في عز الحملة الانتخابية التي قضت أيامها، كانت الوعود باللهب تتوهج داخل الصالونات وفي التجمعات ولم يكن يضاهي هذا اللهب "المدنس" غير لهيب الأسعار الذي أشعل جيوب الزوالية، وامتدت ألسنته بطول ألسنة المترشحين ومن لف لفهم ليطال ما بقي للجزائري من عزة وكرامة في جزائر العزة والكرامة، حيث أضحى السوق يمثل مذبحا أو مقصلة أخرى يشنق على أعوادها جلاد اسمه الخضار آخر ما تبقى للجزائري من عزة نفس وكرامة وكبرياء!

لكن ما شد انتباهي حقا وأنكرته على الجزائريين، أنهم لم يتعاطوا مع الفلاح وبطاطته كتعاطيهم مع ساستهم وخطاباتهم "اللي ما تسواش بصلة" بتعبير العامة، ذلك أنّ البطاطا التي بلغ ثمن الكيلوغرام الواحد منها ما يقارب دولارا ونصف (100 دينار جزائري) في بلد يزداد تدني دخل الفرد فيه بشكل مأساوي، أضحى إشكالية لا سبيل إلى حلها، إلا بتبني الجزائريين لأسلوب واحد يمثل رد فعل فيزيائي، بمعنى أنّ رد الفعل الاستهلاكي في شأن البطاطا وعامة الخضر، يجب أن يكون نفسه الحاصل من قبل الشعب مع الحملة والانتخابات الرئاسية، والذي سبق وأن حصل مع انتخابات المجالس المنتخبة بأنواعها الثلاثة (بلدية، ولائية ووطنية)، الفيزياء تقول بأنّ لكل فعل رد فعل مساو له في الشدة ومعاكس له في الاتجاه. أغلا الفلاح بطاطته، وكذلك فعل تاجري الجملة والتجزئة، ولابد للمستهلك كي لا يكون هالكا، من أن يغلي من شأن نفسه ويحكم عقله بدل بطنه. فإن فعل ذلك وعزف عن شراء الخضر سيكون الحال بمثابة معركة استنزاف يبن المستهلك الصابر على شهوة بطنه وبين التاجر والفلاح الصابرين على كساد منتجاتهما، والمعركة هذه لا يحسمها الفلاح ولا المستهلك بل تحسمها عاديات الزمن من شمس ومطر، فالأحوال الجوية كثيرا ما استخدم الفلاح تقلّبها لصالحه، فأغلا بطاطته يوم أمطرت بدعوى وعورة وصوله لجني المحاصيل، كما أغلاها كرة أخرى إن أجدبت بدعوى القحط والجفاف، ولابد أن يسقيه المستهلك من الكأس نفسه ويعزف عن شراء بطاطته حتى تفسدها هوامر المطر أو أشعة الشمس التي نحن مقبلين عليها، ولن يكون بوسع الفلاح والتاجر يومها، إلا أن يرخص أسعار الخضر لتصبح في متناول الناس، فالترك والعزوف سلاح فعال لإرخاص ما أغلوا ثمنه. واعتقد جازما أن لو التزم الجميع بأسلوب مقاطعة السوق سوف لن يطول ذلك إلا أسبوعا أو أسبوعين أو ثلاثة (مثل أيام الحملة) على أكثر تقدير، وسرعان يرفع التاجر والفلاح راية بيضاء بدل رفعه لأسعار البطاطا.

وبلا شك سنرى أباطرة التجار الفجار وأباطرة الكفار (الكفار هم الفلاحون كما جاء في سورة الفتح) يراودون الناس على شراء الخضر بأخفض الأثمان، تماما كما يراود يزيد زرهوني الناس على الانتخاب والحضور لعرس رئاسيات 9 أفريل. حقا أليس أمر الجزائريين غريب وعجيب، كيف لا يكترثون لانتخاب الرجل الأول في البلاد وقاضي القضاة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وهي كلها شؤون ليس كمثلها شيء في دنياهم، وتراهم يرهقون أنفسهم صعودا ونزولا يهدرون ماء الوجه أمام الخضارين. والحل بأيديهم أسهل من سهل، وهو المطلوب وهو ليس أكثر من أن يستغنوا عن البطاطا بضعة أيام، يتذكرون فيها ماضي أجدادهم بالكسكس بين "مسفوف" و "ممروق" و"بركوكس"، وسيرون الخضّار وحليفه الفلاح لا يفتآن يرفعان راية الاستسلام فيرخصون أثمان الخضر وربما حتى أثمان أنفسهم! 
 
عبد الله الرافعي
7 أفريل 2007

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version