إسهامات جامع الزيتونة في الثورة الجزائرية وتحقيق انتصاراتها.
محمد مصطفى حابس: جينيف / سويسرا

زودنا الأستاذ الفاضل ناصرالدين من تونس العاصمة منذ أسابيع بعدد جديد لمجلة تونسية فكرية إخبارية دراسية شاملة قصد التعريف بها للقارئ العربي في أوروبا خصوصا والمسلمين عموما، خاصة أنها خصصت عددا بمناسبة عزيزة على العرب والجزائريين خصوصا، الذكرى الستين للاستقلال، وها نحن نلبي دعوته، لما في هذه المجلة من دراسات تاريخية وفكرية جادة، ليستفيد منها القارئ ليس فقط من مثقفي تونس والجزائر، بل العالم الإسلامي والإنساني أجمع.. وهذه قراءة مقتضبة عامة في محتواها الهادف ولأهمية ملفها الكبير حول الجزائر وثورتها، يسعدنا أن نتوّقف مع بعض عناوينها لا غير.

والمجلة المحترمة هذه تسمى” الشأن الديني” التونسية وقد خصصت هذا الملف الكامل في بداية شهر نوفمبر 2022، حول الذكرى الستين لاستقلال الجزائر بعنوان “إسهامات جامع الزيتونة في بناء لبنات الثورة الجزائرية وتحقيق انتصاراتها”، وقد جاء في افتتاحية العدد، بتوقيع رئيس تحريرها، أن هناك العديد من الأدبيات العربية، كتبا وأطروحات ودراسات التي تحدثت وشرحت وأطنبت في الحديث عن دور الزيتونة كمؤسسة تعليمية وكمَعلم ديني في الحث على أهمية التصدي لاستراتيجيات الاستعمار الفرنسي الغاشم، وقد كان للطلبة الزيتونيين وقبل ذلك شيوخهم وأساتذتهم، دورا مهما ورئيسيا في بلورة فكر وطني وقومي لشعوب المغرب العربي الكبير كافة، ومن ذلك الإرث تم لاحقا صياغة أرضية خصبة لبناء حركة وطنية تبنت وعبر كل الوسائل المتاحة مهمة النضال في وجه المستعمر الفرنسي وإيقاد الشعلة الثقافية والفكرية التي حاولت سلطات الاستعمار بسياساتها المختلفة في اجتثاثها من الجزائريين ..

المسار التاريخي للثورة الجزائرية:
تحت هذا عنوان أي “المسار التاريخي للثورة الجزائرية”، كتب خير الدين سعدي، قائلا “يخطأ جداً من يعتقد أنَّ الثورة هي نقطة انطلاق للحركة التحريرية في الجزائر، بل هي أو -كما أحسبها- نقطة وصال جمعت حدين كانا متباعدين جداً. هما: الحد الثوري المسلح والحد السياسي المفعل بالثورية. يكفي أن نضع مقدمات نتفق عليها وتكون هي سبيلنا للمخرجات القادمة، وأهم هذه المقدمات أنَّ الجزائر لم تعش ثورة تحريرية سنة 1954 فقط، وإنَّما حيت وراكمت ثورات شعبية طيلة الاحتلال الفرنسي أي على مدار 132 سنة، بل ومِن أوَّل أيام الحصار الفرنسي على الجزائر سنة 1827.
إذ كان يمكن لاعتذار رسمي يقدِّمه باشا الجزائر إلى القنصل الفرنسي دوفال أن يُؤخِّر الاحتلال الفرنسي سنوات أخرى، لكن الداي رفض أن يعتذر، أو أن يرفع العلم الفرنسي على أعلى الأماكن الموجودة بالمحروسة، كما رفض أن يُحيِّيَ الأسطول الفرنسي بمائة طلقة مدفعية لإعلان الرضوخ مقابل فك الحصار، حاول باشا الجزائر “حسين” المقاومة في “سيدي فرج” وبعدها في “أسطوالي” لكن جميع الأسباب كانت مُهيَّئة لفشله، سواء منها أسباب آنية، أو حضارية ليس هذا محل بسطها. وبهذا الشكل سقطت مدينة الجزائر وقبل سقوطها في (5 يوليو 1830) سقط آلاف مِن الشهداء قبل وصول القوات الفرنسية للمدينة، فهل توّقف الأمر هنا؟
المصادر التاريخية المختلفة والوثائق الأرشيفية الموجودة في أماكن شتى حول العالم تنفي ذلك تماماً، حيث انتظمت القوات تحت قيادة “أحمد باي” في الشرق الجزائري سنة (1830-1837) وظل يقاتل فرنسا، ويحاول إخراجها مِن الجزائر طيلة هذه المدة، حاولت فرنسا – كما تؤكد وثائق الأرشيف البريطاني- احتواءه بالترغيب وأخرى بالترهيب، لكنه فضَّل أن يبقى ثائراً على أن يدخل في طاعة فرنسا. فهل توّقفت المقاومة حين ذلك؟ بل على العكس، كانت مشتعلة في الغرب الجزائري، مع أحد أعظم قادة العالم، الأمير عبد القادر الجزائري، الذي استمر في محاربة الفرنسيين ما بين (1832-1847) رفضا جميع إغراءات فرنسا واستمر في مدافعتها، إلى أن أدرك أن قوَّته لن تكفي لصدها، وأنَّ خيانة ذوي القربى لن تتيح له هزيمتها، ورأى أنَّ حقن دماء المسلمين في تلك المرحلة أولى. كانت نتائج هاتين الثورتين حَرِية بأن تطفئ لهيب الثورة في نفوس الجزائريين، لكنها في الحقيقة لم تفعل، بل زادتهم إصراراً على المواجهة..

وحدة الثورات على المعادلة الصفرية التي لا تقبل بالقسمة:
“ إما أن نكون، أو لا نكون “
ثم يضيف الكاتب بقوله: “توّحدت جميع الثورات التي تلتها على فكرة واحدة، وهي المعادلة الصفرية التي لا تقبل القسمة على اثنين: “إما أن نكون، أو لا نكون“. الى آخر ثورة هي ثورة نوفمبر 1954، حيث اختار الثوار لحركتهم اسماً جامعاً، فكانت “جبهة” بدل أن تكون “حزب”، وحدَّدُوا هدفها فكان “التحرير“، واختاروا لها هُوية فكانت “جزائرية“. لا شرقية ولا غربية، فوُلدت من رحم هذا الاجتماع “جبهة التحرير الجزائرية“، وفي رحمها “جيش التحرير الجزائري“ الذي استقطب كل القوى الفاعلة في المجتمع، وقرَّر هؤلاء الثوار أن يكون الفاتح مِن (نوفمبر/ تشرين الثاني) يوماً لإعلان اندلاع ثورة التحرير المجيدة، فكانت الانطلاقة متزامنة في الكثير من المناطق المختلفة في الجزائر، التف الشعب مِن ساعته حول هذا المشروع، فأعطى جبهة التحرير عهداً وعقد العزم أن تحيا الجزائر، كما يحفظ العام والخاص نشيدها المعروف ..

جامع الزيتونة رافد علم وثورة:
تحت عنوان:” جامع الزيتونة رافد علم وثورة”، كتب عمار سيغة الباحث الجزائري في العلوم السياسية، في الصفحات 6 و7، مقالا مطولا أبرز فيه، على الخصوص
أنه بعد الحملة الاستعمارية الفرنسية على الجزائر سنة 1830، سلك الشعب الجزائري نهجين من أوجه التعامل مع المستعمر الفرنسي، في البدء اتخذ من المقاومات الشعبية نشاطا للرفض المطلق لهذا الكيان الغاصب، وقد تميزت بالانتشار الواسع عبر كامل ربوع الجزائر شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، فيما شكلت السياسة الاستعمارية توّجها أكثر دموية ووحشية فقد انتهجت فرنسا كل أساليب التنكيل والاضطهاد ضد الشعب الجزائري الذي أبان على مقاومة شديدة أعجزت المستعمر في الكثير من الأحيان رغم قلة العتاد والعدة، وبدائية الأسلحة التي كان يستعملها المقاومون الجزائريون، وبعد سلسلة من السياسات الاستعمارية التي مارستها فرنسا منها سياسة الأرض المحروقة وسياسة فرق تسد، ما كان لعديد الأسر والقبائل الجزائرية من مفر سوى اتخاذ أسلوب الهجرة نحو بلدان الجوار مثل المغرب وتونس، فقد هاجر عديد الأسر الجزائرية المقيمة في الشرق نحو تونس والتي كانت الملاذ الآمن لهم ولأبنائهم، فمنهم من توّجه نحو الحرف المختلفة كالتجارة ومنهم من استغل المعاهد والمدارس العلمية المنتشرة فيها للتعلم والتفقه في الدين، وشكل جامع الزيتونة قبلة هامة للطلبة الجزائريين ولم يقتصر حضورهم على التعلم التفقه فحسب بل تطوّر الى حضور سياسي ونقابي بلور العمل السياسي في تونس وساهم في تأطير وهيكلة الأحزاب السياسية والجمعيات الثقافية والنقابات العمالية، والتأسيس للحركة الوطنية الجزائرية، فقد كانت تونس أرضا خصبة للاستثمار في الأفكار الإصلاحية والقومية التي كان مصدرها المشرق العربي مثل فكر جمال الدين الأفغاني والحركة الوهابية.

الزيتونة المناخ المناسب لتفجير طاقات الجزائريين الوافدين:
كان المناخ المناسب في تونس كفيلا بتفجير طاقات الطلبة الجزائريين الوافدين على الزيتونة، فقد تأطروا في جمعيات ونقابات وقد رفعوا أصوات التنديد والرفض التام
للأعمال الاستعمارية في الجزائر، وقد كان الجزائريون الذين حصلوا على قسط من التعليم الأولي في علوم اللغة العربية والشريعة الإسلامية يتوقون إلى مواصلة تعليمهم العالي الذي حرموا منه في الجزائر بالتوّجه إلى المعاهد الإسلامية في الخارج، ومن أهمها جامع الزيتونة في تونس الذي شهد توافدا كبيرا للطلبة الجزائريين قصد الكرع من مناهله، والاحتماء به لصيانة ما تبقى من قيم الدين الإسلامي بعد أن شنّت فرنسا حربا ضد مقومات الشعب الجزائري، فجامع الزيتونة كان من أهم الحصون الحامية للكيان الإسلامي، والمؤسسة العلمية العريقة لاستقطاب الطلبة الجزائريين للاستزادة العلمية والفكرية والثقافية، ومنهم الإمام عبد الحميد ابن باديس الذي قصدها للدراسة سنة 1908، إلى أن تحصل على شهادة التطويع سنة 1912 بتفوّق، وكان الطالب الجزائري الوحيد في تلك الدورة، فكانت هجرة الشيخ ابن باديس التاريخية في اتجاه جامع الزيتونة في طليعة الهجرات العلمية في القرن العشرين، والجسر الذي امتد لتعبر عليه البعثات العلمية التي تتابعت بعد هذا التاريخ من الجزائر، وإليه يرجع الفضل الكبير في إرسال الرعيل الأول للبعثات الطلابية إلى الزيتونة، فبعد عودته إلى الجزائر بسنة واحدة فقط، وبرعاية وتشجيع منه وصلت أول بعثة طلابية إلى تونس سنة 1913، لكن ظروف الحرب العالمية حالت دون استكمال الوجه النضالي للبعثة غير أن بوادر النضال تبلورت بعد الخطبة الشهيرة للشيخ البشير الإبراهيمي بداية الثلاثينيات، وقد بثت كلمته الحماس مدركا بأن الأوان قد حان لجمع الشتات وتحويله الى قوة مؤثرة تلعب دورها المرسوم في حركة النضال الوطني لدى القطريين، وشدد في كلمته على ضرورة التكتل والتلاحم والخروج بالقضية الجزائرية وشعبهم من الطور السلبي الى العمل المجدي، وتبصير الشعب التونسي وغيره من شعوب العالم العربي بعمق المأساة. وقد عزز ذلك من تلاحم الطلبة الجزائريين، مما يسر تلاحم تلك الوحدة باللقاءات والاجتماعات في شكلها الأدبي والفكري وتقوّت نزعتهم الراديكالية لقضيتهم تجاه المستعمر الفرنسي، وبانت نخبويتهم ووحدتهم وبدؤوا في تحرير مقالات في الصحف التونسية تندد بالممارسات الاستعمارية الفرنسية في القطرين الشقيقين الجزائري والتونسي، وانبثقت جمعيتان هامتين رسمتا المشهد الطلابي في الزيتونة:
1- جمعية تلامذة الزيتونة :
تبلورت فكرة إنشاء هذه الجمعيات بعد سلسلة الانتقادات التي وجهت الى نظام التعليم والتدريس في مدرسة الزيتونة.
2- جمعية الطلبة الجزائريين الزيتونيين :
تأسست الجمعية في سنة 1934، وانتخب مهدي البجائي رئيسا لها، وفي انتخابات موّسعة تم انتخاب الشاذلي المكي وعرفت الجمعية خلال عهدته نشاطا كثيفا فكريا وثقافيا، وسافر الى القاهرة لحشد الدعم والتشهير بجرائم المستعمر الفرنسي وتجاوزاته، وحشد الدعم والسند العربي للجمعية، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية تولى رئاستها الشيخ عبد الرحمان شيبان، الذي واصل على الدرب بتكوين خلايا طلابية في هيكل للتعريف بالقضية الجزائرية، والتعاون مع التونسيين في كفاحهم والتنديد بممارسات السلطات الفرنسية التعسفية.

دور لجنة استقلال الجزائر وتونس:
تأسست اللجنة المذكورة في 07 جانفي 1916 من قبل مجموعة من الشبان الجزائريين والتونسيين، ويرأسها الشيخ الصالح الشريف واسماعيل الصفائحي ومحمد زيان التلمساني، حيث بدأ نشاطها بتحرير منشورات ومقالات دعائية باللغات العربية، الألمانية والفرنسية للتعريف بقضايا المغرب العربي والعالم العربي الإسلامي، وساندت الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى وخاصة بعد تحالفها مع الألمان، غير أن نتائج الحرب التي انعكست بانهزام الدولة العثمانية وحليفتها ألمانيا، جعل الجمعية تراجع استراتيجيتها وغيرت من سياستها، ووجهت مذكرة إلى مؤتمر باريس المنعقد في جانفي عام 1919، مطالبة من خلالها بحق الشعبين الجزائري والتونسي في تقرير مصيرهما، والمطالبة في نهاية الوثيقة بـــأن البلدين يطالبان بالاستقلال التام و وجهوا تأنيبا للضمير العالمي بالمطالبة بتقرير المصير والمطالبة بالحرية والشرعية الى مؤتمر الصلح كما أرسلت نسخة من الوثيقة الى الرئيس الامريكي ويلسون في جانفي 1919م، و نددت فيها اللجنة مرة أخرى بالسياسة الفرنسية في البلدين، وطالبت بالتحقيق.

الصحف التونسية فضاء فكريا وإعلاميا للأقلام الجزائرية:
توضيحا لذلك، جاء في الملف، أنه : “رفع الكتاب والأدباء الجزائريون العائدون من تونس التحدي في وجه الاستعمار الفرنسي من خلال التعريف بالقضية الجزائرية، وانتمائها الى العروبة و الاسلام فقد كانت الصحف التونسية فضاء فكريا واعلاميا لفض الخناق الفرنسي على الاقلام الجزائرية في الداخل، وكشف مختلف الممارسات امام الرأي العام العربي والعالمي، وساهمت تلك الأقلام في نشر الوعي الوطني وكشف وفضح الخونة من الموالين للمستعمر الفرنسي، ومن أهم تلك القضايا هي انتماء الشعب الجزائري الى الحضارة العربية الاسلامية ولذي حاولت فرنسا بمختلف سياساتها الى محوه خلال قرن من الاحتلال، وكشف مؤامرة التجنيد الاجباري التي فرضتها فرنسا على الجزائريين خلال الحرب العالمية الثانية وأثناء حرب الهند الصينية، وساهم في هذه القضية الصحفي عمر بن قدور في جريدته الإقدام والتقدم والمشير، وواصل بن قدور كشفه للخداع الفرنسي من خلال القوانين الوضعية المطبقة في الجزائر، والذي دعت فيها فرنسا الى حقوق الانسان والحرية والمساواة والأخوة، ولكنها في الحقيقة كانت واجهة لإرضاء جموع التكتلات المتسلطة من غلاة الاستعمار، عملت تلك المقالات وغيرها على الانتشار الواسع للوعي نحو سياسات الاستعمار الفرنسي، وتأثر بها مشايخ وأعلام الحركة الصحوية في الجزائر امثال الشيخ عبد الحميد بن باديس ومفتي الجزائر الحنفي محمد أبو قندوزة، كما ساهم ابعاد أحمد توفيق المدني الى الجزائر خلال سنة 1925 في مد تونس بالجزائر بجسر فكري وثقافي بين القطرين، فقد تنقلت وفود من الأدباء والشعراء من تونس الى الجزائر في مناسبات عدة منهم الشاذلي خزندار الناصر الصدام، والأديب ابراهيم الراجح، وساهم العديد منهم في نشر قصائد ومقالات على صحف جزائرية، مما شكل فضاء من النهضة الفكرية والأدبية حتى السياسية بالنسبة للحركة الوطنية الجزائرية، وعزز من دور نادي الترقي وفيما بعد مؤازرة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي أسسها الشيخ عبد الحميد ابن باديس رفقة ثلة من العلماء والمشايخ، و تدعيم لسان حالها جريدة الشهاب و تنوير الرأي العام الوطني الجزائري..

كتب ومراجع تؤرخ لشخصيات جزائرية مرت بجامع الزيتونة:
بعد أن عرج الملف على العديد من المراجع والكتب التاريخية والدراسات الثقافية والعلمية التي نشرت في العقود الأخيرة حول دور الزيتونة في دعم الثورات الجزائرية المتعاقبة منها على سبيل المثال لا الحصر، العناوين التالية:
– نشاط الطلبة الجزائريين، إبان حرب التحرير، 1954، للدكتور عمار هلال، نشر دار هومة للطباعة والنشر، الجزائر.
– الطلبة الجزائريون بجامع الزيتونة، 1900- 1956، للدكتورة شترة خير الدين، نشر دار البصائر، الجزائر.
– البيئة الزيتونية : 1910- 1945 : مساهمة في تأريخ الجامعة الاسلامية التونسية، تأليف العياشي مختار، نشر دار التركي للنشر، تونس.
وختم الملف الدسم بقائمة مصورة لشخصيات جزائرية مرت على الزيتونة، نعم كُتبت هكذا-مرت -تحت عنوان طويل:” شخصيات جزائرية معلومة مرت بجامع الزيتونة المعمور وجامعته التعليمية”، ذاكرة على التوالي: الأمير عبد القادر الجزائري، الشيخ عبد الحميد بن باديسن، الشيخ البشير الابراهيمي، المفكر مالك بن نبي، والرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين، رحمهم الله جميعا. من هذه الشخصيات المذكورة أعلاه، ما كنت أعلم أن مالك بن نبي مثلا مر بجامعة الزيتونة ولا هواري بومدين، .. و الله أعلم.

في الذكاء الاستراتيجي لابن باديس:
وعلى ذكر أسماء هذه الشخصيات المعتبرة في تاريخ الأمة، خصص عدد المجلة في ركن “بورتريهات” قراءة خاصة في سيرة المجاهد الشهيد العربي بن مهيدي(1923-1957)، و كذا الفقيه والمفسر “محمد بن عيسى الجزائري ثم التونسي ( 1828- .. )، المدرس في جامع الزيتونة لسنوات ثم التفرغ للكتابة والتأليف، حيث ذكر أنه كان ملازما لثلاث كتب المصحف الشريف، وكتاب الابريز في مناقب سيدي عبد العزيز الدباغ، للشيخ أحمد بن مبارك السجلماسي، وكتاب دلائل الخيرات، للشيخ محمد بن سليمان الجزولي و كلاهما في التصوّف، وهذا يشير حسب الكاتب الى النزعة الصوفية للشيخ بن عيسى على غرار أغلب علماء عصره.

كما كتب الأستاذ أبو رسلان في نفس الملف، لفتة مهمة في الصفحة الثالثة في ركن بعنون التاريخ يتكلم، مقالة مقتضبة بعنوان: في الذكاء الاستراتيجي لابن بديس، بحيث كتب يقول: تفطن ” ابن باديس” مبكرا ومنذ بداية القرن العشرين لخطر المسألة الثقافية وأن المستعمر الفرنسي يخفي استراتيجية خبيثة تجاه المسألتين التربوية والثقافية وأنه بصدد تدمير منهجي خبيث تجاه المؤسسة الدينية التونسية، وكان للقاء العلامة ابن باديس مع شيوخ الزيتونة – وهو أيضا خريج الجامع المعمور- ما بعده في تلك الاثناء (بداية الثلاثينات) فاجتمع بهم- أي بشيوخ الزيتونة ومسؤولي بعض جمعياتهم واقترح عليهم تكوين جمعية ليبلغوا صوتهم للناس قائلا:” إن العالم سيتغير وإن المجتمع التونسي سيفقدكم يوما عندما يجد غيركم ممن لا يقيم للإسلام وزنا”، ودعاهم إلى تكوين جمعية على غرار جمعية علماء المسلمين الجزائريين، فكان لدعوة الشيخ ابن باديس أثر بليغ في نفس الشيخ “محمد صالح النيفر” (التونسي)، وبعض المقربين منه حيث سعى مع الشيخ الشيوخ ” إبراهيم النيفر” و”الشيخ الشاذلي بلقاضي” لتكوين هيئة من اثنى عشر مدرسا تونسيا من طبقات التدريس الثلاث على أن يكون الشيخ ” إبراهيم النيفر” لاعتداله ولينه هو الرئيس، والشيخ الشاذلي بلقاضي” نائبه، والشيخ ” المختار بن محمود” الكاتب العام، و قد كان الغرض من ذلك استمالة صهره الأكبر الهادي الأخوة، أما الشيخ محمد الصالح النيفر فيكون نائب الكاتب العام، وأعدوا القانون الأساسي للجمعية و توجهوا إلى شيخ الجامع آنذاك الشيخ ” محمد الطاهر بن عاشور” صاحب التفسير الشهير ” التحرير و التنوير” على أن يقدمه بدوره للحكومة، و بعد تردد على مشيخة الجامع وزيارات عديدة أعلمهم الشيخ ابن عاشور أن الحكومة لا توافق على تأسيس جمعية باسم العلماء بهيئة الجامع وبذلك سقط هذا المسعى المبارك.. ولا حول ولا قوة الا بالله.
وفي هذا العدد مقالات أخرى مهمة يضيق المجال لتلخيصها، و في ختام مقالنا هذا لا يسعنا إلا شكر هيئة تحرير “الشأن الديني” التونسية عن لفتتها الكريمة هذه، التي أبرزت فيها دور الإسلام في مقارعة المستعمر الغاشم، ودور جامع الزيتونة العامر وفضله في شحذ همم أئمة وشعوب المغرب الإسلامي للمقاومة والجهاد للتحرر من ظلم فرنسا و زبانيتها.. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version