تعلقت بالكتابة منذ الصغر، كان أبي بائعا للكتب القديمة في دكان صغير، لازلت من حين لآخر أجد رائحة ذلك المكان كلما داهمني الحنين إلى والدي رحمه الله.

ثم تقطعت بي السبل، فهمت في بلاد الغرب عشرين عاما، نستني العربية ونسيتها، وتناسيت آلام شعبي الجريح، فرحت أسبح في لغة استعمرت أجدادي قرنا وثلاثين عاما، حتى أصبحت أحلم، أتنفس، أحب وأبغض بالفرنسية.

وها أنا في الشق الثاني من عمري، أغازل لغة ذلك الشيخ العجوز الذي غرس في دمي “سينية البحتري”… ومع مرور الوقت بدأت أعي مكانة هذه اللغة في الجرح العميق الذي يلازم الجزائري منذ عشرات السنين.

لقد مرت بلادنا بعدة مراحل في تاريخها، والقاسم المشترك بين هذه المراحل كلها، هو الاستعمار.

فبعد الاستقلال اندلعت حرب دفينة بين أفراد العائلة الثورية الذين انقسموا إلى تيار المشرق و تيار ضباط من الجيش الفرنسي الذين التحقوا بجيش التحرير الوطني، وكان ذلك أول شعلة لفتنة لازالت تحول دون بناء وحدة وطنية.

ففرنسا استعمرتنا عسكريا، ثم ذهبت و تركت ثلة من الانقلابيين المفرنسين الذين يستعمرون اليوم الجزائر على طريقتهم.

هؤلاء الأشخاص الذين اتخذوا من اللغة الفرنسية أداة سياسية أيام الاحتلال، أرادوا أن يجعلوا العربية بديلا سياسيا دون منهج ولا دراسة علمية، فجاءوا بأساتذة من المشرق العربي، كان الهدف من ورائهم غرس الكره تجاه اللغة الفرنسية أكثر من غرس حب اللغة العربية، فاستنكر الأمازيغ ذلك وراحوا يحاربون اللغة العربية لا لشيء سوى أنهم عوملوا باحتقار وقهر شديدين من طرف الطبقة الحاكمة منذ خمسين عاما، مع العلم أن منطقة القبائل أنجبت أبطالا أشاوس وعلماء دين أقحاح.

ومن الرئيس بومدين إلى بوتفليقة، تعاملت السلطة المركزية مع منطقة القبائل باستعلاء وتهميش كبيرين، فأفرز هذا الظلم مواجهات دامية بين أبناء منطقة القبائل وقوات الأمن التي كانت تستفز المتظاهرين كلما خرجوا للمطالبة بحقوقهم الاجتماعية.

ولأن السلطة عجزت عن تبرير العنف الذي عاملت به هذه المنطقة، كانت تتستر دوما وراء اليد الخفية والعدو الخارجي الذي يتربص بالبلاد.

العجيب في الأمر هذه المرة، هو إعلان مهني عن تشكيل حكومة للقبائل من فرنسا، وكنا ننتظر البيان الحربي الذي سوف تبعث به السلطات الجزائرية إلى باريس، لأن اليد الخفية لم تخف على أحد هذه المرة، وذهب زرهونى وأويحيى وبلخادم بالجزم بأن الأمر تافه لا يستحق الحديث عنه.

وكما تبقى الحجارة في الوادي الجاف، ستبقى حماقة هذه السلطة التي صارت تعض ذيلها وتحوم حول زبالة قراراتها كدورة صوفي مسه ولع.

غاني مهدي
14 جوان 2010

غاني مهدي كاتب وإعلامي جزائري

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version