يُقال أنّ الزمان هو العدوّ الأبدي للإنسان بامتياز، وأنّ الزمان بمثابة نوع من أنواع الطفيليات التي تتغذى من نسيج حياة الإنسان ومن كلّ ما له صلة به. إنّ الزمان هو من يضعفنا وينهك أجسامنا إلى حد الاندثار، وهو أيضا من يصاحبنا على درب شيخوختنا وفنائنا، لكن الزمان ليس ذلك فحسب؛ فمثله مثل جميع ظواهر الحياة المحيطة بنا، فهو بمثابة سيفٍ ذي حدّين، فإذا كان يشكّل عاملا يودي بصاحبه إلى الموت، فهو قادر بالمقابل على أن يهِبَ الحياة، حيث يمكّن الرضيع من النمو وتقوية بنيته، ويسمح للنباتات بالازدهار والإثمار. يكون الزمان، إذا ما تمّت إدارته ببصيرة وحكمة، بمثابة واقٍ للإنسان وصديقه المخلص، أما في حالة سوء تدبيره، فيتحوّل إلى إعصار مدمّر حقيقي. وهو بذلك يعدّ بمثابة ظاهرة بالغة التعقيد، بحيث إذا نظرنا من زاوية الاستمرارية الزمنية، فإنه يصبح تارة مفيدًا، وتارة أخرى سيء التأثير بالنسبة للإنسان. ومن هذا المنطلق، يكون الجسد المعتّل، رهينة الزمان، معرّضًا إمّا للاضمحلال بالتآكل، في حالة تفاعله سلبيا إزاء عامل الزمان، وإما للتحصين إذا ما تمكّن هذا الجسد من الفكاك من قيوده، من خلال تفاعله إيجابيا. إذا كان الزمن على سبيل المثال مفيدًا للطالب الباحث، من حيث أنه يسمح له بتراكم المعرفة مع مرور الوقت، ويرقى به إلى أعلى المراتب التي تهيئه للاضطلاع بأدوار مميزة، يكون الزمان بالمقابل، في غالب الأحيان، عكس ذلك، مثلما هو الأمر بالنسبة لحالة شخص آخر يصارع مرضًا عضالا، حيث تزداد معاناته يومًا بعد يوم، وفق هذا التسلسل ذاته. إذا كان الزمان يتكيّف في كثير من الأحيان مع مقتضيات حسن التوقيت ودقته، بحيث يكون صارمًا، فالمسافر مثلًا قد يفوته موعد انطلاق قطاره أو طائرته، في حالة عدم حضوره في الوقت المناسب لمكتب التسجيل والمراقبة، يكون في ظروف أخرى أكثر ليونة وانسيابا، تماما مثلما هو الحال بالنسبة للزمان المخصّص للمسؤول السياسي.

بالفعل، يشكّل الزمان بالنسبة للسياسي عاملًا مساعدًا ذا أهمية نادرة، وكلّما طال أمده، مكنّه من ترسيخ وتدعيم قاعدته في الحكم، ويتجلّى ذلك بكل وضوح في حالات رؤساء الدول العربية التي تقذف بهم رياح التغيير والتحرّر والاستقلال التي تهبّ منذ بضعة شهور في بلدان العالم العربي. وحتى إذا اكتفينا فقط بالنظر إلى الرؤوس التي تهاوَت، أو تلك التي تسير في طريقها للأفول، ونشير هنا بالتحديد إلى كل من زين العابدين بن علي ومبارك والقذافي وعلي عبد الله صالح، الذين حكموا بلدانهم على التوالي، عشرين وثلاثين وحتى أربعين سنة، فباستطاعتنا بكل سهولة إثبات أنّ سبب تمكّن هؤلاء رؤساء الدول الأربعة، من التحوّل إلى مستبدّين حقيقيين، قد يعود بالأساس إلى طول الفترة التي مارسوا خلالها سلطتهم.

كل الأدلّة تشير إلى أنّ هؤلاء الرؤساء لم يختلفوا في مستهلّ ولايتهم في الحكم، عن غيرهم من القادة، وكان يبدو عليهم أثناء هذه الخطوات الأولى من الحكم، وكأنّ تحرّكهم يتمّ بدافع المشاعر النبيلة، وأنهم قد نذروا أنفسهم في خدمة شعوبهم. وانطلاقا من وضعهم الهشّ في بداية المشوار، المتميّز بحداثة عهدهم بهذه المناصب، وما ينطوي ذلك من نقص في الخبرة والتجربة، فضلا عن جهلهم بدهاليز مختلف مؤسسات الدولة التي كانوا يفتقرون أدوات فك رموز التحكّم في آليات تشغيلها، يبقى المتاح الوحيد أمامهم في هذه المرحلة: أن يضعوا أنفسهم، بشكل أو آخر في خدمة الوطن.

في بداية مشواره في الحكم، من واجب رئيس الدولة أن يكون “صالحا” نسبيا. “لا أحد يكون عادلًا بإرادته الخالصة وعن طواعية”، كما سبق وأن أشار إلى ذلك أفلاطون. فالأمر بالنسبة للرئيس حديث العهد بالولاية، يكون كما لو أنه دخل نفقا موحشا، يجهل كل شيء عن وعورة مسلكه، وفجواته، وليس له ما يسترشد به في هذا الظلام الدامس سوى حدسه الذي لا يمكنه التأكد منه أبدا، لكنه كلما خطى خطوات داخل هذا النفق المظلم الوحش، كلما اشتد عوده واكتسب ثقة في النفس وسيطرة على هذا الفضاء الذي يصير في نهاية المطاف مستأنسا، ويتكيّف مع متاهاته، بل ويكيّفه بعد ذلك لتلبية متطلّباته المتعدّدة. وبما أنّ اتصافه بالعدل في بداية مشواره السياسي يكون أمرًا اضطراريا بسبب عدم قدرته على أن يكون عكس ذلك، أي ظالما، كونه مقيّدًا في واقع الأمر بجهله أو قلّة خبرته، فإنه لا يزال حتى هذه اللحظة بعيدًا كل البعد عن الديكتاتور الفعلي الذي سيصير إليه حتما مع مرور الزمان، ويمكننا القول أنه مع مرور الوقت، يطرأ عليه تحوّل بطيء وغير محسوس، ينقله تدريجيا من الإيجابية إلى السلبية، وهذا التحوّل النوعي، قد لا يتحمّل رئيس الدولة وحده المسؤولية عنه. عادة ما تشكل الشعوب هي نفسها العامل الرئيسي في تمكين القادة من استعبادها. ومن خلال خضوعها الطوعي، وجهلها المستحكم، والصورة المضخمة والمنمقة التي تضفيها على زعمائها، فهي بذلك ترضى إراديا بأن تقلّص حجمها إلى حدّ الذوبان، في حين تحيط بالزعيم هالة من التبجيل، من خلال تضخيم صورة من بدأت تنظر إليه وتعتبره إلهًا مقدّسًا. وعندما يلاحظ رئيس دولة ما، الهالة التي يحظى بها وسط شعبه والتبجيل الذي يكنّه له الغير والتملق السائد من حوله، خاصّة وأنّ ذلك يتناغم مع طبيعة النفس البشرية التي تهوى الإطراء وتمجيد الذات، فكلّ ذلك يقود القائد السياسي في نهاية المطاف إلى الوقوع ضحية الإغراء، ولِما لا، طالما أنّ هذا ما يريدونه منه؟

ولأنّ شعبه يشعر بالنشوة وهو يلحظ هذا الارتقاء والرفعة الساحرة التي تقذف بالقائد إلى القمة، علمًا أنّ هذه المكانة الرفيعة ساهم الشعب بنفسه وبشكل رئيسي في صناعتها، دون أن يدرك على ما يبدو حقيقة وخطورة تبعاتها، فهو بذلك، أي الشعب، يدفع زعيمه دفعا نحو تبوّء موضع رفيع جديد يليق بمكانته الجديدة، فيتعوّد الزعيم على التلذّذ بهذه السطوة، وهو يشعر بهذه النشوة التي يكتسبها خلال ارتقائه الروحي المذهل، لدرجة أنه عند وصوله ارتفاعا معيّنا، ينتهي به الأمر إلى احتقار شعبه وازدرائه، معتبرًا إيّاه مجرّد هوام أو “جراد”، لاستعارة الوصف الذي استخدمه القذافي في نعت شعبه. وهكذا، بفضل أو بسبب طول الزمن الذي ينقضي، ينتهي الأمر برؤساء الدول إلى إعلان طلاقهم البيّن من شعوبهم، بحيث لم تعد العلاقات التي تربطهما هي نفسها كما كانت في بداياتها. وبعد أن كان الحاكم والمحكوم في ذلك الوقت على قدم المساواة تقريبا، فمع مرور فترة زمنية معينة، يتبوّأ الرئيس موقعه عاليا، محصّنا في برج عاجي بعد أن عزّز دعائم هذه القلعة واستوعب ما يكفيه من الخبرة لتسيير آلياتها، لم يعد ينظر إلى نفسه كمجرّد زعيم سياسي، يتحمّل المسؤوليات أمام شعبه وله واجبات تجاهه، بل يرى نفسه كيانًا قائمًا بذاته، منيعًا لا تصل إليه الأيادي، وأقصى ما يمكن التكرّم به تجاه هذا الشعب، هو توزيعه من حين لآخر، بعض المشاعر أو الأحكام القيمية، وفق درجة خنوع وعبودية هذا أو ذاك.

إنّ الشعب الذي استمرأ العبودية وارتاح وهو قابع مستلقٍ على أريكة السلبية، قد طرأ عليه هو بدوره نفس التحوّل الذي مرّ به زعيمه، دون أن يقوم هذا الشعب بأيّ فعل للتصدي له، فيصير معتادًا على هذا الاستعباد، الذي يمكن اعتباره تطوّعيا، متنازلا عن حقوقه، راضيًا بما يجود به عليه زعيمه من فتات الصدقات والإكراميات، وبهذه الطريقة، وبتضافر عامل الزمن، ينتقل رئيس الدولة بسهولة كبيرة من موقع إلى آخر.

وهكذا يتبيّن أنّ الرئيس لم يولد ديكتاتورًا، بل يصير كذلك، أو بعبارة أدق، فالشعب، من خلال جهله وسلبيته، وبانحنائه المذل والمهين المستمرّ للرئيس، هو من رفعه إلى موضع الديكتاتور، إذ منحه طواعية جميع مزاياه الخاصة، محتفظا لنفسه فقط بالعيوب والنقائص. ولهذا السبب فمن الإجحاف أن تتّهم الشعوب قادتها بالدكتاتورية، وإذا كانت ثمة جهة تستحق التجريم وتتحمّل القسط الأوفر عن ذلك، فليس هذه الجهة سوى جهل هذه الشعوب وغباءها المميت.

في ضوء هذه القراءة، من اليسير جدًّا فهم مردّ عناد وتعالي هؤلاء المستبدين، الذين رغم توالي الطلبات الملحّة التي ما برحت توجّهها إليهم شعوبهم، ظلّ الحكام يصمّون آذانهم ويديرون ظهورهم، رافضين جميع أشكال التواصل مع هذه الشعوب المنادية بالحوار والإصلاح، معتبرين أنّ هذه الطلبات نفسها يجب أن يمهّد لها بطلبات مسبقة!

أو بعبارة أخرى، يمكن النظر إلى هذا الأمر كما لو أنّ رئيس دولة ما، يطلب من شعبه أن يقدّم طلبا تمهيديا يتيح له إمكانية تقديم الطلب المنشود، وإلّا يكون مصير هذا الطلب، كما هو الحال في غالب الأحيان، التجاهل، باعتباره لاغيا وباطلا.

بالنسبة لأيّ ديكتاتور، كما هو الحال مع علي عبد الله صالح أو القذافي، ليس من حق الشعوب أن يكون لها حساسيات، المسموح لها فقط هو أن تظلّ هذه الشعوب مجرّد موجودات، نوع من فائض القيمة، تقتصر مهمتها على تنفيذ الأوامر الموجهة إليها، وإلّا تسلّط عليها الآلة العقابية التي لا حدود لها، فتفعل فيهم فعلتها، لتنزل أشدّ العقاب بكل من يجرؤ على تجاوز الحدود الموضوعة، إذا ما حاول الاتصال بالزعيم، أو تقوم هذه الآلة بدور أكثر إستراتيجية و أهمية، أي تثبيط وإحباط أيّ محاولة تُعتبر تجاوزًا غير لائق.

في البلدان العربية، ترعرعت الشعوب في كنف مناخ يرسّخ ثقافة وفن الخنوع والقابلية للعبودية الطوعية، إلى درجة مبالغة هذه الشعوب في الركوع المذلّ بحيث تُزايد على بعضها البعض إلى درجة تجاوز حتى المطلوب منها. إنّ التحمّس الزائد والتفاني في الوفاء والإخلاص في إهانة النفس، وغيرها من الصفات الأخرى الكريهة، يشكّل بعض السمات التي كانت تتميّز بها هذه الشعوب العربية، ومن ثمّ لا غرابة أن يكون هؤلاء القادة قد نُصِّبوا في مثل تلك الظروف الاجتماعية والسياسية الخصبة، بحيث كان من المستحيل أن يكونوا غير ذلك، أي كل شيء كان يهيئهم ليصيروا حكامًا مستبدين. وفي هذه المرحلة الحرجة التي يجتازها العرب، فرئيس الدولة إمّا أن يكون دكتاتورًا أو لا يكون رئيسًا الدولة، فليس أمامه خيار آخر، وعندما اعتلى زين العابدين بن علي سدّة الحكم، ربما حدّث نفسه متسائلا: “لماذا يتمتّع علي عبد الله صالح ومبارك والقذافي بهذه القوّة والسطوة وليس أنا؟ ماذا يملكون أكثر ممّا لديّ؟ هل هم رؤساء أكثر مني أنا؟” فما كان منه إلّا أن امتطى حصان الديكتاتورية ليصير أفضل الدكتاتوريين، أو على الأقل في مستواهم. كان ذلك من طبيعة الأمور؛ لم يكن واردًا أن يتصوّر الدكتاتور، مجرّد تصوّر، بعد قضائه عقدين أو ثلاثة أو أربعة عقود في الحكم، أنه سيأتي يوم يمكن لمخلوق (من الرعية، التي لم تكتسب بعد مرتبة المواطنة)، أيًّا كانت طبيعته ومرتبته، ليضع سلطة القائد وهيمنته موضع الشك والمساءلة.

ورغم ذلك كله، سيأتي يوم لا مناص، يوم مغاير تمامًا عن سائر الأيام الأخرى، يوم حاسم وحتميّ، ليس بوسع هذا الطاغية أو ذلك الفرار منه، يوم يبزغ فيه فجر جديد، لسوء حظ الحكام المستبدين، يوم تأتي معه رياح التجديد، رياح الاستقلال؛ يوم ليس باستطاعة أحد التنبؤ به، لم تسبقه أيّ علامات تدلّ على اقتراب دنوّه، وفي هذا اليوم الحاسم، ستطفو إلى السطح، حقائق أخرى ظلّت مخفية طويلًا في أعماق اللاوعي الجماعي، لتقرع جرس نهاية وأفول الديكتاتورية العربية، وتكون عندئذ المفاجأة، أو الصدمة، أو الجنون، أو الحيرة، أو خليط من هذا وذاك.

قد يسأل السائل، كيف تجرؤوا على ذلك؟ (يقصد الشعوب العربية) إنّ الدكتاتورية في البلدان العربية، وقد عمّرت قرابة نصف قرن من الزمن، بما جعلها جديرة بأن توشّح بوسام الشرف في هذا المجال، تبدو الآن في حالة يرثى لها، وهي تلهث في محاولة استرداد أنفاسها، فتنهار من عليائها، في الساحات العامة. إنها فوضى عارمة بكلّ المقاييس. أما هؤلاء الطغاة الذين كانوا البارحة يتربّعون في عروشهم متعالين عن باقي الشعوب، في كراسيهم المريحة، نراهم ينحدرون الآن، تجتذبهم إلى الأسفل، إلى الأرض، قوّة لا قِبَل لهم بها، إنه السقوط نحو الاندثار، نحو القذارة والنتانة، سقوط إلى الأسفل يجعلهم أقرب إلى واقع هذه الشعوب ليرَوا وجه البسطاء، وجه ترتسم عليه ملامح المعاناة والمكابدة، ليس من فرط الجوع أو الفاقة، وليس نتيجة المرض أو التآكل الطبيعي البيولوجي، ولكن بفعل ما تجرّعته هذه الشعوب عقودًا طوال من الاحتقار والضيم.

يا لها من سخرية الأقدار، عندما نتذكر القذافي ومشيته المتعالية ونظرته المتعجرفة، كما لو أنه قادم للتّو من كوكب غير كوكبنا، وهو يخاطب الهيئات الدولية ليعرض عليهم أفكارًا سخيفة، لا يمكن أن تنبثق إلا عن فكر أرعن، متخلّف، منقطع عن الواقع المحيط به! وها نحن نشاهده اليوم، على غرار رفاقه القادة في البلدان العربية، يتنافسون في الخسّة، في المزايدة على من يقدّم تنازلات أكبر، كسبيل لاسترضاء شعوبهم؛ تنازلات، لم يكن المرء قبل بضعة أسابيع، يتصوّر، مجرّد تصوّر، التفكير في إمكانية وقوعها، بل ويبدو أنهم مستعدّون للتنازل عن كل شيء، بلا استثناء، طالما ذلك يمكّنهم من الاحتفاظ بالسلطة، العزيزة على قلوبهم، والتي لا يستطيعون التخلي عنها! إنهم مستعدّون لانحدار لا يتخيّله أحد، من أجل مجرد البقاء! ليس ثمة حدّ لِما هم مستعدّون تجرّعه من وحل ونتانة، إذا سمح لهم الشعب بمواصلة معانقة، ولو لفترة وجيزة، صولجان السلطة. إنهم مستعدّون للتمرّغ وسط جميع أنواع مستنقعات العار، لقاء إمتاع آذانهم بسماع الأصوات وهي تناديهم “فخامة الرئيس”! أمّا إذا تعذر ذلك، فلن يتردّدوا أبدًا، في ارتكاب أخطر الحماقات للحفاظ على هذه المكاسب التي استولوا عليها، بطرق غير مشروعة وغير مستحقّة. ليس ثمة جريمة أو مجزرة سيتردّدون لحظة واحدة في اقترافها للبقاء في الحكم، وفي حالة ما إذا أدركوا أنّ الأمور قد حُسمت، ولم تعد تجدي أيّ مراوغة، وأنّ عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، فكلّ شيء يصير بالنسبة إليهم مباحًا، المجازر الجماعية، التدمير واسع النطاق، سياسة الأرض المحروقة، التحالف حتى مع إبليس، زرع الفوضى العارمة، بل وإحداث كارثة إذا اقتضى الأمر.

عندما استعادت الشعوب العربية وعيها واستجمعت أفكارها، في استفاقة تبدو وكأنها حدثت بقدرة قادر، كل ما كان عليها أن تشترط توفره في هؤلاء الطغاة، لا يتجاوز تلك الصفات التي أضفوها من تلقاء أنفسهم على هؤلاء القادة، مثل العظمة، والقوة، والشجاعة، والرفق، والكرم، والمثابرة، والإصرار. وبمجرد تجريدهم من كل هذه الصفات التي تعود في واقع الأمر إلى أصحابها الحقيقيين، أي الشعوب، بدا الديكتاتور المخلوع والمحروم، وكأنّه يمرّ بعملية تحوّل ثانية، أعادته إلى حالته السابقة، قبل التسلّط، مجرّد إنسان بائس، شاخ وهرم وهزل جسده بفعل الزمن، إنسان لن يستذكر من سنوات المجد سوى الندم غير المجدي: الحكمة واليقظة تقتضيان من الشعوب عدم قبولها في المستقبل الوقوع في براثين الاستعباد إذا أرادت أن تكون حرّة. إذا كان الشعب هو من صنع من الإنسان ديكتاتورا، فله كل القدرة أن يُعيد الديكتاتور إنسانا.

بوشتا الست
24 مارس 2011
ترجمة رشيد زياني-شريف

النص الأصلي باللغة الفرنسية

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version