فضلت طوال الأسابيع الماضية أن ألتزم الصمت، لأنني بصراحة كنت أرى بأم عيني كيف أن من يوصفون بمسؤولي الدولة، ومن العيار الثقيل، يلعبون ويعبثون بأموال الشعب الجزائري أمام القاصي والداني، دون رقيب أو حسيب.

 

لأول مرة في وهران عاصمة الغرب الجزائري، فُوجئت كغيري من مواطنيها وساكنتها، بزخم وكثرة الزيارات التفقدية لكبار مسؤولي الدولة، وعلى رأسهم وزير الطاقة والمناجم شكيب خليل، تحت ذريعة التحضير للندوة الدولية للغاز، التي احتضنتها وهران يوم 18 أفريل الماضي، فكنت أرى كغيري من المواطنين البسطاء كيف أنّ هؤلاء المسؤولين، كانوا يوهموننا بأنهم سيحوّلون هذه المدينة إلى جنة الله فوق الأرض، فقد ادّعوا أنهم استوردوا النخيل وتربته من إسبانيا، لتزيين شوارع وهران، وأنهم سيضيئون كل أحيائها وأزقتها بالإنارة العمومية، وأنهم سيخلصونها من زبالتها وقاذوراتها، وأنهم.. وأنهم.. وانتبهت فجأة فإذا بالمكان الذي انعقدت به هذه الندوة الدولية للبلدان المنتجة للغاز، أي ما سمّوه هم بمركز المؤتمرات والاتفاقيات، قد استهلك أكثر من 800 مليون أورو، واحتضن الندوة، والأشغال به لم تنته، واكتشفتُ كغيري بأنّ شجيرات النخيل المستوردة كما يقولون، لم تقوَ على الاحتفاظ باخضرارها لمدة أسبوع فقط بعد انتهاء هذه الندوة الخرقاء، التي لم تجن منها الجزائر أي شيء، واكتشفتُ أنّ الرئيس بوتفليقة الذي كان من المقرر أن يزور وهران لتدشين ما أُنجز من مرافق لاحتضان الندوة المذكورة، قد فضّل عدم المغامرة بالمجيء إلى وهران، حتى لا يُتّهم في وقت لاحق بأنه كان شريكا في المجزرة، التي تعرّضت لها الخزينة العمومية، أي خزينة الشعب الجزائري.

وكان من الممكن أن أتفهم موقف الرئيس، لو أنه بادر بمساءلة ومحاسبة المسؤولين عن تبديد أموال طائلة من الخزينة العمومية على “اللاشيء”، لكن الرئيس التزم الصمت، وفضل الهروب إلى الأمام، وكأنه يحاول إيهامنا بأنّ ما حصل لا علاقة له به من بعيد أو قريب، أي بعبارة أخرى أنّ هدر المال العام، تمّ من قِبل جماعات لا نعرف هويتها، وربما أتت إلينا من بلد آخر غير الجزائر، وصحيح ما قد يتوهّمه الرئيس بوتفليقة، فهؤلاء ليسوا منّا ولسنا منهم، وهم وببساطة متسلّطون علينا، كما تسلّط علينا في وقت سابق، الاستعمار الفرنسي، وأذنابه من خونة الجزائر، ولا أظن أنّ المجاهد “سي عبد القادر المالي” أي بوتفليقة، قادر على مجابهة هؤلاء، لأنه وببساطة كذلك، هو من ولّاهم تسيير أمور وأحوال الشعب، وإن كان اليوم غير قادر على محاسبتهم، فلأنه وببساطة كذلك، غير قادر على تحمل المسؤولية الكبرى التي أوكله إياها الشعب الجزائري، وغير قادر حتى على وقف مسلسل التلاعب بأموال الشعب الجزائري.

لقد انتهت هذه الندوة الدولية للبلدان المنتجة للغاز، لكننا لم نلحظ، ولم نعلم لحد اليوم، أين صُرفت مئات الملايير من الدينارات، التي خُصصت للتحضير لها، ولا أشك على الإطلاق، أنّ شجيرات النخيل التي قيل أنه تم استيرادها وتُربتها من إسبانيا، ما هي في الأصل سوى شجيرات نخيل، تم اقتناؤها من ورقلة أو إحدى الولايات المجاورة لها، وحتى وإن سلّمنا بأنه تم استيرادها من إسبانيا، فتلك لعمري الطامة الكبرى، فأيٌّ من البلدين مشهور بغرس النخيل، إسبانيا أم الجزائر؟

الخلاصة التي يمكن أن أنتهي إليها، أنّ سارقي أموال الشعب الجزائري، لم يعد يكفيهم نهب أموالنا في وضح النهار، كما حصل مع شركة سوناطراك وغيرها، بل أضحوا اليوم يسرقوننا، ويوهموننا بأنهم يعملون على ترقية وضعنا، وإخراجنا من أزماتنا، وقاذوراتنا وزبالتنا، باستيراد حتى النخيل من الخارج، لأنّ نخيل الجزائر ليس بحجم قزم كما هو حجمهم، ولا يمكننا والحال كذلك سوى أن ننتظر من هؤلاء المسؤولين أن يستوردوا لنا نساء من الخارج، لتحسين النسل في الجزائر في يوم ما… وقناعتي الأكيدة أنّ هؤلاء المسؤولين المفسدين، الذين غالب الظن أنهم من نتاج زواج آبائهم وأمهاتهم من غير الجزائريين والجزائرات، سيأتي اليوم الذي سيثور فيه أبناء ثورة الجزائر الجريحة عليهم.. لأنّ الثورة لا تموت.. وإذ ذاك سيرى هؤلاء وأمثالهم، كيف أنهم حفروا قبورهم بأيديهم، لأنّ الشعوب وبمنطق التاريخ، هي التي تبقى حية، ومثل هؤلاء في تعداد الأموات.

جمال الدين حبيبي
1 ماي 2010

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version