اغتصبني الألم، قالت لي تلك الورقة البيضاء التي فارقت ريشتي خِلسةً أن السواد مارِقٌ. فراشة الربيع مات قلبها فجأةً وهي تحلّق بجناحيها كالطير الحزين في الأفق العالي. أخذني الودّ بين موجات التيه وحسيسُ النار يعكر صفو أحلامي. ما لي أسقط في هذه البئر العميقة؟ ما لي لا أنصت لترنيمة العندليب وهو يشدو هدوء الطبيعة؟ ما لي لا أجتنب ويلات هؤلاء الذين يصنعون مأساتي وهم يضحكون؟ ما لي لا أكترث بانتكاس شمس بلادي تحت نجوم الصعاليك الجبناء؟ سأسألك أيتها السماء يومًا عن سر هذا القدر المشؤوم، سأروي لك حكايةً قلّ ما استمعت أذنيك لها. حكايةٌ مثيرةٌ للانبهار في دوار العجائب والغرائب. لا تموتي أرجوك أيتها الفراشة الجميلة، لا تتركي الوهن يزحف على جفني عينيكِ، ألستِ تلك الوردة الأصيلة التي تحيا بعطرها كل النفوس؟ حلقي بعيدًا، حلقي عاليًا لتري قوس قزحٍ من الألوان وهو يطفو على غيمةِ الشؤم. احترق فؤادي عندما أدركتُ أنكِ تعيسةٌ تتعذبينَ وحدكِ في حقولِ الرماد، تلطخت أحشائي بهمومكِ فأصبحتُ قصبةً في يد الصيّاد، صيّادِ الذِمم والقلوب. بكت معي الأيام ونضجت شكوكها كأشواكِ الصبّار. تعالي يا أيقونة الضباب لأضمّكِ إلى صدري وأنام وأنا مغمورٌ بالبهجة والسرور. تعالي إلى حجرِ الأمان ولا تعزفي عن قولِ الحقيقة، تعالي لتتأكدي بنفسكِ أن الربيع لا يُسدِل أنوارهُ عندما نتفاءل. تُرى لماذا تهربين مني يا ابنةَ الربيع؟ لماذا تضرمينَ النار في قلبي وتَنفلتين من كل الأبواب كالريح المجنونة؟ لماذا تختبئينَ كلما ظهرت وتظهرين كلما اختبأت؟ حكايتكِ أسطورةٌ يونانية ترقصُ في سركِ المهرّجين. حكايتكِ لغزُ شهرزاد وهي تحيي سهرات ألف ليلةٍ وليلة. حكايتكِ منطقٌ مقلوب لا يفهمها عدا المشعوذين. أردتُ أن أكتُب لكِ بعض هذهِ الكلمات لأتمرّدَ على هذا الواقعِ المرير، أردتُ أن أُجهشَ بالبُكاء لأنني لا أستطيعُ تكبيدي بأغلال الانهزامية بين جُدرانِ الأملِ الراشيةِ، أردتُ أن أكتبَ لكِ لأنني إنسانٌ خجولٌ يعرفُ معنى جُرح الكلمات. أردت أن أكتب لأن بلادي مغلوبٌ على أمرِها مِثلكِ أيتها الفراشةُ الحسناء. استيقظي من سُباتِكِ أرجوك، انظري إلى الأمام، ازرعي بذور الأمل في وطني، تفاءلي خيرًا، أرجوكِ. ليتكَ يا أملي فراشٌ من حرير لكي أستلقي عليك، ليتكَ يا أملي أنيسُ جُلّ الأقمار لأستأنسَ بكَ، ليتكَ يا أملي قصرٌ من الذهبِ والألماس لأسكنكَ كما تسكن ملوك الرحمن جِنان الخُلدِ. لكنك، أجل أدري الآن بعدَ فواتِ الأوان، سوى سحابة عابرة آوي إليها كالسجين إلى زنزانته.

كمال قروة
27 جويلية 2015

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version