عند الإعلان عن مشروع السلم والمصالحة الذي تبناه السيد عبد العزيز بوتفليقة، في شهر سبتمبر من سنة 2005 أبدى عدد من مسؤولي الجبهة الإسلامية للإنقاذ داخل البلاد وخارجها ترحيبا بالمشروع معربين عن تفاؤلهم، خاصة بالنظر إلى ما يحتوي عنوانه من نوايا نبيلة من شأنها إخراج البلاد من ويلاته إن تبعها تطبيق نزيه وعادل على أرض الواقع.

وتباعا جاء بيان (تاريخ: 21 سبتمبر 2005) الموقع من طرف كل من الإخوة أعضاء المجلس الشورى للج.إ.إ. أنور نصر الدين هدام وأحمد الزاوي ومرزوق خنشالي وكاتب هذه السطور ليؤكد عزم المعنيين واستعدادهم للمشاركة في هذا المشروع عساه أن ينتشل البلاد من محنته الدامية التي عمرت (ولا تزال) أكثر من عقد ونصف العقد من الزمان، كما أننا أبدينا في الوقت ذاته تحفظنا إزاء عدد من النقط التي رأينها تكرس الهروب إلى الأمام وتوشك أن تفوت مرة أخرى فرصة ثمينة لحل سلمي عادل يعيد البلاد إلى شاطئ النجاة ويعيد الأمل للأمة.

وبالفعل توجه المواطنون للتصويت على المشروع، رغم الظروف الصعبة والمجحفة التي صاحبت الاستفتاء، يحدوهم الأمل في أن يضع ذلك المشروع حدا للأزمة الطاحنة، غير أن المراسيم التطبيقية التي أعلن عنها النظام الجزائري لاحقا (بالجريدة الرسمية بتاريخ 28 فبراير 2006) جاءت مخيبة للآمال بل وتؤكد غياب الإرادة السياسية الصادقة في وضع حد للمحنة وكل ما ترومه هو تمزيق صفحة دامية من تاريخ الجزائر وتبييض صفحات الجلادين وتجرم الضحية وترهب، عبر ترسانة من لقوانين، كل من يبتغي الحقيقة ويطالب بها.

نقض الوعد هذا، ومواصلة سياسة الأمر الواقع المفروض على الشعب، هو ما جعلني رفقة الأخوة الموقعين على البيان المذكور أعلاه نعرب في بيان يوم 2 مارس 2006 عن رفضنا لهذه المراسيم ليس رفضا للمصالحة ولا حبا في الانتقام وتصفية الحسابات بل رفضنا تمليه علينا مسئوليتنا أمام الله ثم أمام ضحايا المأساة وعلى رأسهم آلاف المفقودين والقتلى ظلما وأمام الشعب قاطبة.

كما أن رفضنا لهذه المراسيم لا يعود لنبرتها المتعالية والمجحفة في حق الضحايا فحسب بل لأنها قبل كل شيء لا تلبي أدنى شروط المصالحة الحقة العادلة التي تعالج جذور الأزمة وتنصف الضحايا، كما أن رفضنا يأتي ليحذر من مخاطر عواقب هذا المسار الذي يكرس بذور المرض إذ يطمئن الجلاد ويوحي له بأن في وسعه تكرار جرائمه ثم الإفلات من العقاب من جديد.

وسعيا وراء تفصيل أوسع للأسباب التي جعلتني أنضم إلى الرافضين لمراسيم العار، ارتأيت تنوير الرأي العام بما يعتري هذه النصوص من ظلم وإجحاف وتكريس للإفلات من العقاب، وتمديد من عمر الأزمة.

1- ابتداء، تم صياغة نصوص المراسيم في سرية تامة، من وراء ظهر الشعب المعني بالدرجة الأولى وفي إقصاء كلي للقوى السياسية والجمعاوية، إلى أن نزل المشروع على الجميع ليبصموا عليه دون حق المناقشة. كما تم عرض هذا المشروع في جو بحيث وظفت السلطة الظروف الصعبة من شظف العيش وتعطش الشعب للأمن، لتضمن انخراطه في العملية، علما أنه لا يتصور أن يرفض الشعب مبدأ نبيل عنوانه "المصالحة" كما توحيه ديباجة المشروع.

2- جرى التصويت على المشروع في ظل حالة الطوارئ وما يعني ذلك من تقييد للحريات وتجريم وخنق كل تعبير عن مواقف وأصوات مخالفة.

3- تم صياغتها بأيدي غير حيادية، وهي تشكل طرفا أصلي في المحنة، هذا الطرف هو النظام الجزائري وبالتحديد أولئك المسئولين على انقلاب يناير 1992 والذين لا زالوا يتمتعون بنفوذ واسع في دهاليز الحكم، وهو الأمر الذي يفسر كنه طبيعة النصوص المحبوكة على مقاسهم، ومن ثم حق لنا أن نتساءل كيف لطرف (المسئول في المقام الأول عن دفع البلاد إلى الأزمة) أن يكون هو من يصيغ المشروع ويحدد من المجرم ومن الضحية. لو تمت صياغة هذا المشروع من قبل طرف مستقل، سواء كان وطني أو أجنبي، كما هو المعمول به في كل النزاعات المماثلة لكان هذا المشروع قابل لتحقيق ثمار طيبة، لكن للأسف الشديد لا تزال سياسة ومنطق القوة والغلبة هي السائدة.

4- ألغى النظام، نصا وواقعا، كل مناقشة حول المشروع وحول سبل الخروج من الأزمة.

هذا، من حيث الظروف والملابسات التي جرى فيها تحضير المشروع والاستفتاء حوله، أما نصوص هذا المشروع فلا تترك أدنى شك فيما يتعلق بنية أصحابه، ونكتفي في هذا الصدد بذكر بعض ما تتضمنه مواد هذه المراسيم وديباجتها.

* لا تشير مواده لا من قريب ولا من بعيد إلى بدابة المحنة ومسببها الأول أي انقلاب يناير 1992 ولا إلى توقيف الانتخابات في دورها الثاني مع الزج بآلاف المناضلين والمتعاطفين مع الحزب الفائز إلى معتقلات الصحراء دون محاكمة ولا حتى توجيه اتهام، ولا إلى اختطاف الآلاف من الأبرياء دون أن يعلم أحد مصيرهم إلى اليوم، ولم تشير إلى" محاكمها الخاصة" التي قننت اللا- قانون، في تجاهل وابتذال لقوانين البلاد والقوانين الدولية، إلى أن اضطرت لإلغائها في صمت عند استفحال وافتضاح أمرها.

* تجاهل المشروع واجب ا لكشف عن الحقيقة وإرساء دعائم العدالة وواجب الذاكرة؛

* لزم المشروع السكوت المطبق والمريب بشأن الآلاف من ضحايا التعذيب والإعدام خارج القانون والمجازر الجماعية و"الاعتقال الإداري" التعسفي؛

* جرد المشروع المواطنين من حقهم المدني والسياسي الدستوري المشروع في انتهاك صارخ للقوانين الدولية والالتزامات الواجب الوفاء بها؛

* حتى إطلاق سراح المعتقلين، الشيء الذي لا محالة يدخل الفرحة في القلوب، خاصة ذويهم الذين حرموا عطفهم وإعالتهم طيلة سنين، وهم الذين سجنوا ظلما بغير وجه حق، فحتى هذا الإجراء "المتكرم به كإجراء تخفيف في إطار السلم ولمصالحة " جعله النظام أقصى ما يمكن تقديمه مختصرا بذلك كافة المطالب في مجرد الإفراج عن السجناء، بل وأفرغ هذا الإجراء من كل معنى نبيل، إذ ألزم المفرج عنهم الاعتراف بالتهم الموجهة إليهم والإعراب عن امتنانهم للسلطة مع الرضا بحرمانهم من الحقوق وقبول القيود الظالمة المفروضة عليهم، تماما مثل مقايضة عائلات المفقودين دراهم معدودات مقابل مساندتهم أطرحته الكاذبة؛

1 2

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version