نقطة نظام: جرائم نظام الأسد وسفك حزب الله الدم السوري وتدخّل إيران في اليمن والعراق وسوريا، هي جرائم تدان بصفتها تلك وليس لأنّ مقترفيها شيعة

لا بد من أن نصارح أنفسنا بكل صدق ودون مجاملة، لأنّ الحق أحقّ أن يُتّبع، هناك مشكلة عويصة في منهجية قراءة الأحداث وتقييمها، لقد استفحل أثر هذه المشكلة وتشابكت خيوطها حتى كاد المرء يتجنب الخوض فيها خشية التعرض لسيل من التهم حتى ممّن لا يشكّ في صدقهم وإخلاصهم ونضالهم.

تكمن هذه المشكلة في ذهنية صارت سلعة رائجة تتوسّع رقعتها كل يوم، يمكن اختصارها في ثنائية لا تقبل حلًّا آخرا، فإذا أنت انتقدت وأدنت هذا الطرف، فمعنى ذلك أنك حتما مع الطرف المقابل وما يترتب عن ذلك من تهم جسام وتقريع بل وتجريم. معيار التقييم أصبح يختزل في الموقف من الأشخاص والتنظيمات والرموز والقيادات، لا تقييم المواقف والمبادئ التي يفترض أن تكون هي الفيصل في الحكم على الأحداث وتحديد الصواب من الخطأ، أو كما يُنسب إلى الإمام علي كرم الله وجهه “الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف رجاله”.

سبب الإشارة إلى هذه المشكلة المركّبة يعود للتطورات الأخيرة في اليمن (عاصفة الحزم بعد استيلاء الحوثيين بدعم إيراني على الحكم) وقبله في سوريا من مجازر بحق الشعب السوري الأعزل. لم تتعقد الصورة من قبل مثلما تعقّدت هذه السنوات الأخيرة حتى بات الحليم حيران، هذا الوضع الملبّد بالغمام والدماء جعل المرء تختلط عليه الأمور، ولهذا بات ضروريًا التوضيح أنه عندما يُدين المرء ممارسة التعسف والجرائم المرتكبة من قبل نظام الأسد، أو يُدين تدخّل إيران وحزب لله في تقتيل الشعب السوري ودعم الحوثيين في اليمن نصرة طائفية نتنة، فإنما يُدين نظامًا مجرمًا بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معنى، ولا علاقة لجرائمه بكونه علويًا أو زيديًا أو شيعيًا أو حتى بوذيًا إن شاء. أذكِّر لمن نسِي أو تناسى، أنه عندما كانت رايات حزب الله تُرفع في كافة عواصم الدول العربية كانت تُرفع لما ترمز إليه من مقاومة ونصرة المستضعفين والقضايا العادلة، بل وتمّ رفعها حتى في دول غربية، لم ترفع حينذاك كونها راية فصيل أو حزب شيعي، كما أنه لمّا كان المواطن العربي يفتخر وينتصر لإيران الثورة في مواجهة الشيطان الأكبر وأتباعه من آل سعود وكل المنبطحين، لم يكن المواطن العربي  ينتصر لكون إيران دولة شيعية، هذا أمر خاص بها، كما لما كان الحوثيون يُقمعون من قِبل نظام علي عبد الله صالح والجارة السعودية المستغولة، كان الأحرار يرفعون أصواتهم لإنصافهم وردّ حقوقهم المهضومة كأقلية، وليس لكونهم شيعة.

إذن كفى من طمسٍ للحقائق، والوقوع رهائن الثنائية التبسيطية، فليس من الأخلاق ولا المنطق ولا الموضعية أن تكون جرائم آل سعود وكل الأسر الحاكمة في الخليج، أن تكون جرائمهم مانعًا (ومبررًا) لتجعلنا نغضّ الطرف عن جرائم آل الأسد، واستباحة حزب الله دماء السوريين وتدخّل إيران في العراق واليمن وسوريا. أيّ منطق هذا؟ كما أنّ القضية قضية أخلاقية وقضية مبادئ، لا تتعلق بالشيعة أو السنة، ثم متى كان آل سعود يمثّلون السنة ويحتجّ بهم المناصرون للأسد، لتحميل السنة جرائمه؟ وهل جرائم العماري والتوفيق ونزار وغيرهم عندنا في الجزائر مثلا هي جرائم سنية؟ ما هذا الهراء؟ أقول، عندما يُدين المرء مثل هذه الجرائم التي تُرتكب من قِبل نظام الأسد، فإنّ نفس المرء أدان ولا يزال يُدين جرائم آل سعود منذ عقود وليس من اليوم، وأدان جرائم آل نهيان وآل الصباح وآل خليفة وكل المجرمين بغضّ النظر عن زعمهم سنيين أو سفليين أو وهابيين أو ما شاءوا أن يكونوا، لأنّ الجريمة تبقى جريمة مهما كان مقترفها ومهما كانت هُوية ومعتقد ضحيتها.

أعتقد أن الأمر اختلط (مع تعقيد الوضع) لسببين أساسيين:

أولا، لأننا لم نعد نقيس بناءً على المبادئ التي تبقى وفقها الفضيلة فضيلة والرذيلة رذيلة منذ أن خلق الله الكون، في حين كان أولى أن نلتزم بهذا المعيار في قياس الأحداث حتى لا نقع ضحايا الأهواء وتختلط علينا الأمور ونسقط في مطبات تقديس الأشخاص ونضعهم محور “الخير والشر” بما يجعلنا دون وعي لا نرى جرائمهم رغم فداحتها بل ونبيّض صفحاتهم السوداء، وكأنّ مجرد “وقوف” هذا الزعيم أو القائد (أو هكذا يسوق لنفسه) عدوًّا لإسرائيل وأمريكا والامبريالية يجعله منارة للمقاومة والممانعة، لا ينطبق عليه ما ينطبق على غيره، بل ويرقى إلى مرتبة التقديس بحيث يُغضّ الطرف عن جرائمه التي يُكذبها أتباعه ويتّهمون كل من يتحدّث عنها، ولو كانت أشلاء الأطفال بفعل براميل الديناميت، فيُتّهم بالتلفيق والتآمر والتخابر مع… الصهيونية، نوع من التنويم المغنطيسي الذي يُفقد الأتباع المناصرين أهلية التمييز بين الحق وبين الأشخاص، لا بدّ من التحرّر من عقدة العناوين الرنانة مثل مقاومة الامبريالية والصهيونية، وفي الوقت ذاته إباحة أرواح وأعراض المواطنين مع تلفيق التّهم لهم.

ثانيا: أن يكون المرء عدوًّا لأمريكا أو إسرائيل مثلا لا يجعل منه بالضرورة مقاومًا وصالحًا ليوغِل في قتل مواطنيه، مصداقًا للمثل الانجليزي (Two wrongs don’t make one right).
 
وأخيرًا كفى من مخادعة الذات، إنّ الوقوف ضد جرائم الأسد وتورّط حزب الله في استباحة دم الشعب السوري بنكهة طائفية مقيتة، وتدخّل إيران سواءً في اليمن أو سوريا أو لبنان، إن معارضة هذه الجرائم لا تعني أبدًا، دعم جرائم آل سعود ولا دعم “عاصفة الحزم” التي جمعت أنظمة قاتلة لمواطنيها خانعة لأمريكا، بل هي إدانة لكلّ المجرمين، لأنّ إدانة الجرائم ومناصرة المستضعفين أمرٌ مبدئي لا يعرف الانتقاء، هذا ما أقصده في هذه الكلمة، والذين نأمل منهم ألا يقعوا رهينة مشاعر تجعلهم تحت أثر كرههم جرائم طرف، يتغاضون عن جرائم الطرف الآخر، بل هناك موقف آخر، يقتضي إدانة الجرائم أينما وقعت وضد أي جهة ارتكبت، وهذا يتطلب تصفية الصورة الملبّدة من خلال التريّث وتقبّل إعادة النظر في تقييم الأمور، لأن الأشخاص يتغيرون، أما المبادئ فثابتة.

رشيد زياني-شريف
4 أفريل 2015

مقالة رشدين حول نفس الموضوع تستحق القراءة

“الممانعة” بمنطق الطائفية

للمرة الخامسة في بحر عقدين، نكتشف حجم اختراق النخب العربية، وتوزع ولاءاتها لصالح القوى التي تستعدي الحقوق العربية، بدءا بانخراط جانب منها في تأييد العدوان الأمريكي على العراق، وانتهاء بمن يشجب اليوم “عاصفة الحزم” العربي في اليمن، مرورا بمن وقف داعما للعدوان الصهيوني على جنوب لبنان وغزة، ومؤيدا للعدوان الصليبي على ليبيا، أو انخرط في مسار تخريب الدولة السورية.

في جميع هذه المحطات كانت النخب العربية السياسية والفكرية والإعلامية أسوأ حتى من النخب الحاكمة، وقد غيّبت مصالح دول وشعوب المنطقة العربية، وانخرطت في ولاءات عجيبة مع قوى إقليمية ودولية معادية للحق العربي، لم نكن لنصفها قبل خمسة عقود بأقل مما كنا نصف به من والى المحتل الفرنسي من مجتمع “الحرْكى”.

أكثر هذه المواقف إثارة، كان موقف الأمين العام لحزب الله، الذي خصص آخر خرجة له للتنديد بـ”عاصفة الحزم” وشجبها بلغة طائفية مبطّنة، مستفزة للمنطق قبل أن تكون مستفزة للسعوديين والخليجيين، وقد نسي أن مقاتلي حزب الله المنخرطين في الفتنة السورية، قد قتلوا من العرب في بحر سنة أكثر مما سقط على أيديهم من الصهاينة في عقد كامل من المقاومة.

قبل هذه الخرجة، لم تصدر عنه إدانة واحدة للحكومة العراقية، وهي تستدعي الطيران الأمريكي لدكّ مدن عربية سُنية في سورية والعراق، ولم يُدن بكلمة واحدة الصف الإيراني عبر خرجات قائد الحرس الثوري الإيراني، وهو يقود الحشد الشيعي في عمليات تطهير طائفي في محيط تكريت، أو يندد كعربي بتصريحات مستهترة لقادة إيرانيين يجاهرون بقرب اقتناص رابع عاصمة عربية.

جوهر خرجة السيد نصر الله الأخيرة، وتأسيسها المنطقي: أن هذا الحشد من القوة العربية لضرب اليمن كان أولى أن يُوجَّه للعدو الصهيوني، وهو مصيب بلا ريب، لولا أن ذات المنطق ينقلب عليه بقول بعضهم: ما بال قوة “محور الممانعة” تُصرف لإضعاف الصف العربي بدل توجيهها نحو العدو الصهيوني؟ وهل انتصرت إيران لشعب غزة بإرسال طائراتها وصواريخها لصد العدوانين الأخيرين على غزة؟ وهل سارع حزب الله في 2008 إلى فتح جبهة مع العدو في جنوب لبنان لتخفيف الضغط عن المقاومة الفلسطينية في غزة؟ وهل يسمح النظام السوري بفتح جبهة الجولان للمقاومة السورية والفلسطينية؟

لقد كشفت السنوات الأخيرة أن دول محوري “الممانعة والاعتدال” في المنطقة إنما هي شريكة في سوق سحت، تتاجر بالقضية الفلسطينية كورقة ترجيح في المعركة الغبية على قيادة المنطقة بالوكالة عن نفس السيد، وأن دجل إيران ومحور “الممانعة” لا يقل خبثا عند جل محور “الاعتدال” العربي، وأن العراق إنما سقط بتواطؤ المحورين مع العدو الصليبي، وهو متواصل في الحرب الكونية التي تقتل عرب العراق تحت راية كاذبة اسمها “محاربة داعش” وأن خذلان العرب لأشقائهم في العراق، وتعاون الإيرانيين والطائفيين في إبادتهم بدعم جوي أمريكي، هو من يجند اليوم الشباب العربي للقتال تحت راية “الدول الإسلامية” حتى وهو كاره لسلوكها المتطرف، وخياراتها العديمة.

حبيب رشدين

المصدر: http://www.echoroukonline.com/ara/articles/238348.html

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version