كلنا تحت الحصار
وكما يسير الحي للأموات…
تتابع الأزمات…
والنيل محبوس بسجن الضفتين

وخلف سد يكبح اللذات باللذات…
والمجد في التأريخ محبوس وفي أحجار أهرامات…
وأرى القصائد باسقات، طلعها أبيات…
وأرى وفود القصر تبدو كاسيات عاريات…
وأرى الذي عبد الهوى يحتج بالآيات…
للسلم يجنح والأعادي بالقنابل كالمناجل تحصد الأموات…
وكما ذكرنا في القصيد…
من نصف قرن أو يزيد…
ما فلّ في عضد الحديد سوى الحديد…
والشعر واجه خوذة الجندي
واجه كل دبابات أعدائي و إخواني وأبناء العمومة
ألف جيش للتخابر يرصد الأمل البعيد…
وأنا المطارَد والمطارِد والطريد…
مازلت من ثأري القديم أسير للثأر الجديد…
ثأري القديم موجه نحو العدو
ولكن الثأر الجديد موجه للرابضين على العروش
مؤلّهين وهم عبيد…
يا أهل غزة قاتلوا عنا بأجساد لأطفال
أراها شكّلت درعا تكتل يمنع الأعداء من قطع الوريد…
يا أهل غزة أنتم البشرى بتخليص الشعوب الأبية
من كل شيطان مريد…
يا أهل غزة والقرار اليوم ليس قراري…
أنا في حصار مثلكم
وحصاركم – وحصار كل العرب – مرهون بفك حصاري…
مع كل سعيي في مظاهرة
يحاصرني سواد قاتم بتوغل في البر أجل صحوة لنهاري…
ومدرعات الموت تخنق أزهري
فكأنني من تحت أنقاض المساجد عندكم
لكنني في حيرة من أي أعداء سأطلب ثاري؟
هاجرت من خوفي لأرض شجاعتي
والله يحرسني بكم كحمامة سكنت بباب الغار…
يبدو كلانا مرهقا يا أهل غزة
والعدو بدا عدوا واحدا وجِلًا وراء جدار…
فلترسلوا لي عبر أنفاق حفرناها صواريخا لقسّام
بها أستعجل الفجر الجميل لكي يطل بداري…
و الله لولا الجند حولي لامتشقت قصيدتي دبابة
وبها أدك معاقل الجبناء في القصر العميل الشاهق الأسوار…
صوت القصيدة – رغم صفرة صمت مذياعي – يسير إلى اخضرار…
و أنا المحاصَر و المحاصِر و الحصار…
و أنا الذي لم يحفظ الأنفال
ثم استمرأ الترديد للسور القصار…
وأنا الذي اجتزأ الحقائق من سياق الحق
حتى أصبحت جُملا من الكذب المصفى
بقعة سوداء في وجه النهار…
وأنا الذي يمناي تشجب عزل إخواني
ويسراي ارتضت توفير أسمنت الجدار…
وأنا الذي مازلت أكدح والقيادة قد رمت كدحي
كأوراق بصالات القمار…
مازلت أزرع رابطا بطني على جوعي
وغيري دون جهد الزرع قد حصد الثمار…
يا أهل غزة كلنا تحت الحصار…
في منزلي حولي جنود يرصدون هواجسي
ومحاصر كالجرذ في الإسكندرية
في المحلة في قنا في كفر شكر في حلايب في السويس
وفي المدارس والمساجد والكنائس
والشوارع والقطار…
وأنا الذي هزم التتار…
وأنا الذي عبر القنال وبعدها عبد الحمار…
نصري المتاح المستحيل…
وأنا المقاتل والمقاتل والقتيل…
وأنا الذي كشف الجريمة شامخا
وأنا الذي طمس الدليل…
وأنا الذي منح الكثير برغم فاقته وحين الأخذ قد أخذ القليل…
وأنا الذي يشفي الغليل…
وأنا الذي ملك البديل…
وأنا الذي نزع الفتيل…
يخشى الغزاة تأففي بالرغم من جسمي النحيل…
يفنى سواي من القنوط وإنني خُلّدت بالصبر الجميل…
ملعونة كل الجيوش…
حفظ الكرامة و الدماء مهمة الجيش المظفر ليس تلميع العروش…
فلتنتبه كل الجيوش…
صنع الرجال مهمة الجيش الأبي وليس تسمين الكروش…
فلتنتفض كل الجيوش…
فالعار كل العار حقا أن نسالم رغم آلاف النعوش…
يا شعبنا المغشوش…
نم في فراشك لن يفيد النوم…
نم فالقنابل ساقطات فوق قوم آخرين اليوم…
لن يقبل الرحمن يا شعب الكنانة والعروبة منك حجا دونما رفثٍ
ولا حتى زكاة أو صلاة أو شهور الصوم…
يا شعبنا، نم في فراشك لو وصلت القاع غرقانا فلن يجديك إتقان لفن العوم…
فلتهنؤوا ولتحلموا يا قوم…
يا شعبنا، أنصت لبعض مسلمات قد مزجن بلوم:
كل المعابر حين تُغلق في وجوه الكادحين
تصير تمثيلا بآمال الجياع…
ظلم القريب أشد من ظلم الغريب
ومعدن الإنسان تظهره شظايا القصف لا وقت المتاع…
من يقتل النسمات قبل هبوبها لا شك قد قتل الشراع…
الحرب تكشف كل أشكال الخيانة والخداع…
كل الذي سترته أجهزة التخابر سوف يفضحه اليراع…
كل النجوم اللامعات بوجهنا من فوق أكتاف تهدل عزمها
سفه إذا بيعت مفاتيح القلاع…
من يملك الإيمان بالأرض السليبة سوف ينجح
– رغم كل الخزي – في حسم الصراع…
من جوّع الأطفال في أرض الكنانة
سوف يقبل قتل أطفال القطاع…

عبد الرحمن يوسف عبد الله القرضاوي

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version