لله دره القائل:
ليس بإنسان ولا عاقل من لا يعي التاريخ في قلبه  *  ومن درى أخبار من قبله أضاف أعمارا إلى عمره

التاريخ هو جملة من الأحداث والأحوال التي يمر بها كائن ما، أو كما قال الخليفة الفروق عمر بن الخطاب “الدنيا دول فيوم علينا ويوم لنا ويوم نسر ويوم نساء”.

كما تعتبر كتابة التاريخ أعظم أمانة في أيدي الذين يكتبونه وينقلونه إلى الأجيال بصدق وأمانة بحيث يمكن الأجيال من الأخذ بأسباب الانتصار والتفوق تمكنهم من التفوق في حياتهم والتقدم بأمان كما يمكنهم من معرفة أسباب الهزيمة والسقوط فيتجنبون الانهيار والزوال، ويعتبر التاريخ كذلك مرجعا لكل العلوم الاجتماعية والإنسانية والطبيعية.

أما إذا تم تحريف التاريخ وتزويره كالتهويد مثلا وذلك بمحاولة فرض طابع جديد مستحدث وهو الطابع اليهودي عن طريق نزع الهوية الإسلامية والتاريخية لفلسطين وقلع جذورها فان ذلك سيتسبب دون شك في حدوث اضطراب وخلل اجتماعي وثقافي وديني في التركيبة أو البنية للمجتمع المستحدث سرعان ما يعجل بزواله واقصد بذلك الوجود اليهودي في فلسطين.

وقد نجح هذا الوجود اليهودي في فلسطين في صناعة حاضر فاقد للماضي بفضل الأموال التي وجهها في غالبها إلى صناعة صورة إعلامية تمنحهم شرعية التهويد إضافة إلى تمكنهم من اكتساب القوة العسكرية تضمن لهم البقاء.

ومن بين أنواع التحريف والتزوير للتاريخ كذلك، هو الإرهاب وإلصاقه بالعرب والمسلمين، والإرهاب باسم الدين هو كل عمل سواء كان فرديا أو جماعيا يهدف إلى ترويع فرد أو جماعات هو استغلال الدين لأغراض سياسية خبيثة وإصدار فتاوى بالقتل والتمرد وإحداث الفتنة بين الناس والخروج عن الجماعة وبذلك الخروج عن الدين وأخطر أشكال الإرهاب هو الإفتاء بالجهاد في سبيل الله والذي أدى إلى بروز جماعات إرهابية منظمة تموّلها وتشرف عليها مؤسسات وهيئات دولية سعيا لتحقيق أهداف سياسية باسم الدين.

وربما يعتقد الكثير من الناس أن الإرهاب نشأ في السنوات الأخيرة والتي عرفت بروز بعض المنظمات الإرهابية كالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن هذا الإرهاب نشأ أوّل مرة على يد الخوارج وهي فرقة نشأت في نهاية عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وبداية عهد الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه نتيجة الخلافات إن صحّ القول سياسية لكن شرعا هي فرقة باغية خارجة عن الدين وذلك لمحاولة فرض فكر مبتدع خارج عن القواعد الشرعية الثابتة عند الخلفاء في القرآن والسنة.

والخوارج هي أول فرقة استعملت الإرهاب باسم الدين في العالم الإسلامي إلا انه تمّت مواجهتها بكل حزم وبكل قوة انتهت بانتصار الخليفة على بن أبي طالب رضي الله عنه والقضاء عليهم.

وللأسف أدى هذا الصراع الفكري للخوارج إلى بروز فكر يستغل الدين لأغراض سياسية بهدف الوصول إلى الحكم والاستيلاء على السلطة. علما أن الأمة آنذاك ما فتئت تسترجع أنفاسها نتيجة الحروب مع الخوارج حتى ظهر فكر آخر، هذا الفكر هو الفكر الشيعي الذي تحوّل إلى مذهب مع مرور الزمن إلى يومنا هذا تحوّل إلى صراع ديني في الديانة الإسلامية خلّف منذ بروزه عدد من القتلى والضحايا لا يعلمه إلا الله عز وجل.

سيسجل التاريخ للعرب والمسلمين تاريخهم المجيد ويسجل فضلهم على أوروبا كما يسجل إنكار أوروبا هذا الجميل وما قدم من تضحيات نذكر بغضها في هذه الأسطر كما يسجل لهم التاريخ كذلك براءتهم من التهم المنسوبة إليهم من إرهاب وإبادة اليهود عبر هذه المحطات.

فلقد نتج خلال الحرب العالمية الأولى انقسام أوروبا إلى قسمين رئيسيين هما دول المحور وهي ألمانيا والنمسا وبلغاريا ودول التحالف وكان آنذاك مكونا من بريطانيا وفرنسا وروسيا وكان الهدف الرئيسي لهذين التكتلين هو التوسع الاستعماري من خلال ما تبقى من الدولة العثمانية التي كانت تعيش آخر أطوارها بفقدانها الدول العربية التي كانت تحت سيطرة بريطانيا وفرنسا.

هذا التكتل دفع بالدولة العثمانية التحالف مع دول المحور بعدما فقدت كل علاقاتها مع بريطانيا وفرنسا، وأثناء دخولها الحرب قام سلطان الدولة العثمانية بدعوة المسلمين إلى الجهاد إلا أن شعوب الدول التي فقدتها صارت تحت رحمة أعدائها لكن حدث العكس لقد نجحت بريطانيا في إثارة العرب ضد الأتراك مقابل منح العرب الاستقلال وإعادة الخلافة إليهم لكن لم يكن كما كان متفق عليه.

فلقد حققت بريطانيا أهدافها ولم أخلفت. أليس هذا نكرانا لفضل العرب والمسلمين على أوروبا؟

وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية، أصبحت دول المحور أكبر قوة عدة وتعدادا باكتساب حلفاء جدد هما ايطاليا واليابان. فما كان لدول التحالف أن تواجه هذا العدو الذي كبدها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد إلا حلا واحدا وهو أن تستعين بالشعوب المسلمة وتجنيدهم مقابل وعد من قبل بريطانيا وفرنسا منح هذه الشعوب الاستقلال.

وحسب الكاتب الفرنسي الان قريش Alain Gresh يقول “بلغ عدد الفلسطينيين الذين التحقوا بالجيش البريطاني تسعة آلاف (9000) فلسطيني، أما عدد المغاربيين (تونس، الجزائر والمغرب) فكان يعدد بمئات الآلاف ناهيك عن المئات من المعتقلين العرب والمسلمين بمحتشدات الجيش النازي”، ويضيف المفكر اللبناني جلبار أشقر Gilbert Achcar يقول “كان عد المقاتلين العرب الذين يقاتلون في صفوف جيش دول التحالف يفوق بكثير عددهم في صفوف الجيش النازي”.

أضف إلى كل هذا، عدد اليهود الذي تم إنقاذهم وحمايتهم من طرف العرب والمسلمين من مخالب النازيين.

واستطاع الحلفاء بفضل العرب والمسلمين استعادة السلام في أوروبا كلها، أما العرب والمسلمين فلقد نالوا جزائهم، فالجزائريون تم إعدام الآلاف منهم من طرف الجيش الفرنسي خلال مظاهرات 8 ماي 1945 التي خرج فيها الجزائريون فرحين بنصر الحلفاء وانتظار الوعد، أما الفلسطينيين فقد اغتصب الجيش البريطاني أرضهم ومنحها إلى اليهود الصهاينة دون حق.

أليس هذا إنكار لفضل العرب والمسلمين على أوروبا؟

كما يسجل التاريخ براءة الحاج المجاهد الحاج أمين الحسيني مفتي القدس وخيرة أهلها من التهمة المنسوبة إليه من طرف رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وادعائه أن الشيخ أمين الحسيني كان وراء إقناع هتلر بإحراق اليهود. لكن التاريخ يذكر بأن العرب آنذاك كانوا يقاتلون إلى جانب الحلفاء جيش ألمانيا النازية لتحرير أوروبا.

لقد لعب الحاج أمين الحسيني بفضل خبرته وحنكته السياسية في اتصالاته مع هتلر دورا سياسيا ولم يكن له دور عسكري والدليل على ذلك الرسالة الموجهة إلى القيادة الألمانية حيث يطالب فيها الحاج أمين الحسيني ألمانيا النازية بالاعتراف باستقلال الدول العربية إلى جانب فلسطين نبل نجح في إبعاد هتلر عن فلسطين وذلك بإيهامه بتشكيل فرقة عسكرية مسلمة في منطقة البلقان التي كانت تعيش حروب إبادة عرقية ودينية قتل فيها الآلاف من اليهود ،وكان الهدف من تأسيس هذه الفرقة هو حماية هذه الأقلية المسلمة في منطقة البلقان الذين كانوا في الأصل مجبرين على الالتحاق بجيش دولة كرواتيا الحليفة مع ألمانيا النازية أو إبادتهم من طرف الصرب.

أليس هذا إنكار لتاريخ العرب والمسلمين وفضلهم على أوروبا؟

هذا هو تاريخ فضل العرب والمسلمين على أوروبا وما قدموه من تضحيات ولا ينتظر من أحد رد الجميل بل ذكرى نذكر به من ينسى.

محمد العربي أوشن
17 نوفمبر 2015

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version