تناولت  هذا الأسبوع العديد من الصحف الغربية في افتتاحياتها وتقاريرها الفوز الكاسح للحزب الليبرالي الكندي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت الاثنين الماضي، على حزب المحافظين الذي تربع في العشرية الأخيرة على المشهد الكندي، وأشار عدد منها إلى أن أحد أسباب فوز الحزب الليبرالي هو معارضته لسياسة تخويف الكنديين من الإسلام والمسلمين (الاسلاموفوبيا) التي انتهجها حزب المحافظين بقيادة رئيس الوزراء المغادر ستيفن هاربر، مثل تشديد الإجراءات الأمنية ومنع استخدام المسلمات للنقاب في المحافل العامة، وفي هذا المعنى، قالت “لوس أنجلوس تايمز” في افتتاحية لها إن ترودو وصف موقف هاربر من النقاب أو الزي الإسلامي بأنه “لا يليق بشخص يتولى منصب رئاسة وزراء كل الكنديين”. و كذا مشاركة كندا في الحملة الجوية الدولية الأخيرة في سوريا والعراق، ضد “داعش والجماعات المتطرفة” وسياسته التي لا تأخذ في الاعتبار تعدد الثقافات ومصالح كل الكنديين. وتطرقت بعض هذه الصحف إلى ما وصفته بالأسلوب “العدائي والإقصائي” لحزب المحافظين وتركيزه على الحلول العسكرية واستقطابات الحرب الباردة، مقابل الرؤية الإيجابية والمتفائلة لليبراليين بقيادة الرئيس الجديد للحكومة الشاب جاستن ترودو.

وقالت نيويورك تايمز إن كندا بقيادة الليبراليين ستقدم وجها مختلفا للعالم عن الوجه الذي قدمته بقيادة المحافظين، وإن ترودو الشاب أضاف كاريزميته ( أي جاذبيته الشخصية) ووعده للكنديين عموما ببعث القيم الليبرالية والإنسانية التي كانت سائدة فترة حكم أبيه بيير ترودو.

من جهة أخرى، قال محلل آخر “أن النظم الديمقراطية في العالم تواجه حاليا تحديات جمة بسبب التركيز على المصالح الحزبية وتخويف الناخبين بدلا من ملئهم بالأمل”.

شاب وسيم متواضع  يتزعم  أكبر ثاني دولة مساحة في العالم

لقد حقق الشاب جاستن ترودو (43 عاما) فوزا كبيرا في هذه الانتخابات العامة على منافسيه المحافظين – الذين استمروا في حكم البلاد تسع سنين- وذلك بحصول حزبه على نسبة 39.5% من أصوات الناخبين في الانتخابات التي شهدت أعلى نسبة مشاركة للناخبين منذ عام 1993. وقد بدأ ترودو نشاطه السياسي الحقيقي عقب وفاة والده، حيث فاز بترشيح الحزب الليبرالي في دائرة بابينو عام 2007، وأصبح نائبا في البرلمان لأول مرة عام 2008، حتى في تلك المراحل المبكرة رأى فيه كثيرون زعيما مستقبليا للحزب، وقد أعيد انتخابه نائبا عام 2011 . وبعد اعتذاره مرات عديدة عن الترشح لزعامة الحزب الليبرالي أعلن ترودو عام 2012 نيته الترشح، وخلال الحملة الانتخابية اتهمه خصومه بالافتقار للخبرة والمواقف السياسية الواضحة -وهي نفس التهم التي وجهت له في الحملة الانتخابية الأخيرة- لكنه فاز فوزا ساحقا بزعامة الحزب الليبرالي عام 2013.

هذا الشبل من ذاك الأسد: “العقل قبل العاطفة”

وهذا النجاح المستميت ورثه الشاب ترودو من والده، فهو كما يقول المثل العربي “هذا الشبل من ذاك الأسد”، فهو نجل “بيير ترودو” الذي تولى رئاسة الوزراء الكندية أربع مرات. ووالده جوزيف فيليب بيير إيفز اليوت ترودو (1919–2000)، معروف باسم بيير، رئيس وزراء كندا الخامس عشر في فترات متعددة بين (1968–1984).

وقد بدأ ترودو الأب مسيرته السياسية بأفكار اشتراكية، ولكنه انتهى به المطاف في الحزب الليبرالي الكندي لدى دخوله في خضم السياسات الفيدرالية في ستينيات القرن الماضي. وانطلاقًا من قاعدته الشعبية في مونتريال، سيطر ترودو على الحزب الليبرالي الكندي حيث أصبح زعيمًا ملهمًا يتمتع بسمات شخصية عالية شكلت ظاهرة سياسية عرفت باسم “الترودومينيا” وكان شعاره الشخصي “العقل قبل العاطفة” ومن  أواخر الستينيات وحتى ثمانينيات القرن العشرين سيطر ترودو على المشهد السياسي الكندي واعتزل العمل السياسي في 1984، وخلفه جون تيرنر كرئيس للوزراء..

يُثني المعجبون على قوة فكر ترودو، ويُشيدون دائمًا بفطنته السياسية في الحفاظ على الوحدة الوطنية من سياسات الانفصاليين الكيبيك وإجهاض حركات التمرد العنيفة وتأسيس ميثاق الحقوق والحريات بالدستور الكندي.

وزراء من جاليتنا المسلمة في الحكومة الكندية المقبلة

من المقرر أن يتم الإعلان عن أسماء الحكومة الكندية الجديدة في الرابع من الشهر القادم، وقد تكون حقائب وزارية من نصيب بعض شخصيات جاليتنا المسلمة. حيث فاز على الأقل عشرة مرشحين مسلمين في الانتخابات البرلمانية الكندية، وهي المرة الأولى التي يفوز فيها مسلمون بهذا العدد في تاريخ البرلمان الكندي.

ومع تحقيق الحزب الليبرالي الكندي فوزا ساحقا في الانتخابات، لا سيما في منطقة تورنتو الكبرى، فاز عدد من مرشحيه المسلمين في دوائرهم الانتخابية، ومن بينهم المحامي الصومالي أحمد حسين، والرئيس التنفيذي لإحدى شركات الاستشارات الإيراني مجيد جوهري، والأفغانية مريم منصف، والأوغندي عارف فيراني، والتنزانية الأصل ياسمين راتانسي، والباكستانية الأصل إقرا خالد، والباكستانية الأخرى سلمى زاهد التي تعد من أبرز المستشارين لدى وزارة المواطنة والهجرة والتجارة الدولية. ومن المرشحين الفائزين أيضا مهندس الميكانيك السوري الأصل عمر الغبرا (مرشح الحزب الليبرالي) الذي شغل عضوية البرلمان بين عامي 2006 و 2008، واللبناني مروان طبارة الذي يحمل إجازة في العلوم السياسية، والمحامي الإيراني الأصل علي إحساسي.

تعهد جازم باحترام حقوق المسلمين

بعد أن أحرز الليبراليون أكثرية مطلقة مع 184 مقعدا (نتائج جزئية) من 338 في غرفة العموم في أوتاوا، ستجيز لهم تنفيذ سياسة تستند إلى برنامجهم الانتخابي وتسعى لإعادة كندا إلى الساحة الدولية، وأشار ترودو خلال خطابه، إلى أن الحكومة الجديدة تؤمن بعمق تنوع البلد، وأن كندا بنيت من قبل أناسٍ من جميع أنحاء العالم، ينتمون لأديان وثقافات ولغات مختلفة، واعدا بقيادته حكومة تحمل رؤية إيجابية وطموحة ومتفائلة لصالح البلاد.

كما تعهد بتجنب الخوض في السياسات المجتمعية التي اتبعها سلفه المحافظ ستيفن هاربر، كحظر ارتداء النقاب الإسلامي، وقال ترودو إن ارتداء النقاب لأغراض دينية حق أساسي للكنديات، وتعهد رئيس الوزراء المنتخب بالتحلي بمزيد من المبادرة والسخاء في ملفي البيئة واستقبال اللاجئين السوريين و غيرهم، كما لوحظ عنه اندماجه مع الشعب من مختلف الطبقات بل التقطت حتى صور له مع المسلمين في وجبة الإفطار في رمضان و أخذت له صور أخرى في المسجد جالسا مرتديا عباءة مغاربية، و لله في خلقه شؤون.

محمد مصطفى حابس
27 أكتوبر 2015

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version