عجبت كثيرا لاستعار حملة الإنتقاد للسلطة في الجزائر وعلى رأسها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في الفترة الأخيرة، فالكل بات يتحدّث عن فضائح الفساد المُستشري في مراكز القرار وفي كبريات الشركات الوطنية والخاصة، كفضيحة سوناطراك 1و2، وربّما 3 وأكثر، ومحاكمة المتورّطين في فضيحة الخليفة 1 و2، وكأنّ هذا الفساد حديث النشأة، أو أنه نزل علينا من السماء كما ينزل المطر والبرد بشكل فُجائي، قُلت عجبت لكلّ ذلك، لأن غالبية من يرفعون صوتهم اليوم، كانوا إلى سنوات أو ربّما شهور قليلة كالنّعاج، لا يقوون حتّى على التفكير في واقع الفساد، لاعتبارات عديدة، كالخوف من ردّات فعل المُتحكمين في دوائر الفساد، من رجالات السلطة الكبار، أما اليوم وقد أُعطي الضوء الأخضر، لإخراج بعض ملفات الفساد للعلن، فبطبيعة الحال، لا يُمكن إلا أن نرى قوافل النقاد تصطف بكتاباتها وتصريحاتها النارية لتعرية واقع كان في الأصل عاريا ومكشوفا إلا لمن سُدّت أعينه أو سدّها عن طيب خاطر.

فما هو الجديد في فضيحة سوناطراك هذه المرة حتى تقوم الدنيا ولا تقعد، فهل كانت سوناطراك تُسيّر منذ إنشائها من قبل الملائكة، واستولى عليها الشياطين فجأة؟ وهل كانت سوناطراك تُقدم في أي سنة من السنوات الماضية حصيلتها المالية؟ وهل كانت السلطة تعرض على البرلمان الأرقام الحقيقية لعائدات النفط والغاز من العملة الصعبة، وهل استشارت هذه السلطة البرلمان لإيداع أموال الجزائريين في الخزينة الأمريكية على شكل سندات، رغم أنها تُقدّر بعشرات الملايير من الدولارات؟ كلّها أسئلة، تقودنا إلى القول أن ما يُثار من فضائح، هدفه الرئيسي التغطية على كبريات وأمهات الفضائح، من جهة، وإبعاد المسؤولين الحقيقيين عن فضائح الفساد عن المُساءلة، فمن يكون شكيب خليل وزير الطاقة الجزائري السابق، حتى يستبيح وزبانيته أموال الشعب الجزائري، لولا أنه استفاد من تغطية من أتوا به من أمريكا، فشكيب خليل برأيي، لم يكن سوى بيدقا في جوقة المُفسدين الحقيقيين، الذين دعوه للعب سيناريو مُحبك تمّ إعداده مُباشرة بعد انسحاب الرئيس الجزائري السابق اليامين زروال، الذي رفض الخضوع للمساومات الفرنسية، وتحدّى الرئيس جاك شيراك ورفض مُصافحته في مقرّ الأمم المتحدة، ليأتي بعد رحيله شيراك إلى الجزائر، ويُستقبل استقبال العظماء، في الجزائر العاصمة ووهران، في خرق واضح للأعراف الديبلوماسية، التي تمنع لإقامة استقبالات شعبية لرئيس دولة سبق لها أن استعمرت بلدنا الجزائر، هذا التحول، وما تبعه من استقدام الشركات البترولية الأمريكية المملوكة لعائلة بوش وديك تشيني ورايس، والتي كان شكيب خليل مستشارا في إحداها، هو ما أطلق يد خليل ومن عيّنوه على رأس وزارة الطاقة، لنهب عائداتنا النفطية بدون حسيب أو رقيب لأكثر من عقد من الزمن، ولولا تدخل جهة قوية في السلطة، كانت ولا تزال حريصة على أمن وسلامة البلاد، لباع خليل وجماعته كلّ آبار البترول في الجزائر، عن طريق مشروع قانون المحروقات الذي أعده لهذا الهدف سنة 2005 من أجل خوصصة سوناطراك وسونلغاز، والذي أُضطرّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لسحبه، وعدم عرضه على البرلمان، وبعد خمس سنوات أزاح خليل من الحكومة، بعد أن انتشرت روائح فضائحه في كلّ الدوائر، فهل يُعقل مع شخص كشكيب خليل، الذي أنتجته شركات البترول الأمريكية، أن ننتظر منه شيئا آخر سوى الهرولة باتجاه خدمة مُشغّليه السابقين والحاليين.

برأيي أن الوقت قد حان، ليس فقط لمُساءلة ومُحاكمة شكيب خليل وجماعته، وإنّما لإجراء غربلة شاملة لكلّ المسؤولين في شتى المستويات، لضمان عدم تكرار فضائح ومهازل النهب والإختلاس، وعدم إطلاق يد السلطة التنفيذية في اختيار وتعيين المسؤولين الكبار في المواقع الحساسة والإستراتيجية، دونما الحصول على تزكية برلمان يُنتخب بشكل ديموقراطي وشفاف، وتعود له بالدرجة الأولى مسؤولية مُساءلة ومحاسبة هؤلاء المسؤولين، وحتى إحالتهم على العدالة، لأن ما عشناه من فضائع الفساد التي هزّت صورة الجزائر في الداخل والخارج، أكّد بأن السلطة التنفيذية تتحمّل القسط الكبير من تبعاته، إن لم نقل بأنها شريكة فيه إمّا بالإهمال أو التواطؤ، فشخصيا سبق لي أن رفعت صوتي ضدّ هؤلاء المفسدين في مقالات عديدة، عنونت إحداها ب”جزائري مظلوم يتحدّى بوتفليقة وحاشيته” نشرته يوم 15 سبتمبر 2011، حاولت من خلاله إبراز كيف أنّ مُحاربي الفساد غالبا ما يدفعون الثمن غاليا، وقد يصل الأمر إلى حدّ الإنتقام من أبنائهم، ويحضرني هنا ما كتبه والدي رحمه الله المُجاهد جمال الدين حبيبي في إحدى مقالاته تحت عنوان “متى حارب المُفسدون الفساد” نشرته جريدة الخبر الجزائرية يوم 3 نوفمبر 2009، فقد أكّد مرارا وتكرارا بأن علّة الجزائر، أن المُفسدين هم من يتحكّمون في تسييرها، وبالتالي لا يمكن أن ننتظر سوى مزيدا من الفساد والإفساد، وربّما خراب البلد والعباد.
 
زكرياء حبيبي
7 أفريل 2013

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version