علمنا التاريخ عبر العصور ومن خلال التجارب، أن كثيرا من الناس الذين يعتقدون الصّلابة في شيء معين، سرعان ما يقتربوا منه فيجدونه عبارة عن هواء ووهم وسراب. مثال ينطبق على كثير من الشخصيات الوهمية، التي تنفخها السلطات في وسائل الإعلام فتجعل منها بوقا تتنفس منه، وعندما يكتمل دورها وتنتهي صلاحيتها يُقذف بها إلى سلّة التاريخ فتدخل الأرشيف، ووقتما احتاجت إليها أخرجتها ثانية وهكذا دواليك .

من بين هذه الأمثلة أحد الشخصيات التي برزت في الآونة الأخيرة وسطع نجمها، من المُدّعين للسياسة، وهو مدني مزراق قائد ما سمي بالجيش الإسلامي للإنقاذ الذي تبرأت منه قيادة الجبهة ونفت أن يكون جناحها العسكري. تصريحات يزيد زرهوني قطعت الشائعات بعد موت الجنرال إسماعيل العماري الذي ثبت بأنه اخترق هذا التنظيم وقال بالحرف أي زرهوني… بأنه لا عودة للحزب المحظور ولا لمن شارك في الأزمة وقد رددها مرارا وتكرارا في قبة البرلمان في وجه وزير الخارجية الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، ولاشك أن يزيد زرهوني واحدا من الذين، يعادل مكره مكر من سبقوه من الجنرالات المعروفين بمصّهم لدماء الجزائريين ومن الذين مازالوا في السلطة ويديرون البلاد. والمقصود طبعا من كلام يزيد بأنه لا عودة للحزب المحظور، أي الإسلاميين أو المتعاطفين معهم من الوطنيين لمن لم يسعفه الحظ لفهم كلام الأبكم. مدني مزراق يعتقد أنه أذكى من سابقيه وهو الذي استُعمل مثلما استُعمل مراني كورقة وسعيد قشي وكرار ورابح كبير وغيرهم من المدّعين للسياسة وهو أحد الذين يحسبون أنفسهم أنهم يحسنون صنعاً يوهم نفسه ومناصريه على أنه قوة عظمى لا يمكن تجاوزها ولا الاستهانة بها، وهو لا يدري بأن نزوله من الجبال ووضعه السلاح، قضى على نفسه بيده وانتحر انتحارا سياسيا هو وجماعته، ولم يعُد له لا شأن ولا مشورة. وكان عليه أن يفاوض وأن يفرض خياراته قبل أن يرتمي في أحضان النظام الذي سحب من تحت رجليه المبادرة ولأننا مؤمنين ومقتنعين بأن الجزائريين تُحرم دماؤهم بحكم عدة اعتبارات حتى وإن تجاوز بعضنا حماسا أيام عز الأزمة وزلت الألسنة من خلال ما كنا نراه ونشاهده فإننا، بفضل من الله لم نشارك أبدا في إراقة دم أي جزائري لا من قريب ولا من بعيد، والخشية كانت ولازالت من الله أولا وأخيرا.

مع أنه أُريد لنا إما أن نصعد إلى الجبال فنَقتُل أو نُقتل أو نرضى بالواقع المر المفروض علينا وهو الالتحاق إما بركب السلطة كما فعل الكثير من خلال التنازلات أو بوعود كاذبة تتضح يوما بعد يوم. اخترنا أخف الضررين، وهو أن نهاجر الأهل والوطن مع تحمل مرارة هذا الخيار حتى يحُدث الله بعد ذلك أمرا. كيف لرجل مثل أحمد طالب الإبراهيمي الوزير السابق للخارجية، يُمنع من ممارسة نشاطه السياسي من طرف وزير الداخلية الذي عينه هو كسفير في وقت ما وكان يتلقى منه الأوامر، بحجة أن أعضاء من قيادته كانوا أعضاء سابقين في الجبهة الإسلامية كمنخرطين ليست لهم أية مسؤوليات أو لأنهم متعاطفين مع الحزب وأنا واحد منهم؟ ونسي هذا الوزير الأرعن أن أغلبية الشعب الجزائري انتخبت لصالح هذا الحزب. فهل من المنطق والحكمة أن تُلغى إرادة الأغلبية وتحُلَّ محلها الأقلية؟

اللهم إلا إذا كان هذا في ديمقراطية التناقضات، كالتي نشاهدها في الجزائر ومن حذا حذوها من الأنظمة البوليسية. وكيف للسلطات أن تحاور المسلحين في الجبال، وتبعث بوفودها إليهم وتمنع السياسيين من المعارضة؟ وكيف تعين وزراء كانوا أعضاء مؤسسين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ من أمثال مراني وقشي وغيرهم من أحزاب إسلامية أخرى من الذين انقلبوا على قياداتهم؟ وكيف بيزيد زرهوني يمنع أحمد غزالي من ممارسة نشاطه السياسي من دون تقديم حجج مُقنعة، مع أن أحمد غزالي كان ولا يزال محسوبا على إحدى المجموعات الضاغطة التي يقودها نزار مُفتعل الأزمة ومعه بعض النسوة أمثال ليلى عسلاوي وبن حبيلس وشبيهاتهن وتدعم علنا أحزاب مجهرية لا وجود لها على أرض الواقع، تأتي فقط وقت الانتخاب من أجل الحصول على بعض الريع الذي تقدمه السلطات كإغراء وشراء للذمم وملئ للفراغ والقيام بدور التمثيل أو للتحضير للمسيرات العفوية أو إصدار بيانات الشجب والتنديد أو المباركة وبعد انتهاء مهمتها، تعود إلى أوكارها كالطيور المهاجرة التي تبحث عن الأَكَلةْ، دون أن ننسى إحداث الانقسامات داخل الأحزاب فإنه لم يسلم أي حزب من أحزاب المعارضة ولا مؤتمر ولا جمعية من الاختراق. زرهوني الذي يتتعتع في حديثه ولا يستطيع أن يأتي بجملتين مفيدتين خاليتين من الأخطاء باللغة العربية وحتى الدارجة، يتحدث زورا عن الوطنية الكاذبة ويبيع بها ويشتري.

متى كانوا وطنيين وهم يخونون أمانة الشهداء ابتداء بخيانة مبادئ أول نوفمبر بقتل أبنائهم وتوظيف نسائهم كمنظفات؟ متى كانوا وطنيين وهم يحاربون كل مصلح ويدعون جهارا نهارا إلى الفساد، من خلال إشهارهم إلى إفساد الشباب في قناة العهر؟ وبدل من أن يجدوا للشباب الحلول بدءا بالقضاء على البطالة أو التقليل من حدتها على الأقل ويجدوا الحلول للسكن والعنوسة والمحافظة على العيش الكريم من صحة وتعليم ومحو آثار الأزمة، يأتون لإلهائه كل مرة بفتات من خلال الحفلات الموسمية والمقابلات الرياضية بحثا عن فرحة عابرة .

إن غلق الآفاق السياسية وتقييد الحريات، من خلال التلاعب بالتناقضات والمتشابهات وفرض الأمر الواقع باستعمال الوقت للقضاء تدريجيا على المعارضة لهو خطر يهدد سلامة وأمن الوطن ويزيد من معاناة الشعب. وإن النظام قد وجد في هؤلاء المدعين للسياسة الطريق في التحضير إلى حقبة ستعود بأشياء كارثية على المواطن إن الكثير من الشخصيات استُعملت كما ذكرنا كالبالون المنتفخ فمنها من دخل الأرشيف ومنهم من ينتظر والطريق لا يزال طويلا.

نورالدين خبابه
17 سبتمبر 2008

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version