فضيحة الخليفة أساءت إلى الجزائر عامة، وبشكل أكبر للوزراء، بحيث لم تعد عملية تغيير وزاري مرتقب ذات مخاض عسير، ففي أي لحظة وبخلاف العادة يستطيع بوتفليقة أن يجري التغيير، ويستطيع وبلا حرج ـ وأيضا بخلاف العادة ـ أن يوزر من يشاء ويعزل من يشاء من دون حسابات ومن دون توازنات، أي توازنات، وبالمقابل لم يعد الاستوزار مغنما كما كان، فهو الآن في عرف الكثير من الوزراء السابقين والحاليين و"اللي جايين في السكة" مغرم أكثر منه مغنم.

ذلك أن دائرة الاتهام التي باتت تتسع يوما بعد الآخر لتطال رجالا كنا نظنهم من الأخيار مخيفة مرعبة وتتسع اتساع بقعة النفط في خضم اليم. وذلك ما من شأنه أن يثبط العزيمة حيال التهافت على الحقائب الوزارية، ثم إن محاكمة الخليفة إذا استمرت قاطرتها على هذا النحو وطبقت على الجناة نصوص قانون العقوبات التي قد تصل الإعدام، فإن الوزراء المتهمين سيجدون أنفسهم أمام مقتضى مفهوم "اللي كلاوه بط بط يخرجوه وز وز"، نقول هذا إلى غاية إشعار آخر لا نرحب بحدوثه قد يكون على الأرجح قانونا نتفرد به عن سوانا هو قانون "عفا الله عما سلف"، لأنه إن حدث وطبق فسيحيلنا إلى قانون آخر هو "عفا الله عما سيخلف".

وعود على بدء نقول إن الاستوزار لم يعد هاجسا بالشكل الذي عهدناه، حيث يكون الفكر "الميكيافيلي" براقا يحمل إلى الوزارة، فقد اكتشف الناس نخبا وعواما أن الذين باعوا الشرف من أجل الترف، وأكلوا من أثدائهم ومن أعضاء أخرى فيهم معنوية ومادية وروحية، رضعوا بشراهة من أثداء المال العام حتى أصيبوا بالتخمة والقناعة الوحيدة التي بسطت بظلالها على الجزائريين هي أن وزراء الحكومة المتورطين في عار الخليفة أصبحوا كأحصنة الحكومة عندما تهرم وتمرض إذ يكون الموت الرحيم "الموت السياسي" هو خير ما تكرم به حتى تريح وتستريح، وإذا كان هذا هو حال الوزراء المتورطين فإن غيرهم من الوزراء يكونون قد زهدوا في الاستوزار ولم يعد بينهم من يمانع في أن يذره "بسلامة الراس"، وحتى الرغبة لدى الساعين إلى الاستوزار بدأت تتراجع.

وبالتالي فحكومتنا أمام فرصة لم يسبق لها حدوث في تولية الوزارات والإدارات السامية لشباب تقنوقراطي متعلم يسمح بكنس بقايا الحرس القديم والشخصيات المتعفنة سياسيا من الساحة حتى تُسير دواليب الحكم والمسؤولية بدم جديد يعتمد على التقنية والمؤهل لا على الولاء والمحاباة والعشائرية والجهوية والنضال المصلحي والإيديولوجية الميكيافيلية.

وسنتخلص من ربق مفهوم "بيتارس" وسلوكات مخلوف البومباردي وتعاد الجزائر إلى أيدي شباب كالذي أوصل الإسلام إلى أوروبا "طارق"، والذي أسس الدولة الأمير عبد القادر، أو من أمثال أولئك الذين فجروا أعظم ثورة شعبية في تاريخ البشرية "ثورة نوفمبر" علاوة على الشباب الذي جعل من جزائر الستينات والسبعينات رائدة العالم الثالث بلا منافس تحت زعامة شاب وصل إلى السلطة في سن 33 وغادرها وغادر الدنيا معها شابا في سن 46 بومدين رحمه الله.

عبد الله الرافعي
كاتب صحفي جزائري
Abdellah_errafii@hotmail.com
24 نوفمبر 2007

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version