إن الصمود الذي أبداه النظام السوري إنما هو في الحقيقة هزيمة أخلاقية بامتياز، لأنه لا يعقل استخدام كل أنواع القوة الباطشة ضد جزء كبير من الشعب – حتى لا نسقط في متاهة التعميم – قرر أن يثور ليتخلص من براثن الاستبداد السياسي، وما يجره من أمراض اجتماعية مستفحلة. إن ما نشهده من عنف مفرط ومفزع كل يوم في سوريا إنما يعبر عن انحراف عن الفطرة الإنسانية السليمة التي تميل إلى الاستقرار والأمن، إنها حالة “سكيزوفرينية سياسية” أصابت النظام السوري فأصبح لا يميز بين سلامة الوطن وخرابه، بل ما يهمه هو البقاء والخلود في ملك لا بقاء ولا خلود فيه.

إن من جملة العوامل التي ساعدت النظام على الثبات في موقفه الاستعلائي نجملها كالآتي:

1- عسكرة الثورة: لا يختلف اثنان على أن الثورة السورية كانت بدايتها سلمية، مطالبة بالحقوق السياسية وإطلاق الحريات، لكن نية النظام في عسكرتها من خلال أساليبه المخابراتية، جعلها تتطور بشكل دراماتيكي لينتهي بها المطاف إلى مواجهات دامية ليعيد صياغتها في إطار حرب وطنية على الإرهاب المتطرف.

2- الخطاب الطائفي: بعد التحول الجدري في مسار الثورة باتجاه العمل المسلح، واعتبار سوريا ارض جهاد من طرف الحركات السلفية الجهادية، قام النظام بحملة دعائية مفادها أن انتصار الحركات التكفيرية يشكل خطرا وتهديدا على الأمن والتلاحم الديني والمذهبي والطائفي في سوريا ما بعد سقوط النظام، حيث أن التكهن باضطهاد وإقصاء أتباع المذهب الشيعي من طرف الطائفة السنية أعطى الذريعة لإيران وحزب الله اللبناني بالالتحاق بميادين القتال إلى جانب النظام.

3- الاحتماء وراء نظرية المؤامرة: لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار الدور السوري في احتضان حركات المقاومة العربية، الأمر الذي شكل عقبة في وجه المشروع الصهيو-أمريكي في المنطقة ،لذلك فان الغرب الامبريالي والصهيونية اليهودية رأتا في الصراع الداخلي في سوريا فرصة تاريخية لضرب النواة الصلب لجبهة الممانعة والمقاومة. أما النظام السوري فانه اعتبر الأزمة الحالية نتيجة حتمية لمخططات أجهزة المخابرات الأمريكية والصهيونية للنيل من سوريا. فموضوع المقاومة يعتبر العامل الرئيسي الذي قسم مواقف النخب والجماهير العربية بين مؤيد ومعارض للثورة.

4- استغلال التناقضات السياسية والإيديولوجية للمعارضة لعدم وجود رؤية سياسية مستقبلية واضحة قد ترمي بسوريا في أحضان الصراع على السلطة ما بعد سقوط النظام الذي يؤدي بدوره إلى حالة عدم الاستقرار بمختلف أبعاده.

لم تكن إرهاصات الثورات العربية معلومة بدقة حيث فاجأت حتى كبار الخبراء الاستراتيجيين، كما كانت سرعة انتقالها غير منتظرة ويرجع السبب في ذلك إلى تقاسم الشعوب العربية نفس درجة الاحتقان الداخلي نتيجة الظلم والاضطهاد للأنظمة الاستبدادية الحاكمة.

لكن اندلاع الثورة السورية كان بمثابة جهاز كابح الصدمات الذي افقد الثورات العربية قدرتها على الانتقال بنفس الوتيرة التي سارت عليها منذ البداية، كما أدت ممارسات النظام السوري بحكم خبرته على المناورة وخلط الأوراق لربح الوقت وإطالة أمد الصراع إلى تشجيع بعض الأطراف النافذة من فلول الأنظمة البالية في دول الربيع العربي كما حدث في مصر إلى الاستقواء بالخارج والانقلاب مجددا على مكاسب الثورة، والخطر يحذق الآن بكل من تونس وليبيا.

كمال سوامس
12 سبتمبر 2013

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version