صدق الله العلي العظيم في قوله “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” (سورة الإسراء، الآية 70)، ما يدلّ دلالة واضحة على تفضيل الله عز وجل وتكريمه وتشريفه لبني آدم إياهم في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها.

وهذا تكريم رباني للإنسانية والبشرية كلها فالنفس مكرمة لا يجوز الاعتداء على حرمتها إلا بالحق لقوله تعالى “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق” (سورة الأنعام، الآية 151) ولا يجوز كذلك إهانتها أو ظلمها أو التعدي على حقوقها أو التقليل من قيمتها وشأنها.

ولكن ما تعيشه المجتمعات الإسلامية، خاصة أيامنا هذه، من أحداث فتن أتت على الأخضر واليابس من اضطرابات طائفية وسياسية ذات طابع ديني إما نتيجة صراع مذهبي سني شيعي أو خلافات سياسية ذات طابع ديني نتيجة بروز الأحزاب السياسية ذات الطابع الديني.

فالاضطرابات السياسية ذات الطابع الديني واستغلال الدين لأغراض سياسية أهم سبب لانهيار قيمة النفس البشرية لدى المسلمين، فهذه الاضطرابات أدّت إلى إباحة دماء المسلمين وغير المسلمين نتيجة غياب كل الضوابط والحدود الشرعية التي تحفظ النفس كإلغاء عقوبة الإعدام وأداء الدية بقدرها الشرعي.

كما أن لغياب الحدود الشرعية التي تحفظ النفس من كل الانتهاكات والتعدي على حرمتها انعكاسات وتأثيرات سلبية على المجتمعات الإسلامية وعلى علاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية وكل مجالات الحياة وبذلك تتعدد أسباب الوفيات كما تثبته الإحصائيات المتعلقة بحوادث المرور نتيجة الاستهتار وعدم احترام القانون، والحوادث المنزلية من حوادث حرائق نتيجة شراء مسخن أو آلة كهربائية لا تحترم مواصفات التصنيع باعها تجار لا ضمير لهم، أو المهنية نتيجة تهاون أو تسيب في الاحتياطات الأمنية لقواعد العمل يمكنها أن تقتل عاملا أو تتلف مصنعا بأكمله، والتسممات الغذائية نتيجة استهلاك الناس لمأكولات سامة يصنعها مجرمون ويدعون الاسترزاق، والأخطاء الطبية نتيجة الإهمال والاستهانة بقيمة النفس البشرية فتضيع الأنفس وتضيع أموال المسلمين، فتصنف كل هذه الحالات في خانة القتل الخطأ، أما عن الدية فلا تؤدى بشكلها الشرعي أو التعويض المادي المعروف بالتأمين فهو إهانة للنفس البشرية نظرا لقيمته التي لا تمثل إلا جزءًا بسيطا من قيمة الدية.

إضافة إلى كل هذا، هو الاستخفاف بشؤون العامة وآلام الناس وجراحهم وصرخاتهم التي عجز المسؤولون الذين يتعاطون حبوب منع الحل أو الحلول، ولا أقصد تعاطي المخدرات أو شيء آخر، بل أقصد عجز هؤلاء عن أداء المهمة الموكلة لهم لتسيير مصالح وشؤون العامة أو انعدام الإرادة لحل المشاكل، أصبحت شؤون العامة محل سخرية على وسائل الإعلام يتحدث فيها الرويبضة ويدلون بآرائهم بشكل هزلي تتمثل في كثرة الحصص الفكاهية والهزلية في وسائل الإعلام واستغلال شؤون العام في هذه الحصص وهذا أكثر من قتل النفس البشرية ففيه قتل للهمة والشخصية الوطنية، فنحن أمة لا تقبل الاستخفاف ولنا في أهالي عين صالح عبرة لمن يريد الاستخفاف بهذا الشعب الذي تعلم وعرف الصواب من الخطأ واستطاع أن يفرق بين ما هو فيه هلاك لوطنه ولشعبه وما هو فيه منفعة لوطنه ودينه ودنياه.

فإذا أردنا التفكير في بناء دولة أو أمة إن صح القول فعلينا أن نبني شعب يحترم قيمة النفس البشرية، فإذا عرف قيمة النفس البشرية أخلص لربه ولدينه ولوطنه ولأمته ولله دره القائل “نحن لا نستطيع بناء أمة قوية من أشخاص ضعفاء. ولا أمة ناجحة من أشخاص فاشلين. ولهذا فإن الحديث عن قوة الأمة يبدأ فعلا حين نشرع في تقوية الفرد، فكن قويا وساعد غيرك أن يكون قويا واطلب من الله تعالى القوة والمعونة. فبيده خير الدنيا والآخرة”.

فعلينا أن نعلم أبناءنا قيمة النفس البشرية التي كرمها الله عز وجل وأن نزرع فيهم القيم والأخلاق التي تأهلهم إلى الوصول إلى القمة، إلى التميّز.

محمد العربي أوشن
6 يناير 2015

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version