تعيش الجزائر هذه الأيام مجموعة من المناسبات تتعلق بنظام الحكم إلا أن آثارها تمس كافة الفئات الاجتماعية. و يمكننا إجمال هذه الأحداث في النقاط التالية:

الأول يتعلق بتصريحات رئيس البلاد السيد عبد العزيز بوتفليقة حول حصيلة حكمه الذي قاربت مدته العشر سنوات حيث هاجم كعادته التقصير الذي تواجهه سياساته التنموية معتبرا أن الطريق إلى الجنة لا يزال بعيد. وقد قدمت عدة تبريرات لما قاله لعل أبرزها ما صرح به وزير الداخلية معبرا عن ارتياحه لسياسة النقد الذاتي الذي يمارسه رئيس الجمهورية وهو نقد بناء ومنتج لما سيؤول إليه الوضع بعد تحديد مكامن الخطأ. والحقيقة التي نقرها هي أن الحكومة على اعتبار أنها المنفذة للسياسة الرشيدة لرئيس الجمهورية ليست معصومة وإنما هي مسؤولة فالذي يرى أن هناك تقصير أو تهاون ما عليه إلا أن يسائل القائمين على هذا التقصير وهذا ما لا يجد تطبيق على أرض الواقع. إذن فالبيروقراطية الإدارية المعرقلة للمشاريع التنموية ليست بالجديدة وقلنا في مقال سابق أن هذه البيروقراطية الموروثة عن الاستعمار لها تقاليدها الراسخة والتي لا يمكن القضاء عليها إلا بتجديد الدم في عروق هذا الجهاز وسن قوانين واضحة وتحديد المهام الموكلة لكل جهاز إداري إضافة إلى رفع الظلم الواقع على الفئات العاملة بهذا القطاع (الوظيف العمومي) فكم من موظف قدم سنين عمره بل وحتى حياته في خدمة الإدارة وفي الأخير لا يجد سكنا يأوي إليه. إذن فالمشكل خطير لأنه يمس مصداقية الحكومة ومنه النظام الحاكم كما أنه يتعلق بقضية هامة وهي عرقلة مصالح الناس بصفة مباشرة والحد من تطلعاتهم وطموحاتهم وحتى قطع أرزاقهم. والحقيقة أن الموضوع شائك لا يكفي الحديث عنه بل يجب اتخاذ خطوات عملية قي سبيل القضاء عليه أو على الأقل التخفيف منه.

الحدث الثاني يتعلق بالجوانب المالية فرغم الراحة المالية التي تعرفها الجزائر والتي تحولت إلى أزمة نتيجة عدم وجود الكفاءات اللازمة لتسيير هذه السيولة فصار السبيل الوحيد لها هو صناديق السيادة التي لا نعرف عنها إلا الاسم. رغم كل هذا لا زالت حكومتنا تمارس سياسة العقاب ضد شعبها آخرها فرض ضريبة على اقتناء سيارات جديدة والتي ستمس الفئات المحرومة التي تريد أن تشتري الراحة والهناء والاحترام ورغم التبريرات التي قدمت على اعتبار أنها ستوجه لدعم النقل العمومي وتخفيف الضغط على المدن الكبرى فإننا نتساءل ما ذنب المواطن إذا كانت الدولة غير قادرة على انجاز مشروع واحد يحمل صفة الإتقان ونقول الإتقان وليس الإبداع لأنه لا إبداع بدون إتقان. وما ذنب المواطن إذا كان لا يجد الاحترام والتقدير أثناء تنقله عبر وسائل النقل العمومي. وما ذنب المواطن الذي يسكن في الصحراء حيث لا توجد لا أزمة سير وأزمة سيارات كان الأولى بالحكومة الذكية أن تفرض مبلغا على دخول العاصمة لتيسير تنقل المسؤولين وليس المواطنين وهذا كحد أدنى من العقاب لأن المقبول وليس الواجب هو ضمان حرية التنقل عن طريق تقديم خدمات أفضل وليس فرض ضرائب لا معنى لها إلا عند من سنها والحقيقة أن الأمر ليس بالغريب على الحكومات الذكية التي لا توجد إلا في الدول العربية والإسلامية فنجد مثلا أنه في إحدى الدول العربية تم الرفع من قيمة الكهرباء والغاز لترشيد الاستهلاك فرب عذر أقبح من ذنب.

الحدث الثالث يمس الناجحين في البكالوريا المساكين فبعد إعطائهم الأمل في إيجاد مستقبل أفضل جاء التوجيه معاكسا لتطلعاتهم حيث تم رفع معدلات التخصصات التي لها أفق عملي حيث نجد قطاع البيتروكيمياء حدد بمعدل أكثر من 15، الهندسة المعمارية بأكثر من 14 ونفس الأمر بالنسبة لتخصصات الأمن الصناعي والأشغال العمومية، العلوم الاقتصادية بأكثر من 13 في حين بقيت التخصصات الأخرى مثل الحقوق والتي تتطلب تكوينا إضافيا بمعدل 11. هذا الأمر يقودنا إلى القول إن الإصلاحات الناجعة لبن بوزيد ستفاقم الأزمة الجزائرية بعد أربع سنوات (ثلاث سنوات لنظام آل آم دي) لأن المخيال الجماعي لحملة البكالوريا يريهم أنفسهم بشكل إطارات مستقبلية للبلاد وهذا ما لا نراه على المدى القصير والمتوسط. ولذلك من الواجب على الدولة الاستعداد لمشكل حاملي الشهادات وأرجو أن لا تتخذ في حقهم نفس الإجراءات التي اتخذها تونسي في حق سكان الأحياء الفقيرة حيث سيشدد الرقابة الأمنية عليهم على اعتبار أنهم هم مفرخي الإرهاب والإجرام في الجزائر المستقلة.

هناك قضايا أخرى تتعلق بالناحية السياسية والتي نسميها السبات السياسي للأحزاب السياسية التي لا نرى لها أي دور ميداني ربما لأن الحملة – التي نتمنى أن تأخذهم – لم تبرز بوادرها بعد أو لأن الأمر لا يعنيها على اعتبار أن الفوائد المالية من النشاط غير متوقعة. كذلك الأزمة التي ستواجه الصحافة الوطنية والمستقلة نتيجة رفع الدعم عنها. زيادة على هذا عدم التحكم في المنتوج الفلاحي الذي يعرف وفرة في الإنتاج وتذبذب في الأسعار. كل هذا يقودنا إلى القول أن تغيير الرجال وحده ليس بالكافي لأن عملية تبادل الأدوار المنتهجة منذ زمن لم تثبت نجاعتها وفعاليتها الميدانية. وعليه من الواجب والأحرى تقديم بديل لهؤلاء الذين يمارسون سياسة نلعب أو نحرم.

نعيم بن محمد
31 جويلية 2008

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version