إنّ الإجراءات الإدارية الجديدة لسحب جوازات السفر المسماة “بيوميترية”، والمقررة عفويا، من طرف وزير الداخلية، تمثل تعسّفا سافرا بحقوق المواطنين الجزائريين وكرامتهم، وتحمل في طياتها دلالات خطيرة للغاية بتعمّدها خلط الأوراق في المفارقة ما بين المعطيات الإدارية المشروعة والمعطيات الشخصية الباطنية التي تبتزّ المواطن من خلال إخضاعه للأسئلة الاعتباطية التي تحتوي عليها الاستمارة الجديدة الطويلة العريضة، والتي لا علاقة لها إطلاقا، بالمتطلبات الإدارية العادية الجاري بها العمل في البلدان الأخرى عبر العالم.

أضِف على ذلك، مهزلة الشاهد أيْ الشخص”الضامن”، والتي تُمثل في حدّ ذاتها مساسا غير مسبوق بكرامة المواطن الجزائري، الذي أصبح الإنسان الوحيد في العالم الذي جُرِّد من هويته وأصبح مصيره اليوم، متعلقا بكفالة غيره، حتى يُحقّ له أن يتقدم أمام الإدارة ويقول: ها أنا ذا فلان بن فلان… بفضل شهادة فلان!

أجل، إنّ هذه الإجراءات المعقّدة للغاية وبصفة مقصودة، ليس لها أيّ علاقة بالمفهوم العلمي لكلمة “بيوميتريك” التي تخصّ – حصراً – بصمة الإصبع و قزحية العين كما هو الشأن حتى في أوروبا والولايات المتحدة. ولهذا لا مناص من التشكيك في أنّ هذه الإجراءات الجديدة هي عملية بوليسية مكشوفة، هدفها الصريح هو التحيّل من أجل الاستحواذ على أسرار المواطنين الخاصة بحياتهم الشخصية حتى وإن كانت لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

اللهم إلا إذا كانت الحاجة من هذه الإجراءات تكمن في “نفس يعقوب” – أي إسرائيل عليه السلام – إذ أخْوَف ما يُخاف عليه ومنه، هو أن تتسرّب المعلومات الشخصية الخاصة بالمواطن الجزائري خارج نطاقها وتصبح مادّة خاما، تتداول في بورصات المتاجرة برقاب الناس وأمنهم وأمن أسرهم وذويهم، في أسواق المخابرات السياسية أو – لما لا ؟– الجريمة المنظمة.

إنّ هذا النوع من التلاعب الخطير وغير المسئول بأسرار البلاد والعباد، يبدو وكأنما تفوح منه تلكم الروائح الكريهة لما يُسمى بـ “التنسيق الأمني” مع بعض الجهات المعروفة بعدائها للوطن والأمة، تحت ذلكم الغطاء المكشوف – أيْ مكافحة الإرهاب كما يقولون – الذي اعتادت نُظمنا غير الشرعية في معظمها، تتستر وراءه، لتُبرّر إرهابها هي الأخرى ضد شعوبها.

فما بالكم يا سيادة الوزير، إذا ما انقلبت الموازن ذات يوم، وعادت الأمور إلى صوابها بالنسبة للمفهوم الصحيح للأخلاق السياسية، ووقف ممثلون حقيقيون لهذا الشعب، ليطرحوا عليكم بدورهم، أسئلة محرجة، أكثر مشروعية بالنسبة للأمن القومي – فرضاً أنّ الجزائر تتمتع اليوم، بشيء يُسمّى أمن قومي، في ظل حضور الهيمنة الأطلسية – وسألوكم عن طبيعة علاقاتكم الحميمة مع بعض القادة السياسيين في الخارج، مثل نظيركم آنذاك، السيد ساركوزي، المعروف بانتمائه الصهيوني والاستعماري المعادي للجزائر، والذي ما فتئ يتردّد على زيارتكم طوال إقامتكم في المستشفى الأمريكي بباريس؟

وما بالكم إذا طلبوا منكم ومن كلّ المسئولين في هذا الوطن أن تصرّحوا بكامل الملكيات التي تملكونها عبر التراب الوطني؟

وما بالكم إذا سألوكم يا سيادة الوزير، عن فحوى محاولتكم التدخّل من أجل توجيه التحريات الأولى فور الشروع فيها، بعد اغتيال السيد التونسي، مدير الأمن الوطني في مكتبه؟ ثم لِمَ لم تستقيلوا من منصبكم كما هو العرف، في مثل هذه الحالات في بلدان أخرى – لكن، هل نحن “بلد”؟–  ثمّ…ثمّ… قد تطول الأسئلة المشروعة كهذه، ويفوق عددها الأسئلة التي جئتم بها في استمارتكم الابتزازية التي ليس لها أيّ أساس شرعي، ولا أخلاقي حتى.

ومع هذا، يزعم البعض بأنّ لنا في الجزائر “مؤسسات” تطلق على نفسها “المجلس الوطني الشعبي” أو “المجلس الدستوري”… ياسلام! 

عبد القادر الذهبي
24 أبريل 2010

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version