عندما يُصرح الجنرال المتقاعد خالد نزار بأن “بوتفليقة لم يُدخله للصّف”، فهذا يدعو إلى التأمل العميق في هذا التصريح الذي صدر عن رجل كان من كبار مهندسي توقيف المسار الإنتخابي سنة 1992، وأحد صناع القرارات وحتى الرؤساء الذين تداولوا على قصر المُرادية بالجزائر العاصمة منذ إزاحة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة، فالرجل عندما يتكلّم، لا يتكلّم باسمه الشخصي، وإنما نيابة عن جهة بأكملها لا تزال تتحكم في دواليب السلطة إلى يومنا هذا، إمّ بشكل مُباشر أو غير مباشر.

وتصريح خالد نزار يجب قراءته على ضوء الأحداث الجارية في الجزائر، والتي ميّزها بالأخص غياب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الموجود في فرنسا بقصد العلاج، والذي تضاربت بشأن حالته الصحية الأخبار والمواقف، ودونما الخوض في هذه المتاهات، ودواعيها وأسبابها، يجب الوقوف عند حالة الغموض الكبيرة التي أحاطت بالحالة الصحية للرئيس بوتفليقة، والتي تعكس بالدرجة الأولى حالة الغموض السياسي التي سادت الجزائر منذ الإستقلال وإلى يومنا هذا، بحيث أصبح الشعب الجزائري يلحظ بوضوح وجود جدار عازل بين الشعب والسلطة، وكأن هذه السلطة لا تُمثله ولا تحكم بإسمه، إذ لا يحق للشعب أن يعرف ما يجري في دواليب السلطة، وكلّ فرد منه يلتحق بكوكبة السلطة، عليه الإلتزام بقوانينها الداخلية التي تفرض إبتعاده عن الشعب، فهذا الشعب بمفهوم هذه السلطة لا حقّ له في معرفة تفاصيل السياسة التي تتبناها السلطة، ولا حقّ له في معرفة الحالة الصحية للرئيس الذي يُدير شؤونه، وإن رضيت عليه هذه السلطة، تُكلّف أحد المُطربين من أمثال “الشاب مامي” مُغني الراي، أو المُغني اليهودي أنريكو ماسياس، بتسريب بعض المعلومات عن صحة الرئيس الجزائري، وهذا برأي غالبية المُحلّلين السياسيين، إنما يعكس مدى استهزاء واستهتار السلطة بالشعب، فمن يكون الشاب مامي، أو المُغني اليهودي ماسياس المولود في مدينة قسنطينة الجزائرية، ليتحولا إلى شبه ناطقين رسميين باسم أعلى مؤسسة دستورية في البلاد؟

برأيي أن اللجوء إلى توظيف الفنانين لتسريب معلومات تخص رئيس الجمهورية الجزائرية، إنّما يُبرز حالة التّرهل التي وصل إليها النظام السياسي في الجزائر وبالأخص في عهد الرئيس بوتفليقة، الذي نتمنى له الشفاء العاجل، لكن من الناحية السياسية نقول له بأن “جنانك طاب”، ولكلّ بداية نهاية، وأن مصير شعب بأكمله لا يُمكن أن نرهنه بمصير فرد حتى وإن كان رئيسا للجمهورية، لأن الشعوب باقية وغيرها إلى زوال، لكن في سياق المتاهات والمُزايدات، التي عايشناها منذ الإعلان عن مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لاحظنا تسلّق البعض جدران السياسة للقفز إلى مُربّعات أخرى أكثر أمنا، وضمانا لبقائهم في السلطة، فيما ركب البعض موجة إتهام جهات نافذة في السلطة بأنها تريد القيام بانقلاب صحي على بوتفليقة، بعد أن تعذّر عليها القيام بانقلاب عسكري، وذهب أحدهم أبعد من ذلك باتهامه جهاز المخابرات الجزائرية بأنه هو من يتحكم في دواليب السلطة، وكلّ ذلك بهدف إحراج هذا الجهاز الذي كشف العديد من ملفات الفساد، والنهب المُنظّم الذي تعرّضت له البلاد، والذي كان أبطاله من الحاشية المُقرّبة من الرئيس بل ومن أفراد عائلته، بل يُمكنني أن أذهب أبعد من ذلك بالقول، إن الجهات التي دمّرت ليبيا وتونس ومصر ..وتعمل على إزاحة سوريا من محور المُقاومة ومحوها من الخارطة العربية، هذه الجهات هي التي تُحرّك بيادقها لخلط الأوراق، وزرع الفتن، ووضع أهمّ مؤسسة أنقذت البلاد من مخططات الإرهابيين خلال العشرية الحمراء، في موضع الإتهام، وفي وقت حسّاس للغاية، وهذا برأيي ما حرّك الجنرال خالد نزّار، الذي قاد بالفعل، الحرب على التكفيريين الوهابيين، بمعية ضباط  وجنود شرفاء في الجيش الوطني الشعبي، للخروج بتصريحه الأخير، ما يعني أن نزار استشعر حجم الخطر المُحدق بالبلاد، كغيره من المُخلصين لهذا الوطن، فالأوضاع التي عشناها ونعيشها وللأسف في سوريا الشقيقة، أثبتت أن شعبا لا يملك جيشا عقائديا لا يمكنه أن يصمد أمام حملات التآمر التي تقودها أمريكا وإسرائيل وأدواتهما من مشيخات خليجية وعثمانيين جُدد، فكيف يُعقل أن يستغل البعض مرض الرئيس بوتفليقة ليتحامل على مؤسسة الجيش الجزائري؟ وكيف يُعقل أنه في هذا التوقيت بالذات، تُنفق مشيخة قطر أموالا طائلة لتمويل فضائيات للتحامل على الجزائر، دونما نسيان أن مشيخة قطر هي من يرعى ويُسمّن رأس الفتن في الجزائر “عباسي مدني”، المُقيم في أحد قصور أمير الخيانة القطرية والعربية على حدّ سواء، فاليوم يتوجّب على جميع الجزائريين وعلى ضوء ما حصل في العديد من البلدان العربية، أن يقتنعوا بأن ما حصل معنا كجزائريين في سنوات التسعينيات من القرن الماضي، كان الهدف منه تحويل الجزائر إلى حقل تجارب لما يحدث اليوم في سوريا وحدث في ليبيا ويحدث في تونس ومصر ومالي، فبصراحة أقول أن مرامي التآمر اليوم، أخطر بكثير مما حصل في التسعينيات، فليس من الصّدفة بمكان، أن يستعرّ نشاط الجماعات الإرهابية على حدودنا مع تونس وليبيا ومالي، فالمُؤامرة واضحة بجلاء، ويتطلّب الأمر لمُجابهتها، الإلتفاف وراء الجيش الجزائري بالأخص، لأنه هو من حمى البلاد، وهو القادر على صدّ كلّ المُؤامرات، وهو ما نعيش تفاصيله اليوم في سوريا التي استطاعت بجيشها الباسل، أن تُربك حسابات كلّ المُتآمرين، وتقف في وجه أعتى حرب كونية، تحالف فيها الشياطين من الأمريكيين والإسرائيليين والعُربان والعُثمانيين الجُدد، فما يقع بسوريا يجب أن يُنبّهنا لما يريد البعض أن يقع في الجزائر، وبالتالي، أقول كفى لعبا وقفزا، وتغييرا للمواقع، فالخطر الذي يتربّص بنا جميعا أكبر من أن نصرف أنظارنا إلى موضوع واحد وأوحد هو صحة الرئيس بوتفليقة، بل يتوجّب علينا التجنّد لضمان صحّة الجزائر وعافيتها وسلامتها قبل كلّ شيء.

زكرياء حبيبي
21 ماي 2013

تعليقان

  1. Abdelkader Dehbi بتاريخ

    أوَ ظـهـر الـمـسـيـح الـدجـال ؟
    أوَ قـد ظـهـر الـمسـيـح الـدجـال ؟…
    ولـم نـسـمع بـعـد بـانـتـشـار جـنـوده فـوق الأرض ؟

    أحـيـي الـمـشـرفـيـن عـلـى الـمـوقـع، عـلـى سـعـة الـصـدر وروح الـديـمـقـراطـيـة !

  2. Kamel Bouras بتاريخ

    RE: مرِضَ بوتفليقة.. فحذار من اللعب بصحّة الجزائر
    شكرا أن شبهت نفسك بالجزائريين فقلت “ما حصل معنا كجزائريين ” و لم تقل ” ما حصل معنا
    نحن الجزائريون”
    Quand l’independance sera proclamée, le nouvel etat devra imperativement annuler la nationalité de milliers d’usurpateurs qui se disent algériens

Exit mobile version