كما يتسابق المرشحون الفرنسيون حول لقب “الأكثر كرهاً للمسلمين”، يتسابق شبابنا لتداول ترجمة المقالات التاريخية

محمد مصطفى حابس: جنيف / سويسرا

مع توالي إعلانات الترشح الرسمي للانتخابات الرئاسية الفرنسية المزمع إجراؤها في أبريل القادم، يأخذ خطاب كراهية الإسلام الموقع المركزي في حملات من اصطفوا يميناً منهم، حيث أصبح السباق بينهم وكأنه تنافس حول من يحوز لقب “الأكثر كراهية للمسلمين”. 

واليوم، ها هي أقل من سبعة أشهر تفصلنا عن الرئاسيات الفرنسية المزمع إجراؤها في أبريل المقبل، مدة لا تمنع من بداية التسخينات لسباق محموم ينتظر البلاد، يزيد وتيرتها توارد الإعلانات الرسمية للترشح من قبل الشخصيات التي تُشكّل المشهد السياسي الفرنسي.

بالمناسبة تتزاحم هذه الشخصيات في وضع “قضية المسلمين” في قلب برامجها الانتخابية، مزايدة حول من برنامجه أكثر تقييدًا لحقوقهم وحرياتهم الدينية، ومن الأكثر هجوماً على خصوصيتهم الثقافية.

اليمين المتطرف يَعِد بـ”استئصال الإسلاميين” من فرنسا: 

وحتى قبل أن يعلن ترشحه الرسمي للرئاسة، استغل، إيريك زمور، الاعلامي الفرنسي المثير للجدل، والمدان في قضايا “التحريض على العنصرية”، مساحة برامج حوارية على القنوات الفرنسية للإعلان عن برنامجه “الأكثر” شراسة وتطرفاً ناحية اليمين. حيث قال زمور، المعروف بمعاداته للإسلام، إنه “إذا أصبح رئيساً لفرنسا سيحظر على الفرنسيين اسم “محمد”، مؤكداً أنه سيُفعّل “القانون 1803في فرنسا” والذي يحظر تسمية أسماء غير فرنسية على الفرنسيين؟؟

وأضاف أن “الإسلام كدين لا يتماشى مع الثقافة الفرنسية ونمط العيش بالنسبة للفرنسيين”، وأنه “لا يوجد فرق بين الإسلام والإسلاموية” كون “الإسلام هو الإسلاموية الهادئة، والإسلاموية هي الإسلام النشط” على حد زعمه.

ورداً عن سؤال حول إغلاق المساجد، أكد الكاتب ذو الأصول اليهودية الجزائرية أنه لن يغلق المساجد ولن يمنع المسلمين من الذهاب إليها، ولكنه لفت إلى أنه سيحظر جماعة الإخوان المسلمين والسلفية وهو “ما يعني إغلاق المساجد التي يسيطرون عليها” حسب تعبيره، فيما لم يحسم زمور بعد مسألة ترشحه للانتخابات القادمة.

وخلف زمور تأتي زعيمة حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، الفرنسية مارين لوبان، التي أطلقت رسمياً حملتها الانتخابية الرئاسية في تجمع خطابي ضمَّ 900 من أعضاء حزبها والمتعاطفين معه، إذ لم تدَّخر جهداً في التلويح بعدائها للمسلمين كنقطة محورية في برنامجها الرئاسي.

ووعدت لوبان بـ”استئصال الإسلاميين” من الأحياء الفرنسية كما وعدت بـ”وضع الجانحين الفرنسيين منهم في السجن، والأجانب في الطائرة”، متعهدة في خطاب ألقته بمسرح فريجوس الروماني (جنوب فرنسا) بتعزيز هيبة الدولة في “مدن المخدرات أو المناطق التي باتت أشبه بمناطق طالبان” على حد وصفها.

أما ما أتسم به النصف الثاني من ولاية الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، حسب ما يجمع عليه مراقبون، كان هجمته الشرسة على مسلمي البلاد، التي افتتحها بإعلانه قانونه المناهض لـ”الانفصالية الإسلاموية”، وأججها بتأييد الرسومات المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه و سلم).

فيما نجد المزايدات الماكرونية في العداء للمسلمين تبلغ مداها ووزير داخليّته جيرالد دارمانان يعتبر لوبان ” ليست صلبة بما يكفي لمواجهة الإسلاميين”. بالمقابل، يجد ماكرون دعماً له في هذا الطرح من تركيبة أغلبيته الحزبية ومن داخل حزبه “فرنسا إلى الأمام”.. كما يدعمه في ذلك رئيس الوزراء السابق مانويل فالس اليساري الذي يعتبر أن “القضية الأهم في فرنسا اليوم هي الحرب ضد الإسلاميين”، والذي وعد بأنه سيكون حاضراً في الانتخابات القادمة لدعم المرشح الرئاسي لحزبه..

إلى أعداء لغة القرآن ” قل: موتوا بغيضكم “:

وكل هذه المواقف والآراء  معلومة لا تخفى عن نباهة رموز جاليتنا المسلمة في فرنسا، خاصة منهم مزدوجي اللغة الذين مكنتهم لغتهم العربية الفصيحة المكتسبة بالاطلاع على الرد بما نشر عن هذا الأمر منذ عقود من طرف كتابنا ومفكرينا المعاصرين أمثال الدكتور أبو القاسم سعد الله (رحمه الله)، والدكتور أحمد  بن نعمان والدكتور عثمان سعدي و الدكتور سليم قلالة و الدكتور عبد الرزاق قسوم و سيد القوم فيهم بالنسبة لشباب جاليتنا في الغرب، أستاذنا محمد الهادي الحسنين المعروف بمواقفه الجريئة والواضحة ضد المستعمر وأذنابه، إلا أن جل ما كتب، وللأسف، كٌتب بالعربية فقط و ليس بالفرنسية، كما هو مطلوب ومرغوب لديهم، ولم يطلع شباب الجيل الأخير على هذه الكنوز إلا من خلال ندواتنا لما نترجم لهم مقالات ومواقف مشايخ جمعية العلماء، وغيرهم من الوطنيين الخلص..

فالأستاذ الهادي الحسني متعه الله بالصحة والعافية، مقالاته حول فرنسا تشفي الغليل، منذ عقود، وأذكر، أني طلبت منه منذ تقريبا ثلاثة عقود خلت، حينها كنت في هيئة تحرير ” مجلة التذكير” في إصدارها الثاني في عهد التعددية، حين بلغت الحملة الفرنسية  المسعورة أوجها  على اللغة العربية خاصة تلك التي شنها الإعلام الفرنسي وأبواقه في الجزائر خاصة بعد المصادقة على قانون التعريب التام من طرف المجلس الشعبي الوطني في أواخر ديسمبر 1990، طلبت من أستاذنا الهادي الحسني أن يكتب لنا الكلمة الطيبة التي القاها عبر أثير التلفزيون الرسمي الجزائري ردا على فرنسا و أبواقها والتي استحسنها كثيرا الجمهور العربي على اختلاف توجهاتهم.. قلت رجوناه أن يجمع ما علق بذهنه من تلك الكلمة المرتجلة فلبى دعوتنا مشكورا و كتب مقالا ناريا تحت عنوان إلى أعداء لغة القرآن “قل: موتوا بغيضكم”، سننشره لاحقا في فقرات بجول الله.. 

فلما صدرت ” التذكير” (العدد: 10 بتاريخ شهر رجب 1411 الموافق لشهر يناير 1991 / صفحات 17-19). علق بعض مشايخنا رحمهم الله، أن هذا المقال لو كتب بالفرنسية وفي وسائل الاعلام الفرنسية، لأسمع و أوجع، و أردف آخر بقوله، يا ريت لو بعض كتابنا باللغة العربية يدركون هذه الأهمية، مخاطبة الاخر بلغته، ووعدت بعظهم لتبليغ ذلك لأستاذنا الهادي الحسني ووجدنا  حتى من يترجم له لكثرة أشغاله، وزرناه أيامها رفقة الدكتور نور الدين لمجداني، وانستنا الأطباق الشهية التي قدمها لنا في بيته في ضواحي البليدة، في الغور في الموضوع على أن نعود اليه في فرصة قادمة بتفاصيل المشروع، لكن زاحمتنا الأحداث وداهمتنا أخرى ففرقت شمل العديد من الطاقات، و كسرت كثيرا من أقلام الخير وأسكتت أصوات الوطنية الصادقة و كممت أفاه الوسطية الواعدة وتوقفت “التذكير” عن الصدور كباقي الجرائد و المجلات المنصفة   .. 

 ” الفرنسية داء الجزائر”: 

وقد طلبت من بعض شبابنا في فرنسا الاهتمام بترجمة المقالات الواعدة التي يكتبها أساتذتنا ومشايخنا، التي تصب في الصالح العام، منها مقالات أستاذنا الهادي الحسني، وقد لبى بعضهم الدعوة وترجم بعض مقالات مشايخنا منها هذا المقال:” الفرنسية داء الجزائر”.. منها قوله:     

يقول الذين لا تتجاوز أنظارهم “خشومهم” إن سبب الغزو الفرنسي للجزائر سبب اقتصادي والله يعلم إنهم لكاذبون، ونحن على كذبهم من الشاهدين..

لو كان السبب هو ما ذكروه لاكتفت فرنسا ببسط سيطرتها على خيرات البلاد الظاهرة والباطنة، ولكنها كانت تمكر مكرا كبارا، كانت تريد محونا ونسخنا وفسخنا كما يقول سي مولود قاسم رحمه الله (وزير الشؤون الدينية من منطقة القبائل).

وما منع فرنسا من تحقيق مكرها الكبار وهدفها الخسيس إلا أصالة عرق تأبى الانحلال والاندماج، وصلابة عقيدة تأبى الانكسار.. وهما اللذان أجبراها على الاندحار، وتولي الأدبار.

ولكن فرنسا لا تصبر على المكر الخسيس والكيد الرخيص، ولذا عندما أجبرها الشعب الجزائري على أن تولي الأدبار، فكرت في ترك “مسمار جحا”، لاستعماله في وقت الحاجة..

كان هذا “المسمار” هم من سماهم الإمام الإبراهيمي “أولاد أحباب فرنسا”. (الآثار. ج5. ص 122)، ومن سماهم الدكتور أحمد بن نعمان “حزب البعث الفرنسي في الجزائر”.

لقد منّ الله – عز وجل- على الجزائر بهذا الحراك العظيم الذي قذف في قلب فرنسا وقلوب خدّامها في الجزائر الرعب، ما جعل مجلس الشيوخ الفرنسي يعقد جلسة مغلقة مع سفير فرنسا في الجزائر حول هذا الحراك الذي أتى فرنسا وجماعتها هذا من حيث لم يحتسبوا.

ومن بركات هذا الحراك هذا السّبر للآراء في الأوساط الجامعية حول استبدال اللغة الانجليزية باللغة الفرنسية في تعليم المواد العلمية في الجامعات، وكانت النتيجة أن أكثر من 94% مع استعمال اللغة الانجليزية.. وهذه النتيجة هي التي أرعبت سفير فرنسا في الجزائر وقال ما قال بمناسبة 14 جويلية، عيد فرنسا الوطني، وعيد بعض “الجزائريين..”

إن الجزائر لن تتعافى، ولن تتقدم، ولن ترقى حتى تتخلص من داء فرنسا والفرنسية.. وما ذلك على الجزائريين الأحرار بعزيز، وما هو ببعيد (يومية الشروق: 22 جويلية 2019)

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version