زفرة مؤلمة حول الوضع المتردي في تونس وحرب الأشقاء في السودان

محمد مصطفى حابس: جينيف / سويسرا

بعد الاستحسان الكبير للعديد من القراء للكلمة المتوازنة للمفكر الجزائري الطيب برغوث، حول الوضع السياسي والاجتماعي والمأسوي في بعض دولنا الإسلامية، حتى ونحن في شهر رمضان الكريم، إلا أن رحى الحرب و الانقلابات و التجاذبات الأخيرة في كل من تونس و السودان و التي يدفع ثمنها الشعب برزقه و روحه ودمه، أفسدت علينا مذاق أيامه و روحانية لياليه..
رغم كل ذلك رجونا صاحب المقال المفكر الجزائري الدكتور الطيب برغوث، أن يعيد كتابة الكلمة المختصرة، أو قل الزفرة المؤلمة، التي تناقلتها بعض مواقع التواصل الاجتماعي نقلا عن صفحة “منتدى دراسات النهضة الحضارية ” بشكل موسع و ومفصل لبعض أفكارها الدسمة، فلبى دعوتنا مشكورا، على حساب أشغاله الأخرى علما أننا في أيام حركة و بركة – العيد و تنقلات و زيارات العطلة التي صادفت هذه السنة عيد الفطر المبارك ..
شاكرين له حرصه على المساهمة في دعم الأفكار والمشاريع النافعة كعادته !!

دأب المثقفين الرساليين المستنيرين:
شخصيا لا أبوح سرا رغم صعوبة أسلوب الشيخ الطيب إلا أني استمتعت واستفدت، من كلمة أستاذنا الدكتور الطيب برغوث، الأستاذ الأسبق في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، وقد وضع لأفكاره كعادته خطة شاملة ومتكاملة، تصلح إلى أن تكون ملتقى كاملا، يطرح موضوع العلاقات و فض النزاعات بين الشعوب و ساستها، طرحا شاملا ومتكاملا وعميقا، وهذا دون شك دأب المثقفين الرساليين المستنيرين، كما لا يخفى على ذي بال !!

و يا اريت لو أن كل مثقف أو سياسي أو رجل أعمال أو صاحب وجاهة اجتماعية، أو أي شخص في مجتمعاتنا نأى بنفسه عن الخوض في أعراض الناس، وسعى بما تيسر له في إخماد نيران الفتنة بين أبناء المجتمع الإسلامي الواحد بالكلمة الطيبة و العمل الصالح، لبارك الله تعالى في جهد نخبنا، ولانتقل تأثير ذلك إلى عامة الناس في المجتمع، ولصلح أمر هذه الأمة وبارك الله في سعي رجالها و نسائها نحو تحقيق نهضته الحضارية.. عموما بهذه الروح المسؤولة كتب لنا متسائلا المفكر الجزائري المعروف، تحت عنوان: أما آن لهذه الدوامة العدمية المهلكلة أن تنتهي؟
ما يلي:
دوامة الصراع الجهول ومآسيه:
دوامة الانقلابات والتهميش والإقصاء والتشويه والتغييب، والانتقامات والتدمير المتبادل بين القوى المجتمعية بعضها لبعض، والإضرار البالغ بمصالح الأفراد والمؤسسات والدول والمجتمعات والأجيال تبعا لذلك، باسم المصالح العامة المغشوشة حينا، وباسم المصالح الخاصة المستترة أحيانا كثيرة، مستمرة بلا هوادة، في جل إن لم يكن في كل المجتمعات العربية والإسلامية والعالم ثلاثية المتخلفة، وكأن ذلك قدر مكتوب على هذه المجتمعات، يحتم عليها أن تعيش في هذه الدوامات المنهكة والمهلكة، وتتحول إلى مسخرة أمام العالم وفي التاريخ، تكرس في الأجيال الخجل من واقعها وتاريخها، وتصيبها بعقد النقص والشعور بالدونية المزمنة!
تساؤلات بين يدي هذه الدوامة المهلكة:
قفزت إلى ذهني هذه الخلاصة المؤلمة، وأنا أتابع مستجدات الأوضاع في تونس باعتقال الشيخ راشد الغنوشي مجددا، وغلق مقرات حركة النهضة وغيرها، ودخول المجلس العسكر وقوى الدعم السريع في السودان في حرب ضروس على السلطة، وأستذكر مبررات ما سمي بانتفاضات الربيع العربي، ونتائج الإجهاض لها، و الإحباطات والصراعات التي ولدتها أو ستولدها مستقبلا، ورحت أتساءل بيني وبين نفسي: لماذا يحدث هذا كله بهذه الصور الدراماتيكية المقرفة؟ لماذا أصبح هذا الوضع أمرا مزمنا، ومنهجا راسخا مطردا في واقع الأفراد والمؤسسات والدول والمجتمعات العربية.. ؟ هل هذا قدر محتوم علينا لا انفكاك لنا عنه، ولا حيلة لنا تجاهه؟ لماذا لا نستفيد من دروس التاريخ وآلامه القاسية التي تطال الأفراد والمؤسسات والدول والمجتمعات؟ لماذا ضمرت أو ماتت عندنا الحاسة السننية الاعتبارية التي يعلمنا إياها قانون المداولة السارية في الحياة البشرية بكل صرامة منذ الأزل البشري في الأرض؟ لماذا لا يعتبر الأفراد والجماعات بمآسي من سبقهم من المستبدين والإقصائيين، ومتوهمي إحتكار الحقيقة والوصاية على الغير؟ كيف ينحط الحس السنني الاعتباري ويتبلد إلى هذه الدرجة، عند جل من تواتيهم لحظة القوة العابرة، فيصابون بسكرة التسلط والإقصاء والانتقام، ويغفلون أنه سيفُعَل بهم كما فعل بغيره؟
كيف يحدث هذا كله، ويجعلنا نعيش كأفراد ومؤسسات ودول ومجتمعات، في دوامة عدمية مهلكة، نتداول فيها على طحن بعضنا البعض بشكل وحشي لا إنساني؟ أين برامج تعليمنا وتربيتنا وإعلامنا وسياستنا، و نظمنا الاجتماعية والعرفية و الأخلاقية و القانونية.. من كل هذا الانحطاط والتبلد في الحس السنني الاعتباري، الذي يجب أن يكون خاصية أساسية أولى في الإنسان عامة، ناهيك عن الإنسان المتعلم والمثقف والنخبوي والمسئول خاصة؟ فالإنسان الذي يلدغ من جحر مرتين إنسان منقوص الإنسانية!
اين نتائج وجدوى المخططات التشخيصية الباهظة الثمن؟

إن كل ما يجري من عنف وتوحش وإقصاء وانتقام وتدمير، يضع كل هذه البرامج والأنظمة، وما يصرف فيها من موارد، ويستنزف فيها من جهود وطاقات وأوقات هائلة، وما يهدر فيها من فرص للنهضة الحضارية، والترقي في مدارج الإحسان الحضاري، موضع تساءل جذري، والمنخرطين في عملية التطاحن المتوحش، موضع تساؤل عن مداركهم العقلية، وأوضاعهم النفسية، ومستوياتهم في الإنسانية، وموضع مساءلة لهم عن كل ما تسببوا فيه من أذى لأنفسهم ولغيرهم من الأفراد والمؤسسات والدول والمجتمعات، وموضع مساءلة لهم عن مدى وعيهم بذلك كله أم أنهم في غمرة ساهون عن ذلك كله!
إن طول أمد هذه الدوامة العدمية، وضراوة الأضرار التي تلحقها بدنيا الناس، ومصالح المجتمع، ومصائر الأفراد الأخروية، يطرح علينا كذلك تساؤلات كبيرة عن جدوى ومصير التشخيصات الكثيرة، والحلول المختلفة التي تقدمها نخب ومؤسسات شتى، مقابل أموال طائلة، وامتيازات شتى، أين هذه التشخيصات والحلول؟ لماذا لم يعمل بها؟ وإذا عمل بها ولم تثبت جدواها فلماذا يستمر السير في نفس الطريق وبنفس المناهج؟ من المسئول عن هذا الهدر والعبث الدوامي المهلك؟ كيف نخرج من هذه الدوامة الطاحونية العدمية المنهكة والمهلكة؟
مسئولية المنظورات الجزئية المتنافرة عن هذه الدوامة العدمية المنهكة:
وختاما لهذه الزفرة المؤلمة، وتخفيفا من وطأتها على نفسي، أقول بأن المسؤول عن هذه الدوامة العدمية المنهكة والمهلكة، هو المنظورات الفكرية الجزئية المتنافرة، التي تعطينا معرفة جزئية متنافرة وغير متكاملة، وتربية جزئية متنافرة وغير متكاملة، وثقافة جزئية متنافرة وغير متكاملة، وتنمية جزئية غير متكاملة، وشخصية منفصمة غير متوازنة، وشبكة علاقات اجتماعية مبعثرة ومفككة ومتنافرة وغير منسجمة، وأداء سلوكي واجتماعي متنافر وغير متكامل.. وهكذا دواليك، نريد أن نبني منظومة فكرية متوازنة، وشخصية إنسانية متوازنة، وعلاقات اجتماعية متوازنة، ومناهج أداء متوازنة، وننجز تنمية ونهضة متوازنة، بمعرفة وثقافة وتربية جزئية متنافرة، وهذا أمر غير ممكن بل ومستحيل أيها الناس!
إن المنظورات الجزئية المتنافرة التي تهيمن على تفكيرنا وحياتنا، وتجعل اهتماماتنا و أولوياتنا ونضالاتنا.. تتمحور حول أنفسنا وأسرنا ومناطقنا وتنتهي عند مصالحها، على حساب المصالح الحقيقية العليا للدولة والمجتمع والأمة والإنسانية عامة، هي منبع الخطر علينا وعلى مجتمعاتنا، بل ومصيرنا الأخروي، وما لم يحدث تغيير في الاهتمامات والأولويات والمصالح يتماهى مع مصالح المجتمع والأمة والإنسانية، فإن غرقنا في هذه الدوامة العدمية المنهكة والمهلكة سيتعمق أكثر فأكثر، ومحنه وعذاباته ومخازيه ستتضاعف وتزداد ضراوة وشراسة، وفقا لقانون ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ )[الرعد: 11].

ضرورة تعميق الوعي بمنظور السننية الشاملة لمواجهة هذه الدوامة العدمية المنهكة:
إن الخروج من هذه الدوامات العدمية المنهكة، يستلزم تغييرا أو تصحيحا في المنطلق والوجهة والمسار أولا، وذلك لا يمكن أن يحصل إلا بمنظور السننية الشاملة، المنفتح على كل المعطيات السننية التي وضعها الله تعالى بين يدي الإنسان لكي يحقق توازنه الذاتي والاجتماعي والحضاري والكوني، ويتجاوز دوامات المقاصد والأولويات والمناهج والأداءات والمعارك الجزئية المتنافرة التي تحكم حياتنا اليوم، وتقذف بنا في هذه الدوامة العدمية المنهكة والمهلكة.
عندما ينفتح تفكيرنا وتربيتنا وسلوكنا ومناهج عملنا وعلاقاتنا وثقافتنا.. على خريطة منظور السننية الشاملة، ونتمكن من استثمار المعطيات السننية الشاملة التي يضعها أمامنا، للحركة المتوازنة نحو الغايات الكبرى التي يرسمها للحياة، فإن وضعنا سيتغير باتجاه المزيد من الفعالية والخيرية والرشد والبركة والرحمة العامة، التي تنقلنا من ضيق الأفق إلى سعته، ومن الأنانية إلى الغيرية، ومن الغرور والاستكبار إلى التواضع ومعرفة قدر النفس وقدر الآخرين، ومن العنف والصراع إلى اللين والمسامحة والتكامل، ومن التوافه إلى المعالي.. وهكذا يتغير وضعنا نحو المزيد من الانسجام والقوة والتكامل.
هذا هو شرط الانعتاق من محرقة هذه الدوامة التنافرية الإهتلاكية العدمية المنهكة، التي زجت بنا فيها المنظورات الجزئية المتنافرة، التي تتمحور حولها اهتمامات وهموم كثير من النخب الفكرية والاجتماعية والسياسية في المجتمع والأمة، وهذا هو طريق التنمية والنهضة الحضارية المستقيم، إنه الوعي السنني الشامل الذي يزودنا به منظور السننية الشاملة، عندما ننفتح عليه بجدية، ونستوعب خريطته المقاصدية والمنهجية الكلية، ونأخذ بها في وضع جزئيات وتفاصيل حركتنا الفكرية والتربوية والاجتماعية والسياسية.. في مساراتها التكاملية المطلوبة.
أهمية ترسيخ الوعي بقانون المداولة ورحاه الدائرة:
وما أحوجنا اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى ترسيخ الوعي بفكرة بل ” قانون المداولة ” لدى الأجيال في كل برامجنا الفكرية والتربوية والإعلامية والأسرية والمسجدية والاجتماعية والسياسية، وتحويله إلى ثقافة سارية في المجتمع، توحي في كل لحظة لكل فرد في أي موقع من مواقع المسؤولية في الدولة والمجتمع، بأن القوة والنفوذ والظلم لا يدوم، وأنه ” كما يدين الإنسان غيره يدان يوما ما ” و أن ” من ضارَّ ضارَّ اللَّهُ بِهِ، ومن شاقَّ شاقَّ اللَّهُ عليْهِ ” جزاء وفاقا، سنة الله التي اطردت في الحياة، وأنه لا يمكن لظالم نفسه أو غيره أن يخرج من هذه الدنيا دون أن يدفع ثمن ظلمه أبدا، في انتظار دفع الثمن الأوفى يوم العرض على الله تعالى.
فقانون المداولة دائرة رحاه بشكل مطرد لا يتخلف، ليحقق جزءا من العدالة الدنيوية العاجلة، ويمنح الأمل للناس وخاصة المظلومين والمقهورين منهم، ليستمروا في مقاومة المظالم والمفاسد وعدم الاستسلام لها، مهما ألحق بهم الظلمة والمستكبرون من الأذى المادي والمعنوي. لأن سنة الله تعالى اقتضت أن يداول الأيام بين الأفراد والدول والأمم والحضارات بعدالة، كما قال سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، وهو ينبه السائرين على خط الحق والصلاح والإصلاح إلى قانون المداولة ومقتضياته، وأن لا تحجبه عنهم بعض عثراتهم، أو بعض سطوات الباطل والفساد، كما حدث للمسلمين عقب هزيمة أحد: ( إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ )[آل عمران : 140].
فسكرة الظلم والفساد والعلو والاستكبار في الأرض، تدفع إلى الحركة على خط الانحطاط والانحدار والخطر، لا ينبغي أن يغتر بها الإنسان ظالما أو مظلوما، لأنها آيلة إلى نهايتها إن عاجلا أم آجلا، كما ينبه على ذلك هذا الحديث الخطير: (إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظّالِمِ، حتَّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ. قالَ: ثُمَّ قَرَأَ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102].
إنها الفكرة المركزية التي يجب أن تشتغل على ترسيخ الوعي والعمل بها، كل جهود الأفراد ومؤسسات المجتمع بشكل مستمر، لأنها إذا رسخت في النفوس وتحولت إلى ثقافة وسيكولوجية عامة، ستجعل كل فرد في المجتمع يعي تماما بأنه سيدفع ثمن تقصيره أو ظلمه أو إيذائه للآخرين، ويحجم عن ذلك شفقا على نفسه في الدنيا والآخرة معا، وهذا سيحدث تحولات عميقة في المجتمع، وستخرجه من دوامات التنافرية والإهتلاكية العدمية المنهكة. وما أجدر هذه الفكرة بأن تقام لها مؤسسات، وينهض بها رجال ونساء رساليون، ويسندهم في ذلك أهل النفوذ الفكري والسياسي والمالي في المجتمع، ويتقربون بذلك إلى الله تعالى، في تخليد ذكرهم عبر الأجيال، وتبوئ المقامات الرفيعة من الجنة يوم القيامة.
إقتراح استراتيجي مهم على شرائح فاعلة من مجتمعاتنا:
إضافة إلى ما ذكرته بخصوص أهمية الانتباه إلى منظور السننية الشاملة والانفتاح عليه، كإطار مرجعي أساس للخروج من هذه الدوامات العدمية المنهكة، أقترح على الأئمة والمربين والمرشدين، والمؤثرين في الرأي العام بصفة عامة، وعلى واضعي البرامج التعليمية والتربوية، أن يجعلوا فكرة الجزاء الدنيوي الناجم، عن الخير والشر، والصلاح والفساد، والظلم والعدل.. حاضرة في كل توجيهاتهم بشكل مكثف ومستمر، وأن يلتمسوا لها الشواهد والمؤيدات التي لا حصر لها من القرآن والسنة والتاريخ وواقع الناس المعيش، و يوّظفوا لتبليغها وترسيخها أحسن الأساليب والوسائل البيداغوجية المؤثرة، حتى نبني الإنسان السوي، والمجتمع السوي القائم على الإحسان والدفع بالتي هي أحسن، ونتجاوز الإنسان المعقد المأزوم المريض المنتقم الفاسد المفسد، والمجتمع المريض المأزوم الفاسد المكرس للفساد.
أهمية ترسيخ ثقافة الخوف من الظلم والفساد و الإفلاس:
ما أحوجنا إلى تعميق وترسيخ ثقافة الخوف من الظلم والفساد، وبناء عقلية ونفسية وسلوكية الاحتياط من ذلك أشد الإحتياط، مستثمرين أمثال هذا الحديث الخطير، وغيره من الآيات والوقائع التي تؤسس لثقافة الحذر من المظالم والاحتياط منها كمحور أساس في الحياة.
(أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّار )(صحيح مسلم )ِ.
إن أمثال هذا الحديث تضع أمامنا إستراتيجية كبيرة لمقاومة الظلم والمظالم والمفاسد، وتجفيف منابعها في الفكر والنفس، لو عرفنا كيف نستثمرها استثمارا سننيا متكاملا، من خلال التحليل الشامل لها، مستفيدين من كل ما أتيح لنا من معرفة وخبرة سننية في العلوم الإنسانية والاجتماعية المختلفة أولا، ثم من خلال سياجات النظم القانونية والعرفية والإعلامية والفنية المتكاملة الأداء ثانيا.
أتمنى أن يتيح لي الله تعالى شيئا من الوقت والجهد والعون، للمساهمة مع غيري من المدركين لخطورة هذه القضية، في وضع استراتيجية تربوية وثقافية واجتماعية، لمواجهة هذه المعضلة البالغة الخطورة في حياة الأفراد والمجتمعات معا، وعلى مصائرها الأخروية .. اللهم اشهد فقد نصحت وبلغت.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version