوينه وسيرورته وشكله وتمنعاته عن مقاربات الإصلاح وقبلها التشخيص المقترح للتشخيص وهو وضع غير لائق ولا مشرف بل منذر بخطر يمس المواطنة والقيم الوطنية والحرية والديمقراطية التي وضعت في حالة من الريبة مكنت بن غبريط الوزيرة إلى اصدار حكمها المبسط والوثوقي الحامل لرائحة التأدلج والانحياز وانعدام العلمية والحياد والموضوعية والمعيارية فلا يكفي الوزيرة أنها اشتغلت كباحثة من قبل في علم اجتماع التربية كما تفضل هي أن تقدم نفسها كلما سمحت لها الفرصة لاكتساب صفة المشروعية التي تبرر بها وتغطي من خلالها كل محاولة علمية للنقد أو اللوم والعتاب على خياراتها وموقفها من المدرسة الجزائرية بل أيضا من خلال عملها السابق وعلاقاتها التي نسجتها وهي تشارك في المنتديات البحثية والعلمية والتربوية الدولية مع الأجانب الغربيين فهي تنظر للعرب والمسلمين خاصة ودول آسيا وأمريكا اللاتينية وتركيا وايران والصين.. الخ نظرة متحيزة ودونية تمس استقلالنا وحريتنا بل أمننا القومي فلا أمن قومي بلا أمن فكري واستقلال ثقافي وتميز هويوي لتبقى من المفروض لا كما تعتقد السيدة نورية بن غبريط أطروحات الهوية المركبة لازمة بل للاستئناس إنسانيا وللاستفادة من غير لزوم بالتمثل والتكفل والمطابقة الحرفية وهي أيضا للحوار والإثراء والنقد بما لا يحول التركيب والتنوع نقيضا للخصوصية أو يقلل من شأنها ويمحو نظرة متحيزة ودونية طالما لصقت بها بل لا ترى في المحور الأنجلوسكسوني ملاذها لأن هواها فرنسي بامتياز وهيامها عشق فرنسا ثم فرنسا ثم فرنسا ليس تثاقفا واستغلالا وتوظيفا متيقظا للكسب الفرنسي باعتباره نتاجا تاريخيا ذو مكانة تاريخية لا تتعدى حيزها المعقول بل تطلبه امتثالا وارتهانا وتبعية تبقينا في حالة من الارتباط المزمن اللانهائي الأبدي بفرنسا والفرنسية بل تؤكد أطروحة المؤامرة وتحولها الى حقيقة ماثلة في واقعنا بل تنفي عنها صفة الوهم والتوجس والحذر والانغلاق والاعتقاد الوثوقي والتي تعتبر أن الغرض هو بقاءنا مرتبطين بفرنسا ثقافيا وتربويا واقتصاديا و”قرارا” وهو ما يهدد الإنية والذاتية الجزائرية بعمقها الإسلامي والعربي والأمازيغي والمغاربي وهي بموقفها هذا تنزع عن نفسها صفة الحياد والموضوعية والعلمية كإنسانة باحثة وطنية وكإنسانة مسؤولة في الدولة الجزائرية بدرجة وزيرة التربية الوطنية لوزارة استراتيجية تساهم في تشكيل القيم الوطنية للفرد والمواطنة الجزائرية وبناء المجتمع والدولة وتثري مخيالنا الجمعي وهي لطالما تردد وتؤكد على أن ما يجمعنا هو “جزائريتنا” لتفلت من قبضة التاريخ والراهن والدولة ولتظهر وطنيتها وارتباطها بالجزائر وهي لا تتوقف عند هذا الحد بل كثيرا ما ترفق خطابها متعمدة وتزيد عليه مضيفة قولها بأنه ليس “الإسلام” هو الذي يجمعنا ولا “العروبة” وهي ببوحها بخطابها المريب انما تستعمل عبارة “جزائرية” مكرهة للانفلات من المحاسبة والشك وتحت الإكراه والاضطرار كمن فرضت عليه للضرورة (عد إلى بعض التعليمات التي أعطيت لمديرة ولنائبة مديرة تطلب منها الكف عن استعمال النشيد الوطني في كل محفل واجتماع رسمي وإلزام الناس بالوقوف له) وهي لا تلتزم بواجب التحفظ فتبعث ببعض قولها حول ما يجمعنا وجزائريتنا أحيانا حتى أمام أجانب ومنهم عرب رغم ما تجد “بن غبريط” عادة من ملل وتضايق يظهر على ملامحها ومن خلال قصر مدة المحادثة عندما يتعلق الأمر بالعرب وكثيرا ما لا تطيق الإطالة معهم ومع كثير من الآسيويين وحتى الانجلوسكسونيين إلا في الآونة الأخيرة لما شعرت وابلغت بالعتاب (أنظر تفاصيل زيارتها لشرم الشيخ وكيف ترأست جلسة عمل فخرج الحضور وتركوها وحدها على المنصة إلا نزر قليل وفي هذا رسالة واضحة) فهي تجهر بموقفها هنا وهنالك وخوفا من أي استغلال إعلامي محتمل راحت تتدارك شكلا وصورة ومظهرا وصوريا من خلال خطوات محتشمة في اتجاه أطراف أخرى دولية غير فرنسية في الآونة الأخيرة وهي معروفة بتضايقها عندما يتعلق الأمر بزيارة العرب وغير الفرنسيين عادة ويتحول تضايقها إلى راحة لما يتعلق الأمر بـ” الفرنسيس ” وهو واقع حال بات مشهودا ومعلوما لا يتردد في الشهادة به فريق عملها خوفا وتحفظا أو تأييدا من قلة.. فلا توهمنا بن غبريط هي وكل مؤيديها بأن كلامنا هو مبالغة وأنه محض تخوف ناتج عن انغلاق قومي وبعثي وعروبوي وإسلامي وإسلاموي ورفض للانفتاح وفرط في الشوفينية والمحافظة وتأويل وتفسير بالمؤامرة، الخ. ليكون ردنا بأن ما سوف يلي تباعا في هذا التحليل المقتضب من معلومات وقراءة وحجج من راهن الممارسة اليومية التسييرية لـ بن غبريط منذ تنصيبها وزيرة وسوف يثبت ما قلناه آنفا كما سنرى تباعا.

سؤال السياسة التربوية والاستراتيجية القطاعية

أحرج فريق من البنك الدولي بعض الحضور الذي يتكون من بعض إطارات الوزارة لاجتماع بوزارة التربية الوطنية بسؤال “ما هي استراتيجية قطاعكم” وقد وجدوا أيما صعوبة للإجابة باعتبار أن التعريف كان مبهمًا عند الكثير من إطارات الوزيرة الذين استقدمتهم من جهة والذين هم غرقى في وحل التسيير اليومي ووحل الإحصائيات ومصداقية الرقم والاجتماعات المتهافتة ليلا وصبحا وعشية غرقى في هدر الوقت في الحضور اللافاعل إجبارا لإطارات الوزارة من المديرين ونوابهم كل يوم إلى غاية السادسة مساء ويوم السبت نصف يوم يراقبهم الأمين العام بالهاتف ويمتحن مدى حضورهم حقا في المكاتب فالويل لمن غادر لشرب قهوة ونادته الوزيرة في الهاتف الثابت ولم يرد إما لحضور اجتماع أو طلبته الوزيرة في وقت مبجل ولا طائل من الاجتماعات سوى هدر الوقت وتصنع الولاء والتزلف في انتظار رضا الأمين العام عند باب مكتبه… لذلك تخبط الحضور في إجاباتهم فمنهم من أجاب وسمح له بالدخول كما هو الحال لمستشار منهك بالمرض والعجز تجاوز الخمس وستين ربما وتقدم به السن مكلف بالتعاون وهو الذي أجاب على سؤال “البنك الدولي” وأخبرهم بمخطط عمل رئيس الجمهورية والبرنامج الخماسي وغيرها من الإجابات التي يلتبس فيها الفهم بين “مخطط العمل” و”الاستراتيجية القطاعية” و”السياسة التربوية” وبين المرجعيات الكبرى التي نجدها في السياسة الوطنية والاستراتيجية الحكومية… الخ، فكان امتحانا ومؤشرا على غياب الاستراتيجية القطاعية التربوية التي كلفت بها الوزيرة شفويا الرجل المحور في مجال التنظير والتخطيط والدكتور المحور فريد بن رمضان الذي تعذر عليه أن يجد وقتا يكفيه للتكفل بالطلب فهو مشتت بين التعليم في جامعته والتفرغ للبحث العلمي في حقل تخصصه ومتابعة نشاط الجامعة التي ينتسب إليها والملتقيات العلمية وبين طلبات الوزيرة لذلك فهو غائب في أوقات كثيرة هو وتلميذته الدكتورة مجاهد ليلى منقسمان على جميع هذه الالتزامات فكيف بهما يتمكنان من استكمال واتقان ما كلفا به إلا إن كان مشروعا جاهزة من قبل أجزاءه… فأي استشارة هذه التي لا يتفرغ فيها المستشار لهم واحد هو دراسة الملفات الوزارية لورشات عديدة والتعمق فيها بدل الاكتفاء بلمسات علمية بعضها من الكتاب وآخر من النت وآخر من وراء البحر… الخ، والخلاصة في انتظار فريد بن رمضان وليلى مجاهد ربما للتفرغ لكل ما يراد انجازه بالوزارة يبقى القطاع من غير استراتيجية قطاعية… وزارة مفتوحة على ورشات متنوعة من غير إطار مرجعي يرسم ملامح الاستراتيجية ويضبطها فهل الأمر مقصود ليمكن من حركة حرة واسعة لصالح التغييرات… لعل وضعية كهذه ستساعد الكثير على تجاوز الأطر الناظمة والمحددة لمساحة الحراك تتحدد تباعا لها بقية مضامين الوثائق المكملة ومنها السياسة التربوية وبرنامج الوزارة وهياكلها.. أما الآن فوزارة عصرية لقطاع يراد له أن يتعصرن بفضل الوزيرة والعباقرة المستقدمين معها لكن من غير ما تقتضيه مهام الوزير من أدوات ولوحة قيادة واستراتيجية وسياسة تربوية.. فصحيح أن هذا لم ينجز من قبل على يد الوزراء السابقين فكل ما في الأمر نتف وشظايا من الوثائق والمراجع لرئاسة الجمهورية والوزارة الأولى والبرنامج الحكومي تتناول قطاع التربية بإمكانها أن تكون من بين المصادر والمراجع والأدلة ولوحات القيادة لكن لم تستخلص منها كأرضية أولية متطلبات الحوكمة الراشدة الشفافة خاصة وأن الوزيرة تنطلق من أنها عارفة عالمة بالأوضاع وباحثة كبيرة ودكتورة في السوسيولوجيا… أليست الوزيرة هي من وضعت مديري التربية في ورشات تكوينية في الماناجمانت البيداغوجي والتسيير أطرها خبراء فرنسيون (أحد عشر خبير منهم من أطر ورشة مديري التربية) في دورة تكوينية واحدة طبعا استقدموا بمقابل مالي لتقديم خدمة وا أسفاه يغلب عليها كما تعودوا التنظير والمفهمة تبتعد عن الممارسة التطبيقية للدرس بالنسبة للبيداغوجيين والمتعلقة بالتسيير لمديريات التربية ومصالحها… سيل من التنظير تتوفر عليه الكتب والمراجع والنت، الخ. لا يتطلب استقدام خبراء يقومون بتأطير مديرين للتربية منهم من لا يتقن اللغة الفرنسية ومنهم من عين ولا زال يمارس في فترة السيدة الوزيرة وقد نعود إلى هذا في محور لاحق “كيف يستقدم وتعين الكفاءات في الوظائف العليا وكيف تنهى مهامهم في قطاع التربية وفي أي غرفة مظلمة يتم ذلك وما هي المعايير”.

وهم وطيف الاستراتيجية والسياسة التربوية وتعدد الوثائق المرجعية وتفتت الفعل والإرادات والجهود والمبادرات

لا تستغرب إن قيل لك ها هي قواعد ومرتكزات الإصلاح لما سمته الوزيرة “الجيل الثاني للإصلاحات” فهو جعجعة فارغة وطنين فالجواب على لسان الوزيرة ليس إلا ما يلي:

أولا/ الإصلاح
ثانيا/ الاحترافية
ثالثا/ الحوكمة

و هو تضخيم فارغ وفضفاضية في العبارة فالإصلاح مثلا هو الاطار العام فلا يعرف الإصلاح بالإصلاح ثم إن الإصلاح هو الذي تفصل أركانه ومنها كما تعودت إيهامنا السيدة الوزيرة في كل لقاءاتها مع الصحافة وخرجاتها متعالية بخطابات تريد أن تؤكد من خلالها أنها المتميزة والباحثة وصاحبة الحلول الخلاصية (وليست فقط مناضلة من حزب اليسار “الباغس” ربما سابقا (منخرطة أو منتظمة فكريا) لا ترى إلا بمنظاره الضيق محتبسة في قالبه الجاهز) مضللة السلطة العليا والناس ومستخدمي وإطارات قطاع التربية ونقاباته وهو خطاب للتعمية ليس إلا مثل “الاحترافية” التي من غير شك هي جزء من العملية الإصلاحية وهدف من أهدافها.. وغالبا ما تؤكد الوزيرة على أن الاحترافية تتحقق بالتكوين وسوف نعود للتكوين لاحقا ثم بعد ذلك الحوكمة وهي من مقتضيات النجاح والرشد في التسيير.. ترى كيف تحقق الوزيرة نقلات ثلاث إذا تجاوزنا الغموض الذي يكتنفها وفضفاضية المفهوم وعموميته وهلاميته وبقينا عند عموم اللفظ فكيف تتحقق الاحترافية بالتكوين وما سر التكوين الذي تريده ولمن هو موجه وما هي الآجال لتتحقق الاحترافية وعبر ماذا يمكن تعميمها فالقطاع ليس مفتشين فحسب فكم هو عدد المفتشين الذين استفادوا من دورات التدريب من قبل وقاموا بعملية المضاعفة والنشر والتعميم فلا داعي لتزايد السيدة الوزيرة فتقول أن الأمر لم يكن يتم من قبل عبر خبراء فرنسيين أو تم خارج الوطن من غير متابعة كما يحلو لمفتشها العام أن يقول ولم يتم بنفس الجدية (قد نعود لاحقا للموضوع في النقطة المتعلقة بالتكوين) ثم إن جل دورات التكوين وجهت للمفتشين والأساتذة وتم تقديمها وعرضها باللغة الفرنسية في وقت هي تعلم أن جل المفتشين معربين أقحاح.. أليس هذا هدر للوقت والمال.. والسؤال هل تعي الوزيرة واقع التربية أم هي حبيسة تنظيرات فريد وليلى أو تشخيصات مسقم المفتش العام.. فلتعلم الوزيرة بأن الحالة في قطاع التربية تقدمت وهي متزايدة حتى بعد مجيئها في التحلل والتشظي إلى حد كبير بلغت “الانفلات” وأنها أمام قواعد معربة لا تعرف الفرنسية ومنتوج جامعي معرب فكيف يتم إصلاحها.. ولا أحسب أن إصلاح القطاع يتم بهذه الصورة المرتجلة التي تتزين بالخطاب العلمي لتخفي عجزها الذريع في معالجة واقع مأزوم يتطلب مقاربة وإصلاحا نسقيا عاما وإصلاحا نسقيا خاصا ومتعدد زوايا التلمس والنظر والاقتراب والأدوات وارادة عليا للدولة قوية ومتحررة ومستقلة وهائلة لمواجهة إشكالية عدد التلاميذ في الأقسام قبل كل شيء ووضع حد لكل الممارسات الشعبوية الآتية من اللوبيات الضاغطة والنقابات و… مع إرادة التغلغل داخل المكون الشعبي والقواعد وعبر عمل جواري.. ثورة وانقلاب غير ملوّن كما هو عند وزيرة التربية وتعامل مع المخيال الجمعي للشعب الجزائري وعدم مقاومته أو محاولة استئصاله فهو متمنع عن ذلك ولو بالاستقالة وليس جزء مما تعيشه المدرسة الجزائرية إلا تمنعا عن كل محاولة إصلاح فوقية نخبوية لا تستثمر في البنى التقليدية موظفة إياها في تحقيق حداثة جزائرية لا تأتينا عبر التأثير الفرنسي أو غيره بل تصنع جزائريا منفعلة بالواقع ومستلهمة تثاقفا من المكون العالمي كبيئة بعد فهم وتجاوز.

لا زال الفاعلون التربويون يعتقدون أن قانون التوجيه ووثيقة المناهج وغيرها من الوثائق والأدبيات والنصوص تشكل القاعدة والأرضية لسياسة تربوية واستراتيجية قطاعية وفي هذا الفهم خطأ وانزياح دلالي يتعلق بهذه الأدوات والوسائل الاجرائية (والتي لا يقلل من قيمتها إلا جاحد ينكر الجهد المتميز على كبواته وثغراته فهو جهد إنساني وبشري) والمراجع النصية التي أنتجتها سياقات محددة على أهميتها إلى سياسة واستراتيجيا وربما فلسفة تربوية فهي لا تحل محل السياسة التربوية والاستراتيجية القطاعية.

وزارة بلا أدوات الاستوزار

وزارة بلا سياسة تربوية دقيقة وبلا استراتيجية وبلا خبرات وبلا أرشيف حيوي “ديناميكي” يعتمد مرجعا عند كل تعيين وزير جديد أو من طرف هياكل الوزارة وبلا حصائل وتشخيصات عميقة وتقييمات مرحلية وكلية عميقة وعلمية وجادة وليست خربشات ومصطلحات تلبس لبوس العلم والبيداغوجيا ووزارة بلا خبراء ونقاط كما يقال ويسمونها “نقاط-بؤر” يمثلون الوزارة في المحافل الدولية وشباب ديكور يدخل في عملية التشبيب الديماغوجي من غير خبرة واسعة ولا رصيد كبير Zلا من رحم ربي ولا تدرج بل متعجل من أمره.. فلا يمكن للدولة بتعيينه أن تردم الفجوة والهوة بينها وبين الشباب البطال والذي يعتبر نفسه مهمشا لمحدودية الوظائف العليا فلا الثقة تتحقق ولا تؤدى الوظيفة بكفاءة وأداء عاليين ثم Zن من يسمونهم خبراء و”نقاط-بؤر” هم وجلهم غير قاعدة صلبة ورصيد واسع وبلا خلفية سياسية ولا جيوسياسية ولا جيو استراتيجية تمكنهم من اتقان فن إدارة التفاوض والتمثيل الدبلوماسي وتقديم المنتظر والحاجة للطرف الآخر وحسن تمثيل الجزائر دون التفريط في المصلحة القطاعية.

الأمازيغية والعربية والفرنسية

لا توجد كبير مشكلة في تحديد مكانة اللغة العربية على مستوى النصوص القانونية لكن الممارسة والإهمال المتعمد للغة العربية من حيث السهر على استخدامها وتعميمها وتطويرها هي التي تعيدنا إلى مربع البداية وتلحق الأضرار بواقع وحال وراهن ومستقبل العربية عندنا.. لما يحول “الفرد” والتيار واللوبي مزاجه واتجاهه إلى مشروع وممارسة مديرا ظهره لأرمادا من النصوص القانونية رغم صراحتها وهو (اللوبي والتيار) يمثل رمزا على رأس قطاع وزاري أو غيره (في المعاملات الإدارية) دون تردد أو خوف لأنه يعتقد بأنه يمثل قوة “لوبي” ضاغط يحميه وهو مكلف بمهمة كما هو الحال بالنسبة لما تتعرض له اللغة العربية الفصحى والتراث العربي ومنه الأدب العربي وتاريخه ونصوصه الإبداعية الكبرى والذي يساهم في تشكل الهوية وترسيخ القيم الوطنية على مستوى برامج التعليم.. و لما كان الأمر في مواجهة اللغة العربية من خلال الإقدام على تغيير هذه النصوص القانونية مكلفا وحساسا وغير مضمون العواقب لجأت المنظومة التربوية من خلال الوزيرة الحالية خاصة إلى الاشتغال تحت عنوان إعادة الاعتبار للغات الأجنبية وخاصة الفرنسية ومنحها حصة الأسد من الاهتمام سواء تعلق الأمر بعدد الساعات الأسبوعية أو منزلتها أو طرق تدريسها أو تعليميتها أو تكوين طواقمها البيداغوجية وتثمين من يحملون شهادتها وتمكينهم من الوظائف والمناصب لتجد اللغة العربية موقعها متخلفا أو معادلا لموقع اللغات الأجنبية الأخرى حيث لا تمتد لها يد العناية من جهة الوزيرة إلا باحتشام كبير هكذا يتم زحزحة مكانة اللغة العربية في نظامنا التعليمي بمثل هذه الممارسات التي لا تعتبر بريئة ومحايدة وعلمية بل مبرمجة ومخططة سياسوية تدفع نحو فرنسة للمدرسة الجزائرية مؤدلجة ومسيسة.

ففي كل البلدان المتفتحة القوية والتي لها نظام تربوي قوي تشغل اللغة الأم مكانة استراتيجية ومركزية ولا تتعرض لما تتعرض له لغتنا العربية الوطنية الأم من هزات متتالية ومن تجميد (لا يوجد حرص على العمل بهذه النصوص) للنصوص المفعلة لترقيتها ومن ضعف إرادة لترقيتها ومن هيمنة ومزاحمة ومساومة للغة الأجنبية ونشر لثقافة جلد الذات والازدراء والانتقاص وعقدة النقص في لغة لا زالت تحمل مكانة عالمية وتحمل الخصائص البنيوية للتكفل بالعلوم والمعارف والتقنيات كما هو الحال عندنا فهي ليست لغة ليست ميتة بل كانت ولا زالت هي وعلومها موضوع اهتمام الألسنيين الكبار.. فكيف تعتبر قامة علمية هامة مثل “الحاج صالح” لأنه ينافح عن اللغة العربية فيعتبره واحد من مستشاري الوزيرة هو فريد بن رمضان وهو من لا يمكنه أن يقف إلا عند أطراف بحور الحاج صالح ومحيطاته.. وإنها لمضحكة كبرى وكيف لا بل كيف يمكننا أن نستبعد أطروحة الارتهان والاستلاب والتحيز والتآمر ونحن نسمع بن رمضان مستشار السيدة الوزيرة وهو يصف “الحاج صالح” بالمعرب التقليدي السكولاستيكي الذي لا يزن أمام اللسانيات الحديثة.. وفريد بن رمضان واحد من صناع المناهج التربوية الجديدة وبرامج التكوين بالوزارة اليوم.. لا يمكننا أن نأمن بأن ما يحدث في الغرف المظلمة “لجنة المناهج” المتخفية التي تمارس نشاطها بعيدًا عن الأنظار وخوفا من الضجيج الإعلامي حتى تولد المواليد ويوضع الشعب الجزائري أمام الأمر الواقع.. كتب ومناهج دراسية جديدة وميزانيات جديدة وليس علينا سوى تسليم أمرنا للوزيرة وجماعتها.. ما الذي يجعل الوزارة متكتمة عن دوراتها التكوينية المكثفة بثانوية حسيبة بن بوعلي بتأطير من خبراء فرنسيين غالبا بالعشرات طيلة السنة الفارطة ولا تسمح بأن تصل إلى وسائل الإعلام وكذلك بالنسبة لما يتعلق بلجنة الكتاب المدرسي والمنهاج وغيرها من الورشات السرية التي يديرها ويهندسها كل من فريد بن رمضان وليلى مجاهد (باعتبارهما مصمما برامج ومشرفان على التعاون الدولي) والمفتش العام بالوزارة (منفذا وراعيا) ويرعاها تنفيذا لوجوستيكيا وإداريا الأمين العام.

لا ننكر أن اللغة الأمازيغية لها مكانة تاريخية على أن يتم التكفل بها علميا لا سياسويا وأيديولوجيا والبعد الأمازيغي هو مكون من مكونات الهوية الوطنية وقيمة مضافة تثري الهوية ببنيتها الفسيفسائية الثرية لكن كيف يتمكن أمثال فريد بن رمضان المساهمة من قريب أو بعيد في إضافة ضرورة الاهتمام باللغة الأمازيغية وترقيتها عبر “الطوبونيما” (تسمية الأماكن) في نص وثيقة رسمية هي “قانون التوجيه” في مقدمة ومدخل الوثيقة الفقرة المتعلقة بالأمازيغية ولا تضاف نفس الملاحظة أي تطوير وترقية اللغة العربية من خلال “الطوبونيما” رغم أن هذا العلم ناشئ وليست اكتشافاته بالمحسومة أم أن السيد فريد بن رمضان يريد أن يفهمنا بأن تسمية أماكننا كلها يحمل دلالة تعود به إلى الفضاء الأمازيغي وقد يؤيدنا أو لا ربما إن أضفنا الفضاء الروماني وغيره من الحقبات التاريخية ما عدا الفضاء العربي الإسلامي الذي يقلقه ويثير حافظته فهو لو دعته واستضافته وسائل الإعلام لكتم ولم يجهر وتلاعب بالألفاظ ليقول للناس بأنه المهدي المنتظر في التربية والمخلص كما فعل في دورة المجلس الشعبي الوطني سابقا مستغلا تشخيصه السودوي لحال التربية اليوم وهو يريد أن يحرر الأسماء من أن يستغلها الإسلاميون والمعربون في صناعة الإرهاب فأي مهزلة هذه ومضحكة أن يتم إجهاض مقوماتنا الحضارية وقيمنا الوطنية بنعتها بالمنتجة والمغذية للإرهاب والعنف فهذه أكبر مضحكة يقف أمامها مكتوفي الأيدي الإعلاميون والنخب الوطنية المعتدلة والسياسيون ورجال التربية ونقابات التربية تاركين الساحة لأصوات نشاز وفئة معزولة لكنها متغلغلة من غير تجذر ديمغرافي لولا الحماية التي يحظى بها وإلا كيف نفسر ممارسات هذا اللوبي رغم غربتها عن صوت الشعب العميق ونخبه المعتدلة فهي دمرت التدريس باللغة العربية وعطلت نصوص ترقية اللغة العربية ونالت من مخيالنا الجمعي وطرحت النظام التربوي جريحا لتتمكن من إنهائه وتقديم نفسها المخلصة ولن تكون كذلك لأن المشروع التربوي يتعلق بالإنسان والفرد والمجتمع ولا يتعلق بغايات وأهداف ورغبات نخبة ترى الفشل بنيويا في اللغة العربية والدين والقيم الوطنية ولصيقا بها وأن الخلاص في زحزحتها والتخلص منها واستبدالها بقيم جديدة.. لذلك اعتمدت وزارة التربية الوطنية مقاربة تعليمية جديدة في تدريس اللغات الأجنبية وحتى في تدريس اللغة العربية ربما (مع التحفظ لأنها لا تخدمهم) وقد تمتد لبقية المواد من خلال البين-موادية والعرضية وهي أي تعليمية اللغة-الثقافة الغاية منها جعل القيم الأصلية في ثقافة اللغة–الأم نسبية وموضوع ريبة وهشة قابلة للتبديل بقيم ثقافة اللغة الأجنبية التي تدرس من خلالها اللغة الأجنبية (وهي طبعا الفرنسية) وقد تم الإعلان عن اعتماد هذه المقاربة التي تعتمد تدريس اللغة الفرنسية من خلال الثقافة والحضارة الفرنسية وهي لصالح لغة القوي واستراتيجية الارتهان والاختراق التي يرسمها وقد أعلنت عليها ليلى مجاهد في اجتماع حضرته وزيرة التربية الفرنسية خلال عرض قدمته بوزارة التربية الوطنية عند زيارة نجاة فالو بلقاسم الوزيرة الفرنسية للجزائر أمام إطارات الوزارة والسفارة الفرنسية وبحضور وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط من غير حضور رجال ووسائل الإعلام التي حضرت مراسيم الافتتاح دون أشغال الاجتماع ولم تحضر كل إطارات وزارة التربية بل بعض منها.

إن غياب الاستراتيجية القطاعية الواضحة والسياسة التربوية الدقيقة بنواظمها وخطوطها الحمراء مكّنت هذه النخب ومنهم نورية بن غبريط من التحرك لصالح لونهم الثقافي وخياراتهم الفكرانية والمهمة التي كلفت بها وولاءها وتاريخها وطرق تفكيرها فها نحن أسرى نخبة تقدم على تبديل قيمنا الوطنية من غير تردد في وقت يمارس أهل القيم الوطنية إما خطابا متشنجا غير عالم وعلمي أو الصمت والاكتفاء بالفتات من الامتيازات الهزيلة.. لا يهمهم ما يحصل ينكسون رؤوسهم في أجسامهم كما تفعل الأنعام. (يتبع)

ابن العقبي
خبير في التربية
9 مارس 2016

تعليقان

  1. Abdelkadder Dehbi بتاريخ

    صــرخــة فــي وجــه الــخــيــانــة…
    صــرخــة أحــد الــخــبــراء مــن الــمــواطــنــيــن الــغــيــوريــن عــلــى ديــنــهــم ولــغــتــهــم وســيــادة وطــنــهــم – الــســيــد “ابــن الــعــقــبــي”…. صــرخــة فــي وجــه نــوريــة بــن غــبــريــط، وزيــرة الــتــعــلــيــم وأذيــالــهــا الــمــتــآمــريــن الــحــاقــديــن عــلـى اللــغــة الــعــربــيــة، ومــن وراء اللــغــة الــعــربــيــة، الإســلام…. صــرخــة، يــفــضــح فــيــهــا الــتــعــامــل الإقــصــائــي فــي حــق الــخــبــرات الــوطــنــيــة الــتــي يــمــارســهــا الــطــاقــم الــوزاري وتــحــايــلــه وتــخــاذلــه وتــواطــؤه مــع الــخــبــراء الــفــرنــســيــيــن، فــي خــطــة مــحــكــمــة لــضــرب اللــغــة الــعــربــيــة فــي جــذورهــا وهــدم عــقــود مــن الــبــنــاء للــمــؤســســة الــتــربــويــة الــوطــنــيــة.
    أرجــو بــكــل إلــحــاح واحــتــرام، مــن الــقــراء الــمــعــنــيــيــن بــهــذا الــمــوضــوع الــوطــنــي الــمــصــيــري، أن يــســاعــدوا عــلــى نــشــر هــذا الــمــقــال الــقــيــم الــذي نــشــره – مــشــكــورا – مــعــهــد “الــهــوقــار” تــحــت الــرابــطــيــن أدنــاه :

    https://hoggar.org/index.php?option=com_content&view=article&id=4724:1-&catid=678:ibn-alokbi&Itemid=36
    https://hoggar.org/index.php?option=com_content&view=article&id=4734:—–2&catid=678:ibn-alokbi&Itemid=36

  2. boumaza بتاريخ

    RE: (1) وزارة التربية الوطنية والتباس الأفق
    [rtl]بالعامي البعرة تدل على البعير ادا كان بن رمضان يصعب يصعب تحديد توجهه الا من خلال كتاباته فمادا عن بن غبريط هل يمكن لمسلم أن يسلم فلدة كبده لتربية ابنته لمن ظاهرها لا يطمئن فما بالك بباطنها ولكن العيب كل العيب ليس في سحنون انما في كيفية تعريق النون أو العكس فمن مكن لها ولغيرها بممارسة خيانتها لولا الخائن الكبير وبالتالي حتى وان حتى وان كانت هده هي مضغة الفساد الا ان قلبها هو نظام العمالة [/rtl]

Exit mobile version