بات كلّ متتبّع لمسلسل ما سُمّي بالحوار السياسي في الجزائر، يعي جيّدًا أن مُخرج أو مُخرجي حلقاته، يعملون على إطالته إلى حدّ تنفير المواطنين منه، وإبعادهم عن تتبّع مجرياته وتفاصيله، فالمسلسل هذا، تأكّد اليوم، أنه جاء ليس لإيجاد حلول للأزمة متعدّدة الأوجه التي تعيشها البلاد، وتسطير خارطة طريق توصلنا إلى استعادة ثقة الشعب بدولته ومؤسساته، وتُمكن الشعب من ممارسة حقوقه كاملة غير منقوصة، وإنما جاء، لخلط أوراق اللعبة من جديد، بين نفس اللاعبين القدامى، الذين تلاعبوا بمستقبل الشعب الجزائري، وأوصلوه إلى ما هو عليه اليوم من نكبة سياسية واجتماعية واقتصادية، بغرض الانطلاق في لعبة جديدة، تضمن لهؤلاء اللاعبين الربح، وللشعب الجزائري الخسارة كالعادة والمعتاد، إنها لعبة “النردشير” أوراقها مغشوشة ومهيّأة مسبقا لترجيح كفّة المقامرين بمستقبل الجزائر.

ما كنتُ لأقول مثل هذا الكلام، لو أنني توسّمت في هذا “الحوار” ذرّة صدق ومصداقية، لكننني وبعدما رأيت على شاشات التلفزة وأعني بها قناتنا اليتيمة، كيف يُستقبل من سمّوهم بالشخصيات الوطنية، ورؤساء أحزاب لا وجود لها إلا في ملفّات وزارة الداخلية، – وللحق أقول إنّ لها وجودًا آخر في وزارة المالية، وخزائن الولايات والمحافظات العقارية…- زادت قناعتي بأنّ هؤلاء وأعني بهم مُخرجو مسلسل الحوار، يتوهّمون كثيرًا، بأنّ لعبهم هذا سينطلي على الشعب الجزائري، وأنهم سينجحون في تحضير الطبخة التي يريدونها، والتي تضمن لهم البقاء أطول مدّة فوق كراسي السلطة، “لأنه عندنا في الجزائر، وجرّاء الصراع على الكرسي، أوجدنا العديد من الكراسي لهؤلاء”، وتسبّبنا موازاة مع ذلك، في خلق العديد من السُلط، والأقطاب المتصارعة داخل ما يُسمّى بالنظام، وبصراحة إنّ المُضي في تعداد مساوئ النظام عندنا، لا يكفيه مقال واحد أو حتى العديد من المقالات، لأنّ تعفّن النظام وصل إلى مراحل جدّ متقدمة من الخطورة، وهذا ما يُحتّم علينا كمشتغلين في حقل السياسة، أن نُحدّد قبل كل شيء، أدوات إصلاح هذا النظام، فهل يُعقل أن ننطلق في الإصلاح بالأدوات نفسها التي أفسدت الجزائر؟

لا أظن أنّ ما يقوم به الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيوصلنا إلى ما يبتغيه الشعب الجزائري، من تغيير وإصلاح لأوضاعه، فبوتفليقة حتى قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية، كانت له يد كبيرة في رسم مسارات السياسة في الجزائر، فهو الذي كُلّف قُبيل الاستقلال بالاتصال بمجموعة الخمسة، أي محمد خيضر، محمد بوضياف، الحسين آيت أحمد، رابح بيطاط، وأحمد بن بلّة، داخل السجن في فرنسا، وهو الاتصال الذي أفضى إلى إقناع أحمد بن بلة بتولّي منصب الرئاسة في الجزائر بعد الاستقلال. هذه الحادثة التاريخية، هي بنظري ما أسّس لمسلسل الأزمات في الجزائر، فبوتفليقة، والرئيس الراحل هواري بومدين وجماعة وجدة، نجحوا في توظيف شعبية بن بلة، لقطع الطريق أمام الحكومة المؤقتة، من جهة، وتهميش دور الولايات التاريخية الثالثة والرابعة من جهة أخرى، وهو ما انكشف مباشرة بعد الاستقلال، عندما وقعت اشتباكات مسلّحة بين جماعة وجدة التي كان يقودها الرئيس الراحل هواري بومدين، والولايتين المذكورتين سالفا، وسأحاول مستقبلا أن أستعرض تفاصيل ما جرى، لكن ما يهمّني الآن، هو أن الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، ساهم بشكل مباشر وفعّال، في تنفيذ مخطّط فرنسا الاستعمارية، التي كانت غير مرتاحة على الإطلاق، لتولّي القيادات الثورية في الداخل الجزائري، زمام الأمور بعد الاستقلال، وتأكّد كلّ ذلك، بعد إقدام بن بلّة، المدعوم من طرف جماعة وجدة، على اغتيال العديد من قادة الثورة في الداخل، ووضع بعضهم تحت الإقامة الجبرية، وإرشاء بعضهم الآخر بالقروض “التي لم تُسدّد إطلاقا”، حتى لا يثوروا ضدّ جماعة وجدة.

إذن الأزمة في النظام بدأت حتى قبل الاستقلال، واستمرّت بعده بأشكال متعدّدة، ولا تزال مُتواصلة إلى يومنا هذا، مع نفس المسؤولين، ولن أطيل في سرد كل التفاصيل لأنني سأخصّص لها حيّزا آخر، فقد عايشتُ كل تفاصيلها، مع والدي رحمه الله القائد الثوري سي الميلود، ورفيقه سي موسى رحمه الله، والعديد من رفقائهم في السلاح، لأنّ ما أريد الوصول إليه هو أنّ الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة الذي يقود ما سمّاه بالإصلاح والحوار، هو من العناصر الرئيسية التي أزّمت أوضاع الجزائر منذ استقلالها، وهو من كان يُهندس للمؤامرات الانقلابية، بما فيها الانقلاب على أحمد بن بلة، دونما أن نفصل في الكيفية التي أُغتيل بها أحمد مدغري “السي الحسين”، وقايد أحمد “السي سليمان”، وكيف تمّ إقصاء وتهميش الشريف بلقاسم “السي جمال”، وغيره كثيرون.

هذه الأحداث كلّها، لو حاولنا إعادة قراءتها بشكل متأنّ، ستؤكّد لنا من جديد أنّ كل ما يمكننا انتظاره من الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، هو المزيد من المُؤامرات على الشعب الجزائري، وليس مبادرات من أجل الإصلاح والتغيير، وإنصافًا للرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله، أقول إنه لو بقي حيّا لسنوات إضافية، فإنّ الرأس الأولى التي كان سيقطعها، هي رأس عبد العزيز بوتفليقة، لأنّ هواري بومدين، تفطّن في آخر أيامه إلى أنه كان ضحية لمؤامرات حاشيته المقرّبة، ومن ضمنها عبد العزيز بوتفليقة، الذي نجح كعادته في استغلال الفرص وحياكة المؤامرات، إلى أن أصبح رئيسًا للجمهورية، فبوتفليقة وبعكس ما يُروّج له بأنه كان بعيدا عن دوائر صنع القرار في الجزائر، إبّان العشرية الحمراء، كان كالظل بالنسبة لرئيس الحكومة الأسبق سيد أحمد غزالي، وأحد أكبر مستشاريه، وهذا برأيي ما يكشف أنّ الرئيس بوتفليقة، ظلّ طوال سنوات ما يُسمّى بـ “مرحلة عبور الصحراء”، لاعبا أساسيا في دواليب السلطة، وإلا لما تمّ اقتراح اسمه كمرشّح للرئاسة في ندوة الوفاق الوطني، فهو إذن كان دائما متواجدًا إمّا في السلطة، أو في ظلها، وهو بالتالي يظل المسؤول الأوّل عن أزمات الجزائر منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، وإصلاح الأوضاع في الجزائر برأيي، لن يتمّ ما دام المتسبّبون في الأزمات هم من يبحثون لنا عن الحُلول.

جمال الدين حبيبي
16 جوان 2011

تعليق واحد

  1. houhou بتاريخ

    وهل بدأت عملية الإصلاح؟
    [i][b]السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
    قبل الولوج في التعليق على هذا الموضوع، يجب طرح السؤال التالي: هل بدأت عملية اسمها إصلاح؟ منذ الوهلية الأولى برزت لنا عدة مؤشرات تؤكد على أن العملية برمتها لم تكن سوى مسكّن لآلام الشعب لا غير. فهي لم تكن حتى حملة من الحملات التي اعتاد تنظيمها خفافيش الكواليس التي لا تعرف العمل إلا في الظلام، او من وراء الأقنعة -كي لا أقول حجاب-.
    هل عرفتم لمذا طرحت هذا السؤال؟ لسبب بسيط وهو أن السيد كلف اثنين من رجالات النظام البائد، لإجراء الاتصالات اللازمة قبل الشروع في العملية المزعومة، وهذا معناه وأدها قبل الولادة، وهو ما حدث فعلا، فهل يستطيع أحدكم أن يبين لي عن نتائج تلك المهزلة المسماة … نسيت اسمها. ولهذا فلن أضيف كلمة أخرى زيادة على ما قلت.[/b][/i]

Exit mobile version