الحديث ليس عن اللاجئين الفلسطينيين الذين أرغمهم الاحتلال الصهيوني الغاشم على الهجرة، ولا الحديث عن الشيشان الذين طردهم الروس من ديارهم وأُخرجوا بغير حق، ولا عن الأفغان والعراقيين الذين اغتصبت أراضيهم من طرف الأمريكان الغزاة الذين نكّلوا بجثثهم…

وإنّما عن جزائريين مجاهدين وأبناء مجاهدين وأبناء شهداء، أرغمتهم الظروف ليفرّوا بجلودهم من الجحيم الذي عاشته الجزائر، بعد الانقلاب على الإرادة الشعبية.

ذلك الانقلاب الذي لازلنا لم نتخلص من تداعياته إلى اليوم، ولعلّنا نعيش هذه الأيام ذكرى اغتيال سي الطيب الوطني، الذي عاد من اللجوء بالمغرب بعد غياب دام طيلة 27 سنة، ليجد نفسه أمام عصابة مجرمة اغتالته على الهواء وأمام أعين الشعب، ولازال ملفّه أحد الطابوهات، لم يفتح إلى اليوم.

جزائريون حتى النخاع، خشية من وقوعهم في الفتنة الكبرى التي عصفت بالبلاد، وجدوا أنفسهم أمام أمر واقع، إمّا أن يكونوا قاتلين أو يكونوا مقتولين، فاختاروا أخف الضررين، وهي سنة فعلها المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما طورد في شعاب مكة.

تعيش الجزائر في أعماقهم، يبكون لبكائها بكاء اليتامى، ويتأوهون ويتحسّرون كلما تحركت أوراق الشجر، أو هبّت ريح وسقطت معها قطرات المطر، كلّ يوم يمرّ عليهم دون العيش على ترابها النقي، يعتبرونه يوما ضائعا .

أجسامهم تحوم وتعوم خارجها، لكنّ الجزائر تعيش في وجدانهم، فرغم العيش الرغيد ورغم مغريات الحياة في الغرب، إلا أنهم لم يتأثروا يوما ببساتينها ولا باخضرارها وبمسابحها وفنادقها وشقراواتها… يتمنون أن يعيشوا بين أحضان شعبهم في كنف البساطة والتواضع ومشيا على التراب.

مشتاقون للكسرة التي كان يحملها المجاهدون عند صعودهم للجبال لمواجهة المستعمر الغاشم، مشتاقون لنسيم بحرها الأزرق، مشتاقون لذرّات رمالها الصحراوية الذهبية، مشتاقون لخضرة بساتينها المليئة بأشجار البرتقال ونخيلها وعنبها وزيتونها، مشتاقون للتحديق في ارتفاع جبالها الشماء ومداعبة الصبية والجلوس مع مشائخها.

يبكون الجزائر كبكاء اليتيم الذي تركه والداه، لم يعرفوا طعما لعيد ولا لموسم منذ أن غادروا الأهل والأصدقاء، كلّما أقبل نوفمبر وجويلية عليهم ذكّرهم بجيل الرجال فتنهدوا وبكوا على حال الجزائر التي وصل الحد بأبنائها إلى الانتحار في أعماق البحار ورميا على الجسور بسبب سدّ الآفاق، وسياسة لا أريكم إلا ما أرى.

يتابعون أخبار الجزائر ويعرفون كل صغيرة وكبيرة عنها، وأجزم أنك لو سألت من هم في الداخل على بعض الأشياء لما وجدوا إجابات عنها.

وجزائريون في المقابل يعيشون بأجسامهم فوق أرضها، وأرواحهم تسبح في أوربا وغيرها.

تراهم كلما ابتعدوا خطوة عن الجزائر أو باتوا ليلة خارجها، لعنوها وأهلها، كأنّ الجزائر كائن غريب عنهم، لا يحسّون بطعم الراحة ولا بالأمان إلا خارج الجزائر، فتراهم يعشقون كل ما هو أجنبي حتى ولو كان ما يخرج من الدبر، هناك منهم من هو فوق أرض الجزائر يتحدّث بغير لغة الجزائريين، ويدين بغير دينهم، بل لا يشبع إلا إذا أكل غير غلّتها ولا يهدأ له بال إلا إذا تنسم غير نسيمها، ولا ينام إلا إذا تغطى بغير غطائها ولبس غير كسوتها، وفرح غير أفراحها، بل هناك من بينهم حتى عندما يتشاجر مع شخص آخر يسبه بلغة أخرى.

لا وطنية لهم ولا علاقة لهم بالوطن، لكنهم هم من يحكمون الأغلبية، ليس بالإرادة، بل بالخداع والمكر والكذب، فالجزائر تحت رحمتهم إلى أن يثبت العكس، ويعود الوطنيون إلى وطنهم، وتنعم الجزائر بأبنائها الحقيقيين وتنهض بذلك على كل الأصعدة.

نور الدين خبابة
26 جوان 2010

7 تعليقات

  1. غير معروف بتاريخ

    J’ai pleure
    Merci Mr. Noureddine pour ce rappel. Vous avez décrit exactement ce que des centaines de milliers d’algériens vivent ce que j’appelle l’enfer doré

    .

    • غير معروف بتاريخ

      مجاهدون و كفى
      بسم الله الرحمن الرحيم

      الأخ المفضال نور الدين خبابة: نتابع أحيانا مقالاتك حول ما حدث و يحدث لهذا الوطن المفدى من طرف الطغمة المجرمة التي عاثت في الأرض فسادا ، فنهبت و قتلت و هتكت .. و الأمر و الأدهى انها أعلنت الحرب على الإسلام تحت مسمى الحرب على الإرهاب ، و والت أعاداء الله من الصليبيين و الصهاينة على حساب المؤمنين ..

      قرأت مقالك و لكن ثمة وقفات أرجو أن يتسع لها صدرك ..

      قلت أن الرسول صلى الله عليه و سلم آثر شعاب مكة على القتل .. و هذا إسقاط فاسد كما يقول الأصوليون ، فكيف تسقط فترة كانت فيها الدعوة فتية على حالنا اليوم حيث الجهاد قائم على قدم و ساق ، و بلدان العالم الإسلامي محتلة من طرف احتلالات داخلية فاقت الإستعمار و تفوقت عليه ..

      إن الذين يحكمون العالم الإسلامي طائفة مرتدة مارقة أعلنت الحرب على الإسلام ، و جندت تحت طائلة الفقر و الجوع شباب أغرار ليدافعوا عن هؤلاء الفراعنة المجرمين ..

      أما بالنسبة للذين هاجروا إلى الخارج ، فالأمر يحتاج إلى الفرز و التمييز و عدم التعميم ، فليس كلهم قلوبهم على الجزائر .. بل إن منهم كثيرا انقلبوا ثمانين درجة عما كانوا عليه

      فنحن لحد الآن لم نسمع حديثا و لم نقرأ و لا مقالا و لم نتابع و لا حوارا صادر عنهم بخصوص ما يجري من طرف حكومة أبناء فرنسا لهذا البلد المسلوخ ..

      أعتقد يا أخي نور الدين أنه ينبغي التخندق مع الفقراء و المحرومين الذين يعانون الجريض في بلدهم و لم يسعفهم الحظ في اللهجرة .. فكيف تريد من مرتاح أن يحس بالتعبان .. و كيف من صحيح أن يحس بالسقيم .. الخ

      فلئن ارتكبت ج أ أ أخطاء فينبغي التصحيح و النقد و ليس الصمت صمت القبور ..

      أخي نور الدين تقبل مني فائق الإحترام و التقدير و الأخوة .. أخوة الإسلام و ليس أخوة الوطن ..

      أخوكم محمد

      • غير معروف بتاريخ

        Algerien et c’est tout
        Je juste vous rectifier en demandant de lire le journal en ligne http://www.lequotidienalgerie.org et vous verrez par vous même le nombre d’exilés qui contribuent matin et soir a tenter de trouver une issue a notre désastre collectif, qu’est l’Algérie d’aujourd’hui.

        Notre Collègue Zehira Houfani Berfas a ecrit:

        L’exil, est l’école par excellence du patriotisme, on apprend tellement sur nos propres carences et l’envie nous prend de le dire aux autres.

        Amicalement

      • غير معروف بتاريخ

        جواب الى الأخ محمد القاعدي
        أنا مسرور بتعليقاتكم أخي محمد ومتابعتكم لماأكتبته.لاأناقشك في مجال شرعي أخي محمد وسأترك الأمر لأهله ،للتفصيل والتأصيل، وذكري للرسول صلى الله عليه وسلم هو ليس إسفافاولاتسطيحا أو مغازلة لأصحاب التوجه الإسلامي كما يعتقد السذج، وإنما الأمر يقتضي أن لانغفل على مثل هذه الأمور، فهاهي هجرتنا بدأت تؤتي أكلها بإذن الله من خلال هذا الفتح الجديد وهو الإعلام. والمتابعون لنشاطاتنا المختلفة يرون تأثير هذا الإعلام سواء المكتوب أو السمعي البصري ،ويكفي دليل واحد وهو تخصيص ميزانية كاملة من طرف النظام لما أصبح يسمى بالحكومة الإلكترونية ناهيك عن المتابعات ومحاولة التأثير على المواقع التفاعلية من خلال تفضسيل بعض الأشخاص وإمدادهم بمعلومات أو اشهارهم في وسائل الإعلام أو حجب المواقع ….والرسول صلى الله عليه وسلم لم يهجر لذاته ياأخي ولاهربا من العدو كما يتصور المشركون وإنما كان يعلمنا وقد إستفدنا من دروسه وكفى.

        أما بالنسبة للاجئين فهم ليسوا سواء.

        هناك من لجأ اظطرارا وهناك من لجأ اختيارا،هناك من لجأ اظطرارا ليفر بجلده وينعم بما أنعم الله عليه بالأمن وبالسكن والسيارة والصحة …ولاعلاقة له لا بالوطن ولابغيره، تجده مفكر ولكنه يفكر في نفسه.وهناك من لجأ مظطرا ولكنه بقى على العهد ولم يجد الفرصة للظهور في وسائل الإعلام ولايعرف هذه التقنيات الجديدة أو ربما هو مقصر ، أو يقول في نفسه لقد أصابني ماأصابني ولم يقف معي أحد ….الخ

        وهناك من قام بأدوار معينة سواء في الإعلام أو في الكتابة أو من خلال الشهادات،وهم قلة لكنهم دافعوا عن اختيار وطموحات الشعب ولازالوا ،وقد تجد منهم أنه في أوربا ولكن يمشي على رجليه أو في أحسن الحالات عنده دراجة … وهناك من أبتعث للقيام بمهمة تصدر المعارضة أو اختراقها أو التجسس عليها …الخ وربما قد نعود إلى هذا الأمر في موضوع منفصل. أما بالنسبة للوقوف مع الفقراء ياأخي الكريم فلا أعتقد أن جزائريا ممن ذكرتهم في المقال ينعم ا وهو يرى إخوانه يتضورون جوعا ، حتى إذا أكل فأكله لاذوق له.في الأخير لسنا صياما ولاقياما ولكن الجزائر تعيش في أعماقنا ونسأل الله أن يطهر أعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب، كما نطلب منكم الدعاء لنا ولوالدينا الذين حُرمنا من رؤيتهم .

    • غير معروف بتاريخ

      شكرا خالد
      الأخ خالد أشكرك على مشاعرك النبيلة

  2. غير معروف بتاريخ

    مـن قـال أنٌ الآت لـن يـكـو
    لـم يـكـتـف الـيـوم، الـخـونـة مـن حـكـام هـذا الـوطـن الـمـنـكـوب، بـمـمـارسـة الـطـغـيـان والـمـظـالـم ونـهـب ثـروات الـوطـن، بـل يـريـدون مـحـوَ مـا يـمـكـن مـحـوُه مـن صـفـحـات تـاريـخـه وأبـطـالـه الأمـجـاد. ولـقـد كـنـت أقـرأ الأمـس، رسـالـة بـعـثهـا لـي أحـد الأصـدقـاء، يـخـبـرنـي فـيـهـا بـإزالـة اللـوحـة الـمـكـتـوب عـلـيـهـا اسـم الـمـرحـوم الـمـجـاهـد، يـوسـف بـن خـدا، رئيـس الـحـكـومـة الـمـؤقـتـة، مـن واجـهـة مـبـنـى كـلـيـة الـجـزائـر الـعـاصـمـة، دون أن يُـعـلـن عـن أيٌ مـرسـوم بـهـذا الـصـدد….. فـأجـبـتـه سـاخـرا : “”ألـم تـقـرأ خـبـر وفـاة الـجـنـرال الـجـلاد بـيـجـارد، مـجـرم حـرب الـثـورة ؟ – فـمـا بـالـك إذا كـان الـقـوم يـفـكـرون بـاسـتـبـدال هـذا بـذاك، طـالـمـا أن “جـزائـر بـوتـفـلـيـقـة” أضـحـت الـيـوم أقـرب مـا تـكـون مـنـه مـن ولايـة مـن ولايـات “فـرنـسـا الـسـاركـوزيـة”” ؟ – ولا زلـت فـي انـتـظـار جـواب صـديـقـي …..

    • غير معروف بتاريخ

      في ذكرى اغتيال محمد بوضياف
      سي عبد القادر مساء الأنوار . من قال أن سي الطيب الوطني يأتي إلى الجزائر ويقبل بالمسؤولية ويغتال في عنابة؟

      بن خدة خلّد اسمه في التاريخ ولن يستطيع بائع هوى أو راقص من رقاصات سان ميشال أن يمسح تاريخه.

Exit mobile version