غالبًا ما حُدّدت قيمة الأمم الثقافية بقيمة علمائها ومفكريها وأدبائها وشعرائها وفنانيها، والذين يسهمون بدورهم في زيادة قيمتها الحضارية وتطوّرها. لتكون هذه الفئة كالنجوم المضيئة في السماوات أو كالجواهر البراقة المتلألئة على الأُدم. ومثلما تزيد شدة احتراق النجوم من شدة لمعانها وشدة الصقل من شدة بريق الجواهر، كذلك هي الشدائد والمحن التي تكشف غالبًا عن كنوز الأمم الدفينة من مثقفيها وتزيدهم تألقًا وجودًا. لنصل إلى أهمية المثقف في نهضة أُمّته وريادتها.

ماهية المثقف وتعريفه الدقيق كان دائمًا محل اختلاف. فأدونيس مثلا ربط المثقف بالإبداع والابتكار، وعرّفه على أنه الخلّاق الذي لديه شيء جديد يقوله مضيفًا إيّاه إلى الخلّاقين الذين سبقوه. ونكتفي في مقامنا هذا بالتعريف القائل إنّ المثقف هو الشخص المتمسّك بقيمه العليا، المستقلّ بأفكاره عن أيّ سلطة، والذي له من الكفاءة ما يخوّله لإبدائها وتمثيل غيره ممّن لا يمثلهم أحد في دوائر السلطة. هذا التعريف مُستقى من كتاب إدوارد سعيد المثقّف والسلطة، في حين أنّنا نرى أن ترجمة العنوان قد اختزلت بعضًا من المحتوى والذي يعبّر عنه بشكل أفضل عنوانه الأصلي Representations of the Intellectual.

من منطلق أنّ المثقف الحق هو الذي يتلقى دائمًا بعين الريبة والشك كلّ ما يصدر عن السلطة، وبالأخصّ المستبدة منها، ويسعى دائمًا إلى تحدّيها وفضح فسادها والدفاع عن الضعفاء؛ ليكون هذا السلوك والتصرّف حجر أساس في العلاقة بين المثقف والسلطة والعامل الأساسي في تمام وظيفته هاته. إلّا أنّ ما لا يجب إغفاله في مراحل التغيير خصوصًا هو أنّ مدى فاعليتها وحسن سيرها يتطلب أيضًا عدم إغفال المثقف لعاملَيْن أساسيَيْن آخرَيْن.

أحدهما يتمثّل في علاقة المثقف بالمثقف الذي يشاركه في الموقف من السلطة بعدم الرضا عنها ومعارضتها ويختلف معه في طرح فكره حول آليات المعارضة. فالمثقف ضيّق الأفق قد يجد صعوبة في التعامل مع هذه الوضعية. إذ أنّ في نظره هو الحقيقة المطلقة وهي الواحدة لا تقبل إلّا إسقاطًا واحدًا والذي يكون من منظوره وفقط. في حين أنّ اختلاف زاوية النظر من موقع المثقف الآخر يعطى إسقاطًا مختلفًا لنفس الحقيقة، لتُرى بصورة مختلفة عن سابقتها. واسترجاع أو إعادة بناء صورة الحقيقة المطلقة يستلزم تجميع الإسقاطات الجزئية ما أمكن.

إذا لم يأخذ المثقف هذه النقطة بعين الاعتبار، ولا يترك مساحة للريبة والشك في ذاته (1)، لنجده ينظر فقط بعين الريبة لغيره، ويُدافع باستماتة عن نظرته للحقيقة من أجل إثبات رؤيته هو ولا يتقبّل أيّ طرح مُغاير له أو أيّ نقد صادر عن الغير لطرحه.. وقعت الكارثة! ليصبح الصراع حينها أفقيًا بدل أن يكون عموديًا، ويترك انطباعًا سيئًا لدى الشعب عن نُخبه ومثقفيه فيفقد ثقته فيهم.

والأسوأ من هذا كله أنّ سوء تعامل المثقفين مع اختلافاتهم يخلق ما يُسمى بالأتباع، يزيد من الاستقطاب لدى الشعب الواحد بدل تعليمه كيفية التعامل مع الحواجز التي تقف عائقًا في استكمال مسار حريته وبناء مجتمع حضاري يبقى متوحدًا في إطار اختلافاته ويحسن التعامل مع كلّ ما يهدّد وحدته. وعليه فحسن العلاقة بين المثقف والمثقف، والتي أواصرها الثقة والاحترام المتبادل، وعدم التّجاهل أو الإقصاء، وتقبّل النقد على أنه طرح يُؤخذ ويُردّ مع عدم أخذه على أنه مهاجمة للشخص أو عمالة، كلها أمور تُقوّي جبهة المعارضة للسلطة وتكون مثالًا يُحتذى به ويُؤمل تجسيده في سلوك أفراد الشعب.

أما العامل الآخر فهو علاقة المثقف بالشعب، إذ أنّ فهم طبيعته وحسن أو سوء تقدير المثقف لشعبه، له أن يغيّر ويؤثّر في موازين كثيرة. من المعروف أنّ السلطة المستبدة تعامل شعبها دائمًا على أنه فاقد للأهلية، وتتّخذ من هذه الحقيقة الكاذبة ذريعتها في شرعنة كلّ تصرفاتها و تجاوزاتها. لكن لسوء الحظ نجد في المقابل أنّ بعضًا من المثقفين يتصرّفون على هذا النحو كذلك مع الشعب، الأمر الذي له أن يتّخذ صُوَرًا عديدة والتي تتحدّد غالبًا حسب مرجعية المثقف نفسه.

فمن بين الصوَر أن اطّلاع المثقف على الحضارات والفلسفات الأخرى يُكسبه عقلًا ناقدًا لبعض الموروثات الثقافية والحضارية لشعبه ومجتمعه. ومما لا شك فيه أنه لا يوجد مجتمع خالٍ من عيوبه التي غالبا ما يكون سببها بعض التراكمات التاريخية، وبالأخصّ إذا مرّ هذا الشعب بتجربة استعمارية بشعة حاولت دائمًا طمس وتشويه كل ما هو جميل فيه. فإنْ صَاحَبت نقدَ المثقف لموروث شعبه نظرةٌ فوقيةٌ وعدم احترام له، بدل محاولة تصحيح الخاطئ منه بموضوعية وتثمين كُلّ ما هو جميل والإشادة به، أصبح المثقف منبوذا من طرف الشعب ويُمثّل في نظره خطرًا على ثقافته وهويته وحضارته. ليرى المثقف بعد ذلك في نفسه الأقلية المستضعفة من أكثرية شعبه، وله حينها أن ينعزل وحيدًا حزينًا في بُرجه العاجي يشكو من شُرفاته نَبذ وجهل شعبه، أو يرتمي في حضن السلطة التي تصبح في نظره الضامن الوحيد لحمايته من عدم أهلية شعبه.

في المقابل نجد المثقف الذي يشارك شعبه جلّ همومه وتوجهاته الثقافية، ويدافع بشراسة عن حقوقه وحماية موروثه ومكونات هويته من أخطار كثيرة من بينها السلطة بالتأكيد ومعها المثقف الآخر، ويستخدم في ذلك خطابًا تغلب عليه العاطفة وهو الذي يلقى القبول والتأييد الكبير من الشعب. والعاطفة في حدّ ذاتها تبقى دائمًا مهمة بُغية تعبئة واستحضار همّة الشعب من أجل إنجاح عمليات التغيير ومجابهة السلطة المستبدة. لكن إذا زاد هذا الأمر عن حدّه ولم تُصاحبه الموضوعية في مصارحة الشعب ببعض الحقائق والنقائص والعمل معًا على تصحيحها وتقويمها، أصبح هذا التصرّف من المثقف بيعًا للأوهام واستغباءً للشعب، الأمر الذي يعني ضمنيًا معاملة الشعب كذلك على أنه فاقد للأهلية، وإن كان عن غير قصد.

وباختلاف أصناف المثقف هذه وغيرها يبقى الحلّ الأنجع أوّلًا عدم الاستخفاف بالشعب واحترام عقله على بساطته، لأنه للمفارقة هو أيضًا من موقعه البسيط له أن يَحكم على المثقف بدوره. وذلك لامتلاكه ملكةً أكسبه إيّاها ذكاؤه الفِطري ووعيه الجمعوي وتجاربه السابقة وسليقته المُباشرة التي لا تعرف الالتواءات وتدوير الكلام كمثقفيه الذين أمضوا جُل حياتهم في القراءة لمئات الكتب. ثانيًا، من واجب المثقفين الوسطية في الطرح بالالتفاف حول النقاط المشتركة والمُتّفق عليها، ويُفضَّل عدم الذهاب بعيدًا في معالجة القضايا الشائكة المُختلف عليها، بِحكم ظروف وحساسية المرحلة الانتقالية التي لا تسمح بذلك، والّتي لها أن تُجهض في بدايتها.

أمّا العمق في الطرح ومعالجة القضايا الشائكة فيستلزم تهيئة المثقفين للقاعدة الأساسية لذلك، وإشراك الشعب في النقاشات، وليس نهج درب السلطة في التقليل من قيمة الشعب والتقرير مكانه بفرض أمور قد تتعارض مع طبيعته أو تنويمه وإغراقه في بحار من الأوهام. وهنا يكمن التحدي الأكبر للمثقفين، ﻷنه يجب عليهم أوّلًا العمل معًا للرفع من مستوى شعبهم الثقافي الذي تعمل السلطة المستبدة دائمًا على الحطِّ منه، وإمداده بآليات التفكير المستقِّل والموضوعي لكي لا يكون عرضة سهلة لأيّ تلاعب. حينها يصبح استقلال الشعب الفكري والتفكيري من كلّ وصاية الضمان الوحيد للمثقف من أيّ خطر يهدّد أمن واستقرار المجتمع، ويُكسب هذا الأمر أيضا المثقف الثقة في اختيار شعبه لما فيه مصلحة الجميع، أغلبية وأقليات.

أخذ هذه العوامل بعين الاعتبار له أن يؤتي نتائجه الإيجابية على عدة أجنحة. أوّلًا، حسن العلاقة الثلاثية (مثقف؜‏‌‫‬‏؜-مثقف-شعب) تساهم بشكل أساسي في تقوية المعارضة نخبة وشعبًا مهما اختلفت المشارب والألوان، الأمر الذي يعني ضمنيًا اختلال توازن السطلة المستبدة وإضعافها. وحسن العلاقة الجزئية مثقف؜‏‌‫‬‏؜-مثقف بالأخصّ، لها أن تزيد من ثقة الشعب في مُثقّفيه وتطمئنه وتبعث فيه روح الأمل مهما زادت شدة استبداد السلطة، الأمر الذي يزيد من التفاف الشعب حول نُخبه وطول نَفَسِه وصبره وإصراره على استرداد حقوقه وتحرير نفسه من قيود السطلة المستبدة.

وتوافق المثقف والمثقف واتحادهما له أيضًا أن يكون مثالًا يَحتذِي به الشعب في تعامله مع المخاطر التي تهدّد وحدته وهويته، وتنقص من توجّسه وخيفته من الاختلاف وتساعد في تعامله بعقلانية مع الأمور بدل التعصّب ونبذ الآخر. أما حسن العلاقة الجزئية مثقف؜‏‌‫‬‏؜-شعب التي يتحقق من خلالها استقلال الشعب التفكيري وعدم خضوعه لأية وصاية فلها أن تزيد من ثقة المثقف في شعبه وخياراته وعدم رفض أو الانقلاب على أيّ منها.

بقيت الإشارة إلى فئة تصف نفسها بالمثقفة، والتي ما زاد من ظهورها  هو وسائل الإعلام والتواصل التي تُساهم في نشر التفاهة وتُشرّعها بتغييب العقول، بالإضافة إلى تقاعس المثقفين عن أداء دورهم في تحصين عقول الشعب والزيادة في وعيه. أغلب منتسبي هذه الفئة يُعرّفون أنفسهم بالإعلاميين أو المؤثرين لسهولة التواصل والحديث المباشر الذي لا يستنِد لأفكار دقيقة التأسيس والطرح، ولا يحترم أية لغة سليمة، مع الخلط غالبًا بين ما يُكتب يمينًا بما يكتب شِمالًا لعدم القدرة على الالتزام بجهة محددة واحترام قواعدها التي تساعد على الفهم السليم للمُتلقّي. وتُغطّي هذه الفئة نقصها الثقافي والفكري بالاستظلال بطابع الإثارة والفكاهة المبتذلة، وتساهم من خلال ذلك في نشر الدعاية.

والحقيقة أن عمل هذه الفئة الدخيلة على عالمي الثقافة والفكر وحتّى الإعلام في وعي وثقافة الشعب هو عمل الوجبات السريعة التي يُقبل عليها جمهور الشعب بشغف، التي تُشعر الواحد منا بالشبع المؤقت ولكن تأثيرها السلبي على الصحة الفكرية والثقافية والأخلاقية يأتي على المدى البعيد. لذلك وجب أخذ هذا الأمر على محمل الجد ومواجهته بالتأكيد على علاقة المثقف بالشعب من أجل حفظ سلامة الفهم والتفكير.

في الأخير، نخلص إلى أنّ نجاح هذه العلاقة الثلاثية مثقف؜‏‌‫‬‏؜-مثقف-شعب هو في الحقيقة تحضير وتمرين لمرحلة ما بعد الانتقال، من استبداد السلطة إلى إرساء قواعد الدولة المنشودة. هذه المرحلة التي يُغفَل التخطيط لها دائمًا في أطوار الانتقال، التي لحساسية وصعوبة تخطّيها تتطلّب الوعي الكبير والفهم العميق والكثير من الحكمة. إذ تتمّ أثناءها النقاشات المصيرية التي تحدّد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وكلّ القضايا الشائكة كالهُوية. إغفال النقاط سالفة الذكر عمومًا هي أخطاء حدثت سابقًا ولا زالت تتكرّر، وإذا لم نحفظ دروس الماضي جيّدًا فلن ننجح في مواجهة وتذليل تحدّيات وصعوبات الحاضر والمستقبل.

فادية ربيع
1 أوت 2022

(1) شك المثقف وريبته في ذاته من بين النقاط التي أشار إليها إدوارد سعيد في دراسته وتفصيله لشخصية وسلوك المثقف في كتابه الآنف الذكر.

ملاحظة: عملا بقاعدة الشك في الذات، ولو من موقع الشّخص البسيط، نبدأ من هنا بالشك في طرح هذا المقال ونترك للقارئ الشك والنقد بدوره(!)

4 تعليقات

  1. بشير بتاريخ

    طرحت الكاتبة إشكالية العلاقة بين مثقف و مثقف ، ليس في مجتمعين ، و لكن في مجتمع واحد يعاني من وطأة الاستبداد بعد عناء طويل تحت وطأة الإستعمار، و الدليل هو كلامها عن العلاقة بالشعب . و تحاول إيجاد الطريق إلى بناء صيغة للتواصل و التكامل بدل التنافر و التضارب .
    المسألة لا تتصل فقط بوجود أنواع من المثقفين تبعا لوجود تنوع فكري و إيديولوجي ، المسألة تتصل أساسا بمنظور و رؤية الطبقة التي تشتغل من أجل تغيير الوضع إلى ما هو أحسن و أفضل ، و هو يتجاوز بكثير أهداف و نوايا الطبقة التي ترغب في الاستفادة و تحسين أوضاعها الخاصة .
    المجتمع العظيم و الأمة العظيمة هي محصلة منظور شامل و متوازن بخصوص المعادلة الخالدة : إنسان +تراب +تراب =حضارة .
    و مما سبق يمكننا الوصول إلى أن الثقافة التي تحتاجها نهضة المجتمعات و الأمم العظيمة هي محصلة رؤية و منظور فكري شامل و متوازن يستهدف بالدرجة الأولى بناء نظرية شاملة و متوازنة ، تستهدف بدورها بناء الإنسان المثقف الذي يأخذ على عاتقه التأسيس لثقافة هي حجر الأساس لقيام نهضة حضارية .
    و من دون شك فإن الرؤى الجزئية أثبتت فشلها و ورثت نوعا من ( المثقفين ) يخاطبون أنفسهم و يجاملون بعضهم البعض متمنين حصول التغيير وفق ما يتمنون .
    السنن الكونية لا تحابي أحدا ، و لا يمكن أن تأتي الحلول و تتحقق النهضة الحضارية و الأمن الحضاري الشامل و يسود الرخاء و الأمن من الخوف و الأمن من الجوع و كثير من مظاهر الخيرية و الكرامة و البركة إلا من خلال منظور و رؤية سننية شاملة و عمل جاد و دروب يستغرق حياة أجيال .

  2. بشير بتاريخ

    هناك ثقافات و ثقافات ، و المثقف ليس سوى ما تنضح به واحدة من تلك الثقافات ، سواء تلك التي تترك بصماتها و تؤثر في مجرى التاريخ ، أو تلك التي يعيش أفرادها على الهامش ، لا قيمة لهم ، لا في عالم الأنفس و لا في عالم الآفاق ، ناهيك عن عالمي الهداية و التأييد ! يمكننا تحديد من أي نوع من المثقفين نحن ، بغض النظر عن تعريف المثقف أو حتى الثقافة . الإنسان المثقف الذي يمكن أن يساهم في تحديد المعنى الحقيقي و الصارم للثقافة و المثقف هو ذلك الإنسان الجدير بالاحترام الذي بات يؤثر في مجرى التاريخ بعد أن أثبت دوره و فعله في بناء صرح أمنه الحضاري عبر مختلف منظومات الأمن الشامل .

  3. بشير بتاريخ

    إن عنصر الزمن ضمن حدود المعادلة الخالدة يتجلى في تلك الفرص المتصلة بحياة الفرد و هو يتخطى مختلف مراحله العمرية ، فبالنسبة للمجتمعات العظيمة و الأمم العظيمة ، يقدر الفرد تلك المراحل أيما تقدير من خلال مختلف منظومات الأمن الحضاري في دورة غاية في التواصل و الانسجام و التكامل ، بطبيعة الحال ذلك هو قدر المجتمعات و الأمم التي تؤثر في مجرى التاريخ ، أما تلك التي تعيش على الهامش ، غالبا ما تتكرر الأزمات و يذهب عمر الإنسان هدرا ، مثله مثل من سبقه في حالة يغلب عليها الأسف و الحسرة و الألم .
    إن المنظور السنني الشامل و المتوازن هو الكفيل بتقدير عامل الزمن بالنسبة لحياة الأجيال تقديرا يجد تطبيقاته على مستوى الأمن النفسي و الأمن الاجتماعي و غيرها من الدوائر الأخرى التي لا يغني بعضها عن البعض الآخر .
    جميل و عظيم أن يعي كل واحد من الساعين على خط البناء الحضاري أهمية الأمن الفكري كقاعدة صلبة من أجل بناء رؤية و منظور استراتيجي شامل ، إنه من الضرورة بالنسبة الساعين كل في مجال تخصصه أو اهتمامه وفق ما هو ميسر له من دون أن يسمح لنفسه أن يكون عقبة في طريق باقي الساعين على خط استكمال صرح الأمن الحضاري الشامل .
    إن من يهتم بالعمل السياسي و هو يقارع سلطة الاستبداد ، مطالب بتقدير مهام باقي الساعين في مجالات أخرى ، فيأخذ في الحسبان موقعه ضمن عملية البناء من منظور سنني شامل و متوازن ، فيحدث التكامل بدل التنافر ، و لا وجود للهدم إلا إذا كان ضرورة من ضرورات البناء .
    سلام على الأرواح الطيبة ، سلام على المقامات الشامخة ، سلام على الأنوار الساطعة المنخرطة في ساحات التأصيل للمنظور السنوي الشامل على خط البناء الحضاري .

  4. بشير بتاريخ

    أما الشعب فهو الخزان المتميز مثله مثل التراب يتجدد ، بل و يجدد نفسه بنفسه ، و فيه من العناصر و المكونات الفطرية التي تحفظ قوته و تماسكه . و عليه فقد كان ” الإنسان ” عنصرا رئيسيا و أساسيا في المعادلة الخالدة ، إضافة إلى الزمن و التراب .
    و يمكنكم التفكر في هذا الإمكان حينما تتأملون مسار مجتمع من المجتمعات أو أمة من الأمم من حيث توالي الأجيال ، و كأن الزمن هو الفاعل وحده ، لكن الحقيقة بخلاف ذلك ، فعناصر المعادلة لا يغني واحد منها عن الباقي ، الإنسان فاعل و التراب فاعل ، و أصل الإنسان تراب ! نعم هي كذلك الشعوب تحتاج إلى فعل في حدود ما هو كائن و إلى فعل في حدود ما هو ممكن من أجل نهضة الإنسان و من أجله أمنه ، أمنه من الجوع و أمنه من الخوف .

Exit mobile version