الدول الإسلامية الغير عربية نجحت في تبنيها للإسلام كنظام حكم لأنها اختارت اولا الديمقراطية ثم الحل الإسلامي، وهذا ما جنب شعوب تلك الدول الوقوع في صراعات مذهبية وأخطاء في التصورات كانت ستكون سببا في تعثر العملية الديمقراطية برمتها ومكنهم من القبول بالحل الإسلامي عن وعى وقناعة بل باتت هي المطالبة به. ولنا في كل من تونس وتركيا وإندونيسيا الدليل العملي عما يمكن أن يتوصل اليه من رقى شعب حتى لو كان مسلما خلافا لكل تلك الاعتقادات بأن التخلف علامة مسجلة باسم الشعوب الإسلامية.

فالخيار الديمقراطي يهم الجميع، وهو ما جعل كل شرائح المجتمع تلتف حول ساستها في الدول التي تمكنت لحد الآن من الانقلاب على انظمتها وسدت بذلك كل الطريق امام كل المحاولات الرامية لضرب الديمقراطية وإجهاض كل المبادرات التحررية المخلصة تحت مسمى مكافحة الإرهاب والتطرف الأصولي. وحاصروا بالتالي كل قوى الداخل الساعية لربط جهودها وتوجهاتها بما يملى عليه من القوى العظمى بغية الإبقاء على العالمين العربي والإسلامي ضمن دائرة التبعية المقيتة وحرمانهما من اخذ فرصتهما للتقدم والبناء. وهذا ما لم يحصل في العالم العربي مع كل اسف نتيجة لعوامل تاريخية واجتماعية وسياسية معقدة ساهمت في تقهقره وعجزه في أن يتبوأ مكانة بين الأمم.

فالمشكلة أن الساسة عندنا ركزوا على العقيدة كمطية للوصول للحكم في مجتمع غير مؤهل لا أخلاقيا ولا سياسيا لخوض هذه التجربة بل في حاجة لمن يساعده على استرداد آدميته اولا ثم كرامته المهدورة وحقوقه المغتصبة لاحقا، مما فتح الباب واساعا أمام اعداء الديمقراطية لضربها باسم مكافحة الإرهاب الفكري، فكان فشل العقيدة في فرض نفسها وفشلت بالتالي التجربة الديمقراطية برمتها بفعل هذا الخطأ الاستراتيجي القاتل لأن المسألة في النهاية تحولت الى صراع أيديولوجي كون أن تيارا معينا يسعى لفرض نفسه على حساب اقلية مضطهدة.

ففي الحالة الأولى كانت الشعوب في مواجهة خيار حر وفى الحالة الثانية لم يكن سوى تلاعب بالعقيدة من خلال تجييش عواطف الناس من أجل خدمة اغراض شخصية لا علاقة لها بالصراع الدائر بين الشعوب وانظمتها.

هذه الرعونة فسرت من قبل الأقليات الغير المسلمة على أنها شكلا من اشكال الإقصاء وتوظيف الدين لأغراض سياسية لا تخدم مصالح الشعوب، وبالتالي حدث الانشقاق وتنامى التيار المناوئ ليس للحل الإسلامي بل للخيار الديمقراطي والذي بات يدافع عن كيانه بحكم استشعاره بالخطر بدل الانخراط في اللعبة السياسية. ناهيك عن التيارات الصوفية المرتبطة عضويا بالأنظمة كما ارتبطت في الماضي بأجندة المستعمر و “مجاهدي البطاقة”، وهما الفئتان اللتان شكلتا دائما الحديقة الخلفية للنظام في الجزائر على وجه التحديد والقوة التي يراهن عليها لمواجهة تحدى الإسلام السياسي الذي بات الهاجس الحقيقي للديكتاتوريات. وهو ما يفسر السخاء منقطع النظير الذي أبداه حيالهما بوتفليقة… ولهاذا، فإن المجاهدين هم الفئة الوحيدة التي تحصل تلقائيا على حقوقها دون الحاجة للتظاهر في الشوارع والتعرض كغيرها من فئات الشعب الأخرى لقمع شرطة مكافحة الشغب.

الصراعات الداخلية التي ما زال يتخبط فيها التيار الإسلامي كانت النقطة التي ركز عليها الإعلام المعادي للإسلام والمسلمين سواء في الداخل أو الخارج بغية تعميق الهوة بين تلك الأقليات والقائمين على الحراك التحرري الذي اصيب بنكسة انعكست على المجتمع ككل وكان وقعها عليه بحجم الكوارث والأزمات التي تعاني منها الشعوب العربية الى اليوم.

لهذا السبب، ما زالت التجربة الرامية الى تبنى الإسلام كنظام حكم تتعثر وستظل تتعثر طالما ظل تفكيرنا محصورا في دائرة تعاطينا مع موضوع بمثل هذه الحساسية والخطورة بهذا الارتجال وبصورة تدل على قصور فكرى حيث طغت الخلافات الشخصية والتصورات الفردية على السلوك العام للقائمين على الحراك الوطني وأثرت على الخيار الاستراتيجي بفعل غياب الإجماع الوطني حول وحدة الفكر والمنهج.

والانقلاب الذي حدث في مصر في 3 يوليو 2013 هو الدليل العملي على الانتكاسة الفكرية التي أصيب بها علماء الأمة ومفكروها ومنظروها الذين مكنوا خصومهم منهم ومن الثورة التي لم يجدوا صعوبة للالتفاف عليها.

لقد فات هؤلاء ان الشعوب ليست في حاجة لمن يعلمها امور دينها بقدر ما هي تطمح الى من يعيد لها حقوقها وكرامتها المسلوبة ومن ثم هيبتها بين الأمم ويصون حقوقها ويعاملها كشريك سياسي كامل الصلاحيات لا كوعاء انتخابي لا يرد ذكره الا عند الضرورة.

ولهذا السبب، بات السؤال ليس القيام بالثورة بل مراجعة القيم والأسس التي تربى عليها ساستنا ومفكرونا وقادتنا والتأسيس لفكر جديد أكثر مرونة وانفتاحا على العالم وبعدا عن التعصب الفكري والنزعة الأحادية والتجرد من الأفكار المسبقة والصدق مع النفس ونبذ المغالاة والتطرف…

محمود حمانة
30 مارس 2014

تعليق واحد

  1. الباشا بتاريخ

    أين تكمن المشكلة بالضبط ؟
    أين تكمن المشكلة بالضبط ؟
    لقد ذكرت تركيا كمثال ، أو كتجربة ناجحة ، وبررت ذلك بالتركيز على الحل الديمقراطي وعدم رفع شعار ” الإسلام هو الحل ” دون سابق إنذار . هل وجدت تركيا الطريق معبدا من دون وجود نظام استبدادي حكم الشعب بقوة الحديد والنار ، راهن عليه الغرب في تغيير الوعاء الثقافي والإيديولوجي للمجتمع التركي ؟ هل تستطيع أن تحصي لنا ، كم مرة انقلب العسكر داخل تركيا على الخيار الحر ؟ ثم هل تستطيع إجراء مقارنة بين المرجعية الفكرية للأتراك والمرجعية الفكرية للجزائريين على سبيل المثال ، ماذا حضر هناك ، وماذا غاب هنا ؟ من دون مقاربة تزيل الالتباس لا يمكن قبول ما تقدمت به من تعليل يكاد يفتقر إلى الحجج الصريحة والشافية ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، هل تونس ، وما حدث فيها لنظام بن علي ، والمسار الذي تم رسمه،هل كان خارجا عن الرقابة والمرافقة الغربية ، هل الغرب الليبرالي الرأسمالي أراد شيئا محددا لتونس وحدث العكس ؟ وهل استطاع العرب ، أو الحركات الإسلامية داخل الوطن العربي تقديم نموذج قائم بذاته استعصى على الغرب مسايرته ومراقبته والتأثير في مجراه ؟ لك ما حدث للعراق وسوريا وليبيا واليمن ، كلها أمثلة دالة على أن اللاعب واحد والمحرك واحد ، فأين هم العرب ، وأين هي الحركات الإسلامية ؟ ثم كيف يمكن أن تبرر مواقف الإخوان المسلمين ( التنظيم الدولي ) بكل فروعه ، مع من وقفوا داخل اليمن ، ومن وقف ضدهم داخل مصر ، وموقفهم من الأحداث داخل سوريا والعراق ، أين هي المرجعية وأين هي السياسة الدالة على الفكر السياسي المطلوب لمواجهة الرأي العام الداخلي قبل الرأي العام الخارجي ، هل يمكن مثلا الوقوف إلى جانب المملكة العربية السعودية في اليمن وفي سوريا ، في الوقت الذي وقفت فيه المملكة قلبا وقالبا إلى جانب النظام المصري الذي انقلب على اختيار الشعب ؟ إذا كان ولا بد من مقاربة فلتكن من باب البحث عن السر الحقيقي في مسألة التمكين لهذا الفريق أو ذاك ، ولنقرأ جيدا قوله تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ” الآية 7 من سورة محمد . وقوله عز وجل : ” قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ، وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم ” الآية 14 من سورة الحجرات . وقوله تعالى : ” إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون ” الآية 160 من سورة آل عمران .

Exit mobile version