جميل جدّا أن تخرج علينا حكومة عبد المالك سلال، بعدما نجحت في إدارة أكبر عملية لتزوير الإنتخابات الرئاسية التي جرت يوم 17 أبريل/نيسان 2014، وأوصلت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى كرسي الرئاسة للمرة الرابعة، رغم أنه يملك اليوم كرسيا متحرّكا، لا يُفارقه إلا في حالات نادرة، قلت جميل جدّا أن تخرج هذه الحكومة على الشعب الجزائري، بمخطط تقول فيه أنها ستواصل مكافحة الفساد، لاجتثاث هذه الآفة من جذورها.

والأجمل من ذلك كلّه أن حكومة سلال، وفي مخططها الذي ستعرضه هذه المرّة على البرلمان، تعد بإعطاء “صلاحيات واسعة للمفتشية العامة للمالية من أجل التحقيق في كل قضايا الفساد التي تمس وتضر بالإقتصاد الوطني، خاصة ما يتعلق بتهريب الأموال، وتبييضها، ووصولها إلى الجماعات الإرهابية..”، وأكثر من ذلك أنها ستُفعّل دور الديوان الوطني لمكافحة الفساد، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، بسنّ قانون يحمي المُبلّغين عن الفساد والمفسدين، وفي الوقت نفسه، يحمي الإطارات “النزيهة والمخلصة”، ويضرب ب”يد من حديد” كل من يتهم إطارات الدولة أو يشكك في مصداقيتهم.

سياسة محاربة الفساد بمنطق حكومة سلال، أعتبرها، بداية للغلق الحقيقي لكُلّ الأفواه التي عَلَت ولا تزال، لكشف الفساد والمُفسدين، لأن معايير تحديد “النزاهة والإخلاص”، إطّلعنا عليها بوضوح قبل وبعد الإنتخابات الرئاسية ليوم 17 أبريل/نيسان 2014، حيث أكرمت السلطة “حزب الإدارة”، المُشكل من الولاة بالأخص، ورقّت بعضهم إلى وزراء، ليصل عدد الولاة في حكومة سلال حاليا إلى سبعة، وقد يرتفع عند الإستحقاقات القادمة، بالنظر إلى دور الولاة في ترجيح كفة من يُؤتمرون بترجيح كفتهم، وبالتالي فمفهوم النزاهة والإخلاص في قاموس الحكومة، مُغاير تماما لمفهومه عند الشعب، والحال كذلك، فإنّ الحكومة ستستمرّ في الضرب بيد من حديد، كلّ من سيتطاول على إطاراتها “المخلصين” لها لا غير، أما ضرب ومكافحة المُفسدين، فسيشمل بالضرورة “الأصوات النّشاز” التي يُعرّفها قاموس المُصطلحات الحُكومي، أي كلّ من يمسّ أيّ إطار “مخلص للحكومة”.

برأيي أنّ حكومة السيد سلال، التي تُمثّل استمرارا لنهج الحكومات التي عيّنها الرئيس بوتفليقة منذ عهدته الرئاسية الأولى وإلى يومنا هذا، والتي بَرَعت جميعها في تفريخ كبار وصغار المُفسدين، هذه الحكومة، ستُحطّم الرقم القياسي في إنتاج الفساد، لأنها وبعكس سابقاتها ستعمل على تقنين “الضرب بيد من حديد”، وستجعل مهمة مُحاربة الفساد، محصورة في المؤسسات والهيئات التابعة لها فقط، أي بعبارة أخرى، أنّ هذه الحكومة هي من ستُبعد القضاء عن مُعالجة قضايا الفساد الكبرى، وتُقيم بينه وبين “إطاراتها المخلصين” “منطقة عازلة وآمنة”، تُشجعهم على تنفيذ ما تأمرهم به، ولا أعتقد أنّ عاقلا في الجزائر سيُصدّق ما تُروّج له هذه الحكومة، من شعارات مكافحة الفساد، لأن مهمة كهذه، منوطة في البلدان التي تحترم القانون، بالسُّلطة القضائية أولا، وهي السلطة التي تتحرك بعيدا عن ضغوطات الجهاز التنفيذي، لكن واقع الحال عندنا، يُؤكّد أن القضاء قد وُضع تحت تصرف السلطة التنفيذية، فهي التي ترأس المجلس الأعلى للقضاء، وهي التي تُحدّد نفقاته، وحاجياته، وتنقل قضاته وتُرقّيهم…. والحال كذلك، هل سيتجرّأ يوما ما أي قاضي تحقيق، على استدعاء وزير في الحكومة، بشبهة فساد أو غيره؟ وهل سجّل التاريخ طوال العهدات الرئاسية السابقة للرئيس بوتفليقة، مُتابعة القضاء لوزير وهو عضو في الحكومة؟

بالعكس من ذلك كُلّه، رأينا كيف أُخرج وزير الطاقة السابق شكيب خليل كالشعرة من العجين، فيما أُصطلح عليه ب “فضيحة سوناطراك”، ورأينا كيف أن وزير الأشغال العمومية السابق عمار غُول، وبرغم تعرّي فضائح الطريق السيار شرق غرب، الذي إلتهم ملايير الدّولارات، لم يتم لا سماعه، ولا التحقيق معه، ولا حتى الإشارة له بالبنان، بل كلّ ما طاله، هو تغيير حقيبته الوزارية لا غير، والأمر نفسه بالنسبة للأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمّار سعداني، التي نُشرت فضائح فساده المالي في وسائل الإعلام الجزائرية والأجنبية، ولا يزال يتمتع بحصانة، لم تُمكّنه منها قوانين الجمهورية، بل هي حصانة خاطتها له الدّوائر التي ترعى الفساد وتُنمّيه.

وأستحضر هنا ما لاقاه والدي رحمه الله، جمال الدين حبيبي، الذي كان رئيسا للمجموعة البرلمانية للثلث الرئاسي بمجلس الأمة، بمجرّد تسليمه لمجموعة من ملفات الفساد للرئيس عبد العزيز بوتفليقة في العهدة الرئاسية الأولى، وعلى رأسها ملف المخدّرات، الذي تورط فيه مسؤولون كبار في الدّولة، فقد شنّت عليه دوائر الفساد “الرسمية” مدعومة من الإعلام المأجور، حملة لم تستثن حتى أفراد عائلته، علما أنه كان آنذاك على رأس المجموعة البرلمانية، وبالمُقابل، إلتزم الرئيس بوتفليقة الصمت، وهو الذي كان منتظرا منه أن يتحرّك إنطلاقا من سُلطاته الدستورية، لضرب أعناق المُفسدين، لكنه وبعكس ذلك، أخرج “سيف الحجّاج” لقطع رؤوس المُخلصين لبلدهم وشعبهم.

من هذا المنطلق، لا أرى أنّ حكومة سلاّل ستنجح فيما فشل فيه الرئيس بوتفليقة شخصيا، ولن أحيد عن هذه القناعة، إلا عندما أرى الرئيس بوتفليقة يفتح بجدّ ملفات الفساد، التي سلّمها له العديد من المخلصين ومن بينهم والدي رحمه الله، ويُعيد الإعتبار لهم، ويقتصّ ممّن تطاولوا عليهم، وأرى شخصيا أن تحقق هذا الأمر، هو من المستحيلات السبعة، في ظلّ استمرار السلطة في انتهاج التزوير كسياسة قاعدية، وتضييقها على الإعلام، وتدجينها للسلطة القضائية والتشريعية، وبرأيي دائما، أن الطريق الوحيد لمُحاربة الفساد، لن يتعبّد، دُونما تجسيد لفصل حقيقي بين السلطات، يُمكن السلطة القضائية من إستقلاليتها، إستقلالية، تضع الجميع على قدم المُساواة أمام القانون، ولا تسمح بإفلات “الراسخين في الفساد” من يد العدالة.
 
زكرياء حبيبي
23 ماي 2014

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version