تنظم بعض الدول الاوروبية خاصة  خلال شهر نوفمبر تظاهرة ” أسبوع الديانات” التي أصبحت اليوم عادة طيبة تنتظرها جاليتنا المسلمة على أحر من الجمر من عام لآخر قصد المساهمة و لو بالقليل في ميدان الدعوة بالمعارض و الأبواب المفتوحة المعهودة، وها هي تلبي هذه السنة جاليتنا النداء بمشاركة ما يقارب 120 مسجد ومركز إسلامي يتوزعون على 17 مقاطعة سويسرية، ومن أبرز الأسئلة التي يوجهها زوار “أسبوع الديانات” من غير المسلمين لأئمة ومسيري المراكز ،منها على سبيل المثال لا الحصر:

لماذا يتخذ الإسلام “موقفا سلبيا “من المرأة في العديد من تشريعاته؟  .. لماذا لا يحق للمرأة أن “تعدد في زواجها” كما هو الشأن بالنسبة للرجل؟ .. لماذا “تحرم” بعض الدول الاسلامية تنقل المرأة لوحدها و منعها حتى من سياقة السيارات ؟.. لماذا “لا يسوي الإسلام” بين الطفل و البنت؟  .. كيف يتم إصدار الفتوى في الإسلام؟.. ولماذا “يحرم دينكم علينا” كثير من مما ترغب فيه النفس و تشتهيه؟  ..هل الإسلام لديه إمكانية التطور و”مواكبة العصر الحديث” كما فعلت المسيحية للخروج من ظلامية القرون الوسطى؟..

هذه الاسئلة وغيرها  كثير،  لازالت تطرح مرارا و تكرارا اليوم، علما أن الدستور السويسري في ديباجة مادته الأولى منذ أزيد من قرن،  يقر تصريحا لا تلميحا على الطابع الديني للدولة فيبدأ بـكلمة “بسم الله القديــر” ، رغم ذلك فخمس السكان السويسريين، يـُصنـّفون ضمن من ليس لديهم أي انتماء ديني، وهو ما يعادل ارتفاعا بنسبة تناهز 60% عن العقد السابق، بحيث يشكل اللاّدينيون في سويسرا ثالث أكبر “مجموعة دينية” في البلاد، بعد أتبـاع الكنيستين البروتستانتية والكاثوليكية الرومانية.. أما عدد المسلمين المقيمين في سويسرا اليوم، يرجح خبراء الاحصاء أن يناهز عددهم في الوقت الحاضر 450 ألف نسمة، وفيهم من يرجح أن يكون قرابة النصف مليون أو يزيد قليلا من مجموع السكان البلغ  7.8 مليون سويسري.

طبعا تتكرر هذه الأسئلة أحيانا بحدة على المسلمين في موسم مهم كـ” أسبوع الديانات”، و” أسبوع الديانات” في سويسرا تظاهرة سنوية إمتدت هذه السنة في بعض المقاطعات  من أول إلى 15 نوفمبر بدل الثامن منه، وهي مبادرة حميدة ووحيدة في العالم إنطلقت منذ سبع سنوات، بحيث تفتح كل الديانات السماوية والوضعية ابواب معابدها ومقراتها للزوار من مختلف الملل والنحل، أسبوعا كاملا تتخللها نشاطات متعددة، وهي فرصة نادرة تتاح رسميا وسنويا خاصة للمسلمين الذين لم يعترف لهم بدينهم كديانة رسمية في بعض البلدان الأوروبية مثل ما هو الحال بالنسبة لليهودية والمسيحية بشقيها.

وصاحب هذه المبادرة في سويسرا هي منظمة ” إيراس كوتيس”، النشطة على المستوى الفيدرالي منذ أن تأسست سنة 1992، وهي تمثل المجموعات الدينية والمنظمات المعنية بحوار الأديان. والهدف المعلن لهذه الجمعية “تشجيع قيام الحوار والاحترام المتبادل” وتشرف على إدارة هذه الهيئة لجنة فيدرالية لكامل التراب السويسري تتشكل من ممثلين للمسيحية والإسلام واليهودية والبوذية وغيرها، ويتحدد عدد الممثلين بحسب انتشار الديانات المعنية.  وتظاهرة اسبوع الديانات “منتوج سويسري” خالص، لا يوجد شبيه له في أي بلد أوروبي، ولم تتفطن لفضله إلا أخيرا بعض الدول كبلجيكا وهولندا وألمانيا، لما كرمت منذ 3 سنوات خلت سويسرا في شخص منظمة ” إيراس كوتيس”  بوسام الأمم المتحدة للتسامح والتعارف بين الديانات بمشروعين تقريبيين بين الديانات هما “أسبوع الديانات” و”رزنامة بين الأديان”.

جرت العادة أن تظاهرة “أسبوع الديانات” في سويسرا تنطلق أشغالها كل سنة من مقاطعة ناطقة بالألمانية، وهذه السنة لأول مرة تنطلق من مقاطعة ناطقة باللغة الفرنسية هي مقاطعة “فو” و عاصمتها لوزان، العاصمة الأولمبية الدولية، بحيث إنطلقت بشعار جامع ، هو “التربية و الطفولة ” تحت إشراف السلطات المحلية بالإشتراك مع منظمة ” إيراس كوتيس”  و دار الحوار الدينيى “لارزيلي” بمدينة لوزان ..

و في الحفل الافتتاحي الرسمي للتظاهرة بساحة ” سان فرانسوا”  بعد ترحيب القس ثيموتي رايمون ممثل “دار لارزيلي” بالضيوف و السلطات،  أعطيت الكلمة لممثلي الديانات، ليقدم كل ممثل عن ديانته نصوص دينية عن مفهوم ورسالة التربية و الطفولة في مجتمعاتهم و معتقادتهم، و كان من نصيب كاتب هذه السطور ممثلا للجالية المسلمة، قراءة قطوف من رسالة الإسلام في التربية و أهدافها النبيلة في بناء أجيال واعدة لمجتمعات مسالمة ، و خاتما كلمته بشرح لأطول مقطع قرآني في الموضوع، المتمثل في “وصايا لقمان الحكيم لأبنه” من صورة لقمان، كما ألقى ممثل المسيحين كلمة البابا بولس الثاني التاريخية على حد تعبيره للشباب عموما و التي ألقاها في الدار البيضاء بالمغرب الشقيق، ثم ختم ذلك ممثل الجالية  اليهودية من أصول جزائرية ، الحبر ليونيل القيم، الذي تكلم على رسالة نبي الله داود في التربية  و التسامح،  بعدها أعطيت الكلمة لرئيسة المنظمة المشرفة على التظاهرة الوطنية التي  انتخبت منذ أزيد من سنة زميلتنا الدكتورة رفعت الزين من أصول باكستانية ، التي نتقاسم معها منذ عقود هموم الجالية المسلمة في الغرب ، ثم توالت على المنصة تدخلات كل من ممثلة المقاطعة “بياتريس ميترو” وزيرة المؤسسات والأمن من حزب الخضر، و السيد ” أوسكار طوزاطو” رئيس المجلس البلدي من الحزب الاشتراكي السويسري .    

بعدها أعطيت الإشارة للإنطلاق الرسمي لـ”أسبوع الأديان” بسويسرا ليمتد هذه السنة على غير عادته من 1 إلى 15 نوفمبر الجاري، وليشمل أكثر من خمسين مدينة سويسرية، تفتح المساجد والكنائس والمعابد في هذه المدن أبوابها للزوار من أتباع الديانات المختلفة أو حتى من غير المنتمين لأي دين.

وفي مثل هذه الأيام تتبادل المجموعات الدينية من مسيحيين ومسلمين ويهود وبوذيين، الدعوات للتزاور وحضور الأنشطة الاعتيادية، وربما تم إعداد برامج خاصة كندوات ومعارض متنوعة، وتسعى “إيراس كوتيس” كمؤسسة  لحوار الأديان بسويسرا من خلال تنظيم هذا الأسبوع إلى دفع المجموعات المختلفة إلى مزيد من التعارف والانفتاح. ومن الانشطة التي دعينا لها، وحضرنا لبعض منها على سبيل المثال لا الحصر نظمت هذا الاسبوع  أنشطة عديدة، ، منها :

“الأبواب المفتوحة ” في العديد من المساجد والمراكز الإسلامية ، بحسب العديد من الأئمة و ممثلي المراكز فهي بحق تجربة ناجحة في عمومها .. وقد شهدت المساجد والمراكز الإسلامية فعلا إقبالاً كبيراً لدرجة أن بعض المدارس أحضرت صفوفاً كاملة من طلابها لزيارة المساجد، ومحاورة الأئمة والمشرفين، وكانت فعلا فرصة للتواصل مع المواطنين السويسريين بشكل مباشر قاموا من خلالها بتوضيح صورة الإسلام الحقيقية، والرد على أسئلة الزوار خاصةً تلك الأسئلة التي تمثل إزعاجاً لهم عن الإسلام والمسلمين وتعكس كثيراً من المفاهيم الخاطئة، وبحسب بعض المشرفين هناك زوار من شتى الأعمار من فئة الشباب ومتوسطي العمر، مع إشارة لأغلبية من الجنس اللطيف، وكثير منهن أمهات وبعضهن لديهن أبناء لهم أصدقاء مسلمون؛ لذا أرادت تلك الأمهات التعرف على الإسلام والمسلمين بشكل مباشر حرصًا منهن على الاطمئنان على أبنائهن، وهذه المبادرة تعتبر ردا عمليا على المناهضين للإسلام في توقيت هام ومناسب للغاية، نظرًا للحملات التي يقوم بها اليمين المتطرف لإقناع الشعب السويسري بطروحاته الاستفزازية للأجانب عموما و المسلمين خصوصا، خاصة الوضع الدولي المتأزم أخيرا في مشرقنا الإسلامي ..

كما صادف يوم  الاحد ، حفل للتعريف بيوم “عيد الاضحى المبارك”، ليتعرف الزوار على معانيه المباركة وعلاقته بالحج و بسيدنا إبراهيم الخليل، علما أن القصة متعارف عليها في الديانات السماوية الثلاث بروايات متعددة، إلا أنه لما يمثل جزء منه بحفل خاص بالأطفال ومن طرف الاطفال فهذه نكهة أخرى للفرجة معطرة بالعفوية ومطعمة بالبراءة.

وكما صرح لنا أحد المنظمين السويسريين لهذه التظاهرة، أن ” هذا الأسبوع يمكن أن يساعدنا على خلق أجواء من الثقة ومن التوازن بين ألاديان. وهو تفسير عملي للجميع أن الأديان تجمّع ولا تفرّق، وإن اختلفنا في العقائد بإمكاننا تنظيم اختلافنا، ولا نريد أن يكون هذا مجرد شعار، بل نريد أن نعيشه في الميدان خلال أسبوع الأديان” .. كما يرى آخر، أن “هذا الأسبوع فرصة خاصة بالنسبة للمسلمين للخروج من دائرة الاتهام والدفاع السلبي عن النفس لملاقاة المجتمع ومكوّناته، وتوضيح مواقفهم وأفكارهم، وتصحيح ما يحمله الآخرون من أفكار خاطئة حولهم”. وهذا التوجه شاطرناهم فيه رسميا وعلنيا، كممثلين للجالية المسلمة، فبمشاركتنا في هذا الاسبوع، نريد تقديم الإسلام بعيدا عن القوالب الجاهزة والأفكار المسبقة التي تروّج لها وسائل الإعلام، والجهات المغرضة وفي هذا تلبية لنداء القرآن الكريم والسنة المطهرة .. إنها فعلا “فرصة لاكتشاف القواسم المشتركة التي على أساسها يمكن أن يقوم حوار بناء مع الآخر كائنا من كان”. هذا أملنا في غد أفضل، وفي علاقات أوثق، يشاطرنا فيه أيضا أتباع الديانات الاخرى بنسب مختلفة، من أجل العيش خلال هذا الاسبوع و بعده تجربة ثقافية تربوية  في أجواء عيدية من أجل السلم والتعارف بين أبناء الوطن الواحد وفق شعار نبيل ” متساوون و مختلفون، متساوون في الحقوق و الواجبات و مختلفون في الديانات و المعتقدات”..

محمد مصطفى حابس
17 نوفمبر 2014

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version