منذ اندلاع الشرارة الأولى لانتفاضة الشعوب العربية، بدأ الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية يُعيد حساباته، بالرغم من أن هؤلاء، كانوا من مهندسي هذه الثورات، لكن برأيي، أنه وقع خطأ ما في وضع قواعد وضوابط الاحتمالات، فبكل تأكيد، أن أمريكا التي غرقت في أوحال التدخل في شؤون الشعوب العربية والإسلامية، لحماية مصالح بضعة ملايين من أتباع اللوبي الصهيوني، المسيطر على صناعة القرار في أكبر وأعتى دولة في العالم، قد أخطأت حساباتها، وجانبت بكل تأكيد الإستراتيجية الناجعة التي كانت تريد من خلال تنفيذها، تركيع العالمين العربي والإسلامي، فهي ربّما أسقطت نظرتها للأنظمة العربية والإسلامية، على حقيقة ما تعيشه شعوب هذه الأنظمة، وهذا ما سبق لي أن حذّرت منه في وقته، عندما كتبت مقالا بعنوان “وثائق ويكيليكسية تُمهد الطريق لهيمنة أمريكية جديدة”، ونشرت هذا المقال قبل سقوط وهروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، أي في الأسبوع الأول من شهر  كانون الأول “ديسمبر”، أي قبل أن يحدث أي تغيير في العالم العربي والإسلامي، لأنني كنت متأكدا بأن هذه التسريبات هدفها إثارة الفتنة في المنطقة العربية والإسلامية.

 

لكن ما حدث في مصر، قلب كل الموازين، وخرج عن سيطرة وتحكم اللوبي الصهيوني العالمي، لا لشيء، سوى لكون الثورة المصرية، تجاوزت الحدود التي رسمتها المخابر الإستراتيجية الأمريكية، التي تحولت قيادتها وعلى رأسها الرئيس أوباما، إلى أكبر صانع للفتنة لإسرائيل، وهو ما سجّلناه من خلال تصريحات القيادات الإسرائيلية، التي وجهت اللّوم كله لأوباما، الذي نادى وألحّ على إقامة أنظمة ديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي، ومع سقوط مبارك، وليس نظامه، وسقوط زين العابدين بن علي وبقاء نظامه، وتردّد الغرب في اتخاذ موقف من الثورة الليبية في بداية اندلاعها، تأكد، أن سحر الغرب وأمريكا، قد انقلب عليهما، لأن الشعوب العربية والإسلامية، ليست كما يتصوره هؤلاء، لسبب بسيط، هو أن هذه الشعوب، هي من مكّن الغرب من فهم، ما هو المنطق، والعقلانية، عندما كان هذا الغرب لا يعرف حتى ثقافة “المراحيض والحمّامات”، والمؤكد أن هذه الشعوب التي علّمت الغرب مفهوم المنطق منذ قرون خلت، فاجأته اليوم بلا منطقية حساباته.

وإنني لمتأكد وأكثر من أي وقت مضى، بأن الشعوب العربية والإسلامية، هي اليوم، من تُلقن هذا الغرب، وهذه أمريكا، بأن الزمن متحرك، وبأنه لا يُمكن للمرء أن يستحم في النهر مرّتين، كما قال ذلك الفيلسوف بيباغورس، فاليوم، أرى هذه الشعوب المضطهدة تستحم، ليس في النهر، وإنما في بحر الحرية والإنعتاق، في وقت تمّ فيه تحنيط الفكر الغربي، وتجميده، وهذا والله لأكبر مؤشر على تحقق نظرية ابن خلدون، فقد وصلوا هم إلى قمة الهرم، وهم اليوم ينحدرون منه، والعرب والمسلمون بثورات شعوبهم، قد بدأوا بالزحف لمغادرة دائرة الجهل والتخلف، مُلقين بأنظمتهم الفاسدة إلى زبالة التاريخ، وأرجو وبكل صدق، أن يهُب كل المؤمنين بعظمة الشعب العربي والإسلامي، إلى الدفاع عنه، بمنع تدخل هذا الغرب الغبي، في تحديد مصائرنا، لأن منطقنا ومنطق التاريخ هو الذي سيفوز بكل تأكيد.

جمال الدين حبيبي
26 فبراير 2011

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version