اختلفت القراءات منذ استقلال البلد حول منظومة الحكم في الجزائر، وتعددت التسميات لطبيعة السلطة الفعلية، بين من يعتبرها عسكرية شمولية، أو بوليسية مخابراتية، أو اشتراكية شعبوية، إلى غيرها من التسميات والأوصاف (طبعًا لا أحد يأخذ على محمل الجد التسمية الرسمية للجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبة). من جهة أخرى يسأل الكثير لماذا نراوح مكاننا ونكرر الفشل والإخفاقات على مرّ 60 سنة، وتعاقب 8 رؤساء وعشرات الحكومات، ولماذا لم نستطع الخروج من هذا النفق المظلم؟ ويسأل آخرون، كيف يمكننا تفسير استحكام طائفة مافياوية، تعمل في غرف مظلمة تنفرد بالقرارات في كل شيء دون تحملها تبعات أي منها؟ بينما يسأل طرف ثالث، لماذا تصطدم كل المبادرات والإرادات والمحاولات عند جدار الرفض والتعنّت والفوضى المنظمة التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه؟ في الواقع لا يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة وفهم حقيقة تركيبة “النظام” (Le Pouvoir) ما لم نعد إلى صائفة 62 وحتى إلى ما قبلها بقليل، عندما اجتمعت طائفة من العسكريين للتفاوض مع غيرهم من العسكريين، دون سواهم، لإقامة دولة عسكرية لا مكان فيها للمواطن المدني ولا أثر لسيادة خياره. لقد تأسست “دولة الاستقلال” كنتيجة لهيمنة جماعة وجدة (جيش الحدود)، وانتصارها على مجاهدي الداخل والحكومة المؤقتة، وإقصائها لكل من اعترض طريقها، لتفرض سلطتها على الجميع.

صعوبة فهم طبيعة الحكم في الجزائر تعود بالأساس إلى قراءة المعضلة مجزّأة، كحصرها في نمط الرجال الذين حكموا البلاد، واختصار المشكلة في أشخاص الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم البلاد، من بن بلة إلى زروال، أو تفسير أسباب المشكلة في التوّجه الأيديولوجي للجماعة الحاكمة، وأخيرًا اختزالها في شخصية بوتفليقة. كل هذه القراءات فشلت في الإجابة عن السؤال المحوري “مَن يُسيّر وكيف تسيّر شؤون الجزائر منذ 62 إلى يومنا هذا؟”، بل ساهمت هذه القراءات في زيادة الوضع تعتيمًا وتعقيدًا، ليبقى السؤال مطروحًا ينتظر جوابًا شافيًا منجيًا: مَن يحكم، وما هي طبيعة الحكم في الجزائر؟ هذه التجربة المريرة جعلت الكثير ممّن يحاولون سبر أغوار هذه الإشكالية، يتوصّلون إلى قناعة راسخة: لا يمكن تفكيك هذه الإشكالية إلا بالعودة إلى جذور الأزمة، وتحليل ملابسات وكيفية وآليات نشأة الدولة الجزائرية بعد 1962.

يكمن جوهر الأزمة الجزائرية المزمنة في “الاتفاق” بين “المنتصرين” (توافق المصالح بشكل أدقّ) الذي نشأت على أساسه الدولة الجزائرية، واستمرّ هذا العقد (غير المكتوب) يشكّل الإسمنت الذي بفضله تماسكت أركان السلطة طيلة نصف قرن مع تعديلات سطحية، دون المساس بجوهره، إلى أن بدأت التصدّعات تتكاثر والهوّة تتعمّق، بحيث لم يعد هذا “الاتفاق/العقد” قادرًا على التكيّف مع مختلف الفاعلين، وأصبح عاجزًا عن إدارة التنافس فيما بينهم وفق “اتفاق” 1962.

نشأت “الدولة الجزائر المستقلة” في 1962 نتيجة اتفاق لا يستند إلى أيّ مبادئ أو قِيَم أو عقيدة فكرية أو سياسية (إذا استثنينا الشعارات والخطابات والدعاية)، وشكلت نواة جيش الحدود، قلب هذه الدولة وفاعلها الأساسي، مع توظيف كل الأطراف التي رضيت بأن تكون أدوات طيّعة منتفعة في خدمة أصحاب الحلّ والعقد. بدلًا من تنظيم المجتمع وخدمة مصالحه، أُبرِم هذا الاتفاق لضمان حماية المجموعات المنخرطة فيه ورعاية مصالحها المشتركة وتنظيم العلاقات بين مكوّناتها، وليس لأيّ شيء آخر.

باختصار، كان الاتفاق نتيجة تحالف حصري لعسكريين فيما بينهم، من أجل إقامة دولة عسكرية، لا ترى نفسها بحاجة إلى الشعب لتكريس شرعيتها لأنها تعتبر أن شرعيتها ذات طالع “ثوري” ويحظى بنوع من القداسة التي لا تخضع لأي مساءلة أو مزاحمة من قِبل الشعب أو أيّ جهة داخلية أخرى.

سمحت هذه “الشرعية الثورية” المتغلّبة، بعد انتصار جيش الحدود (أو جماعة وجدة) في صراعه مع الحكومة المؤقتة GPRA ومعارضيها في الداخل، من الاستيلاء على الدولة وتوظيف واجهة مدنية مكوّنة من البيروقراطية، وجناح سياسي ينحصر في الحزب الأوحد (إلى غاية 89، قبل أن توسّع “المشاركة الوظيفية” ليشمل التعددية السياسية الشكلية بعد انقلاب يناير 92)، من أجل الحفاظ على الهدف الرئيسي وحمايته: احتكار الجيش لمفاتيح الدولة، وتوكيل الحزب الواحد (ثم أحزاب “التحالف الرئاسي” والمعارضة الرسمية) وظيفة تسيير شؤون البلاد اليومية، والاضطلاع بنوع من الواسطة (buffer zone) بينها وبين الجزائريين، لحماية العسكريين المتحكّمين، من أيّ مساءلة أو ردّ فعل شعبي.

بالفعل، تمكّنت السلطة طيلة الفترة من حكم بن بلّة إلى بومدين ثم الشاذلي، وإلى غاية رئاسة بوتفليقة، من الحفاظ على تماسك اتفاقها وتكييفه وفق الأوضاع والأزمات الجديدة، اتفاق يحفظ لجميع الأطراف مصالحها، شريطة عدم بروز أي تصدّع أو خلافات بين مكوّنات الاتفاق إلى السطح، مع حرصٍ مقدّس على عدم المساس بالاتفاق كما تمّ إبرامه في 62، وهو ما مكّن السلطة بالفعل من الإبقاء على الوضع القائم، مع إدخال من حين لآخر بعض التصويب الطفيف، وأحيانًا “عند الضرورة” معالجة “المستجدّات الجامحة” باستعمال القوّة المفرطة أو عن طريق إشاعة الرشوة والفساد والمحسوبية، أي استخدام لكل مرحلة وسائلها وأدواتها “المناسبة”، على غرار أحداث 1988 (الانتفاضة الشعبية) حيث استعمل الجيش العنف على أوسع نطاق، أو بين عامي 1988 و1992 بقبول الجيش (مرغمًا وتكتيكيًا) نوعًا من الانتقال الديمقراطي، لا يشكّل تهديدًا على احتكاره للسلطة، وعندما أدركت المجموعة أنّ كيانها واتفاق 62 مهدّدٌ في العمق، تدخّلت بعنف منقطع النظير في 1992 لوضع حدّ لهذه التجربة الرائدة، وشنّت حربًا شرسة ضد الشعب للحفاظ على موقعها والإبقاء على “الاتفاق” كما هو (السبب الحقيقي للانقلاب).

منحت رئاسة بوتفليقة في 1999 للمجموعة فترة راحة كانت في أمسّ الحاجة إليها، تمّ بموجبها تبادل المصالح، من جملتها، السماح لبوتفليقة بمساحة أكبر للمناورة، مقابل حماية المتورّطين من القيادات العسكرية في جرائم حرب التسعينات من المتابعات الدولية، لكن إلى جانب ذلك، تميّز حكم بوتفليقة بخنق ماكر للفضاء السياسي، واحتواء معظم الأحزاب الرسمية، سواءً المشكّلة للسلطة أو “المعارضة” بكل أطيافها، خاصة من خلال تكريس مستوى غير مسبوق من الفساد والمحسوبية، التي لم تستثن أيّ قطاع من قطاعات الدولة. لم تختلف عهدة بوتفليقة عن سابقاتها، فحتى عندما توّفرت ظروف جدّ مساعدة، مثل ارتفاع سعر النفط وتوفّر بحبوحة مالية جدّ مريحة، من شأنها أن تساعد على إحداث تغيير حقيقي، والخروج من الوضع المتأزّم، استمرّت نفس الأساليب الإقصائية المعتمدة في اتفاق 62. عمِد نظام بوتفليقة على ترسيخ موقعه داخل عصبته، بفضل توسيع نطاق المنتفعين حوله، من خلال نشر الرشوة والفساد بكلّ أشكاله، وصناعة فئات جديدة من رجال نهب المال، وكان الهدف من ذلك، نسج شبكة واسعة من الأوفياء له عبر ربط مصيرهم بمصير نظام بوتفليقة، وجعلهم يعتمدون كليًا عليه للبقاء في مناصبهم والحفاظ على مصالحهم، وبذلك أصبح هو وحلفاؤه، حلفاء موضوعيين لجنرالات الجيش.

الغريب (مجازا) في الأمر، أننا وجدنا عبر تعاقب حقب الحكم، رغم تعفّنه والمؤشرات الدالة على توجّه البلاد نحو الهلاك، صنفًا من السياسيين والمثقفين وبعض الشخصيات الوطنية، من يرى بأنه من الطبيعي جدًا أن يكون القرار الأول والأخير وزمام أمور ومصير البلاد حصريًا بين أيادي مؤسسة العسكر، بل ويرون ذلك حبل النجاة الأوحد للجزائر، على غرار تصريح السيد حمروش (من بين مجموعة كبيرة) لموقع TSA يوم 27 فبراير (السنة؟)، الذي اعتبر فيه أنه “ليس هناك أية فرصة لإقامة نظام ديمقراطي دون موافقة من الجيش”، فما يقصده السيد حمروش ليس تغييرًا جذريًا وعودة السيادة إلى صاحب الشرعية، الشعب الجزائري، وبالنسبة له كلّ ما تحتاج إليه الجزائر هو مجرّد تصحيح صغير أو إعادة تكييف أسلوب “تصحيح” 1965 (انقلاب بومدين على بن بلّة)! في الحقيقة ليس ثمة عجب أو مفاجأة فيما يذهب إليه أمثال السيد حمروش، في تأكيدهم على جعل الجيش في قلب الدولة وفاعلها وسنمها الذي لا يمكن للدولة أن تقوم بدونه، فلا يجب ألا ننسى أنهم نتاج وأبناء الاتفاق المنعقد في 62 ولا يمكنهم تصوّر دولة لا يكون فيها العسكري هو ضامن شرعيتها والفاعل الأساسي في إقامتها.

يبرّر دعاة حتمية مركزية الجيش في الحكم موقفهم بعجز كافة القوى السياسية، الموالية والمعارضة، على إدارة دواليب الحكم وعدم قدرتهم على إرغام المتحكّمين في السلطة، قيادة الجيش، على إدخال إصلاحات ديموقراطية للنظام السياسي، لكنهم يتجاهلون أنّ إضعاف وقمع وتصحّر الساحة السياسية الحالية هو أصلًا نتاج هذا الحكم الذي دجّن البعض وقهر البعض الآخر واغتال كلّ من هو قادر على أن يكون بديلًا وقادرًا على تقديم حلول للوضع المتأزم. والدليل على ذلك، أنه لم يصل أيّ رئيس من رؤساء الجزائر من 62 إلى تبون، إلى قصر المرادية دون أن يكون رجل الثكنة بلا منازع. ثمّ هل هناك من لديه أدنى شكّ في الهيمنة المطلقة لقيادة المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ومن ثمّ، فمن العبث توقّع تغيير هذه المؤسسة نفسها وقبولها تلقائيًا بتغيير نمط “الممارسة السياسية” التي فرضتها وتمسك بكلّ خيوطها، ولا شيء سيقنع هذه القيادات ويحمّسها على حصر وظيفتها في مهامها الدستورية بعيدة عن السياسة وعن أيّ نفوذ غير مشروع، بما يفسر معارضتها الشرسة، للانتقال من ديمقراطية شكلية يتستّر خلفها نظام شمولي لا شرعي، إلى مرحلة انتقالية فعلية تفتح المجال أمام عملية ديموقراطية حقيقية، ولهذا السبب ترفض رفضًا دمويًا، عودة القوى الشعبية “غير المؤطّرة في شبكاتها”، إلى مسرح الأحداث، بحجّة “مكافحة الإرهاب” الوظيفي الذي لا ينتهي، والخوف على الأمن والاستقرار.

بات واضحًا أنّ أكبر هاجس مؤسسة العسكر وأخشى ما تخشاه كان ولا يزال المساس بالاتفاق الأولي، وخشيتها من إعادة ترتيب الأوراق ومراجعة طريقة تشكيل الدولة، على غير الاتفاق المبرم في صائفة 1962، بما يفسّر كلّ الانقلابات التي حدثت حتى الآن، وجميع الاغتيالات للوجوه السياسية المنافسة والرافضة للعقد الأصلي. وإذا ألقينا نظرة إلى وضعنا الحالي يمكننا أن نقول إننا لا زلنا نواجه نفس السؤال أو المعضلة التي لم تجد لها حلًا منذ عام 1962، التي تجعل شرعية الدولة الجزائرية لا تقوم على موافقة الشعب وإرادته، بل تستمدّها من “الشرعية الثورية” لجيش الحدود وفق اتفاق المتغلّب.

في ضوء هذه الأزمة الهيكلية الطاحنة، لا مناص من إعادة النظر في هذا العقد الذي أُبرم في غياب الشعب، لأنّ إعادة التفاوض حوله، كفيل بأن يخرجنا من المأساة، ويتمخض عنه بناء دولة جزائرية جديدة وجمهورية جديدة، تكون المؤسسة العسكرية، عضوًا وجهازًا فيها، لا أكثر ولا أقل، مكلّفة بالدفاع عن الوطن، دون أيّ صلاحيات أو أدوار أخرى غير تلك المحدّدة في دستور البلاد، لأنّ الجيش لا يمثّل الدولة، والدولة لا تُختزل في جيشها، بل العنصر المصيري الوحيد الذي يجب أن تملكه الدولة لإرساء وجودها وشرعيتها يتمثّل في موافقة الشعب عليها من خلال التعبير عن إرادته.

من المؤكّد أنه لن يتوقّف أصحاب اتفاق 62 عن مواصلة فرض أنفسهم، باعتبارهم العمود الفقري الذي تتشكّل حوله كل مؤسسات الدولة، مع استمرارهم في حماية اتفاقهم المقدّس لضمان هيمتهم على الدولة، فلا يجب أن ننسى أنهم استعملوا الإكراه والعنف لإبقاء مقاليد الحكم الفعلي بين أيديهم، ووظفوا الإرهاب لتكريس حكمهم، كما جنّدوا واختاروا مرشحيهم لأعلى مناصب الدولة، بل ذهبوا إلى حدّ الاغتيال والاعتقال أو الدفع نحو المنفى، لكل منافسيهم، من شعباني إلى خيدر أو كريم بلقاسم، من آيت أحمد وقاصدي مرباح وإلى غاية بوضياف، ووظفوا أموال الطفرة البترولية لشراء السلم الاجتماعي.

السؤال المطروح، كيف يمكن لهم الخروج من أزمتهم دون أن يفقدوا السيطرة على الدولة؟ وهل يوجد في وسطهم من يريد ويعمل حقًا للخروج من المأزق، حمايةً للبلاد ولأنفسهم؟ وما هي الآليات والتنظيم الجديد الذي سيلجؤون إليه بعد أن استنفدوا كلّ الحِيَل والأساليب منذ 62 وباتوا في حيرة وحالة إفلاس وتخبّط؟ لكن، لا مناص، سيواجه الجيش عاجلًا أم آجلا أحد الخيارين: 1) إما إعادة سيادة الدولة إلى صاحبها، الشعب، ليتمكّن من صياغة ميثاق اجتماعي آخر دون تدخّل أو دور للجيش فيه، 2) أو التدخّل بقوّة لتأكيد سلطتهم وشرعيتهم “الموروثة” مرة أخرى.

لقد أصبح من العبث المراوغة والتضليل، من قبيل زعم التعددية السياسية والجمعوية والنقابية وتنظيم انتخابات حرة وعدالة مستقلة، ما لم يُوضع حدٌ لهيمنة جهاز البوليس السياسي والمخابرات المنتشرة في كل مؤسسات الدولة بما يتنافى كلّيًا مع مقتضيات الدستور والحياة السياسية الطبيعية لدولة مدنية في إطار دولة القانون. إنّ مشكلة اللاشرعية قديمة ولا يمكن التوصّل إلى إصلاحات حقيقية إلا إذا تخلّت السلطة (العسكرية) عن استعمال وسائل العنف للإكراه والترهيب وفرض رؤيتها، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا تمّ وضع خريطة طريق وجدول أعمال لآليات ومسار ومراحل انسحاب القيادة العسكرية نهائيًا وفعليًا من الحياة السياسية في البلاد. وأوّل خطوة أساسية للانتقال إلى مرحلة جديدة، تتمّ عبر التفاوض مع الماسكين بدواليب الحكم (الفعلي) لوضع آليات لِحياة سياسية تتيح للجميع الحق في إنشاء أحزاب سياسية ومنظمات نقابية وجمعيات مستقلة فعلًا لا تخضع لأيّ شروط أو ابتزاز أو سيطرة، وهذه المرحلة تقتضي حتمًا حلّ كلّ دهاليز الماضي التي نخرت الحياة السياسية ودأبت على المراقبة والتحكّم السياسي، من خلال أجهزة أمنية متضخّمة. ولا يمكن أن يحدث ذلك، ويُجبر أصحاب القرار على الإصغاء، من دون مشاركة شعبية عارمة وحقيقية وتجنيد الطاقات التي يمكنها أن تضع حدًا لمختلف أشكال النظام الشمولي التعسّفي الذي يحكم منذ 62.

إنّ الحديث عن التجنيد الشعبي الضروري على طريق اللاعنف، معناه اللجوء إلى الشارع لإسماع صوت المطالبين بالتغيير، بما أنّ الفضاءات الأخرى مُغلقة ومستولى عليها، وممارسة حقّهم في حرية التعبير الجماعية والفردية، التي تبيحها كافة القوانين والدساتير للدول التي تحترم شعوبها، وليس لأيّ جهاز في الدولة الحق في منعهم بحجة الحفاظ على الأمن والاستقرار، ورفع شمّاعة مكافحة الإرهاب.

خلاصة القول، مثلما وصفه ناصر جابي، استاذ علم الاجتماع، “هذا النظام قد صنع مؤسسات مغلقة، أدّت إلى خنق النظام نفسه، والأخطر من ذلك، قد تؤدي الى خنق البلد برمته إذا استمر في تعنته”. ولا يمكن التوصّل إلى حلّ ناجع مستديم يخرجنا من المأزق، ويحفظ لجميع الأطراف سلامتها، ويجنّب البلاد ويلات أخرى، ما لم يعاد النظر في ذك الاتفاق الإقصائي الذي تمّ على حين غفلة من أهله، في 62، وما لم تؤسّس الدولة على قواعد جديدة، تجعل من الشعب وخيار المواطن، محور وجودها.

ويبقى السؤال المطروح: هل يقبل أصحاب القرار الخضوع لمقتضيات التغيير الفعلي دون إكراه وقبول تسليم مقاليد الحكم إلى أصحابه بعد أن استولوا عليه بدون وجه حق أو شرعية؟

في الختام، قد تستطيع عصابات الحكم بالفعل، عرقلة المبادرات الجادة، والحلول التي يطالب بها الجزائريون، لكن، الكلمة في الأخير ستعود حتمًا إلى حراكهم، بصفته فكرة وتصوّر ومنهاج حضاري للتغيير، وستنتصر هبّة الشعب، لأنها ببساطة تسير وقف منطق التاريخ وسنن الحياة في التدافع.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version