لا تزال سلطة بوتفليقة، عن طريق الناطقين الرسميين باسمها، مدلسي وابن الخادم، تكذب وجود مرتزقة جزائريين لجانب قوات القدافي، فرضية لم يستثنيها دحو ولد قبلية، وزير الداخلية، رغم أن التاريخ غير المكتوب للجزائر يؤكد لنا أنها بلد يصدّر المرتزقة منذ حرب أفغانستان، مرورا بالعراق وأخيرا ليبيا.

وتمّ تجنيد المرتزقة الجزائريين لأفغانستان عن طريق الشبكات الموازية المرتبطة بالتنظيم العالمي للإخزان المسلمين، منها شعبة الجزائر التي كان يديرها محفوظ نحناح. وتمّت تسمية هؤلاء المرتزقة بالمجاهدين لإعطاء شرعية دينية لمكافحة الشيوعية الشيطانية. وليومنا هذا، يرفض السفير الجزائري السابق في باكستان، الذي أصبح وزير إعلام بوتفليقة، محي الدين عميمور، أن ينشر شهادته حول دوره المباشر أم غير المباشر في هذه الشبكة الموازية.

ليومنا هذا، لا نعرف عدد الجزائريين الذين تمّ تجنيدهم لأفغانستان، كما لا نعرف عدد الأموات، وهل تمّ نقل رفاتهم لدفنهم في وطنهم.

ومن بعد، تم تجنيد مرتزقة جزائريين للعراق لمقاتلة الولايات المتحدة الشيطانية التي احتلّت البلد وطردت صدام حسين من السلطة. وللتاريخ، كان صدام حسين حليف أمريكا، حيث قام بحرب بالوكالة ضد إيران بعد سقوط الشاه. وتمّ تمويل هذه الحرب من طرف ملوك الخليج الذين حسبوها على أنها قروض وجب تسديدها، مما أضطر صدام لاحتلال الكويت. وجاء صدام حسين للجزائر ليلغي الاتفاق بين إيران والعراق الذي توسّط له بومدين.

وبعد ما خسرت أمريكا وملوك الخليج وصدام حسين الحرب ضد إيران، جاء دور جديد وهو دخول الجيش الأمريكي برًّا إلى لعراق من قواعد أمريكية في بلدان الخليج لأخذ الثأر من صدام الشيطان.

وحسب وسائل الإعلام، بعث الحكم الجديد في العراق قائمة المرتزقة الجزائريين هناك، تمّت تسميتهم بالإرهابيين وليس بالمجاهدين. وتمّ قتل دبلوماسيين اثنين جزائريين، دون أن يعلم الرأي العام الجزائري مَن قتلهم، وهل تمّ اكتشاف جثثهم أم لا.

أما المعروف، فهي الصداقة المتينة التي كانت تربط الطاغية صدام حسنين بطاغية أخرى، وهو أوّل من انتحل صفة أوّل رئيس جمهورية جزائرية. وكثّف هذا الطاغية من جهوده لتجنيد الشارع الجزائري لصالح الطاغية صدام حسين. ويتذكّر الجزائريون أنّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ نظّمت مظاهرات شعبية للتنديد بـاحتلال الشيطان صدام حسين للكويت. وانقلبت على نفسها، حيث نظمت مظاهرات مؤيدة لصدام حسين. وهذا الانقلاب في المواقف العلنية عبّر عنه علي بلحاج الذي طلب من قادة الجيش السماح لهم بالذهاب للعراق للقتال هناك، الذي سمي جهادا أيضا. وهذا الانقلاب ناتج عن تأثير بن بلة الذي كان يعمل في الخفاء، تحت ستار حزبه الرسمي، الحركة من أجل الديمقراطية في الجزائر التي يقودها خالد بن اسماعين، أمينها العام. وحسب ما نُشر من كتب، فـإنّ علاقة حميمة تربط عباسي مدني وبن بلة الذي توسّط له للحصول على جواز سفر ليعيش في قطر، دون أن نعرف على حساب من.

وبعد احتلال العراق، من المحتمل أنّ بن بلة جنّد مرتزقة جزائريين للعراق. والدليل على ذلك أنّ المخابرات الأمريكية ومكتب الأبحاث الاتحادي فتحا مكاتب لهما بالجزائر العاصمة، ظنًّا منهما أنّ المصالح الخاصة الجزائرية هي التي تقف وراء هذا التجنيد.

ورغم أنّ وكالة المخابرات الأمريكية والمخابرات الأخرى تعلم علم اليقين أن تجنيد المرتزقة يتمّ عن طريق تنظيمات خاصة كاللفيف الأجنبي، وحتى القدافي له اللفيف العربي-الإسلامي، لكن المخابرات الأمريكية لم تربط هذا بذاك، و لو فعلت، لاكتشفت الحقيقة.

ولا يزال ملفّ المرتزقة في العراق مفتوحا، وبن بلة الذي يعمل تحت حماية بوتفليقة لا يزال يتحرّك بكل حرية. إنه يرأس جمعية القدافي، يترأس لجنة حكماء إفريقيا. وهو، بالاتفاق مع بوتفليقة والقدافي من اقترح الوساطة الإفريقية، حيث جاء بعض الرؤساء للجزائر لإخبار بوتفليقة بفشلهم. وأيّد مدلسي هذه الوساطة.

ولأن مسؤول السياسة الخارجية هو بوتفليقة وليس مدلسي، أكّد هذا الأخير وجود دبلوماسية موازية سرّية خارجة عن سلطته، وتبقى مجهولة من طرف المصالح الأخرى للحكومة، وخاصة الجيش، المكلّف بحماية الحدود. أكثر من ذلك، اتهم القصر الملكي المغربي الجزائر وجبهة الصحراء الغربية بإرسال مرتزقة إلى ليبيا.

وكان دور الصحافة الجزائرية سيّئًا للغاية، حيث انحصر دورها في نقل المواقف الرسمية للسلطة عوض التحري المعمق في الموضوع. كما أرادت هذه الصحافة أن تكذّب، دون دليل وبرهان، المعارضة الليبية للقدافي، كأنّ هده المعارضة معادية للجزائر. وما لم تقم به هذه المعارضة هي الربط بين القدافي وبن بلّة، أي أنها لا تفرّق بين الدبلوماسية الرسمية العلنية والدبلوماسية السرية الموازية. وليبيا لها تجربة مع المرتزقة في التشاد والسودان. والدبلوماسية السرية تشترط أنّ الذين يعرفون هم المتورّطون فيها فقط.

وحتى فرنسا، عن طريق وزيرها للخارجية، أرادت أن تعرف أكثر، رغم أنّ ممارسات الارتزاق في فرنسا معروفة، حيث يقوم اللفيف الأجنبي بتجنيد المرتزقة. ولو كان للثنائي سركوزي-جوبيه معرفة دقيقة بالموضوع، لاكتشف أنّ الثنائي بوتفليقة-بن بلة هو المسؤول. لا يعرف سركوزي من هو هذا الجزائري الذي توسّط له لإخراج الممرّضات البلغاريات من ليبيا، ومن هو هذا الوسيط الجزائري الذي توسّط لكي يزور القدافي فرنسا رسميا.

واليوم، تصبح الجزائر مهدّدة في حدودها من الغرب والشرق. ويصبح هذا التهديد حقيقة، عندما يعود المرتزقة من ليبيا بسلاح القدافي، لتأسيس جماعات إرهابية جديدة.

إلى يومنا هذا، لا أحد يربط بين مرتزقة القدافي في الجزائر ومرتزقة بن بلة في ليبيا.

وفي الختام، أشير إلى أنّ هذه المساهمة تظهر للبعض أنها من الخيال، لكن البحث المعمق والحرّ والموضوعي هو ما يؤكّد أو يكذّب هذه الفرضيات. وحان الوقت أن يتمتّع الجزائريون بالثقافة السياسية التي تساعدهم على اكتشاف الأسباب عوض التوقّف عند الأعراض. ورغم أنّ اللغة العربية مبنيّة على المبتدأ والخبر، فإنّ الثقافة السياسية الحالية تنحصر على الخبر ولا تكتشف المبتدأ. ولهذا، فهي دائما مخطئة.

معمر بوضرسة
1 ماي 2011

تعليق واحد

  1. adel بتاريخ

    qui est innocent
    en finalite cet article mene a croir que tout le monde est suspect

Exit mobile version