حاول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ توليه الحكم في الجزائر كسر الكثير من الطابوهات كان أولها وصفه لما حدث في الجزائر بالاقتتال و ليس بالإرهاب أو الجهاد أو أي وصف آخر. و كان من بينها و لعله أهمها هو محاولته الضغط على فرنسا من أجل تقديم اعتذار عن جرائمها في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية.و إذا كان الرئيس يعرف الكثير من خفايا الأمور فإن المجتمع الجزائري لا يمتلك العلم الكافي بما حدث خلال الثورة و خاصة الشباب منه و إنما بحوزته معلومات بسيطة عما يعرف بالتاريخ الرسمي. و السؤال الذي يطرح الآن هو لماذا لا تريد فرنسا تقديم الاعتذار للجزائر؟ لقد قال الرئيس الفرنسي الجديد أنه لن يقدم اعتذارا عن أعمال لم يكن حاضرا و لا مشاركا فيها في حين أن والده كان من المجندين في نواحي وهران (غرب الجزائر).

لقد أكد كل من المؤرخ محمد حربي و المجاهد عبد الحميد مهري أنه لا داعي لطلب اعتذار فرنسا و لنترك ذلك للمستقبل. و إنما الضروري الآن هو تدوين التاريخ الجزائري خاصة تاريخ الثورة حتى لا يضيع خاصة بعد وفاة الكثير من صانعيها الحقيقيين.

و نعود إلى سؤالنا عن عدم اعتذار فرنسا. في الحقيقة إن الأمر يتعلق بالجزائر أكثر منه بفرنسا لأن هذه الأخيرة تمتلك أرشيفا تستعمله كورقة ضغط ضد الجزائر في جميع الأمور التي تمس بمصالحها بصفة مباشرة أو غير مباشرة. فهذا الأرشيف يضم في صفحاته التاريخ الرسمي الجزائري من الجانب الاستعماري و هو يحتوي على كل شاردة و واردة تخص الثورة و صانعيها الذين استشهدوا و الذين لا يزالون على قيد الحياة و هذا التاريخ الذي نعتز به يضم اشراقات كما يضم نقاط ظل لا يعلمها إلا أصحابها و لذلك فإن إخراجه إلى النور سيعرض الكثير من الذين عاشوا على التغني بمبدأ الثورة إلى المساءلة لا نقول القانونية و لكن الاجتماعية و التاريخية.

لقد بدأت تظهر إلى الساحة العديد من القضايا مثل المجاهدون المزيفون، المسؤولون مزدوجوا الجنسية و عدد شهداء الثورة و الاقتتال الداخلي أثناء الثورة بين أبناء الوطن الواحد و مسألة الاستقلال و هل هناك إستراتيجية ثورية لبناء دولة جزائرية مستقلة أم أن الأمر كان عفوي و ارتجالي. و كل هذا فتح المجال للعديد من المتابعين للوضع الجزائري و خاصة في شقه التاريخي إلى اعتبار كل دعوة للاعتذار هي ذر للرماد في العيون و لن تجني منها الجزائر أي شيء في الوقت الراهن و إنما من الضروري كتابة تاريخ الثورة الجزائرية بكل محتوياتها و بكل محاسنها و مساوئها و لنترك الحكم للتاريخ و هذا ما أكده كل من محمد حربي الذي دعا إلى فتح الأرشيف الوطني خاصة الخاص بالثورة و دعوة عبد الحميد مهري إلى كتابة المذكرات خاصة بالنسبة للذين تقلدوا مناصب مهمة في الدولة الجزائرية قبل و بعد الاستقلال.

أما نحن فلا يهمنا الاعتذار الفرنسي في الوقت الراهن بقدر ما يهمنا التعريف بالثورة و تكوين جيل فخور ببلاده و بثورة أبنائها يؤمن بالجزائر و بقوتها و لا يسعى إلى الهجرة بأي وسيلة كانت حتى و لو كلفته حياته. كما يهمنا تكوين دولة قوية دولة مؤسسات و دولة قانون تقدم أبناءها للمساهمة في البناء و لا تستعمل سياسة الإقصاء و التهميش حتى تتمكن من مواجهة الآخر الذي يريد إذلالها و تركيعها بمجرد الاحتفاظ بمجموعة وثائق يعتقد في قوتها و هي عكس ذلك لأن القوة هي قوة المواجهة مواجهة الدولة و أبنائها لتاريخهم و السعي لتحسين حاضرهم و مستقبلهم.

نعيم بن محمد
28 مارس 2008

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version