حكومة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تريد أن تثبت للعالم وعلى رأس القائمة الإدارة الأمريكية أنها انطلقت بالسرعة القصوى في طريق الإصلاح السياسي للنظام، والأمريكيون وغيرهم يحاولون هم أيضا أن يوهمونا ويوهموا أنفسهم أن الحكومة الجزائرية جادة في نهجها مع أنهم يعلمون علم اليقين أن الإصلاح الذي يبتغيه الشعب الجزائري لا يمكن أن ينجزه نظام وصل درجة متقدمة من التعفن لم يعد ينفع معها أي من المناورات التي كان يخادع بها الرأي العام.

وزير الداخلية الجزائري دحو ولد قابلية دعا قبل أيام الذين ينوون تأسيس أحزاب جديدة أن يستعدوا وينتظروا مصادقة البرلمان على مشروع قانون الأحزاب الذي أعلن عنه الرئيس بوتفليقة ووافق عليه مجلس الوزراء، لاحظوا أننا سبقنا نظام بشار الأسد في سرعة الحركة. الوزير قال إن كل ملف يوافق شروط القانون الجديد سيحصل على الاعتماد بقوة القانون، ولم يقل لنا ما الذي يعطل الحكومة الآن أن تمنح الاعتماد لأحزاب تأسست وفق القانون الساري وتقدمت بملفات طلب الاعتماد إلى الإدارة المختصة ومضت على ذلك سنوات طويلة. لماذا ترفض الحكومة تطبيق القانون الساري وتوهمنا بالمقابل أنها ستطبق القانون مستقبلا؟ سؤال لا أحد ينتظر من الحكومة أن تجيب عنه لأن القائمين عليها من طينة نظام دأب أن يهزأ بالشعب وأن يتعمد إهانته ويحاول في كل مرة أن يذكّره أن لا شيء يعلو فوق النظام، لا القانون ولا الدستور ولا إرادة الشعب بل كل هذه الأدوات وغيرها إنما هي مسخرة لخدمة النظام وأهله. هل هذا سيرضي الشعب؟ أن نقول له إننا وضعنا قانونا جديدا نصلح به حال البلد وحالك وأننا قررنا هذه المرة أن نحترم إرادتك ونفسح المجال أمامك لتؤسس ما تشاء من الأحزاب أو تختار الذي يعجبك منها وسيكون اختيارك على الرأس والعين، وسيكون بإمكانك من المستقبل فصاعدا أن تعبر عن رأيك بكل حرية وأن تقول ما تشاء في القناة الإذاعية أو التلفزيونية التي تريد.

هناك طبعا من السذج من لا يزال يصدق خدع السحرة وينبهر بما يأتون أمامه من حركات بهلوانية، لكن الأكيد أن النظام لم يتب وليس بإمكانه أن يفعل ذلك، لا شيء يجعل الناس ينتظرون خيرا من كلامه مهما كان معسولا. أقول هذا لأنني متيقن أن هذه الإصلاحات إن كانت صادقة فإنها ستجرف النظام الحاكم والجاثم على صدر الشعب منذ فجر الاستقلال قبل خمسين سنة لأنه لم يعد له مكان في البلد ولأنه يعيش في وسط متعفن ويتنفس الفساد وهاتان خصلتان لا يمكن لأي شيء اسمه الإصلاح أن يتعايش معهما، ثم هل لأحد أن يقتنع أن النظام يريد أن يزول وأنه يحفر قبره بيديه ورجليه؟ بل حتى لو صدقنا أن النظام يئس من حياته وقرر أن ينتحر فلماذا يريد أن يؤجل ذلك أشهرا أخرى ولا ينفذ قراره في الحين؟

وزير الداخلية قال أيضا من بين ما قاله إن إدارته لن تمنح الاعتماد لحزب أخذ اسمه من حزب كان ينشط في الحقبة التي كانت فيها الجزائر مستعمرة وتحت الاحتلال الفرنسي. لا تذهبوا بتفكيركم بعيدا لأن الوزير لا يقصد أحزابا جزائرية كانت معتمدة من طرف المستعمر ولا حتى الأحزاب الفرنسية لأن ذلك من شأنه أن يثير حساسية الجزائريين وينتقص من كرامتهم، إنما الوزير قال ما قال ردا على سؤال لصحافية جزائرية سألته إن كان سيمنح الاعتماد لحزب تقدم بطلب اعتماده منذ صدور أول دستور تعددي في الجزائر قبل ثلاث وعشرين سنة، الحزب اسمه حزب الشعب الجزائري وقد أسسه رجل يدعى مصالي الحاج ويلقب في الجزائر باسم أب الوطنية الجزائرية وقد كان حظه في إرث الاستقلال مطار في مسقط رأسه يحمل اسمه وكثير من الجفاء والنكران. لماذا يرفض النظام الجزائري الاعتراف بحزب ينتسب إلى حزب وطني كان أول من رفع راية النضال الحديث ضد الاستعمار؟ قد تكون نية الوزير والحكومة التي ينتسب إليها هي حماية الموروث التاريخي للشعب الجزائري من الاستغلال السياسي وإبقاؤه محل احترام كل المجموعة الوطنية على مر الأجيال، وهي لعمري رؤية ثاقبة تستحق كل الإشادة والتقدير، خاصة أن تطبيق مثل هذا الكلام من شأنه أن يصنع ثورة على الساحة السياسية الجزائرية بعد أن يسحب الاعتماد من حزب اسمه جبهة التحرير الوطني، ذلك أن هذا الحزب هو أيضا كان حزبا ينشط في الحقبة الاستعمارية وقد كان يراد له أن يكون الوريث الشرعي لنضال حزب الشعب الجزائري أريد له أن يكون الحزب الحاكم في البلد منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، وقد ارتكبت باسمه أفظع مناكر الحكم وذاق الجزائريون في ظله أسوأ أنواع الإهانة والمذلة حتى أن كثيرين لا يتورعون عن وصفه بأنه كان خير خلف لممارسات الاستعمار مع أن الاثنين يفترض أن يكونا على طرفي نقيض.

حل حزب جبهة التحرير الوطني أو وضعه في المتحف هو حلم ومطلب كل الأحرار الذين ذاقوا المر على يد نظام امتطى صهوة تنظيم سياسي هو محل فخر واعتزاز الجزائريين، نظام لا يريد خيرا لا للجزائر ولا للجزائريين رأى أن أهم ما يسكت به الأفواه هو أن يمارس الحكم باسم حزب تولى عند نشأته مهمة مقدسة وجمع الجزائريين حولها. تصريح الوزير ولد قابلية لو يطبَّق على حزب جبهة التحرير الوطني الذي ركبته ولا تزال أمواج الانتهازيين لقلنا إن ذلك أمر حسن وإن ذلك يبشر أن النظام ينوي فعلا تطبيق إصلاحات سياسية جادة وسينتحر على أسوارها، لكن ذلك يبقى أمرا مستحيلا خاصة بعد أن أكد الأمين العام الحالي لهذا الحزب عبد العزيز بلخادم أن الذي سيحوِّل جبهة التحرير الوطني إلى المتحف لم تلده أمه بعد، وهذا تأكيد من رجل صالح يعيش بين جنبات الحكم منذ عقود طويلة أن الإصلاح لن يأتي لا على يد وزير الداخلية ولا على يد الرئيس بوتفليقة ولا على يد أي رجل من رجال الحكم الحاليين الذين يخادعون الناس بإصلاحاتهم لأن هؤلاء قد أنجبتهم أمهاتهم من قبل. ماذا يريد الوزير ولد قابلية إذن أن يقول للجزائريين من خلال تصريحه الأخير؟ لا شيء غير الذي يقوله النظام منذ الاستقلال، نحن نقول ما نشاء ونفعل ما نشاء وإذا رأيتم أفعالنا تناقض أقوالنا فلا تكترثوا لأننا نقول لكم كلاما يرضيكم ونأتي أفعالا تنفعنا.

جبهة التحرير الوطني أسسها وناضل فيها رجال ونساء من مختلف الآفاق وكانت نية كثيرين منهم خالصة وهدفهم واحد هو تحقيق الاستقلال ودحر المستعمر، ثم جاء ورثة الجبهة بعد الاستقلال بنيّة البناء والتشييد وإحياء الشعب، لكنهم لم يحققوا ذلك أبدا لأنها كانت نية كاذبة زائفة في حين حققوا ما كانت عليه نيتهم الصادقة وهي الانتفاع من خيرات البلد واستغلال موروث الشعب للاستمرار في الحكم والنهب. أليس من المضحكات المبكيات أن نرى رجلا كالسيد حسين آيت أحمد وكان من أوائل مؤسسي جبهة التحرير الوطني وأبرز مناضليها ينهي كافة عمره في منفى مرة مجبرا ومرة مجبرا ثم يوصف من طرف الذين اغتصبوا منه نضاله وحزبه بالخائن والحركي؟ هذا مثال حي واحد وهناك في كل جهة من الجزائر شواهد حية وأخرى مدفونة على ذلك.

خضير بوقايلة
18 أكتوبر 2011

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version