كان على الثورات العربية أن تندلع وتتحول حياة الحكام الطغاة إلى جحيم لكي يفهم العالم لماذا عجزت الحكومات العربية عن القضاء على ما يسمى الإرهاب قضاء مبرما وصارت الحرب على الإرهاب تعني في قواميس هؤلاء التعايش مع الإرهاب. خدعة كبرى كانت تمارسها الأنظمة الديكتاتورية العربية على رأيها العام وعلى العالم ولم يكن أمام الغرب حل آخر غير تصديقها.

لست هنا بصدد مناقشة ما يعتبره جزء من الرأي العام العربي إصرارا من القوى الغربية الكبرى على استغلال ثروات الأرض العربية وطاقاتها المادية الأخرى والبشرية، فلهذا الكلام ما له وما عليه. لكن الذي يهمنا الآن هو الاكتشاف العظيم للأنظمة العربية لحل سحري يجعلها تستمر في الحكم لسنوات طويلة بالطريقة التي تريدها دون أن تخشى ثورة شعبية عليها أو انقلابا ضدها من حلفائها في الخارج. المادة الثانية في معظم دساتير الدول العربية تنص على أن الإسلام هو دين الدولة أو المصدر التشريعي الرئيسي في الدولة، ومع ذلك لا تدخر الحكومات في هذه البلدان أي جهد أو مال لتعلن على أرض الواقع عداءها المباشر للإسلام، والإسلام كما يجدر بالمسلمين أن يعلموا هو إسلام واحد وهو الدين الذي اختاره الله عز وجل لعباده في الأرض منذ سيدنا إبراهيم عليه السلام، لكن المبدعين والمبتدعين يريدون أن يظهروا للعالم أن هناك داخل هذا الإسلام إسلاما مكروها تنبغي محاربته والطرف الوحيد القادر على ذلك هم الحكام القائمون حاليا. هذا الإسلام المكروه حمل على مر السنين أسماء وأوصافا متعددة من بينها الإسلام المتشدد والإسلام المتطرف والأصولية ثم الإرهاب، وكان هذا السبب الرئيسي الذي جعل كثيرا من شعوب العالم تكن عداء مجانيا للإسلام الذي يعني بالنسبة إليهم القتل والفساد والتعدي على الآمنين. والواقع أن هناك إسلاما واحدا هو دين الله الذي ارتضاه للبشرية جمعاء وهناك تطرف لا علاقة له أبدا بالإسلام مهما حاولنا إثباته من أدلة، فالذي يقتل نفسا بغير حق ويسعى في الأرض فسادا ليس من الإسلام في شيء تماما مثل الذي يسرق ويستعبد الناس ويتجبر ويتسلط عليهم.

زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح وكل من على شاكلتهم قضوا سنوات طويلة ينعمون على كراسي الحكم لمجرد أنهم قرروا أن هناك مسلمين متطرفين وإرهابيين ينشطون في بلدانهم وهم خطر على العالم، ثم تفاوضوا مع هذا العالم على أن يتولوا محاربة هذه الأفعى مقابل دعم سياسي ومالي ولوجيستيكي يستمر ما دامت الأفعى تتنفس. كانت أصوات هنا وهناك تحاول إيقاظ الناس وإفهامهم بحقيقة الأمر لكن لم يكن أحد يستمع إليها واستمر الحكام العرب يزدادون طغيانا وتجبرا على شعوبهم وهم واثقون أن الغرب يدعمهم ويسكت عن كثير من جرائمهم التي يرتكبونها ضد شعوبهم، فالمهم بالنسبة إليهم أن لا تزحف تلك الأفعى الضارة نحو حدودهم. أما الحقيقة المرة التي بدأت تتكشف للعلن اليوم فهي هذه الأفعى لم تكن إلا مثل تلك الأفاعي التي طلعت بها عصي سحرة فرعون وقد بقيت تتحرك وترعب الناس حتى ألقت الثورات الشعبية عصيها فإذا هي تلقف ما يأفكون. اخترع الحكام العرب أفاعيهم وتمرنوا على ترويضها، يدخلونها في الكيس متى شاؤوا ويخرجونها عندما يرون ذلك ضروريا ولكم أن تتساءلوا الآن كيف أن هذه الأفاعي تتسلط على الآخرين ولم تلدغ يوما مروضيها ولو عن طريق الخطأ الحيواني. ثم انظروا إلى سفاح الشعب الليبي كيف بدأ مواجهة انتفاضة الشعب ضده بتحذير العالم من خطر البولحية والقاعدة، وعندما انقطع حبل الكذب باتفاق الغرب على محاربته توجه إلى الليبيين والمسلمين ينادي فيهم أن هبوا للدفاع عن أرض الإسلام التي يتكالب عليها الصليبيون.

انتصرت الثورتان التونسية والمصرية وأطيح بحاكميهما المتجبرين ومع ذلك لم نشاهد قيام الدولة الإسلامية أو الإرهابية في أي من الدولتين رغم الجهود التي يبذلها أزلام الثورة المضادة في كل وقت. تبين أن مبارك وبن علي لم يكونا جاثمين على أنفاس الغول الإسلامي المتشدد والإرهابي يمنعانه من التحرك بل كانا يحكمان السيطرة على رقاب الشعبين المصري والتونسي المقهورين. نفس النتيجة سنخلص إليها عندما تهوي أصنام الأنظمة الظالمة في ليبيا واليمن وسورية والجزائر.

القذافي وهو يصارع تسونامي الثورة الشعبية وقف يصيح أن سقوطه يعني سقوط الحصن المنيع الذي أقامه لحماية أوروبا والغرب عامة من أسراب المهاجرين الأفارقة ومن فلول الإرهاب، وهو الآن يحاول أن يثبت للأوروبيين وأمريكا أن ما يقوله صحيح من خلال أمواج النازحين الذين بدأوا يرسون على ضفاف جزيرة لامبدوسا الإيطالية وأيضا من خلال ما بدأ يتردد هنا وهناك من ازدهار تجارة وتهريب الأسلحة عبر الحدود الليبية نحو دول الساحل الإفريقي. وقد تطور الحديث أخيرا عن هذه الظاهرة المخيفة وصارت تتشكل أمام سكان المنطقة والعالم الغربي ملامح بعبع جديد هو بعبع تنظيم القاعدة الذي صار يمد رجليه إلى أوروبا عبر ليبيا المتهالكة، والأغرب في هذه الحكاية أن يكون أهم مصدر لهذه المعلومات المخيفة هو وسائل الإعلام الجزائرية نقلا عن مصادر عليمة أمينة موثوقة هناك.

النظام الجزائري الذي نجح هو الآخر في التأسيس لواحد من أكبر وأخطر التنظيمات الإرهابية وحصل على الرعاية اللازمة هناك، اهتدى هو الآخر إلى أن الترويج لخطر سقوط الأنظمة العربية القائمة هو الوسيلة الأخرى للبقاء على قيد الحياة بعد أن فتح خزائن الدولة لتوزيع المليارات في واحدة من أكبر وأخطر عمليات الرشوة السياسية في البلد. لم تدخر الحكومة الجزائرية في الأسابيع الماضية أي جهد دبلوماسي وسياسي من أجل منع الثورة الليبية من الانتصار لكن إرادة الشعوب كانت هذه المرة أقوى وعلى الجزائر الرسمية أن تسلم اليوم أو غدا أن عليها أن تتخلى عن نظام معمر القذافي لأنه زائل لا محالة، وقد بدأت تفعل ذلك على استحياء واستخفاء من رأيها العام، لكنها في نفس الوقت أعدت نفسها لحملة دعاية مضادة لإفهام الغرب أنه ليس في صالحه دعم أية انتفاضة شعبية لاحقة في الجزائر.

تفيد التقارير الكثيرة المتواترة يوميا أن هناك حركة أسلحة ناشطة على حدود الساحل الإفريقي وأن الحدود الوحيدة التي لا تزال لحد الآن محصنة هي الحدود الجزائرية. سمعت خبيرا عسكريا أمريكيا قبل أيام يقلل من أهمية حصول عناصر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على الأسلحة المفترض أنها تهرب أو ترسل من ليبيا إلى بلدان الساحل مالي والنيجر وتشاد حيث تتحصن القاعدة الهاربة من الجزائر كما تقول تقارير الصحف المطلعة، وأضاف هذا الخبير أن الخوف هو أن يضع أهالي القاعدة أيديهم على أسلحة من صنف الصواريخ أرض جو التي يمكن بواسطتها إسقاط الطائرات وأشار إلى هذا أمر مستبعد. لكن الجماعة رفعت التحدي ونقل لنا مصدر أمني مسؤول في الجزائر أن هذه الأسلحة صارت في طريقها إلى أرض القاعدة. المسؤول الأمني تحدث إلى مراسل وكالة رويترز وأخبره أن قافلة من الشاحنات الصغيرة من طراز تويوتا غادرت شرق ليبيا، وعبرت الحدود إلى تشاد ثم إلى النيجر، ومن هناك إلى شمال مالي حيث سلمت، خلال الأيام القليلة الماضية، شحنة من السلاح. وأوضح المسؤول، الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه، أن السلاح يتضمن الطراز السابع للقاذفات الصاروخية المضادة للدروع، روسية الصنع، إضافة إلى صواريخ (ستريلا) التي تحمل على الكتف، وهي مضادة للطائرات، وتعرف في دوائر حلف شمال الأطلسي باسم سام 7. واسمعوا أو اقرأوا المثير في هذه الحكاية وقد أوردتها الوكالة نقلا عن مصدرها كما يلي: (توجهت قافلة من ثماني سيارات نقل صغيرة من نوع تويوتا مليئة بالسلاح، قبل عدة أيام، عبر تشاد والنيجر ووصلت إلى شمال مالي. ونعلم أن هذه ليست أول قافلة وما زالت العملية مستمرة).

نعلم نحن أيضا أن مثل هذه المعلومات يمكن الحصول عليها عبر قنوات استخباراتية خاصة، لكن دعونا نسلم أن هذه المعلومات صحيحة تماما ثم دعونا نتساءل فقط عن الأسباب التي جعلت عمليات كهذه تنجح. معلومات في غاية الدقة، عدد السيارات وأنواع الأسلحة التي كانت تحتويها والطريق الذي سلكته وهو لا يمتد عشرات أو مئات الكيلومترات، قافلة محملة بأسلحة وذخائر حربية متطورة تسير في صحراء عارية آلاف الكيلومترات وتصل إلى نقطة الوصول دون أن يتمكن منها أحد أو يبلغ عنها، بل الأدهى من ذلك هو أن مصادرنا الأمنية تؤكد أو لعلها تهدد أن هذه ليست أول قافلة وأن العملية مستمرة. دعونا نسلم جدلا أن هناك فعلا تنظيما قويا يدعى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، كم هو تعداده وما هو قوامه؟ عشرات، مئات، آلاف أم مئات الآلاف؟ المسؤولون المؤتمنون على أسرار التنظيم يؤكدون أن أعداد هؤلاء لا تتجاوز بضع مئات. وأمام الحرب المستمرة والإمكانيات والخبرات المرصودة لمحاربة هذا الخطر، لا بد لنا أن نتساءل مرة أخرى، هل هي قوة وفاعلية التنظيم أم عجز أجهزة الأمن التي جعلت بضع مئات من البشر يستمرون في زرع الرعب في المنطقة والعالم أجمع ويهددون استقرار دول لسنوات وسنوات، أم أن هناك تفسيرا آخر أصح لكن لا يريدون من الناس أن يعرفوه؟!

خضير بوقايلة
5 أبريل 2011

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version