على الرغم من أن فرنسا، وبدعم أمريكي صريح، قد توصلت إلي فرض هدنة بين جناح التوفيق وجناح بوتفليقة، إلا أن عودة هذا الأخير وفيه حياة، سيشعل صراع الأجنحة من جديد.

فجنرالات المخابرات يخشون من عملية استباقية ينهى بمقتضاها بوتفليقة مهام كبار خصومه الذين أذلوه بملفات فساد، سُرّبت للجرائد المقربة منهم على مدار أسابيع طويلة منذ بداية العام الحالي، والتي أمعنت في إظهاره هو وشقيقه السعيد وكل من حوله على أنهم، ليسوا أكثر من مجموعة لصوص نهبوا مليارات الدولارات علي مدار 14 سنة من حكمه الفاشل والفاسد.

وذلك من شأنه أن يجعلهم في حالة ترقب مشوبة بتوتر شديد، للطريقة التي سيعتمدها في الرد على إهانة شنيعة، تسببت له، مع مصائب أخرى، في جلطة دماغية، مازال يعاني من آثارها وهو العائد، بعد أكثر من 80 يوما من العلاج في مستشفى عسكري فرنسي، على كرسي متحرك وبصحة شديدة الاعتلال.

ومما يضاعف من خطورة الموقف بالنسبة لجنرالات المخابرات، أنه أقدم، بواسطة شقيقه الوزير المستشار السعيد، القائم بأعمال الرئاسة فعليا وإن لم يكن بشكل رسمي، على تغييرات بالغة الأهمية في هرم السلطة العسكرية بمناسبة عيد الاستقلال قبل أيام، حيث أوكل بعض أكثر المناصب حساسية إلى مقربين منه.

فقد عين القائد السابق للناحية العسكرية الأولى، الجنرال الحبيب شنتوف، على رأس هرم القوات البرية بعد أن أنهى خدمة القائد السابق اللواء حسن طافر أحد المقربين من جناح المخابرات. كما أزاح أحد أشد أنصار التوفيق من على رأس الناحية العسكرية الثانية وهو الدموي اللواء سعيد باي.

إضافة لتغييرات أخرى، تصب إجمالا في تقوية جناحه داخل الجهاز العسكري وإضعاف خصومه، خاصة وقد ثبّت الفريق صالح قايد أكثر الجنرالات ولاء له، في أرفع منصب في الجيش وهو قائد قيادة الأركان العامة، على الرغم من أن هذا الأخير يبلغ 80 عاما مما يجعله يحصل، بلا منازع، على لقب شيخ عسكر الجزائر وربما العسكري الأكبر سنا في العالم.

إلا أن الجنرال توفيق الأصغر سنا قليلا، والبالغ من العمر 75 عاما، وإن كان يعاني هو الآخر من مشاكل صحية نتيجة لتقدمه في العمر، إلا أنه لا يزال يمسك بأهم أراق السلطة ويتمتع بتأثير كبير داخل الجهاز العسكري والإداري الذي نسجه على طريقته، في مدة الـ 23 سنة التي قضاها علي رأس جهاز المخابرات، والذي سيطر فيها سيطرة كاملة، ابتداء من صيف 2004، على أهم مفاصل الجيش الحيوية، بعد إزاحة غريمه الفريق محمد العماري قائد أركان الجيش السابق وأحد أكثر الجنرالات دموية إبان عشرية الحرب القذرة.

تكمن إذا، قوة الفريق التوفيق، واسمه الحقيقي محمد مدين وهو الذي تدرب عندما كان لا يزال يافعا عند مخابرات الروس، والجنرالات الـ18 الذين يحيطون به، في أنه اخترق كل أجهزة الدولة بضبّاط وعملاء المخابرات.

فمن رئاسة الجمهورية إلى آخر بلدية، مرورا بالوزارات والولايات والدوائر والشركات ومجالس القضاء والبرلمان والسفارات والقنصليات وحتى جهازي الشرطة والدرك، لا يكاد يخلو أي هيكل من هياكل الدولة بما فيها “المنتخبة”، مهما صغر حجمه أو قل شأنه، من عيون جهاز توفيق.

ويتم ذلك أساسا وابتداء، بالموافقة الأمنية المسبقة لشغل أي منصب في الدولة، ثم بالرقابة اللصيقة بوجود مكتب أو نقطة أمن حسب أهمية الهيكل المراقب، وأخيرا بواسطة اختصاص الشرطة القضائية الذي يتمتع به عناصر المخابرات منذ 2007، والتي من حقه تبعا لذلك أن يعتقل ويتهم ويحقق مع أي شخص كان بما فيهم كبار موظفي الدولة بل وحتى الوزراء.

هذا الوضع الذي يتفنن ضبّاط التوفيق في إبرازه في الفترة الأخيرة على صفحات جرائد مقربة منهم، يجعل ذكر اسم الجهاز أمام أي مسؤول مدني أو عسكري، مهما علا مركزه، من شأنه أن يرفع ضغط الدم لديه إن لم يصبه بجلطة دماغية، وهو ما حقق خوفا داخليا يراد منه إذلال وإخضاع موظفي الدولة، وإن لم يكبح ذلك جماح الفساد المتعاظم والمستشري بشكل رهيب في كل أجهزة الدولة، والتي من المفترض أنها أي الدولة، في حراسة “عيون وطنية مخلصة لا تنام ولا تلهى”.

في الواقع، فإن ملفات الفساد تجمع ليس للقضاء علي أخطبوط الفساد وإنما لاستخدامه في الابتزاز والتحكم “في إدارة من يدير الدولة علي أي مستوى كان”.

قوة الردع والقمع والإخضاع، المخيفة والمهابة، من جيوش الموظفين الفاسدين، هي التي يعتمد عليها الفريق توفيق وأتباعه في المواجهة، إضافة إلى علاقات خارجية موازية مع القوى الكبرى، مما جعل الرئيس الفرنسي يصرح، بلا أدنى تحفظ، قبل أسابيع من أن لبلاده “علاقات طيبة مع كل أطراف النظام في الجزائر”.

المواجهة التي تستهدف أكثر السعيد بوتفليقة العازم علي حسم الأمر في بضعة أشهر أي قبل أفريل 2014 تاريخ الانتخابات الرئاسية التي أصبح من المؤكد أن شقيقه الرئيس لن يعتلي قصرها من جديد.

انقلاب جنرالات مصر الذي يشغل الدنيا، قد يحفز الأخوين بوتفليقة أكثر على المضي في عملية إزاحة جنرالات المخابرات، شرط أن لا تعترض فرنسا والولايات المتحدة المنشغلتين بخنق “الإسلام السياسي” في الضفة الشرقية للمتوسط، وشرط أن يأتمر بأمرهما جنرالات الدفاع، وشرط أن يستطيع بوتفليقة أن يخاطب شعبه مباشرة ويظهر له أنه ليس ربع رئيس، مقعد، ولا يكاد يبين.

شعب أصبح يتفاعل أكثر فأكثر مع ما يجرى في الشرق بما فيه أرض الكنانة، ويبدو وكأنه لا يلقي بالا لما يجري على أرضه وأرض الثوار – سابقا – من صراع أجنحة متشاكسة ومتصارعة ومتدافعة على من ينهب أكثر من الآخر.

شروط ثلاث إذا، ليست يسيرة، في أوضاع داخلية آخذة في التردي، وإقليمية غير مسبوقة في حياة المنطقة العربية، وتنذر بتغيرات ذات أبعاد عالمية، وقد تصبح الجزائر، وعلى حين غفلة من كثيرين، أحد أهم مسارح المعركة الكبرى التي تخوضها الشعوب المستضعفة والمستعبدة.

محمد العربي زيتوت
16 جويلية 2013

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version