تغلق معهد الدّراسات الإسلامية والشّرق أوسطية،
وتعلن أن “حماس منظمة إرهابية” وهو ما يتعارض مع حياد الدولة !!

محمد مصطفى حابس: جنيف / سويسرا
الكل يعلم أن “سياسة الحياد السويسرية” في المدة الأخيرة أصبحت تكيل بمكيالين، خاصة فيما يخص حرب أوكرانيا وروسيا، و قضية الإبادة للشعب الفلسطيني الأعزل من طرف المحتل الصهيوني، “هذه السياسة بدأت منذ أشهر تهتز، بل وتتضارب في نظر المواطن السويسري العادي”، على حد تعبير عديد خبراء السياسة السويسريين ذاتهم عن بلدهم، ذلك ما علق به أيضا وزير خارجية روسيا غير ما مرة علنا ورسميا، خاصة حول مواقف سويسرا الداعمة لحرب أوكرانيا منذ أشهر ماديا وعلنيا، وفتح باب اللجوء الآني للأوكرانيين دون أي تحفظ، وفي هذه الأيام بدأت تعلو أصوات السويسريين طالبين من دولتهم مراجعة ملف اللجوء الأوكراني الذي لاحظوا، أن بلدهم يحرم أصحاب الحق من جهات أخرى وديانات أخرى خاصة المسلمين ..

سياسة الغرب و «الثرثرة الكاذبة» عن دعمه لحل الدولتين
سياسيا وفي الحالة الأوكرانية، يمارس الغرب كافة الضغوط الممكنة على روسيا لمعاقبتها على غزوها لأوكرانيا، ابتداء من طرد الدبلوماسيين الروس، ومروراً بعقد الاجتماعات للجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا ..
في الحالة الفلسطينية، يقف الغرب بثقله السياسي خلف إسرائيل. أمريكا مثلا لا تسمح بمرور أي قرار في مجلس الأمن من شأنه إدانة إسرائيل على جرائمها أو تطالبها بإنهاء احتلالها أو الالتزام بالاتفاقيات التي وقعتها السلطة معها، أو التي تدعوها إلى التوقف عن الاستيطان أو التي «ترجوها» بأن ترفع الحصار المستمر على قطاع غزة منذ عقود !!
أما الغرب عموما، فباستثناء «الثرثرة» الكاذبة عن دعمه لحل الدولتين، فهو لا يمارس أي نوع من الضغوط السياسية على دولة الاحتلال، ويبذل قصارى جهده لصرف الأنظار عن الاحتلال وتوجيه الاتهامات «للمقاومة» بذريعة العنف، أو للسلطة بذريعة الفساد، حتى يتنصل من أي التزام سياسي أخلاقي تجاه حقوق شعب يرزح تحت الاحتلال منذ عقود. الغرب يساوي بين الضحية والجلاد حتى لا يقوم بما يجب عليه القيام به وهو الضغط السياسي على إسرائيل !!
العقوبات الاقتصادية أيضا على «الغزاة الروس» اشتملت على منع طيرانهم المدني من التحليق في الأجواء الأوروبية والأميركية والكندية، وعلى إيقاف اعتماد عمل خط الغاز (نورد ستريم 2) الذي يربط روسيا بألمانيا والذي تم استكماله في شهر أيلول من العام الماضي.

في أوكرانيا “مقاومون” وفي فلسطين «إرهابيون»
لكن في الحالة الفلسطينية، يقوم هذا الغرب بدعم إسرائيل اقتصاديا بكل الطرق، فهو يقدم المساعدات المالية لها ويستثمر في شركاتها، ويعطيها أفضليات تجارية كأنها عضو في الاتحاد الأوروبي.
والغرب أيضا يضع قوانين لمنع أي نشاط فلسطيني يستهدف التأثير على الرأي العام الغربي لمقاطعة إسرائيل اقتصاديا. في الولايات المتحدة أكثر من 25 ولاية منعت حركة الـ”بي دي سي” من العمل في ولاياتها؟ وفي أوروبا وباستخدام قوة القانون منعت العديد من الدول هذه الحركة من النشاط على أراضيها بذريعة أنها «لا سامية» رغم أن كل ما تدعو له هو مقاطعة إسرائيل اقتصاديا وثقافيا إلى أن تنهي احتلالها للأراضي الفلسطينية
عسكريا، اليوم هنالك 27 دولة أوروبية بالإضافة إلى الولايات المتحدة واليابان وأستراليا تقوم بتزويد «المقاومة الأوكرانية» بآلاف الأطنان من أحدث الأسلحة من صواريخ أرض جو دقيقة تسقط الطائرات الروسية إلى القذائف التي تدمر دباباتها. هذا بالإضافة إلى الإسناد بالخبراء والمعلومات التي تمكن من استخدام هذه الأسلحة بشكل فعال!! يضاف لذلك السماح للسفارات الأوكرانية في كل الدول الغربية أو المتحالفة معها بالعمل على تجنيد «المتطوعين» لإرسالهم لخطوط المواجهة مع الروس، من جل الدول الاوروبية !!.
لكن في الحالة الفلسطينية، هذا الغرب يستكثر على الفلسطيني إلقاء الحجارة على الاحتلال الإسرائيلي، وهو يصنف كل من يقاوم الاحتلال بالسلاح على أنه إرهابي، ويقوم بمنعه من دخول أراضيه أو اعتقاله إن وصل إليها وهو يقوم أيضا بالتنسيق مع إسرائيل لمنع أي مقاومة فلسطينية ويدعم أي جهد للقضاء عليها.
هذه المقارنة لا تكشف لنا فقط ازدواجية المعايير في سياسات الغرب، ولكن أيضا حجم السقوط الأخلاقي له رغم كل حديثه عن الحرية والديمقراطية.

سويسرا المحايدة تدخل حلبة الصراع لمعاقبة الضحية الفلسطينية
واليوم سويسرا تنتقي أسوأ توقيت لقطع التمويل عن الأونروا، وعلى الشعب الفلسطيني، بينما تدعم إسرائيل عسكريا وبمتطوعين للحرب في غزة، للتذكير سويسرا تصنف في المرتبة السادسة كأكبر مانح للوكالة التي تقدم خدمات للاجئين الفلسطينيين مثل التعليم والرعاية الصحية الأولية والمساعدات الإنسانية في غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان !! ومع تعليق العديد من الدول تمويلها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ما فتِئت الادعاءات ضد موظفيها تتزايد. ولم تقم سويسرا حتى الآن بصرف التمويل المرصود لعام 2024، حيث تقول إنها تنتظر نتائج تحقيق تجريه الأمم المتحدة في هذا الشأن!!

جامعة سويسرية تغلق معهد الدّراسات الإسلامية والشّرق أوسطية
بالإضافة الى الذهاب أبعد من ذلك، حيث يعلم العام و الخاص، أنه ما قامت به جامعة بارن السويسرية، في شهر أكتوبر الماضي بفصل مُحاضِرٍ دون سابق إنذار ولا إشعار، بعد أن أدلى بتعليقات تشيد بهجمات حركة حماس على إسرائيل. كما تمّ فتح تحقيق إداري في معهد الدّراسات الإسلاميّة والشّرق أوسطيّة وتم إعفاء مديرة المعهد المشاركة مؤقتًا من مهامها !!
هذا التسيير الغريب لشؤون الجامعة ومستخدميها لجامعة عريقة تأسست منذ سنة 1834، أثار تساؤلات عديدة ليس فقط للشارع السويسري وجاليتنا المسلمة، بل حتى في صفوف عمال وأساتذة الجامعات السويسرية، وقالت يومها الجامعة بارن المعنية بالموضوع في بيان لها: ” أن جامعة بارن تواجه قضية غير مسبوقة أثارت رد فعل شعبي كبير!!. وأضافت أن المنشورات المثيرة للجدل التي نشرها المحاضر على منصة التواصل الاجتماعي ” إكس” غير مقبولة، وأنّ “المؤسسة تدين أي نوع من العنف أو الدعم له” !!..
ويُزعم أن المُحاضِر من معهد الدّراسات الإسلامية والشّرق أوسطية والمجتمعات الإسلامية كتب على منصة إكس أن هجوم حماس كان أفضل هدية تلقاها قبل عيد ميلاده !!
وفي منشور آخر، يُزعم أنّه علّق على مقطع فيديو لغارة حماس بعبارة (سبت السلام)،
“Shabbat Shalom”
وتم حذف هذه المشاركات عبر الإنترنت منذ ذلك الحين، حسب بعض المصادر.

“إعلان حماس منظمة إرهابية يتعارض مع حياد سويسرا”
وقال كريستوف بابّا، الأمين العام لجامعة برن، لوسائل الإعلام، إن إنهاء الخدمة دون سابق إنذار يرجع إلى السلوك غير المقبول وما نتج عنه من فقدان الثّقة !!
من جانبه، يقوم مكتب المدّعي العام في برن حاليًا بدراسة وقائع القضية لتحديد ما إذا كانت ذات صلة جنائيًا. وقال المتحدث باسم المكتب لوكالة الأنباء السويسرية كي ستون آس دي أي إن التحقيق لم ينته بعد.
ومن جهة أخرى، قالت الجامعة إنّها باشرت “تحقيقًا إداريًّا” يشمل معهد دراسات الشرق الأوسط حيث كان يعمل الأستاذ، وتخضع حاليا إدارة المعهد لتقييم خارجي، كما تم إعفاء المديرة المشاركة الدكتورة سيرينا تولينو من مهامها مرحليا أثناء التحقيق ” .
وسيرينا تولينو أستاذة جامعية إيطالية تشغل منصب كرسي دراسات الشرق الأوسط بجامعة بارن بسويسرا. تخصصها هو مجال الدراسات الإسلامية، ولها مسيرة علمية متنوعة حول لغات وتاريخ ثقافات منطقة البحر الأبيض المتوسط والدول الإسلامية في جامعة نابولي – لورينتالي، الإيطالية. خلال دراستها قضت ثلاث سنوات في القاهرة. وناقشت رسالة دكتوراه بعنوان «المثلية الجنسية والممارسات الجنسية المثلية في الفقه الإسلامي والقانون والوضعي». أبحاثها العلمية تركز على دراسة الفقه الإسلامي ومواضيع المثلية الجنسية، قضايا النوع الإجتماعي (الجندر) وأيضا تاريخ العبودية (الرق) في الإسلام والشرق الأوسط.
أما عن سبب تسريح الأستاذ فقد تكتمت وسائل الإعلام عن ذكر حتى اسمه وسيرته الذاتية، إلا أن بعض التسريبات تقول إن الأستاذ مسلم من أصول عربية !!

تعليقان

  1. بشير بتاريخ

    مثل هذا السلوك غير بريء ، بمعنى أن سويسرا ” الحياد” لم تلد اعتباطا ، بل كانت الفكرة نتاج هندسة الفكر الصهيوني الذي استطاع أن يحول ألمانيا الهتليرية التي تغذى قادتها و رضعوا من الفلسفة ” النتشية” ، حيث نص ” نيتشه ” على أن اليهود صنم ، لا للعبادة و لكن للتحطيم. المدهش ليس هذا القول الذي لا نؤيده بطبيعة الحال انطلاقا من التزامنا بتعاليم ديننا الحنيف الذي ينهانا عن الظلم ، لا الغريب هو تحول ألمانيا التي باتت اليوم من كبار المؤيدين للمارسات الاسرائيلية في حق أبرياء فلسطين! إن الفكر الذي يقف وراء تحول ألمانيا هو ذاته الذي يقف وراء موقف السلطة الحاكمة في سويسرا و السلطة الحاكمة في بريطانيا و كذلك الشأن لموقف إدارة البيت الأبيض! هندسة الأفكار جعلت من المسلمين إلى يومنا الحاضر يتغذون للأسف الشديد من الفرقة باسم الشيعة و السلفية ، و ما إلى ذلك من أسماء و شعارات كانت سببا في هلاك الٱلاف من الأنفس البريئة !

  2. بشير بتاريخ

    فكرة ” سويسرا الحيادية” لم تخدم سوى طرفا واحدا ! في الظاهر بدا الاتحاد السويسري محايدا ، و انخدع الكثيرون بذلك! كثيرة هي الأموال التي تم توجيهها إلى البنوك السويسرية ، بما فيها أموال طائلة من البلاد العربية و الإسلامية ، بمعنى أموال الشعوب المقهورة! الغريب أن تلك الأموال استثمرت في مشاريع داخل أوربا و أمريكا و عادت بالفائدة على طرف واحد بقي خفيا و متسترا ، استخدم أسماء و شعارات مختلفة ، لكنه لم يظهر هويته دائما! لذلك يتعجب كثير من المتابعين اليوم من موقف السلطة السويسرية من ممارسات الكيان الصهيوني الغاصب الذي يقتل النساء و الأطفال بالٱلاف!و يحرقهم بالقنابل القادمة من أمريكا! من يتساءل بخصوص الموقف السويسري ، يمكنه أن يتساءل بخصوص موقف ألمانيا الهتليرية التي قال أحد فلاسفتها ذات يوم ، ألا و هو ” نيتشه” : ( اليهود صنم ، لا للعبادة، و لكن للتحطيم) و هو الفيلسوف ذاته الذي تأثر بفكره ” أدولف هتلر” ! كذلك يمكن التساءل بخصوص موقف حكومة بريطانيا! إنه مفعول عمل الفكر الصهيوني الذي هندس كثيرا اقتصادات الدول و تحكم في مساراتها ، و استطاع أن يؤثر و يتحكم في سياسات كثير من الدول ، و يقف وراء وصول _ من يريد إلى سدة الحكم – و يبعد من يريد! لذلك و لذلك فقط لا تستغربوا موقف الحكومة السويسرية و لا تنخدعوا بحياديتها ، كما يجب أن لا تنخدعوا كثيرا التي يطلقها بعض الحكام العرب ، فهي فقط لذر الرماد في العيون.

Exit mobile version