في الكثير من المرات، يصبح عنوان الموضوع مختزلا لمحتواه نظرا لمسايرته الواقع، ولأن الأغلبية من شعوبنا مع الأسف لا يهتمون لا بالقراءة ولا بفهم الحقائق بالرجوع إلى أصولها فإنه من العبث اختيار عنوان معاكس، يؤدي بالقارئ إلى التسلل. وحيث أن الكثير من الناس أصبحوا يقرأون العناوين فقط، اختصارا للوقت الذي يُعتبر مضيعة من حياتهم إذا كان لغير التسلية ويتعلق بالجد، فإنه إذن، واجب علينا أن نختار لهم العنوان الصحيح حتى نساعدهم في ربح الوقت ونساهم بذلك في إراحتهم من أعباء المتابعة، وكما أن العكس أصبح هو الصحيح في كثير من الأحيان، فقد انقلب الحابل بالنابل وتثقف الكثير من القنوات الفضائية بالتلقي وبالمشاهدة أو بالسماع، بأن المحتل جاء ليحررنا من قبضة العتاة والمستبدين، كما حصل في العراق وفي أفغانستان، وجاء ليزرع التسامح والعدل، ولذلك من الطبيعي أن تصبح الجزائر اليوم تدفع إلى خزينة أمريكا بدل أن تدفع أمريكا إلى الجزائر وهي رسالة للدار كين.

البارحة وأنا أطالع الأخبار، وإذا بامرأة تشبه الكثير ممن تذكروا من حكام العرب والمسلمين، تحل بالجزائر في زيارة خاطفة خوفا على سلامتها، وقد أجّلت زيارتها كم من مرة لأسباب هي من حددتها، وتزور ليبيا وتونس والمغرب وكأنها تتفقد ذويها وتطمئن عليهم. لم تمكث طويلا المرأة الرجل، بل اختصرت زيارتها لأنها تقرأ العناوين فقط على حكامنا، وتترك لهم التحاليل في معاهد الدراسات وعند محلليهم من السياسيين أو الخبراء الجدد الذين تطالعنا بهم قنوات العار والشنار والمسمون بالأخصائيين في شأن الجماعات الإسلامية، وطالعتنا فيما بعد صحافة المراحيض، بأن كوندوليزا رايس تُعلق آمالا كبيرة على الرئيس الجزائري وحدثتنا عن حنكته، وحكمته، وفخامته، وأهملت بيت القصيد عن يده اللينة الطيعة التي تملئ خزينة أمريكا سواء في البنوك أو بوعود لم تتحقق.

مباشرة عاد بي الزمان إلى الوراء، وكعادة المتخلفين من مثلي الذين ينظرون إلى الوراء، لأن عقارب الساعة في الجزائر متوقفة منذ أمد إلى إشعار آخر، تذكرت شيئا تعلمته في المدرسة التي خلّفتني يتعلق بأمريكا والجزائر وقلت في نفسي:

يا لها من مفارقة بين جزائر البارحة وواشنطن اليوم! البارحة واشنطن تدفع للجزائر الجزية مقابل إطلاق سراح مساجينها وخوفا على سفنها، واليوم، تدفع الجزائر إلى أمريكا مقابل تمديد حكم العسكر واختيار واجهة أخرى تتغير كلما تلطخت وقدُمت واهتز كيانها، كما قرأت حال الجزائريين في المقابل بغونتناموا وإليكم بعضا ممّا ما تعلمناه، متيقن بأن الكثير من شبابنا لا يعرفون هذا، بل إذا ما سألتهم يعرفون الشاب فلان والشابة فلانة وعلاّن.

“وقّع جورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية معاهدة صلح مع بكلر حسن والي الجزائر في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، بمقتضاها تدفع إلى الجزائر على الفور 642 ألف دولار ذهبي، و1200 ليرة عثمانية، وذلك مقابل أن تطلق الجزائر سراح الأسرى الأمريكيين الموجودين لديها، وألاّ تتعرض لأي سفينة أمريكية تُبحر في البحر المتوسط أو في المحيط الأطلسي.”

ومن المفارقة أيضا أن الجزائر في وقتها استولت على بعض سفن أمريكا في شهر رمضان. لست أدري كيف اختارت كوندوليزا رمضان؟ هل لأنه شهر الرحمة والمغفرة وجاءت صائمة قائمة وأتت لتمطر على الرئيس والشعب الجزائري برحماتها أم اختارت الشهر لتذكير بوتفليقة صاحب الحنكة والحكمة الذي لم يستطع تسوية الكثير من الملفات على مستوى الجزائر وعلى مستوى المغرب العربي؟ وكيف يُعوّل عليه مادام أن الشيب أبلغه عتيا؟ اللهم إلا إذا كان المقصود بحنكته في تقبيل الأيدي وإعطاء مفتاح الخزينة لأمريكا وأوربا وإهداءه لها الصحراء مقابل أيام ستتضح جليا؟

نورالدين خبابه

9 سبتمبر 2008

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version