نظرًا لكون التيار الإسلامي بتنوعاته (السلفيين – الإخوان – الجهاديين – الجماعة الإسلامية – الصوفية – المستقلين – … ) هو أكبر أطياف المجتمع المصري وأكثرها انتشارًا وشعبية، كان وما يزال صاحب النصيب الأكبر من هجوم العسكر والغرب وكل أعداء ثورة يناير وأعداء مشروع التحرر الوطني في مصر وتآمرهم. ولذلك لا أظن أن أحدًا سيختلف معي على أن تطوير التيار الإسلامي سياسيًا يصب في صالح ترشيد العمل السياسي في مصر–بل كل دول الربيع العربي– ويحسن موازين القوى لصالح ثورة يناير وأهدافها. وأعتقد أننا جميعًا نتفق على أن التيار الإسلامي لم ينجح –على أحسن تقدير!– في التعاطي مع ثورة يناير وتبعاتها لقلة الخبرة ولمفاجأة الحدث للجميع ولاختلاط الصف وغيرها من الأسباب.

في ظل هذه المعطيات، أعرض 10 تحديات تواجه التيار الإسلامي لتطوير أدائه السياسي ورفع كفاءته:

1. تحديد الأهداف الرئيسية للعمل السياسي

يمتلك التيار الإسلامي باقة من أهداف نفع المجتمع ونشر الخير ومعاونة المحتاج والتخفيف عن المنكوبين ومواجهة الظلم وتحرير الإنسان من طغيان الحكم القمعي واستبداده وغيرها. ولما قامت الثورة ومع نضوج أهدافها وتبلورها مع الوقت كان للتيار الإسلامي نصيب دائم وكبير من التوافق مع أهداف الثورة. ولكن تظل العمومية هي سمة أهداف التيار الإسلامي بدون تبويب لطبيعة الأهداف بين سياسية ودعوية واجتماعية، مما سمح لأعداء التيار الإسلامي بالإيقاع به في المكائد والفخاخ، كتوجيه أسئلة البكيني والخمر وحقوق البوذيين لسياسيي التيار الإسلامي وكأنها في قلب الاهتمامات السياسية للمصريين.

ولتفويت الفرصة على المتربصين وللانتفاع بمزايا وضوح الهدف، أقترح تبني ثلاثة أهداف رئيسية للعمل السياسي في المرحلة القادمة وهي:

الحرية: مع الأخذ في الاعتبار وجود خلاف أيديولوجي بين التيار الإسلامي والتيارات السياسية الأخرى حول محددات وضوابط الحرية المنشودة مما يستوجب تطوير آلية متدرجة للوصول لجعل رؤية التيار الإسلامي هي الأكثر قبولاً في المجتمع.

العدل: مع الأخذ في الاعتبار أن العدل المقصود هو العدل العام في فرص التعليم والوظائف والاستثمار والعدل بين المناطق الجغرافية والعدل بين المنتمين لأطياف المجتمع المختلفة والعدل في توزيع الثروة، بالإضافة قطعًا للعدل – البديهي– في مجال التقاضي وحقوق الإنسان.

الاستقلال الوطني: والخروج من التبعية للشرق والغرب والقوى الإقليمية الأخرى وتطوير مفهوم المصلحة الوطنية ليكون أساس ترتيب أولويات مصر ومنهاج التعاون مع القوى الدولية والإقليمية المختلفة على أساس تبادل المصالح.

2. ترشيد دخول التنظيمات الدعوية في العمل السياسي

فقد التيار الإسلامي كثيرًا من شعبيته بسبب دخول التنظيمات الدعوية (الإخوان المسلمين – الجماعة الإسلامية – الدعوة السلفية) للعمل السياسي عبر إنشاء أذرع سياسية وتداخل اختصاصات الجماعة الأم وذراعها السياسي وضبابية آليات اتخاذ القرار وعدم ظهور أصحاب القرار الحقيقيين في المشهد. فإصلاح البيت من الداخل في هذا المحور ضرورة قصوى، كما أن الفصل الكامل بين الكيانات السياسية والجماعات الدعوية ضرورة ملحة، خاصة وأن طبيعتيهما مختلفتان في آليات اتخاذ القرار ونوعية التحديات وأولويات العمل وأدواته، مما يستحيل معه الجمع بينهما تحت مظلة واحدة إلا بتعسف شديد يؤدي لإضعاف الجماعة الدعوية والكيان السياسي جميعًا. وتجربة الإخوان- حزب الحرية والعدالة، الدعوة السلفية- حزب النور والجماعة الإسلامية- حزب البناء والتنمية كلها أدلة وشواهد حية على هذا التداخل ودوره في إضعاف الجماعات وأذرعها السياسية.

3. تطوير تفاصيل المشروع الإسلامي والترويج له

المشروع الإسلامي في مصر مظلة واسعة يقف تحتها الطيف الإسلامي بتنوعاته في انتماء عاطفي يغيب عنه الاتفاق حول كثير من التفاصيل؛ فمسائل كالتدرج في تطبيق الشريعة وحقوق غير المسلمين وواجباتهم وهيكلة القضاء وآليات تشريع القوانين وخطوات هيكلة الاقتصاد والتعاطي مع النظام العالمي القائم وحدود الحقوق والحريات وغيرها من الموضوعات لا يوجد فيها اتفاق على التفاصيل داخل تنوعات التيار الإسلامي نفسه، إنما يوجد توجه عاطفي عام نحو قبولها – كعناوين– والمناداة بها. ولذلك فمن واجب التيار الإسلامي توجيه الطاقة لتطوير نظرية سياسية إسلامية فيها قدر وافٍ من التفاصيل وبناء اتفاق (أغلبية داخل التيار الإسلامي) عليها وبناء الكوادر القادرة على شرحها للعوام والخواص والموافقين والمخالفين والمنافسين وترويجها داخليًا وخارجيًا.

4. فصل آليات العمل الدعوي عن العمل السياسي

في التاريخ الإسلامي وخاصة في عصور الازدهار والتمكين، كانت الشخصية العلمية الدعوية الفقهية العسكرية القضائية التنفيذية نموذجًا مقبولاً (عمر بن الخطاب نموذجًا)، أما في هذا العصر فهذا النموذج صاحب محاور العمل العام المتعددة غير معروف وإن وجد فلا أظنه سيكون مقبولاً، فحاضرنا أقرب للتخصص وأبعد عن الشمولية. وهذا الاختلاف الكبير بين الواقع والتاريخ يضع التيار الإسلامي أمام تحدٍ من نوع خاص يوجب عليه التوقف عن الحياة من داخل –عبر النقل الحرفي المباشر- كتب التاريخ (حيث العمل العام شمولي متعدد المحاور) والتعايش مع الواقع القائم على التخصص والعمل الجماعي، مع الاستمرار في قراءة التاريخ والتعلم منه بزوايا تتجدد مع تغير الزمان والمكان.

مثال للتوضيح:

عند انتشار الغش في الأسواق سيتجه الدعاة لتخويف الناس من عاقبة الغش في الآخرة وسيتجه السياسي لسن القوانين الرادعة لإيقاف الغش، والخلط بين الآليتين ضار في واقعنا المعاصر، فعلى السياسيين من التيار الإسلامي التصرف كسياسيين (اتخاذ قرارات تنفيذية ووضع سياسات ورصد النتائج) لا كدعاة، وليتركوا الدعاة يقومون بواجبهم وفق الآليات الدعوية المتعارف عليها.

5. اعتماد العمل التخصصي الجماعي المتكامل

يعاني التيار الإسلامي من خوض الجميع (أيًّا كان تخصصه) في جميع الملفات، فمما أوقع التيار الإسلامي كله في ورطات كثيرة زاد من قسوتها ميل الإسلاميين للتعاضد والاتحاد والتماس الأعذار لرفقاء الدرب وتصدر الآحاد كممثلين عن المجموع. وحفاظًا على ميزة الميل للتعاضد والاتحاد لدى التيار الإسلامي ورفعًا لمستوى الأداء السياسي ودفعًا لمضار تصدير غير المتخصصين، يجب على التيار الإسلامي اعتماد التخصص في العمل العام (الدعوي – السياسي – الحقوقي – القضائي – الإعلامي – الاقتصادي – التنفيذي – الإداري – التخطيط – …) وبناء آلية للتكامل بين التخصصات المختلفة وفق رؤية استراتيجية مرنة حية تخضع للمراجعة والتطوير المستمر.

6. حل معضلة الشورى معلمة أم ملزمة

يعتمد المشروع الإسلامي سياسيًا على مبدأ الشورى، هكذا بصورة عامة تحتاج للاتفاق على كثير من التفاصيل وخاصة الإجابة عن تساؤل “هل الشورى ملزمة أم معلمة؟”، ولذلك يجب على التيار الإسلامي الوصول لصيغة واضحة متفق عليها حول آليات الشورى وضوابطها وأحكامها من ناحية عملية تنفيذية بحيث يكون منهج المشروع السياسي الإسلامي واضحًا من حيث مناطق إلزامية الشورى ومناطق إعلامها ومن يتخذ القرارات وآلية اتخاذها. كما يجب على التيار الإسلامي الانتباه لوجود مساحة من الاختلاف في الآراء الشرعية في هذا الباب وضرورة التحلي بالمرونة والصبر لحين تجذير الفكرة وتفاصيلها في العمل السياسي الإسلامي داخليًا مع الترويج لها على مستوى إدارة الدولة.

7. تطبيق ركائز العمل العام داخليًا

في إدارة الشأن المصري نطالب الحكومات والمنشغلين بالشأن العام بالشفافية والخضوع للمساءلة والمحاسبة والتقييم وتداول المناصب وتصدير الكفاءات ومناقشة الخطط والاستراتيجيات قبل اعتمادها. ومع الدعوة لتبني هذه الركائز فيما يخص العمل العام والشأن المصري، أرى ضرورة أن يعتمدها التيار الإسلامي في إدارة شأنه الداخلي ليتسق لسان حاله مع لسان مقاله وليدرب كوادره على ما ينبغي التزامه حال الوصول لمناصب في إدارة الشأن العام.

8. بناء الكوادر المتخصصة ذات الكفاءة العالية

يعتمد التيار الإسلامي على الشهرة والخبرة في اختيار قياداته ومتحدثيه ويعطي للخبرة أعلى قيمة نسبية بين مؤهلات الشخصيات الممثلة له، حتى ولو كانت الخبرة في غير مجال التمثيل! فأهم ما يعتد به داخل التيار الإسلامي هو طول فترة الانشغال بالعمل الإسلامي وما يزال التمسك بثقافة “كنا ندعو إلى الله وأنت ما تزال في اللفة” قائمًا مع قلة الالتفات لغيرها من المؤهلات والمهارات التي يتطلبها النجاح في المهام المختلفة.

وليس أمام التيار الإسلامي من سبيل لتجاوز هذا التحدي إلا اعتماد آليات (مراكز تدريب – منح – بعثات – دراسات – تثقيف…) بناء كوادر العمل العام وشحذ همتها ورفع كفاءتها وتفعيل التنافس الرشيد بينها. فهذا العصر هو عصر الكفاءات المتخصصة القادرة على العمل الجماعي سريع الأداء عالي الإنجاز والتيار الإسلامي أحوج ما يكون لهذه الآليات على مستوى العمل الداخلي وعلى مستوى العمل العام.

9. اعتماد التنافسية كأساس للعلاقة مع التيارات السياسية الأخرى

تأرجح التيار الإسلامي كثيرًا في تعريف علاقته بالتيارات السياسية الأخرى وتوصيفها بعد الانفراج الواسع والمؤقت والمفاجئ لمساحات العمل السياسي بعد الثورة؛ فظهرت أدبيات التوحد والتحالف في فترات مواجهة نظام مبارك في الميدان وانتخابات البرلمان والجولة الثانية لانتخابات الرئاسة، وتوارت أدبيات التميز والتنافسية في أغلب الفترات لتظهر فجأة بتركيز عال بعد وصول د. محمد مرسي للرئاسة؛ فاختلطت مفاهيم التوحد في مواجهة نظام مبارك مع مفاهيم التنافسية السياسية بدون أي جهد – من جميع التيارات السياسية- للتوضيح أو التمييز فظهرت الشروخ والتمزقات في الجسد الثوري، وتسللت الثورة المضادة لهذه المساحات فعمقتها ووسعتها ونجحت في تفتيت الجسد الثوري.

يقوم العمل السياسي في الأساس على التنافس بين الأطياف السياسية المختلفة. أما التشاركية والاتحاد وغيرها من الأسس فما هي إلا طارئ قد تفرضه الظروف كمقاومة محتل أو التصدي لطغيان أو محاربة ديكتاتورية. أما ترشيد العلاقة التنافسية مع التيارات السياسية الأخرى والبعد عن الاندماج الذي يزيل الفوارق أو الإقصاء الذي يؤدي للتناحر فيجب أن يظل هو أساس العمل السياسي الرشيد. والتزام هذا الخط يتطلب جهداً أكبر وقد يحتاج لوقت أطول لتحقيق أهداف الثورة، إلا أن نتائجه يتوقع لها دوامًا وثباتًا أكثر وأرسخ من ممارسات التخبط في طبيعة العلاقة مع التيارات السياسية الأخرى.

10. سرعة تطوير العمل السياسي

فالعصر عصر السرعة، والإخفاقات السياسية المتتالية للتيار الإسلامي تشكل حافزًا إضافيًا لتطوير الأداء السياسي، كما أن التحديات التي تصل إلى تهديد الوجود من الأساس تلزم الجادين من أبناء التيار الإسلامي على سرعة العمل لحل المشكلات وتطوير الأداء والتخلص من الخطأ المتكرر في تضييع الفرص، فالفرص نادرة وشحيحة وتضييعها تكاسلاً أو إهمالاً أو غفلةً جريمة يجب أن يتصدى الأحرار والنجباء والمخلصين لمنعها.

فهل سيتخطى التيار الإسلامي هذه التحديات فيخرج من محنته أقوى سياسيًا مما دخلها، أم يفشل التيار الإسلامي في مواكبة تحديات المرحلة ويُدفع للخروج من الحياة السياسية لفترة طويلة قد تستمر لعقود؟!

علاء الروبي
9 يناير 2016

المصدر: http://www.sasapost.com/opinion/10-challenges-to-improve-political-action-of-islamist-trend/

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version