التسلل، لمن لا يعرفه، هو الخروج عن الخط في منطقة محددة داخل ملعب لكرة القدم، تجري فيه مقابلة بين فريقين، فاللاعب المحترف لا يسقط في فخّ التسلل، أمّا اللاعب الهاوي، فإنه يقع كل مرة في التسلل، حتى أنه يستعمل كل قواه العقلية والجسدية، فيتطيّر منه العرق ويتبلل ثوبه، ويسرع يمينا وشمالا في كل الاتجاهات، فيرهق عضلاته، ويتحرك جمهوره بالهتافات، حتى يُخيّل لك بأن الأرض اهتزت، وفي النهاية بعدما ظن هذا الهاوي أنه ضرب خصمه في المقتل، مُسجلا هدفه، فإذا بالحكم ومساعده يعلنان بأن الهدف لا يُحتسب، لأنه كان متسللا ومخالفا لقواعد اللعبة.

هو هذا بالضبط ما جرى، وما يجري لبوتفليقة الرئيس المُعيّن الجزائري، ومن سيلحق به إذا بقي الحال كما هو عليه فبعد إعلان اليمين زروال عن استقالته وهو وزير الدفاع الذي جيء به قصد لملمة الأوضاع التي كانت تعيشها الجزائر آنذاك، بداية الحرب الأهلية.

زروال بعدما اقتنع بأنه لا يستطيع فعل شيء خارج إرادة الطغمة الحاكمة، ترك الباب مفتوحا أمام المنافسين سنة 1999، حتى أنه أعلن فيما بعد، بأنه لم يكن يعلم بقرار الانسحاب الجماعي، إلا بعد إعلانه من طرف المرشحين الستة.
 
وقد كان التنافس في أوجّه، حيث تقدم مرشحون من العيار الثقيل ببرامج متنوعة، وهم وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، الذي كنت أرأس لجنة مساندته على مستوى ولاية "برج بوعرريج" ورئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش، ورئيس الحكومة الأسبق مقداد سيفي، والشيخ عبد الله جاب الله رئيس حركة الإصلاح الوطني، التي أسسّها في وقت قياسي وظرف كذلك، بعدما تم الانقلاب عليه في حركة النهضة، وآيت أحمد أحد رموز الثورة الجزائرية وزعيم جبهة القوى الاشتراكية، ويوسف الخطيب أحد الذين شاركوا في ندوة الوفاق الوطني وأحد العسكريين النافذين وقتذاك، وبعد استكمال الحملة الانتخابية، التي مكنت المرشحين من مخاطبة الجماهير واستعمال وسائل الإعلام الثقيلة، والتنقل داخل الولايات والالتقاء بالجماهير التي كانت تلهث وراء المصالحة الوطنية الحقيقية، والعمل على إنضاج الأمور داخل الشعب الذي أنهكته المحن وقسمته الخلافات.
 
ولكن بعد التقارير التي وصلت مداومات المرشحين، من أن التزوير على أعلى المستويات بدأ يأخذ منعرجات خطيرة، قد تعود كوارثه على الشعب، وستتوسع حمّامات الدم في حالة الاحتكاك والمجابهة إذا لم يتخذ الموقف المناسب، قرّر المرشحون بالإجماع الانسحاب عشية الانتخابات، ليجد بوتفليقة نفسه وحيدا أمام صناديق الاقتراع غير مبال بما حصل، وبذلك دخل أعرجا إلى قصر المرادية ولم ينل ثقة الشعب.
 
وها نحن اليوم بعد عشر سنوات من تسيير بوتفليقة المرتجل، نعود من حيث كان البدء، تتجه غالبية الشعب نحو المقاطعة للانتخابات، وبعدما قام هذا المشتاق إلى الحكم بتعديل الدستور الذي بفضله دخل اللعبة، وقام بتخييطه على مقاسه، حتى أنه، من باب الضحك على الشعب، قال بأنه مرشح مستقل، فأين الاستقلالية والكل يعلم بأن صناع القرار هم من جاؤوا به، مُمكّنا نفسه من البقاء في الحكم مدى الحياة، ومفوتا فرصا ذهبية على الشعب في التغيير بطرق سلمية، بعدما امتلأت الخزائن بفضل ارتفاع أسعار البترول، التي جاءت مطابقة للمثل الرائج "مصائب قوم عند قوم فوائد" وأعني تحديدا الحرب على العراق.
 
ها هي شرائح واسعة من الشعب تقليه وتجعله متسللا مرة أخرى، فقد خاب ظن حتى من ساندوه في بداية حكمه لإخلافه بوعوده الكاذبة، ومنهم أمين أسراره السابق، ناهيك عن الإطارات الذين يفرّون من جنة بوتفليقة على قوارب الموت كل يوم، فقد دخل عبد القادر المالي بالتسلل عندما انسحب المرشحون، وها هو يخرج بمقاطعة الانتخابات كما أعلن المقاطعون، الذين يمثلون نفس الإرادة الشعبية التي جعلت من بوتفليقة متسللا سنة 1999.
 
نور الدين خبابه
22 مارس 2009

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version