و إيمانا منا بأن التاريخ ليس حكرا على أحد ما أنه ليس ملكا لصانعيه يحتكرونه و لا يريدون الإعلان عنه كما فعل السيد أحمد بن بله الذي أجل نشر مذكراته إلى بعد موته. و عدم نشر مذكرات بن طوبال و الهجوم على علي كافي بعد نقله لما يرى حول حادثة اغتيال عبان رمضان رغم أن فتحي الذيب قد سبقه إلى ذلك و استفراد البعض في تقديم أنفسهم على أساس أنهم أبطال و منقذي الجزائر كنزار و ياسف سعدي و بعد سكوت الكثير من صانعي الثورة عما حدث و يحدث فإننا سنحاول هما تقديم بعض التساؤلات التي طرحها و يطرحها الجزائريون خاصة جيل ما بعد الثورة في حين يعتبرها الجيل الجديد من قبيل الخرافة لأن الأوضاع المعيشة تكذبها. و يمكننا إجمالها في النقاط التالية:
• ما هي الإيديولوجية و القواعد الفكرية المؤسسة للثورة الجزائرية؟ هل هي استمرار للنضالات السابقة أم أحدثت قطيعة معها و كيف حاولت الثورة تجنيد أفراد الشعب إلى جانبها هل اعتمدت على الروح الوطنية، الدين أم ظروف المعيشة أم التهديد … بمعنى هل كان للثورة مبادئ أساسية تعتمد عليها و ترجع إليها في حالة الخلاف أم أن الوضع عبارة عن هجين من التصورات و الأفكار الأمر الذي استدعى تأجيل كل شيء إلى ما بعد الاستقلال. و لماذا التذبذب في المؤتمرات و عدم اعتماد بيان أول نوفمبر كقاعدة و أساس لما قد يأتي فيما بعد أم أن الأمر يتعلق باختراق الثورة من قبل أناس لم نسمع عنهم قبل 1954.
• لماذا استفحل الصراع الداخلي هل يرجع إلى النظام القبلي للمجتمع الجزائري لأم لأن الأمر يتعلق بسياسة فرق تسد حيث عانت منطقة الأوراس من عدم الاستقرار و الانضباط خاصة بعد استشهاد بن بولعيد ؟؟؟ إضافة إلى الضربات التي تعرضت لها من قبل المستعمر كما أن القاعدة الشرقية ممثلة في سوق أهراس تم القضاء عليها نهائيا سنة 1957 و انتقال القيادات إلى الغرب حيث تعتبر تلك المناطق أقل سخونة مقارنة بالمناطق الشرقية.كما أن الصراع الذي نشب بين جماعة بن لونيس (المصاليين) و حادثة ملوزة تجعلنا نطرح العديد من الأسئلة حول حقيقة الصراعات هل هي في سبيل إنجاح الثورة و لم الشمل أم أنها كانت لتصفية حسابات بين الإخوة الأعداء و ما نتج عنها من ظلم خاصة للشعب الذي لم يكن له لا ناقة و لا جمل في هذه الصراعات.
• لماذا تم نقل الصراع إلى الخارج ؟ إن تصفية الحسابات بالخارج و التلاعب بالثورة كان له انعكاس كبير و خطير على الداخل خاصة فيما يتعلق بمسألة تمويل الثورة بالسلاح هذا الأخير تم تكديسه على الحدود و كأن الداخل حقق اكتفاءه أو أن الثورة حققت أهدافها. إن الأمر يتعلق هنا بسياسة الابتزاز، ابتزاز الداخل من أجل تقديم دعمه لقيادات الخارج و الضغط عليه لتزكية مشروعها المتعلق بالوصول إلى السلطة و حكم البلاد و قد نجح أناس في تحقيق ذلك رغم أنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة و لم تواجه صدورهم نيران العدو و لم يعرفوا طعم الخوف و مواجهة الموت.
• هناك أسئلة أخرى تتعلق بالأسطورة التي حاول النظام الحاكم إقناع الشعب بها، أسطورة الجبهة و سياستها الرشيدة في قيادة الثورة و حكم البلاد و العباد فيما بعد و تسييرها العقلاني للثورة و ذلك من خلال تضخيم عدد الشهداء و المجاهدين و انتهاج التقشف و تحمل شظف العيش في سبيل الاستقلال و الحديث عن مشروع المجتمع الذي لم يرى النور حتى هذه اللحظات إضافة إلى مسألة الحركى و عودة الأقدام السوداء و الأهم من كل هذا هو اتفاقيات ايفيان و ما تم فيها رغم أن يوسف بن خدة نفى وجود اتفاقيات سرية إلا أن الأمر تشوبه بعض الشكوك فإن لم تكن كتابية فربما كانت شفوية و لما لا؟ كذلك هناك مسألة مهمة تتعلق بالأرشيف سواء في الداخل أو في الخارج هذا الأخير لا بد أن يرى و أرجو أن لا نبقى نتحدث عما يجب أن يكون لأن الجزائري خاصة الجيل الجديد أصبح لا يؤمن بالثورة و لا بمفجريها.
في الأخير ما نود قوله هو أن التاريخ ملك لكل الشعب الجزائري و ليس ملك لعائلة أو شخصية بعينها فمصالي و بن باديس و بن بولعيد و بن مهيدي و عبان و بلقاسم و الجبهة و الثورة كلها تراث مشترك لهذه الأمة التي يحول البعض نفي وجودها و ممارسة الإقصاء تجاه أبنائها فإلى متى نظل على هذا العمى فشعب لا يعرف تاريخه لا يمكنه بناء مستقبله.
نعيم بن محمد
24 جويلية 2008