بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أرشد أولي الألباب والنهى إلى عدم الاغترار بكثرة الخبيث على حساب قلة الطيب، فقال جل وعلا "قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث" " المائدة 99، ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" المائدة 6 والصلاة والسلام على أشرف المرسلين الذي حذر من إعانة الحكام الكذبة على الشعوب فقال عليه الصلاة والسلام "سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على الظلم فليس مني ولست منه وليس بوارد عليّ الحوض" وقال أيضا "ليأتينّ على الناس زمان يكون عليهم أمراء سفهاء يقدمون شرار الناس ويظهرون بخيارهم ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها فمن أدرك ذلك منكم فلا يكون عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا خازنا" وعلى آله وصحبه الذين كانوا يرهبون من الوعيد فيمن رشّح للمناصب العليا أو الدنيا من ليس لها بأهل، فقد جاء في الأثر "من استعمل رجلا من عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين" وفي الأثر الآخر "من ولى من أمر المسلمين شيئا فأمر عليهم أحد محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم".

أما بعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مما لا شك فيه أن خير ما يقوم به أهل الغيرة على الدين والوطن ومصير الشعوب هو تحذير عموم المواطنين من دجاجلة السياسة الكذبة الذين يروجون للزيف والوهم الكاذب، وقلب الحقائق، والتستر على الواقع المر، وهذا الصنيع يعتبر من الغش السياسي المقيت، قال الرسول صلى الله عليه وسلم "ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" ولذلك يملي علينا الواجب الشرعي والسياسي أن نقول كلمتنا بشأن الانتخابات البلدية والمحلية التي ستجرى يوم 29 نوفمبر 2007 والله ولي التوفيق والسداد.

لقد ثبت لدى العام والخاص أن الانتخابات المتتالية ومنذ الانقلاب على الإرادة الشعبية سنة 1992 لم تحل الأزمة السياسية الأم ولم تعد على الشعب الجزائري وخاصة الشباب بالخير في دينه ودنياه، بل الأمور مازالت في تدهور سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وأمني مريع.

ورغم كل ذلك، مازالت السلطة مصرة على إجراء الانتخابات الخالية من الروح، وكأنها لم تستخلص الدروس من حجم المقاطعة القياسية للانتخابات التشريعية الماضية ولم تحسن قراءة الرسائل المرسلة من الشعب المقاطع، والمتتبع باهتمام لما يقال على لسان بعض رجال السياسة والإدارة والمترشحين هذه الأيام من خلال الحملة الانتخابية يخيل إليه أن المشاركة في الانتخابات المحلية والولائية هو مربط الفرس في الإصلاح السياسي المنشود وهذا قمة الغش وتزييف الحقائق، فهل يمكن إصلاح الفرع مع فساد الأصل؟! وهل تستقيم المؤسسة الدنيا مع فساد وتعفن المؤسسات العليا في البلاد، وهل يستقيم الظل والعود أعوج؟!

كلنا يعلم أن النظام الجزائري المتعدد الأحادي لا يسمح مطلقا للمنادين بالمقاطعة بالنشاط السياسي إعلاميا وميدانيا لبيان الأسباب الموضوعية الداعية للمقاطعة ليختار الشعب الجزائري على بصيرة بعد سماعه حجج المشاركين وحجج المقاطعين وهو بهذا المنع يحجر على الشعب وكأنه قاصر لا يحسن الاختيار أو لم يبلغ سن الرشد السياسي وهذه أكبر سبّة يوجهها النظام للشعب؟! ومن هذا المنطلق كان لزاما علينا بيان الأسباب الواقعية والموضوعية لعدم جدوى المشاركة في الانتخابات المحلية والولائية المقبلة.

ويمكن تصنيف الأسباب الداعية لعدم المشاركة في انتخابات 29 نوفمبر إلى ما يلي:

أولا: فشل مؤسسات الدولة العليا في القيام بدورها المنوط بها دستوريا وسياسيا واجتماعيا.

أ‌- مؤسسة الرئاسة:

– عجز الرئيس عن ممارسة صلاحياته الدستورية وعدم قدرته على تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمت له.
– تغول السلطة الفعلية الباطنية على السلطة الرسمية الظاهرية واستحواذها على جميع مفاصل الدولة.
– عدم الوفاء بالعهد خاصة فيما يخص معالجة آثار الأزمة السياسية فيما يخص الذين وضعوا السلاح في إطار الهدنة 1999 وحل أزمة المختطفين والمفقودين والكشف عن أماكن تواجدهم أو مقابرهم الجماعية والغدر بعدد هائل ممن خرجوا في إطار السلم والمصالحة وإعادتهم إلى السجون بتهم واهية. والغدر ببعض قادة العمل المسلح الذين سلموا أنفسهم للسلطات الأمنية.
– شكوى الرئيس المتكررة من كذب الوزراء وممارسة الجهوية وفساد الإدارة والعدالة وانحرافات الولاة والشكاية من أطراف داخل السلطة تعرقل مشاريعه دون أن يستخدم صلاحياته الدستورية أو كشفهم للشعب أو تقديمهم للمحاكمة.
– مرض الرئيس المفاجئ الغامض جعل البلاد تسير بلا رئيس الذي لم يبق منه إلا صورة اللحم والدم.
– عجز الرئيس عن السيطرة على مافيا المال التي استحوذت على المشاريع الاقتصادية داخليا وخارجيا وأن العدد الذي وعد بالقضاء عليهم في مطلع عهدته الأولى قد فرخ ودوخ البلاد كلها وبعد أن كان عددهم 17 فردا أصبحوا إلى 7 آلاف أقرب.
– لم يبق من مؤسسة الرئاسة إلا الهيكل بلا روح همها القيام بالمراسيم المظهرية في مواعد محددة.
– غلب على الرئيس سمة التردد وعدم الحسم في القضايا الجوهرية مثل تردده في مسألة تعديل الدستور والعفو الشامل والقضاء على رؤوس الفساد الاقتصادي في البلاد وأساطين نهب المال العام.
– عجز الرئيس عن افتكاك اعتراف فرنسا بجرائمها في الجزائر بل ها نحن نرى قسنطينة تتزين ويصرف على ذلك عشرات المليارات لاستقبال رئيس أهان الشعب الجزائري على المباشر، ولم يجد من يرد عليه!

ب-مؤسسة البرلمان:

إذا كان هناك مؤسسة فاشلة وعاطلة تشهد موتا سريرا فهي المجلس الوطني الشعبي الفاقد للشرعية التمثيلية والسياسية بعد المقاطعة القياسية التي فاقت أزيد من 12 مليونا من الهيئة الانتخابية وهي مقاطعة غير مسبوقة في تاريخ البلاد منذ الاستقلال 1962. وأغلب القوانين تصدر بأوامر رئاسية وفي الوقت الذي يندد نواب كندا بالبطاطا المتعفنة المصدّرة إلى الجزائر نجد غالب نواب الجزائر مشغولون برفع الرواتب والحصول على جواز السفر الدبلوماسي لممارسة البزنسة ما وراء البحار ورغم أن مجلس المحاسبة كشف عن تجاوزات خطيرة وقع فيها النواب، غير أن رئيس المجلس الوطني الشعبي أعفاهم من العقوبة وكأن شيئا لم يكن!

ج-مؤسسة الحكومة:

* رئيس الحكومة عبارة عن منسق لا يملك من أمره شيئا وهناك وزراء في حكومته لهم نفوذ أكثر منه ولا يستطيع أن يقدم إلتماس بإقالة أو إعفاء أحد منهم، ورئيس الحكومة يهاب أن يرد على تخرصات وزير الداخلية الذي سطا على صلاحياته حتى يخيل للشعب والطبقة السياسية أن وزير الداخلية فوق رئيس الحكومة وتارة ربما فوق رئيس الجمهورية، حتى أصبحت عائلة الزراهنة لها الكلمة العليا على أكثر من صعيد وكأن وزير الداخلية يريد أن يسترجع مجدا ضائعا يوم أن كان من أهم رجال المخابرات العسكرية!

* أما الوزراء فهم مجرد موظفين كبار بمرتب وامتيازات عالية، فقد اتهمهم الرئيس تارة بالكذب وتارة بالتهاون وتارة بممارسة الجهوية وقلب الحقائق، رغم ذلك لم يستطع أن يعزل أو يقيل أحد منهم وخاصة وزير التربية والتعليم والذي يعد عميد الوزراء وأطولهم عمرا رغم نكساته المتتالية وآخرها فضيحة النشيد الوطني الذي "مسح الموسى" في موظفين مساكين رغم أن المؤامرة على النشيد جذورها ترجع إلى سنة 1965.

د-مؤسسة العدالة:

العدالة في ظل النظام الجزائري القائم تمارس كوظيفة لا كسلطة، والقضاء فاقد للاستقلالية التي ينص عليها الدستور وأحوال القضاة على أسوء حال مما دفع بالكثير منهم إلى الاحتجاج لاسيما وأن رؤساء المجالس يتم تعيينهم خارج المجلس الأعلى للقضاء، مما يجعل القضاء خاضع للسلطة التنفيذية أو مجرد أداة قمعية في يد السلطات الأمنية وخير دليل على ذلك أن وزير العدل يجهل ما يجري في وزارته وحتى النواب العامون أصبحوا أسرى في يد الأجهزة الأمنية المختلفة وخاصة المخابرات العسكرية والحديث عن فساد جهاز العدالة والقضاء طويل ولذلك التزم رئيس الجمهورية بإخفاء تقرير إصلاح العدالة الذي قدمه القانوني الشهير محند يسعد بتكفيل من الرئيس ذاته.

هـ-مؤسسة الأحزاب:

الملاحظ السياسي الدقيق المتتبع للوضع السياسي في الجزائر منذ الانقلاب على الإرادة الشعبية في 1992 يخلص إلى نتيجة مؤسفة أن أغلب الأحزاب السياسية المعتمدة لاسيما أحزاب الاعتلاف الثلاثي هي أحزاب غير سيدة في اتخاذ قراراتها السياسية، وبعضها إنما هي صنيعة الأجهزة الخفية التي تملك زمام الأمور في البلاد وكلها بلا برامج مستقلة وإنما ذابت في برنامج الرئيس الغامض المعالم، وأحزاب هذا حالها لا يمكن أن تحدث التغيير المنشود الذي يطمح إليه الشعب فضلا على أن هذه الأحزاب تعيش انقسامات داخلية خطيرة لأن بعضها مخترق من طرف الأجهزة الخفية التي تتدخل حتى فيمن يكون على رأس الحزب، وظهر فساد هذه الأحزاب التي راحت ترشح أشخاصا من خارج الحزب لا لشيء إلا لأنهم يملكون المال أو مقاولين كبار وتهميش مناضلين أصحاب كفاءة انخرطوا في هذه الأحزاب منذ تأسيسها، ومما زاد الطين بلة أن أحزاب الإعتلاف راحت تنادي بتجديد عهدة ثالثة لرئيس الدولة وتعديل الدستور من أجل ذلك.

ثانيا: بيان فساد مؤسسة البلدية على أكثر من مستوى.

أ-على مستوى أشخاص رؤساء البلديات:

إن فساد رؤساء البلديات ليس مجرد استثناء وإنما هو ظاهرة خطيرة، فهناك أكثر من 1500 منتخب متابع قضائيا من مختلف الأحزاب السياسية عبر 48 ولاية، ولو كانت العدالة مستقلة لكان العدد أكبر من هذا، لأن هناك من وجد حماية من جهات أعلى، منهم أكثر من 600 أدانتهم العدالة وقرابة 400 منتخب لم تفصل بعد المحاكم فيهم وحوالي 200 هم قيد التحقيق، والبعض تحت الرقابة القضائية وأما قائمة التهم الموجهة للمنتخبين يمكن الإشارة إلى بعضها: -سوء التسيير –تبديد المال العام –تقاضي الرشوة –التعسف في استخدام السلطة –التعدي على العقار –تضخيم الفواتير –استغلال النفوذ –المحاباة للأقربين –التعدي على المواطنين بالضرب والاعتداء –تلقي فوائد مقابل منح صفقات ومشاريع للمقاولين – بيع أملاك الدولة –تزوير محررات رسمية –إبرام صفقات بطرق غير قانونية – الطريقة غير القانونية للجرد السنوي –تنازلات غير شرعية عن أملاك الدولة لصالح أشخاص ناقدين –الحصول على قطع أرضية بأثمان رمزية – بعض رؤساء البلديات متحالف مع بعض المقاولين وبعض الضباط المرتشين على تقاسم ريع البلدية –تبديد وتحويل العقار –منح الأموال العمومية لجمعيات وطنية ومحلية مشبوهة، بحيث أصبحت أغلب هذه الجمعيات والتي بلغ عددها عير الوطن 73 ألف جمعية قنوات لنهب المال العام وبعض هذه الجمعيات لا توجد إلا في الوثائق الرسمية، وبلغ حجم الأموال المنهوبة أكثر من 100 مليار-صرف الأموال الطائلة في الأعياد والمواسم الدينية والوطنية بفواتير زائفة –وهناك من هو متورط في جرائم أخلاقية أثناء ممارسة مهامه الخ…

ب-على مستوى أحوال البلديات المتدهورة :

– فمن أصل 1541 بلدية عبر القطر هناك 1472 مدانة وهناك 817 بلدية تعيش على إعانات الدولة وهناك 300 بلدية تمول نفسها وهناك 100 بلدية مجمدة وهناك 350 بلدية متنازع فيها بين الأحزاب السياسية مما عطل مشاريعها وضيّع مصالح المواطنين وهناك 177 بلدية فقيرة وهناك 46 بلدية فقيرة فقرا مدقعا وعجز بعض البلديات دفع إلى استقالة على مستوى المجالس الولائية، وهناك 101 في حالة نزع الثقة وبلغت ديون البلديات أكثر من 126 مليار دينار وهناك من 80% من البنايات المتواجدة خاصة بالولايات الكبرى (وهران، قسنطينة والجزائر العاصمة) مهددة بالانهيار وأغلب البلديات تعاني العجز التام وأحيانا يتعذر عليها تسديد بعض أجور عمالها فهناك عمال لم تدفع لهم المرتبات لأكثر من 05 أشهر، فضلا على أن بعض عمال البلديات يستخدمون في انجاز مشاريع لشخصيات خاصة خارج البلدية وكأنهم عبيد إجراء عند رئيس البلدية شخصيا.

– إذا كانت بلدية المرادية وهي مقر رئاسة الجمهورية والتي يتواجد بها أغلب مؤسسات الدولة والحكومة، فإنها تعاني البطالة، وتأخر المشاريع وأزمة السكن، بل أن معظم بنايات بلدية الرئاسة آيلة للسقوط عند أدنى هزة أرضية لا سمح الله، فما بالك بحوالي 40 بلدية في العاصمة تعاني من عجز مالي رهيب وبناءها يخضع للرقابة التقنية ؟!

– وإذا كانت بلدية حاسي مسعود وهي أغنى بلدية في القطر ودخلها يفوق 180 مليار مازالت غارقة في الحقرة والفساد والحرمان من فرص العمل وإقصاء شبابها وتهميشهم وفتح المجال لبعض سكان الشمال على حساب سكان الجنوب، مما دفعهم إلى ثورة حاسي مسعود في 13 جويلية 2001 احتجاجا على تفشي البطالة والفقر والدعارة مما جعل البعض يدعو إلى تهجير سكانها كأنهم الهنود الحمر، لفسح المجال واسعا للشركات المتعددة الجنسيات وأهل الحطوة من سكان الشمال، والأغرب من ذلك أن بعض بلدياتها وقراها لا تنعم بالغاز الطبيعي في الوقت الذي يصدّر فيه الغاز إلى إيطاليا وإسبانيا وأخيرا ألمانيا، ونفس المشهد تعاني منه بلديات الأغواط حيث حاسي رمل وهذا تميز فاضح، واضح بين سكان الشمال والجنوب رغم أن ما ينعم به أهل الشمال مصدره الجنوب وما فيه من خيرات متنوعة لو استثمرت على أكمل وجه لعاش الشعب الجزائري عيشة غاية في الرفاهية والأمن والاستقرار!

ج-على مستوى التمايز بين البلديات:

– كلما بعدت البلدية عن مقر الولاية ازدادت مشاكلها وعانت من جميع أشكال التخلف فبعضها تعيش بعقلية الدوار وكأنها من القرون الوسطى وأغلب البلديات النائية تعاني من عدم وصول الغاز والكهرباء، وانعدام الطرقات والمرافق الضرورية مما يجعل تلك البلديات تعاني العزلة التامة خاصة أيام الكوارث والمصائب، كما حدث مؤخرا بعد نزول الأمطار الغزيرة مما أسفر على وفاة بعض المواطنين والمواشي وانهدام المنازل والأكواخ على رؤوس سكانها وأكثر البلديات تضررا هي البلديات المتواجدة بالولايات الصحراوية المترامية الأطراف ولست الآن بصدد ضرب الأمثلة لأن هذا الأمر يطول وحسبي أن أقول أن هناك شريحة كبيرة من أبناء الشعب تعيش في الكهوف والأكواخ ومنهم من شارك في اندلاع ثورة نوفمبر الكبرى، كما هو الحال في باتنة وتبسة وسوق أهراس وسكيكدة الخ…

ولذلك أنصح رئيس الجمهورية –والدين النصيحة– أن يحوّل المبالغ المالية -800 مليون دولار – المخصصة لتشييد المسجد الأعظم إلى بناء سكنات لمثل هؤلاء الفقراء والمساكين فإسكان الرعية وإطعامهم أولى شرعا وعقلا وسياسة من صرف الأموال الطائلة على تشييد المساجد.

-هناك بلديات عبر الوطن بل وفي قلب العاصمة تتجاور فيها أرقى الفيلات الفخمة وعلى سفحها أحياء قصديرية تنتشر فيها الأكواخ التي تحيط بها أكوام القمامة من كل جانب مما يساهم في انتشار الأوبئة الفتاكة فضلا على أنها تصبح أوكارا للفساد والدعارة والجريمة، مما جعل العاصمة عبارة عن قرية كبيرة.

-هناك بعض البلديات تجد عناية زائدة في إصلاح طرقها وتذليلها والسهر على نظافتها وتجميلها وتوفير الإنارة الراقية، لا لشيء إلاّ أن تلك البلدية يقطنها كبار المسؤولين في الدولة وجنرالات الجيش وقادة الأجهزة الأمنية والأحياء السكنية المطوقة المخصصة لكبار رجال قوات الأمن المختلفة وهذا عين التفريق بين المواطنين وجعل مواطن من الدرجة الأولى ومواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة…الخ.

أما البلديات الأخرى فتعيش في وحل الأوساخ وانعدام الإنارة وضيق الطرقات وفسادها الخ,,, وانتشار الأكواخ التي لا تقي حرا ولا تدفع بردا.

د-على مستوى عجز رئيس البلدية على ممارسة مهامه:

ليس هناك رئيس بلدية يستطيع ممارسة مهامه وتحقيق وعوده الانتخابية المعسولة ولو كان بعضهم –على قلتهم- يتسمون بالصلاح والطيبة والسمعة الحسنة للأسباب الواقعية والموضوعية التالية:

-تغوّل سلطة الإدارة التي يمثلها الوالي ورئيس الدائرة والأمين العام للبلدية والذي يعد عمليا أقوى من رئيس البلدية، فكيف إذا كان الولاة أنفسهم مصدر الفساد ولست الآن بصدد ضرب الأمثلة على الفساد الهائل الذي يغرق فيه بعض الولاة إلى الأذقان، أما رؤساء الدوائر فلا يقلون فسادا على الولاة كما هو معلوم لدى العام والخاص.
-الوالي ورئيس الدائرة لهما سلطة القرار في غالب الأحيان والمداولات رهينة إدارة الوالي، ومعنى ذلك أن رئيس البلدية عبارة عن "خضرة فوق عشاء" كما تقول العامة، فالكلمة ترجع للمعين لا للمنتخب في الأخير.
-وهناك قانون يتم إعداده يجعل مصير المجالس المحلية تحت رحمة الولاة ووزارة الداخلية تطالب الولاة بتقارير سرية عن الأميار وهذا الصنيع يجعل رئيس البلدية عرضة للوشاية والمكائد والإعداد لسحب الثقة منه في أي وقت.
-تارة تصدر وزارة الداخلية تعليمات تفوض سلطة رؤساء البلديات عبر الوطن كله.
-غاليا ما يكون رئيس البلدية ضحية ازدواجية التمثيل والمركزية القاتلة التي تجردهم من الصلاحيات التي تمكنهم من تسيير شؤون البلدية على أحسن وجه. إن تنازع الاختصاصات تشل البلدية لفقدان قانون دقيق يضبط العلاقة أثناء نزاع الأحزاب مما يجعل القرارت حبرا على ورق.
-رئيس البلدية ليس له صلاحيات توزيع الأراضي والسكن، وإنشاء المشاريع، فمجال تحركه ضيق جدا.
-سيطرة الدائرة على المجالس البلدية خارج العاصمة وسيطرة الوالي المنتدب في العاصمة، فيظهر رئيس البلدية كأنه قاصر تحت كفالة ووصاية الدائرة وهي غير منتخبة.
-رغم وجود القانون البلدي –الذي لنا عليه مآخذ كثيرة- إلا أنه مع ذلك تصدر كل مرة قوانين تنفيذية تتغير على المقاس وحسب رغبات المتنفذين في السلطة وأصحاب القرار.
-أغلب رؤساء البلدية يخدمون مصالح خارجية عن مصلحة البلدية والمواطن لكثرة التدخلات والوسائط والأوامر الهاتفية.
-نزع حق المبادرة فيما يتعلق بالتشريع المحلي، كتنظيم التوقف أو فتح طريق أو غلقه، هذا كله تتحكم فيه الولاية.
-معظم رؤساء البلدية ضعاف الشخصية أمام الأجهزة الأمنية، مثل رئيس أمن الدائرة وضباط الدرك، أما رجال المخابرات العسكرية فحدث ولا حرج، وكلما كانت البلدية نائية كلما اشتد ضعف رئيسها أما مثل هذه الأجهزة وهذا ليس مقصورا على رؤساء البلدية بل يتعداهم إلى رؤساء الدوائر والولاة، فكلمة رئيس القطاع العسكري أنفذ من كلمة الوالي أو الوزير رغم أن رئيس البلدية أقواهم من الناحية القانونية، ولكن من يهن يسهل الهوان عليه كما يقول الشاعر.
-فماذا يستطيع رئيس البلدية أن يقدمه للمواطنين في ظل ما سبق ذكره من قيود وسدود وحدود مما يجعل الكلمة الأخيرة للإدارة لا للمنتخب ؟!

هـ-على مستوى المرشحين لمحليات 29 نوفمبر:

-الملاحظ على نوعية المرشحين هذه المرة أغلبهم –إلا ما رحم ربي- من قناصي الفرص على حساب خدمة المواطن وأغلب رؤوس القوائم هم أصحاب المال والنفوذ والعروشية وكبار المقاولين، ومثل هذه النوعية خطر على المجالس المحلية وأمنها أثناء مباشرة "مهامهم".
– الأحزاب الفاقدة للقاعدة الشعبية راحت ترشح أشخاصا من خارج إطار الحزب، وتقديم أصحاب المال والنفوذ على أصحاب المؤهلات العلمية والفكرية.
-أغلب المرشحين لا برامج لديهم وليس لهم سوابق في الميدان السياسي والخيري.
-لقد تحولت المجالس المنتخبة إلى مجرد مصادر لنهب المال العام بشكل مقنن وتغليب المصالح الخاصة والحزبية على المصالح العامة وتجاهل انشغالات المواطن.

و-على مستوى الأجواء التي تجرى فيها الانتخابات:

تتميز الأجواء التي تجرى فيها الانتخابات المحلية والولائية بما يلي:

-انسداد الأفق السياسي وانغلاقه، فمنذ 1999 إلى يومنا هذا لم يعتمد أي حزب سياسي جديد له وزن سياسي، ولم تعتمد أية نقابة عمالية تدافع عن حقوق العمال المهضومة بشكل فضيع، ولم يسمح بالتعددية الإعلامية الحقيقية المستقلة وخاصة السماح بفتح قنوات فضائية معارضة. –منذ 1999 والنظام القائم يرفض كل المبادرات السياسية ويصر على الأحادية والسعي لتقنين الاستبداد والديكتاتورية عبر سلسلة من القوانين الجائرة تحد من الحريات العامة ويصر على الحل الأمني.
-كل الانتخابات منذ الانقلاب على الإرادة الشعبية سنة 1992 تجري في إطار حالة الطوارئ وكلنا يعلم مدى شرعية الانتخابات التي تجرى في ظل الإقصاء السياسي وحالة الطوارئ.
-تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وارتفاع نسبة الجريمة والهجرة خارج الوطن بكل أشكالها، ومن جميع شرائح الشعب وعلى رأسهم الشباب الحراقة، بروز الفضائح الاقتصادية التي نهبت المال العام، أما عائدات البترول المرتفعة جدا لم يستفد منها عموم الشعب بل وضعت السلطة أكثر من 43 مليار دولار في البنوك الأمريكية وعوض مراقبة البنوك، راحت السلطة تراقب الكتب ما يقبل منها وما يرفض كما جرى في معرض الكتاب الدولي مؤخرا، بينما الفساد المالي الذي بلغ 19 مليار دولار لا أحد يهتم به؟! وبلغ التهاون بالشعب إلى حد إطعامه البطاطا المتعفنة ولحوم الحمير وانتشار السلع الفاسدة التي ذهبت بشعور النساء وأهدابهم، لقد بلغ الفساد مداه!
-قمع التظاهرات والمسيرات والتجمعات، وقد شاهد الشعب كيف أن عصا الداخلية تهوي على رؤوس النواب والأساتذة ورجال القانون والأطباء والطلبة وعموم شرائح الشعب الذي يحتج على وضعه المزري، وتفاقم الهاجس الأمني حتى أصبحت الحواجز الأمنية تنصب في الطرق السريعة مما شل حركة المرور وتعطلت مصالح الناس على اختلافهم، وهذه أحدى الغرائب في الجزائر!
-إن هذه الانتخابات تجري في ظل الإقصاء السياسي تارة بحجة تطبيق المادة 26 من ميثاق السلم والمصالحة الفاقدة للشرعية الشرعية والدستورية والقانونية والإنسانية كما وضّّحناه لرئيس الجمهورية في رسالة بتاريخ 30 أكتوبر 2007، وتارة أخرى أقصيت قوائم كثيرة بدعوى أن أصحابها يشكلون خطرا على الأمن العام، وقوائم منعت بمجرد الوشاية حتى أن بعضهم منع من الترشح لأنه عارض الميثاق الوطني لسنة 1976، وهذا المنع السياسي يعتبر قمة التزوير القبلي للانتخابات، ويتصادم مع الدستور والمواثيق الدولية.
– لقد أصبحت الإدارة والمصالح الأمنية صاحبة الكلمة في الاختيار والترشيح والإقصاء وهذا هو العنف السياسي الذي تترتب عليه عواقب وخيمة وردود فعل غير محسوبة العواقب.

ولذلك نحذر الشعب الجزائري من الاغترار والانخداع بحملة التنظيف وتبليط بعض الأرصفة وتعبيد بعض الطرق، فهذا من مكر النظام وخداعه، فهي حملة ظرفية مؤقتة، سرعان ما تعود حليمة إلى عادتها القديمة، كما نحذره من الوعود الكاذبة التي سمعناها على لسان بعض رؤساء الأحزاب والمترشحين في حملتهم الانتخابية الأحادية الجانب وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين".

وخلاصة القول مما سبق شرحه وبيانه، وهو قطرة من بحر وفيض من غيض، أنه لا يمكن أن تفلح البلديات في ممارسة صلاحياتها واقعيا وميدانيا، ما دامت مؤسسات الدولة العليا فاشلة في أداء مهامها وأن صلاح البلديات لا يتم إلا بتغيير النظام السياسي ذاته، ففي ظل الاستبداد السياسي وممارسة سياسة الإقصاء والفساد الإداري والاقتصادي، تصبح المقاطعة هي الخيار الصحيح في طريق تغيير النظام وصدق الله العظيم إذ يقول "والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا".

بن حاج علي
نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ

الجزائر يوم 15 ذو القعدة 1428هـ
الموافق لـ: 25 نوفمبر 2007

تعليق واحد

  1. غير معروف بتاريخ

    بسام المراسل
    أنا أحببت هذا المنتدى ولكن أرجوا منكم أن تعرضوا أشياء عن الغش في الإنتخابات أكثر في المزة المقبلة

Exit mobile version