النظام الجزائري لا يختلف في سلوكياته وردة أفعاله تجاه شعبه عن كل الأنظمة الدكتاتورية والشمولية منذ أقدم العصور. فبالرغم من التطور الهائل في العصر الحديث خاصة وسائل الاتصال والإعلام وكذلك التغيير في النظام العالمي بعد سقوط جدار برلين إلا أن هذا النظام، وأمثاله، مازال لا يرضى من شعبه (أتباعه) إلا أن يكون تابعا، منقادا، وخانعا، يسبح آناء الليل وأطرافا من النهار بحمد هذا النظام، ولي نعمته وصاحب الفضل عليه، أو أن يطبق في أسوأ الحالات القاعدة الذهبية، لا أرى لا أسمع لا أتكلم…

وإذا خرج أحدهم عن هذا الإطار فهو مشوش، مشبوه، صاحب فتنة، ضد وحدة الوطن، خائن، تحركه اليد لأجنبية، الخ. من النعوت والمفردات المعروفة والمستهلكة التي اتفقت على استعمالها جميع الأنظمة الدكتاتورية.

أما إذا تمادى ولم يرجع عن غيه وضلاله فسيعالج بسرعة بوصفة الدواء المعروفة (العصا أو الجزرة) فمن تمام عدم الاحترام والاحتقار التام للمواطن وللإنسان بصفة عامة فقد وضعوا لكل إنسان ثمن! ويجب عليه أن يقبل به وإلا فالويل له، فتفتح حينئذ على هذا العاصي المارق، أبواب جهنم التي يحرصون عل امتلاك والسيطرة على كل مفاتيحها، خاصة مع تواصل حالة الطوارئ، وهذا بالمضايقات الإدارية والبوليسية، وفبركة الملفات والتهم، ثم الدفع به للتيه في أروقة المحاكمات، حتى يكل ويمل ويتراجع طالبا الصفح والمغفرة!

ولكن المصيبة الكبرى والشذوذ غير المقبول بالنسبة للنظام فهو عندما يخرج مواطن ما، تكونت لديه قناعات يؤمن بها وأفكار ومبادئ يدافع عنها، من الإطار المعهود ولم تنفع فيه الوصفة السحرية، فهو لم يقبل مبدأ المساومة، ولم يرضخ لجميع أشكال التهديدات فحينها يجن جنون النظام ويصاب بالهوس كمن فقد عبدا من عبيده أو كفر به أحد من الذين يجب أن يعبدوه، فيبدأ في اتخاذ إجراءات وردة أفعال غير منطقية وحتى صبيانية تدل على محدودية التفكير وطبيعة نظام أعمته القوة التي يمتلكها والثروة التي يبددها بين يديه.

 لأنّ أخشى ما يخشاه هذا النظام هي الأفكار والقناعات، التي ترتبط بالعمل الميداني والتي تؤدي إلى توعية عامة الشعب وتدفعه إلى المطالبة باحترام الحريات والحصول على الحقوق وترسيخ مبادئ الديمقراطية بالطرق السلمية العصرية وهذه هي في الواقع الجريمة الحقيقية التي يمكن أن يتابع بها الدكتور كمال الدين فخار، الطبيب الناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان و المناضل من أجل الديمقراطية.

 فقد سلطت عليه السلطة ومنذ سنة 2004 وبكل قسوة وخبث وضراوة وباستعمال كل وسائل الدولة خاصة أجهزة الأمن والعدالة والإدارة، كل المضايقات والمتابعات والعقوبات الممكنة ولم يبق إلا التصفية الجسدية…

وكانت البداية بتاريخ 13 أكتوبر 2004 مع أحداث غرداية الذي بدأ بإضراب واعتصام سلميين للتجار بسبب مطالب مشروعة وقد قابلته السلطات المحلية بقمع شديد وتوقيفات عشوائية وكانت الفرصة لإصدار أوامر بالقبض على الناشطين الحقوقيين والمعارضين السياسيين، الذين بدأت ثمرة عملهم الدؤوب لتوعية المواطن ونشر ثقافة المطالبة السلمية بالحقوق تظهر في الميدان ـ ومنهم د. فخار وهذا بدون إتباع للإجراءات القانونية المطبقة في مثل هذه الحالات ووجهت لهم تهم خيالية تصل مجمل عقوبتها السجن المؤبد! وبعد إضراب عن الطعام داخل السجن وتضامن رائع ومساندة قوية من مواطني غرداية ومن حزب الأفافاس والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية الدولية مع الموقوفين وكذلك المجهود الإعلامي الكبير للصحافة المستقلة صدرت أحكام بالسجن كانت أقصاها خمسة أشهر نافذة بحق د.فخار، قضاها في سجن غرداية.

وقد استغلت السلطة هذه الأحداث لإيقافه عن العمل بمستشفى غرداية وتوقيف عهدته الانتخابية بالمجلس الشعبي البلدي لغرداية.

وتتابعت وتوالت المضايقات البوليسية وفبركة التهم وكان أخطرها المحاولة الفاشلة بإلصاق تهمة التحريض على القتل في ما صار يعرف بقضية “الشاب محمد بابا نجار” وتتلخص هذه المؤامرة الخطيرة بمساومة محمد بابا نجار21 سنة، الموقوف والمتهم ظلما بالقتل العمدي، لإلصاق تهمة التحريض على القتل على الدكتور فخار أو أحد إطارات حزب الأفافاس وقد رفض مبدأ المساومة بشجاعة منقطعة النظير فكان جزاؤه الحكم عليه بالإعدام بتاريخ 6 جوان 2006 بدون أي دليل أو قرينة في محاكمة ستضل وصمة عار في جبين جهاز القضاء في الجزائر حيث كشفت مدى سيطرة السلطة التنفيذية على جهازي الأمن العدالة وتحكمها المطلق فيهما.

 ولما لم تنجح المحاولة في قضية بابا نجار (الذي لم يكن مضمونا) تحولت السلطة إلى استعمال أشخاص (مضمونين) يدورون في فلك جهاز الأمن من مخبرين ومتعودي إجرام ومدمني مخدرات أو مواطنون ينشطون في أحزاب تدور في فلك السلطة.

فكانت قضية توجيه اتهام (جناية) التحريض على حرق سيارة للشرطة! وقد تم إيقاف د. فخار بتاريخ 16 جوان 2009 بطريقة استعراضية وغير قانونية، وبالرغم من إنكار المتهم الرئيسي، المسبوق قضائيا والمدمن، “لمدهكل عمر” لتهمة حرق سيارة الشرطة ولمعرفته المطلقة لكمال الدين فخار أو توجيه أي تهمة له وهذا في المواجهة المباشرة أمام قاضي التحقيق إلا أن قاضي التحقيق وقضاة غرفة الاتهام أصروا (أو أمروا) على المتابعة الجنائية أمام محكمة الجنايات ضد د. فخار.

وقد اتخذت هذه القضية المفبركة حجة لإصدار أمر بالمراقبة القضائية ومنعه من السفر للخارج وهذا بسحب وحجز جواز السفر منه.

واستغلت بعده السلطة الإضراب السلمي الناجح لتجار غرداية بتاريخ 1 جوان 2009، تضامنا مع محمد بابا نجار وتنديدا بالحكم الجائر ضده بالمؤبد في مجلس قضاء المدية، لتحريض تجار ينتمون لاتحاد للتجار و لحزب سياسي يدوران في فلك السلطة لتقديم شكاوي بالجملة خاصة ضد د. كمال الدين وكذلك بعض المنتخبين وبالرغم من أن هذه الشكاوي غير مؤسسة نظرا للامعقوليتها ولغياب أي دليل أو قرينة أو أركان للجريمة إلا أن جهازي الأمن والعدالة وتنفيذا لأوامر فوقية وفي خرق صارخ للقوانين و لأبسط قواعد المنطق و العقل، كيفت كل تلك الشكاوي إلى جنح! وجدولتها للمحاكمة! وهكذا تحولت حياة د.فخار كمال الدين إلى جحيم مبرمج داخل أروقة المحاكم، يستلزم التفرغ الكامل لمواعيد المحاكمات وانتظار التأجيلات وسماع أسئلة القاضي والمرافعات وترقب النطق بالأحكام ثم استئناف الأحكام الابتدائية وإعادة نفس الأدوار السابقة لكل قضية… فيما يشبه حرب استنزاف نفسية طويلة المدى منهكة ومحبطة، والمثير في أغلب هذه القضايا هو الاعتراف الصريح لبعض الشاكين في جلسات المحاكمات العلنية بتحريضهم من قبل رجال الشرطة لتقديم شكاويهم!

 وقد استغلت السلطة كل هذه التهم والقضايا لمواصلة حربها القذرة وهذا بتجريد د. كمال الدين من كل حقوقه المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية:

― فهو حاليا ممنوع من حقه في العمل، فهو موقوف عن العمل منذ سنة 2004 وكذلك العودة لمنصبه كطبيب عام بالمستشفى وحتى طلبه لفتح عيادة خاصة قوبل بالرفض؛
― ممنوع من حقه في السفر ومغادرة الجزائر وهذا بسب حجز جواز سفره؛
― ممنوع من حقه في الترشح لأيّ منصب سياسي، بعد إصدار والي غرداية قرار يمنعه من مواصلة عهدته الانتخابية بعد أحداث غرداية 2004؛
― ممنوع من الحصول على حقه في التعويضات كغيره من المواطنين بعد فقدانه لمنزله الذي جرفته الفيضانات الهائلة لغرداية بتاريخ 1 أكتوبر 2008 والتي أعلنت على إثرها غرداية منطقة منكوبة رسميا.

ونظرا لهذا كله فإننا نوجه هذا النداء لكل النساء ولكل الرجال ولكل الناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان والمناضلين من أجل الديمقراطية وللصحافيين وللمنظمات الحقوقية في جميع أنحاء العالم، التضامن مع الدكتور كمال الدين فخار وهذا بالضغط على السلطة الجزائرية بكل وسائل الضغط السلمية الممكنة، لإيقاف هذا الظلم والحرب النفسية الشرسة وهذه الممارسات المشينة المتواصلة ضده،وهذا بإيقاف التحرشات والمضايقات البوليسية المتواصلة، ووضع حد لمسلسل فبركة التهم وسيل المحاكمات المفتعلة، للرفع من معنوياته ولإعادة الاعتبار له ولاستعادة كل حقوقه المدنية والسياسية والاجتماعية.

الإمضـــــــاء:
عن المكتب الولائي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان
عبونة ابراهيم
غرداية يوم: 22/05/2010

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version