2- الجماعة أو الكتلة الثانية وإن كانت لا تستحق أن تسمى كذلك نظرا لعدم اجتماعها على مقصد واحد تضم نظريا كل من الجبهتين الوطنية الجزائرية والقوى الاشتراكية اللتان عكفتا على إصلاح وترميم ما خلفه زلزال التصويت على مشروع التعديل ببيتيهما. حيث انقلب عليهما بعض نوابهما وصوتوا لغير ما أرادت القيادتين لصالح التعديل وراحت كل من قيادة موسى التواتي وحسين آيت أحمد تهدد بالعدالة والفصل من الحزب ضد أولئك الذين اعتبروا في نظر القيادتين "مارقين متمردين" عن قرارات الحزبين الذين لا يتفقا على تقديم مرشح موحد لهما في الرئاسيات. وإن كانت الجبهة الوطنية الجزائرية حسمت في الأمر قبل الكل بإعلان رئيسها موسى التواتي عن الترشح وعن عدم قبوله لعب دور "أرنب سباق". فإن جبهة القوى الاشتراكية لم تفصل في مسألة الترشح بعد. وهذا لا يعني البتة أنها ستدعم التواتي ولا أي مرشح آخر. كما أنها تلوح بمقاطعة الانتخاب ودعوة غيرها للمقاطعة.
3- الجماعة الثالثة هي التيار الإسلامي الذي يشهد هذه الأيام مرحلة مخاض عسير أوقف الأحزاب الإسلامية أمام حقيقة مرة كثيرا ما وارتها وعمدت التهرب من مواجهتها ممثلة في ضعف أدائها الحزبي وقلة حيلتها السياسية وأفول بريقها الإيديولوجي. ففيما انبرت حركة حمس منذ حوالي عقد من الزمن إلى معسكر التحالف الرئاسي واتخذت لها اقنيما بين الأقانيم الثلاثة لا يزال حزبي النهضة والإصلاح هائمين على وجهيهما منذ أن تركهما جاب الله أو منذ طرد منهما. وأمام تحديات المرحلة تردد بعض الأوساط في الحزبين الإسلاميين فكرة البحث عن مرشح إسلامي لدخول المعترك السياسي وحتى الآن غالب التلميحات ترجح أن يكون الدكتور أحمد بن محمد صاحب حزب الأمة غير المعتمد جواد رهان الإسلاميين في الرئاسيات القادمة. وهذا ما يعد اعترافا صريحا بأن الأحزاب الإسلامية سواء كانت حركة حمس الإخوانية المنضوية تحت لواء التحالف الرئاسي أو النهضة والإصلاح غير قادرة على التقدم بمرشح للرئاسة. كما أن اجتماعها على مرشح من حزب إسلامي معناه الذوبان في هذا الحزب أو تزكيتهم له ولحزبه على حساب بقية الأحزاب الإسلامية ووجودها وشعبيتها. تماما كما لو دعمت مرشحا غير إسلامي حيث سيعد دعم التيار الإسلامي لمرشح غير إسلامي ولو كان بوتفليقة نفسه نوعا من الاستقالة وحكما على هذا التيار بالزوال. ومن جهة أخرى يبدو دعم الحزبين الإسلاميين النهضة والإصلاح لعبد الله جاب الله أمرا مستبعدا بفعل ماضي الرجل مع الحزبين وكيفية خلعه من رئاستهما. ولذلك يبدو حتى الآن صاحب الحظ الوافر ليكون وعاء لأصوات الإسلاميين هو الدكتور أحمد بن محمد في حال ترشحه. لأنه لم يسبق له على الأقل النشاط السياسي المعتمد ولكونه مجهول السلوك السياسي العملي حتى الآن ما يجعل من التصويت عليه طلبا لإشباع الفضول وتغيير الواجهة الإسلامية وتجريب الجديد. هذا كله يبدو حديثا روتينيا عن حراكات سياسية روتينية تخص أشخاصا وهيئات روتينية. أما الجديد الذي لم يسبق حدوثه فهو بشأن الجماعة الرابعة.
4- جماعة "الزرواليون" أصحاب ذلك المسعى الذي بادرت إليه بعض الشخصيات غير المتحزبة وبينها من هم غير متسيسين أصلا حيث اجتمعوا لحشد الجماهير والأصوات التي تحمل الرئيس السابق العميد اليامين زروال إلى الترشح لدخول معترك الرئاسيات القادمة. ولكن ما يعترض سبيل هذه الجماعة التي يمكن تسميتها بـ"الزرواليون" هو أن الرجل سبق له أن زهد في الرئاسة حينما تنازل عنها طواعية وغادر قصر المرادية بأسلوب حضاري قل أن عرفت حتى أعرق الديمقراطيات الحديثة مثله بعدما سهر على تنظيم رئاسيات أفرزت بوتفليقة العائد بعد غيبة طويلة رئيسا للبلاد في العام 1999. غير أن ما يراهن عليه أصحاب هذا المسعى اللعب على الوتر الوطني بمراودة الجنرال المتقاعد عن نفسه تحت عنوان حاجة البلاد لمثله. وهو ما قد يستعطف الرجل الذي طلق السياسة بالثلاث البائن ليرجعها بعد المحلل كما فعل أيام العسرة في عام 1994 حينما دعاه نداء الوطن والرماح نواهل كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم. وكذلك يتخذ الزرواليون من تعديل المادة الدستورية الزروالية أصلا رقم 74 حصان طروادة لاستمالة زروال وحمله على الترشح باعتبار أن الدستور المعدل جاء ليقضي على مكسب ديمقراطي تعود حقوق ملكيته لزروال وهو فتح الفترات الرئاسية بلا تحديد.
وعليه يمكن أن نتصور أن مرشحي الرئاسيات القادمة لعام 2009 سيكونون موزعين على النحو الآتي: عبد العزيز بوتفليقة مرشح التحالف الأوفر حظا ثم يليه اليامين زروال مرشح خصوم السلطة والمعارضة معا إن قبل مبادرة أنصاره الجدد وترشح. ثم يحل ثالثا رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى التواتي المعارض الوحيد المتمسك بمعارضته والمتمسك أيضا برفضه قبول لعب دور أرنب سباق كما يردد في كل تصريحاته. ويحل رابعا الدكتور أحمد بن محمد إن "قبل وقبل" أن يكون مرشحا للتيار الإسلامي. فيما لن تخلو ساحة المنافسة الرئاسية من "المتعودين عليها" كجاب الله المتشرد حزبيا والدكتور سعيد سعدي الذي يشترط مراقبة دولية لترشحه وعدا عن هؤلاء جميعا قد نرى حسين آيت أحمد مرشحا عن حزبه إن لم تقاطع جبهة القوى الاشتراكية الانتخابات برمتها. فيما يبقى التساؤل الأبرز بشأن مولود حمروش المتواري عن الأنظار إذ لا تصريحات ولا ظهور أعلامي لرئيس الحكومة الأسبق رغم أنه كان من أبرز معارضي التعديل والعهدة الثالثة. ونفس الشيء يقال بدرجة أقل عن مقداد سيفي وطالب الإبراهيمي الذين سبق لهما الترشح للرئاسيات.
عبد الله الرافعي
30 نوفمبر 2008